کتابخانه روایات شیعه
إلا أن يقال إن العلم للعالم و السواد للأسود على وجه التوسع في الكلام فذلك جائز. و إن كشف لنا الاعتبار عن استحالة خروج الموصوف عما وصف به و بطلان وصفه بضده فما ذاك إلا لأنها صفات نفسية و لهذا قلنا إن الله قادر و عالم لنفسه و إنه لا علم و لا قدرة في الحقيقة له لاستحالة خروجه من جواز وقوع الفعل المحكم المتقن منه. فالمعاني التي دلت الصفات عليها هي ما استفدناه من حال الموصوف. و قد ظنت المجبرة أن الصفة غير الوصف و قالوا إن الصفة معنى قائم بالموصوف و الوصف هو قول الواصف و هذا فاسد و الصفة هي الوصف و هما مصدران لفعل واحد تقول وصف يصف صفة و وصفا و هذا كالوهب و الواهب و الهبة و الوعد و العدة تقول وهب يهب هبة و وهبا و وعد يعد عدة و وعدا
أسماء الله و حقيقتها فصل في معرفة أسماء الله تعالى و حقيقتها
فأما أسماء الله تعالى كلها فعائدة إلى الصفات لأنها دالة على معان و متضمنة لفوائد و ليس فيها اسم يخلو من ذلك و يجري مجرى اللقب إنما وضع على شخص تقع الإشارة إليه ليفرق بينه و بين ما شاركه في جنسه من الأشخاص المتماثلة. و لما كان الله تعالى يجل عن المجانسة و يرتفع عن المماثلة استحال أن يكون في أسمائه لقب و وجب أن يكون جميعها مفيدا للمعاني كما تفيد الصفات فأما التسمية له تعالى بالله فإنه يفيد من المعنى وله العباد إليه و تعلق نفوسهم به و رغبتهم عند الشدائد في إزالة المكروه إليه. و قد روي عن الصادق ع في هذا المعنى مثل ما ذكرناه في الحقيقة و إن خالفه في بعض اللفظ.
فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْإِلَهُ يَقْتَضِي وَالِهاً وَ الْوَالِهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَأْلُوهٍ وَ الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى 72 .
و الأصل في قولنا الله إله ثم دخلت الألف و اللام للتعريف فصار الإله فأسقطت الهمزة الثانية تخفيفا و جعلت اللامان لاما واحدة مشددة فقيل الله. فأما التسمية له بالرحمن الرحيم فهو أن الرحمن مشتق من فعل الرحمة على سبيل المبالغة في الوصف لوقوعها في الفعل على حد لا يصح وقوعها عليه من أحد من الخلق.
وَ قَدْ رُوِيَ عَنِ الْبَاقِرِ 73 ع صِحَّةُ ذَلِكَ فَقَالَ: الرَّحْمَنُ لِسَائِرِ الْخَلْقِ الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ.
فكان أحد الاسمين مشتق من عموم الرحمة و هو الرحمن و الآخر من خصوصها و هو الرحيم. فأما تسميته باللطيف فيفيد اجتماع الحكمة و الرحمة و نفوذ مراده إذا شاء وقوعه على الحتم بلطائفه التي يلطف بها لخلقه على العلم بمصالحهم. و هذا معروف في اللسان تقول العرب فلان لطيف في أمره و فلان لطيف في صنعته إذا أرادوا وصفه بالحكمة في تدبيره. و أما الخبير فيفيد علمه بالأشياء على حقائقها و تبينه لها على أوصافها و أما الكريم فهو مشتق من فعل الكرم و هو التفضل بالنعم و الصفح عن الذنوب و التطول بالمنن.
و أما الجواد فهو مشتق من الجود و هو التفضل كما ذكرناه في معنى الكرم غير أن لفظه أبلغ في الوصف في معنى الكرم من لفظ كريم. و أما الغني فيفيد القدرة على ما يريد من غير معين عليه و ليس تستحق هذه السمة مع الله عز و جل على الحقيقة غيره و من وصف بها من المخلوقين فعلى سبيل الاتساع. و أما السخي فمعناه عند من حقق إطلاقه على الله سبحانه بذل النعم و التفضل بها. و قد أبت جماعة من أهل التوحيد إطلاق السخاء على الله تعالى لأنه لم ينقطع عذري 74 بكتاب منزل و لا سنة متواترة و لا إجماع و لا أثر مستفيض جاء عن الصادقين ع في تسمية الله تعالى بالسخاء و ليس له معنى تدل عليه العقول. و قد ذكر بعض أهل التوحيد العارفين باللغة أنه مأخوذ من السخاوة و هي الأرض الرخوة. و قد ثبت أن الأسماء لا تؤخذ إلا سماعا فلهذا وقفت و لم أقدم. و أما قولنا رب مأخوذ من التربية ثم نقل إلى الملك. و قولنا مالك مشتق من الملك. و جميع ما سوى هذا مما سمى الله تعالى به نفسه فصفات مفيدة لمعان يفهم ذلك من تأمله
فصل في تمييز صفات الله تعالى
اعلم أن جميع ما يوصف به على حقيقة و المراد به معنى الوصف. و قسم يوصف به مجازا و اتساعا و المراد به غير حقيقة ذلك الوصف. و صفات الحقائق تنقسم أيضا قسمين.
فقسم صفات ذاتية و هي التي لم يزل عليها و لا يزول عن استحقاقها. و قسم صفات أفعال و هي التي تجددت عند فعله الأفعال و لا يصح أن يقال إنه عليها فيما لم يزل
بيان صفات الذات و الدليل عليها
و هي قولنا حي باق و قادر و عالم و كذلك موجود و قديم فهذه الصفات استحقها لنفسه لا لمعنى آخر و الدليل على ذلك أنه لو كان حيا بحياة و باقيا ببقاء و قادرا بقدرة و عالما بعلم كان حياته و بقاؤه و قدرته و علمه لا يخلو عن حالين إما أن تكون معاني قديمة معه و إما أن تكون حادثة فلو كانت قديمة لشاركته في أخص صفاته و ماثلته فيبطل التوحيد و قد تقدمت الأدلة على صحته. و أيضا فلو ماثلت الصفة الموصوف لم تكن صفة له بأولى من أن يكون هو صفة لها. و إن كانت هذه المعاني الموصوف بها أعني الحياة و البقاء و القدرة و العلم حادثة وجب أن يكون قبل حدوثها غير مستحق للوصف بها. و قد ثبت الأدلة 75 على أنه سبحانه لم يزل حيا باقيا قادرا عالما. و لو كانت أيضا حادثة لم يكن لها غناء عن محدث أحدثها. و لا يصح أن يكون محدثا غيره تعالى لأنه الفاعل الأول و القديم الذي لم يزل فكيف يفعل الحياة لنفسه من ليس بحي أو يحدث القدرة من ليس بقادر. و العاقل يعلم أن هذا مستحيل باطل.
فعلم أنه حي و باق و قادر و عالم لنفسه لا لمعان غيره. و ربما أطلق اللفظ اتساعا بأن له قدرة و علما قال 76 الله سبحانه كذا و المعنى أنزله و هو عالم به و يقول المتكلمون قدرة الله عظيمة و المعنى التعظيم لمقدوره و أنه لا يعجزه شيء أراده. فأما عند التحقيق فهو قادر عالم لنفسه.
وَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ وُجِدَ اللَّهُ تَعَالَى وَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَعْلُومِهِ عِلْمُ غَيْرِهِ بِهِ كَانَ عَالِماً بِمَعْلُومِهِ.
و هذا القول عنه ع 77 إنه تعالى عالم لنفسه و ذاته و إنه لا علم في الحقيقة له تعالى الله الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ . و قد ذهب المجبرة إلى أن الله تعالى موصوف بصفات قديمة معه و أنها ليست غيره و لا بعضها غير بعض. و هذا خروج عما يعقل و يفهم لأن العقول شاهدة بأن الأشياء التي يقع عليها العدد و يشملها الوجود و يختص كل منها بدليل لا تكون إلا غيارا 78 بعضها سوى بعض. و قد قال لهم أهل العدل. إذا كانت لله تعالى صفات قديمة و ليست غيره بقولها إنها أو هي هو فإن العقل يقضي بأنه لا بد لكم في إثباتكم من أحد هذه الثلاثة الأقسام. قالت المجبرة كل واحد من هذه الثلاثة الأقسام قد ثبت الدليل على بطلانه فلا سبيل إلى قوله. و لكنا نقول ليست الصفات عين الموصوف و لا غيره و لا بعضه.
فقال لهم أهل العدل و قد هربتم من أن تقولوا بأحد هذه الأقسام لبطلانه و صرتم إلى ادعاء ما لا تتصور العقول صحته بل يشهد بفساده و بطلانه فأخبرونا ما الفرق بينكم في قولكم إن صفاته لا هي هو و لا غيره و لا بعضه. قالت المجبرة هذا القول مناقضة. قالت العدلية و قولكم في التناقض مثله و أي شيء أردتموه في إبطال ما عارضناكم به فقولكم يبطل بمثله. و قد قالت المجبرة أيضا في نصرة مذهبها إنا لم نر عالما إلا و له علم و لا قادرا إلا و له قدرة فلما كان الله عالما قادرا وجب أن يكون له علم و قدرة. قال لها أهل العدل إنكم إنما عولتم في ذلك على الشاهد فقولوا إن علم الله تعالى غيره و كذلك قدرته غيره لأنكم لم تروا في الشاهد عالما و قادرا إلا و هذا حكمه و قولوا أيضا إن علم الله تعالى محدث و كذلك قدرته و جميع صفاته لأنكم لم تروا ذات صفات إلا و صفاته محدثة فاحتالوا في الخلاص مما لزمكم على سنن قياسكم
بيان صفات الأفعال
اعلم أن صفة الفعل هي كل صفة داخلة في باب المضاف و معنى ذلك أن يكون يقتضي وجود غير الموصوف كقولنا إله و رب و مالك و فاعل و جواد و رزاق و راحم و متكلم و صادق و نحو ذلك. لأنا قد بينا أن الإله واله و الواله لا يكون إلا موجودا و الرب يقتضي مربوبا و كذلك مالك يقتضي وجود المملوك لأنه لا يقال قد ملك المعدوم و فاعل صفة لا شبهة في أنها لا تصح إلا إذا وجد المفعول نعوذ بالله من القول
بأن القديم لم يزل فاعلا لأن ذلك يقتضي أنه لم يتقدم أفعاله فيصير الفاعل قديما و جميع صفات الأفعال جارية هذا المجرى لمن تأملها. أ لا ترى لو قلنا إنه جواد فيما لم يزل اقتضى ذلك فعله للجود فيما لم يزل و وجود من يجود عليه أيضا فيما لم يزل. و كذلك قولنا متكلم يقتضي وجود كلام إذا تكلم فكلام الله تعالى أحد أفعاله كما أن رزقه أحد أفعاله و هو موجود قبل كلامه. فأما صادق فلا يصح إلا بعد صحة التكلم و الجميع صفات أفعال على ما تبين
فصل في فروق صفة الذات و صفة الفعل