کتابخانه روایات شیعه
فصل من كلام شيخنا المفيد رضي الله تعالى عنه في الإرادة
قال الإرادة من الله جل اسمه نفس الفعل و من الخلق الضمير و أشباهه مما لا يجوز إلا على ذوي الحاجة و النقص. و ذاك أن العقول شاهدة بأن القصد لا يكون إلا بقلب كما لا تكون الشهوة و المحبة إلا لذي قلب و لا تصح النية و الضمير و العزم إلا على ذي خاطر يصور معها في الفعل الذي تغلب عليه الإرادة له و النية فيه و العزم. و لما كان الله تعالى يجل عن الحاجات و يستحيل عليه الوصف بالجوارح و الآلات و لا يجوز عليه الدواعي و الخطرات بطل أن يكون محتاجا في الأفعال إلى التصور و العزمات و ثبت أن وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد و أنها 80 نفس فعله الأشياء و إطلاق الوصف بها عليه مأخوذ من جهة الاتباع 81 دون القياس و بذلك جاء الخبر عن أئمة الهدى ع.
قَالَ شَيْخُنَا الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ 82 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع 83 أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِرَادَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَ مِنَ الْخَلْقِ فَقَالَ الْإِرَادَةُ مِنَ الْخَلْقِ الضَّمِيرُ وَ مَا يَبْدُو لَهُمْ مِنَ الْفِعْلِ وَ الْإِرَادَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِحْدَاثُهُ الْفِعْلَ لَا غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ لَا يَهُمُّ وَ لَا يَتَفَكَّرُ 84 .
قال شيخنا المفيد رحمه الله و هذا نص من مولانا ع على اختياري في وصف الله تعالى بالإرادة و فيه نص على مذهب لي آخر منها و هو أن إرادة العبد تكون قبل فعله و إلى هذا ذهب البلخي 85 . و القول في تقدم الإرادة للمراد كالقول في تقدم القدرة للفعل و قول الإمام ع في الخبر المقدم إن الإرادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم من الفعل صريح في وجوب تقدمها للفعل إذ كان الفعل يبدو من العبد بعدها و لو كان الأمر فيها على مذهب الجبائي لكان الفعل باديا في حالها و لم يتأخر بدوة إلى الحال التي هي بعدها لها
فصل
اعلم أنا نذهب إلى أن الإرادة تتقدم المراد كتقدم القدرة للمقدور غير أن الإرادة موجبة للمراد و القدرة غير موجبة للمقدور و الإرادة مما لا يصح أن يفعل الشيء فضده بدلا منه و الجميع 86 أعراض لا يصح بقاؤها
فصل من القول في أن الإرادة موجبة
هو أن الحي متى فعل الإرادة لشيء وجب وجود ذلك الشيء إلا أن يمنعه منه غيره فأما أن يمتنع هو 87 من مراده فلا يصح ذلك. و من الدليل على صحة ما ذكرناه أنه قد ثبت تقدم الإرادة على المراد لاستحالة أن يريد الإنسان ما هو فاعل له في حال فعله فيكون مريدا للموجود كما يستحيل أن يقدر على الموجود و إذا ثبت أن الإرادة متقدمة للمراد لم يخل أمر المريد لحركة يده من أن يكون واجبا وجودها عقيب الإرادة بلا فصل أو كان يجوز عدم الحركة فلو جاز ذلك لم يعدم إلا بوجود السكون منه بدلا منها. و لو فعل السكون في الثاني من حال إرادته للحركة لم يخل من أن يكون
فعله بإرادته له أو سهو عنه و محال أن يفعله بإرادة لأن ذلك موجب لاجتماع إرادتي الحركة و السكون لشيء واحد في حالة واحدة و محال وجود السكون في حال إرادته الحركة فيبطل جواز امتناع الإنسان مما قد فعل الإرادة له على ما شرحناه. مسألة إن قال قائل إذا كنتم تقولون إن إرادة الله تعالى لفعله هي نفس ذلك الفعل و لا تثبتون له إرادة غير المراد فما معنى قولكم أراد الله بهذا الخبر كذا و لم يرد كذا و أراد العموم و لم يرد الخصوص و أراد الخصوص و لم يرد العموم. جواب قيل له معنى ذلك أن في المقدور أخبارا كثيرة عن أشياء مختلفة فقولنا أراد كذا و لم يرد كذا فهو أنه فعل الخير الذي هو عن كذا و لم يفعل الخير الذي هو عن كذا و فعل القول الذي يفهم منه كذا و لم يفعل 88 القول الذي يفهم منه كذا. و هذا كقولنا إنا إذا قلنا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و أردنا القول كان ذلك قرآنا و إذا أردنا أن يكون منا شكر لله تعالى كان كذلك. فإنا لسنا نريد أن قولا واحدا ينقلب بإرادتنا قرآنا إن جعلناه قرآنا و يكون كلامنا إن جعلناه لنا كلاما و إنما معناه أن في مقدورنا كلامين نفعل هذا مرة و هذا مرة. فإن قال فكان من قولكم إن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إذا أردتم به القرآن يكون مقدورا لكم. قلنا هذا كلام في الحكاية و المحكي و له باب يختص به و سنورد إن شاء الله تعالى طرفا منه
فصل
فأما إرادة الله تعالى لأفعال خلقه فهي أمره لهم بالأفعال و وصفنا له بأنه يريد منهم كذا إنما هو استعارة و مجاز و كذلك كل من وصف بأنه مريد
لما ليس من فعله تعالى بطريق الاستعارة و المجاز و قول القائل يريد مني فلان المصير إليه أنما معناه أنه يأمرني بذلك و يأخذني به و أرادني فلان على كذا أي أمرني به فقولنا إن الله يريد من عباده الطاعة أنما معناه أنه يأمرهم بها. و قد تعبر بالإرادة عن التمني و الشهوة مجازا و اتساعا فيقول الإنسان أنا أريد أن يكون كذا أي أتمناه و هذا الذي كنت أريد أن يكون كذا أي أتمناه و هذا الذي كنت أريده أي أشتهيه و تميل نفسي إليه. و الاستعارات في الإرادات كثيرة فأما كراهة الله تعالى للشيء فهو نهيه عنه و ذلك مجاز كالإرادة فأعلمه
القول في الغضب و الرضا
و هاتان صفتان لا تصح حقيقتهما إلا في المخلوق لأن الغضب هو نفور الطباع و الرضا ميلها و سكون النفس و وصف الله تعالى بالغضب و الرضا أنما هو مجاز و المراد بذلك ثوابه و عقابه 89 فرضاه وجود ثوابه و غضبه وجود عقابه فإذا قلنا رضي الله عنه فإنما نعني أثابه الله تعالى و إذا قلنا غضب الله عليه فإنما نريد عاقبه الله فإذا علق الغضب و الرضا بأفعال العبد فالمراد بهما الأمر و النهي نقول إن الله يرضى الطاعة بمعنى يأمر بها و يغضب من المعصية بمعنى ينهى عنها
القول في الحب و البغض
و هاتان الصفتان أنما يوصف الله تعالى بها مجازا لأن المحبة في الحقيقة ارتياح النفس إلى المحبوب و البغض ضد ذلك من الأوزاع و التنفر الذي لا يجوز على القديم فإذا قلنا إن الله عز و جل يحب المؤمن و يبغض الكافر فإنما نريد بذلك أنه ينعم على المؤمن و يعذب الكافر و إذا قلنا إنه يحب من عباده
الطاعة و يبغض منهم المعصية جرى ذلك مجرى الأمر و النهي أيضا على المعنى الذي قدمنا في الغضب و الرضا
القول في سميع و بصير
اعلم أن السميع في الحقيقة هو مدرك الأصوات بحاسة سمعه و البصير هو مدرك المبصرات بحاسة بصره و هاتان صفتان لا يقال حقيقتهما في الله تعالى لأنه يدرك جميع المدركات بغير حواس و لا آلات فقولنا إنه سميع أنما معناه لا تخفى عليه المسموعات و قولنا بصير معناه أنه لا يغيب عنه شيء من المبصرات و أنه يعلم الأشياء على حقائقها بنفسه لا بسمع و بصر و لا بمعان زائدة على معنى العلم. و قد جاءت الآثار عن الأئمة ع بما يؤكد ما ذكرناه. 90
قَالَ الْمُفِيدُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ع إِنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمِيعٌ بَصِيرٌ كَمَا يَعْقِلُونَهُ قَالَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُعْقَلُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ وَ لَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ.
وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ مُرْسَلًا عَنِ الرِّضَا ع أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ فِي التَّوْحِيدِ وَ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ بِأَنَّهُ سَمِيعٌ إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ وَ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى تَسْمِيتِنَا بِذَلِكَ وَ كَذَلِكَ قَوْلُنَا بَصِيرٌ فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ وَ اخْتَلَفَ فِينَا الْمَعْنَى وَ قَوْلُنَا أَيْضاً مُدْرِكٌ وَ رَاءٍ لَا يَتَعَدَّى بِهِ مَعْنَى عَالِمٍ فَقَوْلُنَا رَاءٍ مَعْنَاهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَرْئِيَّاتِ وَ قَوْلُنَا مُدْرِكٌ مَعْنَاهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمُدْرِكَاتِ فَهَذِهِ صِفَاتُ الْمَجَازَاتِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
القول في الخالق
اعلم أن حقيقة الخالق في لغة العرب هو المقدر للشيء قبل فعل المروى
المفكر فيه قال زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان 91
و لأنت تفري ما خلقت
و بعض القوم يخلق ثم لا يفري
و قال الحجاج بن يوسف 92 إني لا أعد إلا وفيت و لا أخلق إلا فريت. و الشواهد في هذا كثيرة. و إذا كان هذا حقيقة الخالق أعلم أن وصف الله تعالى به اتساع و تجوز و المراد به فاعل لأن الله تعالى لا يصح أن يقدر بروي و تفكر
فصل في صفة أهل الإيمان
فِي كِتَابِ الْمَحَاسِنِ لِلْبَرْقِيِ 93 قَالَ: مَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قُرَيْشٍ فَإِذَا هُوَ بِقَوْمٍ بِيضٍ ثِيَابُهُمْ صَافِيَةٍ أَلْوَانُهُمْ كَثِيرٍ ضِحْكُهُمْ يُشِيرُونَ بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِمْ ثُمَّ مَرَّ بِمَجْلِسٍ لِلْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ فَإِذَا هُوَ بِقَوْمٍ بَلِيَتْ مِنْهُمُ الْأَبْدَانُ وَ رَقَّتْ مِنْهُمُ الرِّقَابُ وَ اصْفَرَّتْ مِنْهُمُ الْأَلْوَانُ قَدْ تَوَاضَعُوا بِالْكَلَامِ فَتَعَجَّبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مِنْ ذَلِكَ وَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
ص فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَرْتُ بِمَجْلِسٍ لآِلِ فُلَانٍ ثُمَّ وَصَفَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَ جَمِيعٌ مُؤْمِنُونَ فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِصِفَةِ الْمُؤْمِنِ فَنَكَسَ رَسُولُ اللَّهِ ص رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ عِشْرُونَ خَصْلَةً فِي الْمُؤْمِنِ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ لَمْ يَكْمُلْ إِيمَانُهُ إِنَّ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ يَا عَلِيُّ الْحَاضِرُونَ الصَّلَاةَ وَ السَّارِعُونَ إِلَى الزَّكَاةِ وَ الْمُطْعِمُونَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمَاسِحُونَ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَ الْمُطَهِّرُونَ أَظْفَارَهُمْ وَ الْمُتَّزِرُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ الَّذِينَ إِنْ حَدَّثُوا لَمْ يَكْذِبُوا وَ إِنْ وَعَدُوا لَمْ يُخْلِفُوا وَ إِنْ تَمَنَّوْا لَمْ يَخُونُوا وَ إِنْ تَكَلَّمُوا صَدَقُوا رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ أُسْدٌ بِالنَّهَارِ صَائِمُونَ النَّهَارَ قَائِمُونَ اللَّيْلَ لَا يُؤْذُونَ جَاراً وَ لَا يَتَأَذَّى بِهِمْ جَارٌ الَّذِينَ مَشْيُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ خُطَاهُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَ إِلَى بُيُوتِ الْأَرَامِلِ وَ عَلَى أَثَرِ الْمَقَابِرِ جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمُ الْمُتَّقِينَ.