کتابخانه روایات شیعه
فإن اعتقدوا ذلك وجب أن لا يثقوا بشيء مما تضمنه القرآن من الأخبار و إن امتنعوا طولبوا بعلة الامتناع. فمهما قالوه في قبح الإخبار بالكذب من قول قيل لهم قد قبح تكليف ما لا يطاق مثله. فأما ما يشهد من القرآن بأن الله تعالى لا يكلف ما لا يطاق فقوله سبحانه لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها و قوله عز و جل لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها
فصل من القول في أن القدرة على الإيمان هي قدرة على الكفر
مما يدل على ذلك أن الكافر مأمور بالإيمان فلو كانت قدرة الإيمان ليست معه كان قد كلف ما لا يطيقه و قد تقدم القول في فساد هذا. و إذا كانت معه فلا يجوز أن تكون غير قدرة الكفر الحاصلة له لما في ذلك من اجتماع الضدين فعلم أنها قدرة واحدة تصلح للضدين على أن يفعل بها ما يتعلق به اختيار المكلف منها. فإن قالوا إذا كانت قدرة على الضدين فيجب أن يفعلهما معا. قيل لهم لا يجب ذلك لأن القدرة غير موجبة للفعل و القادر بها مخير غير مجبر. فإن قالوا فجوزوا أن يختارهما فيفعلهما. قيل لهم هذا غير صحيح و لا جائز لأن الاختيار هو أن يختار أحدهما على الآخر فيفعله بدلا منه و لا يصح ذلك فيهما معا. و بعد فهما ضدان و كل واحد منهما ترك لصاحبه فلا يصح أن يوجدا في حال واحد معا و قد أجمع المسلمون على أن الله تعالى يقدر على أن يبقي العبد
على حاله و يغنيه و يحييه و يميته و لا يجوز أن يفعل ذلك أجمع في وقت واحد. فإن قيل فإذا كان الله تعالى قد أعطى العبد قدرة تصلح للكفر فقد أراد الكفر منه. قلنا ليس الأمر كذلك لأن الله سبحانه إنما أعطاه القدرة ليطيع بها مختارا فلو كانت لا تصلح إلا للطاعة لكان في فعلها مضطرا و مثل القدرة كمثل السيف الذي يعطيه السيد لعبده ليقتل به أعداءه و هو يصلح أن يقتل به أولياءه و كالدراهم التي تصلح أن تنفق في الطاعة و المعصية و يدفع إلى من ينفقها في الطاعة و ينفقها في المعصية و القدرة معنى تحل 129 القادر يصح به الفعل و هي القوة و هي أيضا الاستطاعة
فصل من القول في أن القدرة على الفعل توجد قبله
الدليل على أن القدرة متقدمة في الوجود للفعل أنها يحتاج إليها ليحدث بها الفعل و يخرج بها من العدم إلى الوجود فمتى وجدت و الفعل موجود فقد وجدت في الاستغناء عنه 130 . و مما يدل على تقدمها أنها لو كانت مع الفعل كان الكافر غير قادر على الإيمان لأنه لو قدر عليه لكان موجودا منه على هذا المذهب فكان يكون مؤمنا في حال كفره و هذا فاسد. و لو لم يكن قادرا على الإيمان لما حسن أن يؤمر به و يعاقب على تركه لما قدمناه من قبح تكليف ما لا يطاق و بطلانه. و قد قال أصحابنا مؤكدين القول بتقدم القدرة على الفعل فيمن كان في يده شيء فألقاه إن استطاعة الإلقاء لا تخلو من حالتين إما أن تأتيه و الشيء في يده أو تأتيه و هو خارج عن يده فإن كانت تأتيه و الشيء في يده فقد صح
تقدم القدرة على الإلقاء و هو الذي قلنا و إن كانت تأتيه و الشيء خارج عن يده ملقى عنها فقد أتت في حال الغنى عنها. و في ذلك أيضا أنه قد قدر على أن يلقي ما ليس في يده و هذا محال و ليس بين كون الشيء في يده و كونه خارجا عنها واسطة و منزلة ثالثة. و قد قال أهل العلم أيضا لو كانت القدرة و الفعل يوجدان معا و لا يصح غير هذا لم تكن القدرة المؤثرة فيه بأولى من أن يكون هو المؤثر فيها و قالوا و لو كان لا يصح وجود القدرة حتى يوجد الفعل كما لا يصح وجود الفعل حتى توجد القدرة لكان لا يصح أن يوجدا 131 . حدثني شيخي رحمه الله 132 أن متكلمين أحدهما عدلي و الآخر جبري كانا كثيرا ما يتكلمان في هذه المسألة و أن الجبري أتى منزل العدلي فدق عليه الباب فقال العدلي من ذا قال أنا فلان قال له العدلي ادخل قال له الجبري افتح لي حتى أدخل قال العدلي ادخل حتى أفتح فأنكر هذا عليه و قال له لا يصح دخولي حتى يتقدم الفتح فوافقه على قوله في القدرة و الفعل و أعلمه بذلك وجوب تقدمها عليه فانتقل الجبري عن مذهبه و صار إلى الحق
فصل من القول في أن القدرة غير موجبة للفعل
الدليل على أنها غير موجبة ما قدمناه من أنها قدرة على الضدين فلو كانت موجبة لأوجبتهما فأدى ذلك إلى المحال و كون المكلف حاضرا و مسافرا في حال و متحركا ساكنا في حال.
و لو كانت القدرة أيضا موجبة لكان القادر بها مضطرا و يخرج من كونه مختارا و المضطر لا معنى لتوجه الأمر و النهي إليه و لا يحسن ثوابه و عقابه على أمر هو مضطر فيه
أفعال الإنسان
فصل من القول في أن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد و أنها فعل لهم على سبيل الإحداث و الإيجاد
الدليل على أنه سبحانه لم يفعلها أن فيها قبائح من كفر و فسق و ظلم و كذب و ليس بحكيم من فعل القبائح و لا يجوز من الحكيم أيضا سب نفسه و سوء الثناء عليه. ثم نحن نعلم أن من فعل شيئا اشتق له اسم من فعله كما يقال فيمن فعل الحركة إنه متحرك و من فعل السكون إنه ساكن و من فعل الضرب ضارب و من فعل القتل قاتل فلو كان الله تعالى هو الفاعل لأفعالنا و الخالق لها دوننا لوجب أن يسمى بها الله عز و جل عن ذلك و تعالى. و الذي يدل على أنها فعل لنا دون غيرنا وقوعها بحسب تصورنا و إرادتنا و انتفاء المنفي منها بحسب كراهتنا و انتظام ما ينتظم منها بحسب مبلغ علومنا و اختلالها بقدر اختلالاتنا. فلو كانت فعلا لغيرنا لم يكن الأمر مقصودا على ما ذكرنا و نحن قد نفرق ضرورة بين حركة نحدثها في بعض جوارحنا و بين الرعشة إذا حدثت في عضو منا و نرى وقوع إحدى الحركتين عن قصد و وقوع الآخر بخلاف ذلك فلسنا نشك في أن إحداهما حادثة منا و فعل في الحقيقة لنا و هي الكائنة عن قصدنا. و شيء آخر و هو أن الله تعالى خلق فينا الشيب و الهرم و الصحة و السقم و لم يأمرنا بشيء من ذلك و لا نهانا عنه و لا مدح الشاب على شبيبته و لا ذم الشيخ لشيخوخته عدلا منه سبحانه في حكمه فلو كانت الطاعات و المعاصي
أيضا من فعله و خلقه لجرت مجرى ذلك و قبح أن يأمرنا بطاعة أو ينهانا عن معصية و لم يصح على شيء من ذلك مدح و لا ذم و لا ثواب و لا عقاب و هذا واضح لمن عقل
فصل من القول أن الله تعالى لا يريد من خلقه إلا الطاعة و أنه كاره للمعاصي كلها
و أما الذي يدل على أنه سبحانه لا يريد المعاصي و القبائح و لا يجوز أن يشاء شيئا منها و أنه كاره لها ساخط لجميعها فهو أنه تعالى نهى عنها و النهي أنما يكون نهيا بكراهة الناهي للفعل المنهي عنه. أ لا ترى أن لا يجوز أن ينهى إلا عما يكرهه فلو كان النهي في كونه نهيا غير مفتقرة 133 إلى الكراهية لم يجب ما ذكرناه لأنه لا فرق بين قول أحدنا لغيره لا تفعل كذا و كذا ناهيا له و بين قوله أنا كاره له كما لا فرق بين قوله افعل أمرا له و بين قول أنا مريد منك أن تفعل. و إذا كان سبحانه كارها لجميع المعاصي و القبائح من حيث كونه ناهيا عنها استحال أن يكون مريدا لها لاستحالة أن يكون مريدا كارها لأمر واحد على وجه واحد. و يدل على ذلك أيضا أنه لو كان مريدا للقبيح لوجب أن يكون على صفة نقص و ذم إن كان مريدا له بلا إرادة و إن كان مريدا بإرادة وجب أن يكون فاعلا للقبيح لأن إرادة القبيح قبيحة و لا يكون كذلك كما في الشاهد كما لا خلاف في قبح الظلم من أحدنا. و قد دل السمع من ذلك على مثل ما دل عليه العقل قال الله عز و جل وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ و في موضع آخر
وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ و قال الله تعالى كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً و قال تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و نعلم أن الكفر أعظم العسر و قال تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فإذا كان خلقهم للعبادة فلا يجوز أن يريد منهم غيرها و قال وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ
إيراد على أهل الجبر
فصل
و قد سأل أهل العدل المجبرة عن مسألة ألزموهم بها ما لم يجدوا فيه حيلة و ذلك أنهم قالوا لهم أخبرونا عن رجل نكح إحدى المحرمات عليه بأحد المساجد المعظمة في نهار شهر رمضان و هو عالم غير جاهل أ تقولون إن الله تعالى أراد منه هذا الفعل على هذه الصفة قالت المجبرة بل الله أراده قال لهم أهل العدل أخبرونا عن إبليس اللعين هل أراد ذلك أم كرهه قالت المجبرة بلى هذا أنما يريده إبليس و يؤثره قال لهم أهل العدل فأخبرونا لو حضر النبي ص و علم بذلك أ كان يريده أم يكره قالت المجبرة بل يكرهه و لا يريده
قال لهم أهل العدل فقد لزمكم على هذا أن تثنوا على إبليس اللعين و تقولوا إنه محمود لموافقة إرادته لإرادة الله عز و جل و هذا ما ليس فيه حيلة لكم مع تمسككم بمذهبكم
حكاية للمؤلف في مجلس بعض الرؤساء