کتابخانه روایات شیعه
شبهة للمجبرة
و قد احتجت في تصحيح قولها أن الله تعالى خلق طائفة من خلقه ليعذبهم بقوله سبحانه وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ قالت فبين أنه خلقهم لمجرد العذاب في النار لا في غيره. نقض عليهم يقال لهم حمل هذه الآية على ظاهرها مناف للعدل و الحكمة و مباين لما وصف نفسه به من الرأفة و الرحمة و مناقض لقوله عز و جل وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ و لقوله تعالى إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا من ص 77 إلى ص 184 و لقوله سبحانه لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً و لقوله جل اسمه أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ و لقوله تبارك و تعالى هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ فالواجب ردها إلى ما يلائم هذه الآيات المحكمات و يوافق الحجج العقلية و البينات.
و الوجه في ذلك أن يكون المراد بقوله وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ العاقبة فكأنه قال و لقد ذرأناهم و المعلوم عندنا أن مصيرهم و مآل أمرهم و عاقبة حالهم دخول جهنم بسوء اختيارهم قال الله عز و جل فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً و المراد أن ذلك يكون أمرهم لأنهم ما التقطوه إلا ليسروا به و كقوله سبحانه وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها 140 و المراد أن أمرهم يئول إلى هذه و عاقبتهم إليه لا لأن الله عز و جل جعلهم فيها ليعصوا و يمكروا و قوله إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً و إنما أخبر بذلك عن عاقبتهم. و هذا ظاهر في اللغة مستعمل بين أهلها قال الشاعر
أم سماك فلا تجزعي
فللموت ما تلد الوالدة
و قال آخر
فللموت تغذو الوالدات سخالها
كما لخراب الدور تبنى المساكن
و هي لا تغذو أولادها للموت و لا تبنى المساكن لخرابها و إنما تبنى لعمارتها و سكناها و تغذى السخال لمنفعتها و نموها و لكن لما كانت العاقبة تئول إلى الموت و الخراب جاز أن يقال ذلك. و مثله قول الآخر
أموالنا لذوي الميراث نجمعها
و دورنا لخراب الدهر نبنيها
و المعنى في هذا كله واحد و المقصود به العاقبة و فيما ذكرناه كفاية.
مسألة لهم أخرى و قد احتجوا لمذهبهم بقول الله تعالى لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . و قالوا ظاهر هذه الآية يدل على أن نصح النبي ص لا ينفع الكفار الذين أراد الله بهم الكفر و الغواية و هذا خلاف مذهبكم. نقض عليهم. يقال لهم إن الغواية هي الخيبة و حرمان الثواب. قال الشاعر
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره
و من يغو لا يعدم على الغي لائمة
فكأنه قال و لا ينفعكم نصحي إن كنتم مصرين على الكفر الذي يريد الله معه إن يحرمكم الثواب و يخيبكم منه. و أيضا قد سمى الله تعالى العقاب غيا قال فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا . فيكون المعنى على هذا الوجه إن كان الله يريد أن يعاقبكم بسوء أعمالكم و كفركم فليس ينفعكم نصحي إلا بأن تفعلوا و تتوبوا. و ما قبل الآية يشهد بصحة هذا و إن القوم استعجلوا عقاب الله تعالى فقالوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ و وجه آخر في الآية
و هو أنه قد كان في قوم نوح طائفة تقول بالجبر فنبههم بهذا القول على فساد مذاهبهم و قال لهم على طريق الإنكار عليهم و التعجب من قولهم إن كان القول كما تقولون من أن الله يفعل فيكم الكفر و الفساد فما ينفعكم نصحي فلا تطلبوا مني نصحا و أنتم على قولكم لا تنتفعون به
من هم القدرية
فصل في معرفة القدرية
اعلم أنا وجدنا كل فرقة تعرف باسم أو تنعت بنعت فهي ترتضيه و لا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدم لها تبعته و لم نجد في أسماء الفرق كلها اسما ينكره أصحابه و يتبرأ منه أهله و لا يعترف أحد به إلا القدرية فأهل العدل يقولون لأهل الجبر أنتم القدرية و أهل الجبر يقولون لأهل العدل أنتم القدرية. و إنما تبرأ الجميع من هذا الاسم لأن رسول الله ص لعن القدرية و أخبر أنهم مجوس الأمة و الأخبار بذلك مشتهرة.
فَمِنْهَا مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الصَّوَّافُ بِمِصْرَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّوْسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زُفَرَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ وَ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَدَرِيَّةُ فَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَ إِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ وَ إِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى ضَيِّقَةٍ.
و هذا القول من رسول الله ص دلالة لنا على المعرفة بالقدرية و تمييز لهم من بين الأمة لأنهم لم ينعتهم بالمجوسية إلا لموضع المشابهة بينهم و بين المجوس في المقال و الاعتقاد و قد علمنا بغير شك و لا ارتياب أن من قول المجوس أن الله تعالى فاعل لجميع ما سر و لذ و أبهج و مالت إليه الأنفس و اشتهته الطباع
كائنا ما كان حتى أنه فاعل الملاهي و الأغاني و كلما دخل في هذا الباب و هذا مذهب المجبرة بغير خلاف. و يقول المجوس إن الله تعالى محمود على فعل الخير و هو لا يقدر على ضده و إن إبليس مذموم على فعل الشر و لا يقدر على ضده و هذا بعينه يضاهي قول المجبرة إن المؤمن محمود على الإيمان و هو لا يقدر على ضده و إن الكافر مذموم على الكفر و لا يقدر على ضده. و تذهب المجوس إلى القول بتكليف ما لا يطاق و هو رأيها الذي تدين به في الاعتقاد و لهم في السنة يوم يأخذون فيه بقرة قد زينوها فيربطون يديها و رجليها أوثق رباط ثم يقربونها إلى سفح الجبل و يضربونها لتصعد فإذا رأوا أن قد تعذر عليها ذلك قتلوها و يسمون هذا اليوم عيد الباقور. و هذا هو مذهب المجبرة في القول بتكليف ما لا يستطاع فهم مجوس هذه الأمة و قدريتها بما اقتضاه هذا البيان. و قد قالت العدلية للمجبرة إن من أدل دليل على أنكم القدرية قولكم إن جميع أفعال العباد بقدر من الله عز و جل و إنه الذي قدر على المؤمن أن يكون مؤمنا و على الكافر أن يكون كافرا و إنه لا يكون شيء إلا أن يقدره الله تعالى. قالت المجبرة بل أنتم أحق بهذا لأنكم نفيتم القدر و جحدتموه و أنكرتم أن يكون الله سبحانه قدر لعباده ما اكتسبوه. قالت العدلية قد غلطتم فيما ذكرتموه و جرتم فيما قضيتموه لأن الشيء يجب أن ينسب إلى من أثبته و أوجبه لا إلى من نفاه و سلبه و يضاف إلى من أقر به و اعتقده لا إلى من أنكره و جحده فتأملوا قولنا تعلموا أنكم القدرية دوننا
تهمة المعتزلة للشيعة بالإرجاء
فصل
و قد ظنت المعتزلة أن الشيعة هم المرجئة لقولهم إنا نرجو من الله تعالى العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية و مات قبل أن تقع منه التوبة
و هذا غلط منهم في التسمية لأن المرجئة اسم مشتق من الإرجاء و هو التأخير يقال لمن أخر أمرا أرجأت الأمر يا رجل فأنت مرجئ قال الله أَرْجِهْ وَ أَخاهُ أي أخره و قال تعالى وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ يعني مؤخرون إلى مشيته. و أما الرجاء فإنما يقال منه رجوت فأنا راج فيجب أن تكون الشيعة راجية لا مرجئة. و المرجئة هم الذين أخروا الأعمال و لم يعتقدوها من فرائض الإيمان و قد لعنهم النبي ع فيما وردت به الأخبار.
حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَخْرٍ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ بِمِصْرَ سَنَةَ سِتٍّ وَ عِشْرِينَ وَ أَرْبَعِمِائَةٍ قِرَاءَةً مِنْهُ عَلَيْنَا قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْرَوَيْهِ الْقَزْوِينِيُّ بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْعَادِي قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ 141 حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ الْمُرْجِئَةُ وَ الْقَدَرِيَّةُ.
أغلاط للمعتزلة
فصل
و اعلم أن المعتزلة لها من الأغلاط القبيحة و الزلات الفضيحة ما يكثر تعداده و قد صنف ابن الراوندي 142 كتاب فضائحهم فأورد فيه جملا
من اعتقاداتهم و آراء شيوخهم مما ينافر العقول و يضاد شريعة الرسول ص. و قد وردت الأخبار بذمهم من أهل البيت و لعنهم جعفر بن محمد الصادق ع
فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُعْتَزِلَةَ أَرَادَتْ أَنْ تُوَحِّدَ فَأَلْحَدَتْ وَ رَامَتْ أَنْ تَرْفَعَ التَّشْبِيهَ فَأَثْبَتَتْ.