کتابخانه روایات شیعه
شبهة للبراهمة في النبوة 286
اعتلت البراهمة في إبطال الرسالة بأن قالت ليس يخلو أمر الرسول من حالين إما أن يأتي ما يدل عليه العقل أو بخلافه فإن أتى بما في العقل كان من كمل عقله غنيا عنه لأن الذي يأتيه مستقر عنده موجود في عقله. و إن أتى بخلاف ما في العقل فالواجب رد ما يأتيه به لأن الله تعالى إنما خلق العقول للعباد ليستحسنوا بها ما استحسنت و يقروا بما أقرت و ينكروا ما أنكرت. نقض يقال لهم إن الرسول لا يأتي أبدا بما يخالف العقل غير أن الأمور في العقول على ثلاثة أقسام واجب و ممتنع و جائز. فالواجب في العقل يأتي السمع بإيجابه تأكيدا له عند من علمه و تنبيها عليه لمن لم يعلمه. و الجائز هو الذي يمكن في العقل حسنه تارة و قبحه تارة كانتفاع الإنسان بما يتملكه غيره فإنه يجوز أن يكون حسنا إذا أذن له فيه مالكه و قبيحا إذا لم يأذن له و كل واحد من القسمين جائز في العقل لا طريق إلى القطع على أحدهما إلا بالسمع. و من الأمور التي لا يصل العقل إليها أيضا فيها إلى القطع على العلم بأدوية الأعلال و مواضعها و طبائعها و خواصها و مقاديرها التي يحتاج إليه منها و أوزانها فهذا مما لا سبيل للعقل فيه إلى حقيقة العلم و ليس يمكن امتحان كل ما في البر و البحر و لا تحسن التجربة و السير لما فيها من الخطر المستقبح فعلم أن هذا مما لا غناء فيه عن طارق السمع.
و بعد فإن شكر المنعم عندنا و عند البراهمة مما هو واجب في العقل و ليس في وجوبه و وجوب تعظيم مبدإ النعمة خلاف و شكر الله تعالى و تعظيمه أوجب ما يلزمنا لعظيم أياديه لدينا و إحسانه إلينا و لسنا نعلم بمبلغ عقولنا أي نوع يريده من تعظيمنا له و شكرنا هذا مع الممكن من لطف يكون 287 في نوع من ذلك لنا لا يعلمه إلا خالقنا. ثم يقال للبراهمة أيضا لو لم يكن في العقل القسم الجائز الذي ذكرناه و كانت الأشياء لا تخلو من واجب و ممتنع دون ما بيناه لم يستغن مع هذا التسليم عن المرسلين لأنهم ينبهون على طريق الاستدلال المسترشدين و يحركون الخواطر بالتذكار إلى سنن التأمل و الاعتبار. و هذا أمر يدل عليه ما نشاهده من أحوال العقلاء و افتقارهم إلى من يفتح لهم باب الاستدلال أولا و في بعض ما أوردناه بيان عن غلط البراهمة فيما اعتدت و نقض لشبهتها التي ذكرت و الحمد لله
مختصر من الكلام على اليهود في إنكارهم جواز النسخ في الشرع
اعلم أن اليهود طائفتان إحداهما تدعي أن نسخ الشرع لا يجوز في العقل و الأخرى تجيز ذلك عقلا و تزعم أن المنع منه ورد به السمع فأما المدعون على العقل الشهادة بقبح النسخ فإنهم زعموا أن النسخ هو البداء
قالوا و البداء لا يجوز على الله تعالى فيقال لهم لم زعمتم أن النسخ هو البداء فإن قالوا للمتعارف بين العقلاء أن الآمر بالشيء إذا نهى عنه بعد أمره فقد بدا له فيه و كذا إذا نهى عن الشيء ثم أمر به من بعد نهيه. قيل لهم ما تنكرون من أن يكون على هذا قسمين أحدهما أن يأمر الآمر بالشيء في وقت و إذا فعل و جاز وقت فعله نهى عنه من بعد فيكون في الحقيقة إنما نهى عن مثله و هذا هو النسخ بعينه و كذلك القول في الأمر بالشيء بعد النهي عنه. و القسم الآخر أن يأمر بفعل الشيء في وقت فإذا أتى ذلك الوقت نهى عنه فيه بعينه قبل أن يفعل و يكون هذا البداء دون القسم الأول محصل الفرق بين البداء و النسخ و يتضح أن دعواكم فيهما أنهما واحد لم تصح. فإن قالوا إن العبادة إذا تعلقت على المكلف بأمر أو نهى فالحكمة اقتضتها فمتى تغيرت العبادة دلت على تغيير الحكمة و الحكمة لا يجوز تغييرها قيل لهم فألا قلتم إن العبادة إذا ألزمت المكلف فالحكمة اقتضتها لمصلحة من مصالح المكلف أوجبتها فإذا تغيرت العبادة دلت على أن الحكمة اقتضت ذلك لتغير المصلحة و المصلحة يجوز تغييرها. فإن قالوا إنا لا نعلم في العقل تغيير المصالح قيل لهم و كذلك لا تعرفون بالعقل المصالح ثم يقال لهم ما السبب في نقل الله تعالى الإنسان من كونه شابا إلى أن صيره شيخا و أفقره ثم أغناه و أماته بعد أن أحياه و كيف أصحه ثم أسقمه و أوجده ثم أعدمه فكيف تغيرت الحكمة في جميع ما عددنا و ما أنكرتم أن يكون هذا كله بداء أي اختلاف في المصالح يكون أوضح من هذا.
و أما المدعون من اليهود أن إبطال النسخ علم بالسمع دون العقل فإنهم ادعوا في ذلك على موسى ع أنه قال إن شريعته دائمة لا تنسخ. و الذي يدل على بطلان دعواهم هذه ظهور المعجزات على من أتى بالنسخ و لو كان خبرهم حقا لم يصح إتيان ذي معجز بنسخ و هذه المعجزات يعلم أنها قد كانت بمثل ما تعلم له اليهود معجزات موسى ع من غير فرق
فصل في ذكر البداء
اعلم أيدك الله تعالى أن أصحابنا دون المتكلمين يقولون بالبداء و لهم في نصرة القول به كلام و معهم فيه آثار و قد استشنع ذلك منهم مخالفوهم و شنع عليهم به مناظروهم. و إنما استشنعوه لظنهم أنه يؤدي إلى القول بأن الله تعالى علم في البداء ما لم يكن يعلم فإذا قدر الناصر للبداء على الاحتراز من هذا الموضع فقد أحسن و لم يبق عليه أكثر من إطلاق اللفظ و قد قلنا إن ذلك قد ورد به السمع و قد اتفق لي فيه كلام مع أحد المعتزلة بمصر أنا أحكيه لتقف عليه حكاية مجلس في البداء كنت سألت معتزليا حضرت معه مجلسا فيه قوم من أهل العلم فقلت له لم أنكرت القول بالبداء و زعمت أنه لا يجوز على الله تعالى فقال لأنه يقتضي ظهور أمر لله سبحانه كان عنه مستورا و في هذا أنه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالما.
فقلت له أبن لنا من أين علمت أنه يوجب ذلك و تقتضيه ليسع الكلام معك فيه فقال هذا هو معنى البداء و التعارف يقضي بيننا و لسنا نشك أن البداء هو الظهور و لا يبدو للأمر إلا لظهور شيء تجدد من علم أو ظن لم يكن معه من قبل. و بيان ذلك أن طبيبا لو وصف لعليل أن يشرب في وقته شراب الورد حتى إذا أخذ العليل القدح بيده ليشرب ما أمره به قال له الطبيب في الحال صبه و لا تشربه و عليك بشرب النيلوفر بدله فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الأمر و ظهر له من حال العليل ما لم يكن عالما به من قبل فغير عليه الأمر لما تجدد له من العلم و لو لا ذلك لم يكن معنى لهذا الخلاف. فقلت له هذا مما في الشاهد و هو من البداء فيجوز عندك أن يكون في البداء قسم غير هذا فقال لا أعلم في الشاهد غير هذا القسم و لا أرى أنه يجوز في البداء قسم غيره و لا يعلم. فقلت له ما تقول في رجل له عبد أراد أن يختبر حاله و طاعته من معصيته و نشاطه من كسله فقال له في يوم شديد البرد سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا لتقبض مالا لي بها فأحسن العبد لسيده الطاعة و قدم المبادرة و لم يحتج بحجة فلما رأى سيده مسارعته و عرف شهامته و نهضته شكره على ذلك و قال له أقم على حالك فقد عرفت أنك موضع للصنيعة و أهل للتعويل عليك في الأمور العظيمة أ يجوز عندك هذا و إن جاز فهل هذا داخل في البداء أم لا فقال هذا مستعمل و رأينا في الشاهد و قد بدا فيه للسيد و ليس هو قسما ثانيا بل هو بعينه الأول هو الذي لا يجوز على الله عز و جل. فقلت له لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما من حيث كان أحدهما مريدا لإتمام قبل أن يبدو له فيه فينهى عنه و هو
الطبيب و الآخر غير مريد لإتمامه على كل وجه و هو سيد العبد بل كيف لم تفرق بينهما من حيث إن الطبيب لم يجز قط أن يقع منه اختلاف الأمر إلا لتجدد علم له لم يكن و سيد العبد يجوز أن يقع منه النهي بعد الأمر من غير أن يتجدد له علم و يكون عالما بنهضته في الحالين و مسارعته إلى ما أحب و إنما أمره بذلك ليعلم الحاضرون حسن طاعته و مبادرته إلى أمره و أنه ممن يجب اصطفاؤه و الإحسان إليه و التعويل في الأمور عليه. قال فإذا سلمت لك الفرق بينهما فما تنكر أن يكون دالا على أن مثالك الذي أتيت به غير داخل في البداء قلت أنكرت ذلك من قبل أن البداء عندنا جميعا نهى الآمر عما أمر به قبل وقوعه في وقته و إذا كان هذا هو الحد المراعى فهو موجود في مثالنا و قد أجمع العقلاء أيضا على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده قال فإذا دخل القسمان في البداء فما الذي تجيز على الله تعالى منهما فقلت أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل ع و أشبههما لما أمر الله تعالى في المنام بذبح ولده إسماعيل ع فلما سارع إلى المأمور راضيا بالمقدور و أسلما جميعا صابرين و تله للجبين نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الأمر و أحسن الثناء عليهما و ضاعف لهما الأجر و هذا نظير ما مثلت من أمر السيد و عبده و هو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله. قال فمن سلم لك أن إبراهيم ع مأمور بذلك من قبل الله سبحانه قلت سلمه لي من يقر بأن منامات الأنبياء ع صادقة و يعترف بأنها وحي الله في الحقيقة و سلمه لي من يؤمن بالقرآن و يصدق ما فيه من الأخبار. و قد تضمن الخبر عن إسماعيل أنه قال لأبيه يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ و قول الله تعالى لإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ