کتابخانه روایات شیعه
فصل و زيادة
فأما الذين ادعوا أن رسول الله ص إنما قصد بما قاله في أمير المؤمنين ع يوم الغدير أن يؤكد ولاءه في الدين و يجب نصرته على المسلمين و أن ذلك على معنى قوله سبحانه وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ و أن الذي أوردناه من البيان على أن لفظة مولى يجب أن يطابق معنى ما تقدم من التقرير في الكلام و أنه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام يدل على بطلان ما ادعوه في هذا الباب و لم يكن أمير المؤمنين ع بخامل الذكر فيحتاج أن يقف في ذلك المقام و يؤكد ولاءه على الناس بل كان مشهورا و فضائله و مناقبه و ظهور علو رتبته و جلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص و العام. على أن من ذهب في تأويل الخبر إلي معنى الولاء في الدين و النصرة فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة و الرئاسة لأن إمام العالمين تجب موالاته في الدين و يتعين نصرته على كافة المسلمين و ليس من حمله على الموالاة في الدين و النصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة فكان المصير إلي قولنا أولى 555 . و أما الذين غلطوا فقالوا إن السبب في ما قاله رسول الله ص في يوم الغدير إنما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين و زيد بن حارثة فقال علي لزيد تقول هذا و أنا مولاك فقال له زيد لست مولاي إنما مولاي رسول الله ص فوقف يوم الغدير فقال من كنت مولاه فعلي مولاه إنكارا على زيد و إعلاما له أن عليا مولاه. فإنهم فضحهم العلم بأن زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب في أرض
مؤتة من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان و غدير خم إنما كان قبل وفاة النبي ص بنحو ثمانين يوما و ما حملهم على هذه الدعوى إلا عدم معرفتهم بالسير و الأخبار. و لما رأت الناصبة غلطها في هذه الدعوى رجعت عنها و زعمت أن الكلام كان بين أمير المؤمنين ع و بين أسامة بن زيد و الذي قدمناه من الحجج يبطل ما زعموه و يكذبهم فيما ادعوه. و يبطله أيضا ما نقله الفريقان من أن عمر بن الخطاب قام في يوم الغدير فقال بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة 556 ثم مدح حسان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمن رئاسته و إمامته على الأنام و تصويب النبي ص في ذلك. ثم احتجاج أمير المؤمنين ع به يوم الشورى فلو كان ما ادعاه المنتحلون حقا لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى و كان لهم أن يقولوا أي فضل لك بهذا علينا و إنما سببه كذا و كذا. و قد احتج به أمير المؤمنين ع دفعات و اعتده في مناقبه الشراف و كتب يفتخر به في جملة افتخاره إلي معاوية بن أبي سفيان في قوله
و أوجب لي الولاء معا عليكم
خليلي يوم دوح غدير خم
و هذا الأمر لا لبس فيه و أما الذين اعتمدوا على أن خبر الغدير لو كان موجبا للإمامة لأوجبها لأمير المؤمنين ع في كل حال إذ لم يخصصها النبي ص بحال دون حال و قولهم إنه كان يجب أن يكون مستحقا لذلك في حياة رسول الله ص فإنهم جهلوا معنى الاستخلاف و العادة المعهودة في هذا الباب.
و جوابنا أن نقول لهم قد أوضحنا الحجة على أن النبي ص استخلف عليا ع في ذلك المقام و العادة جارية فيمن يستخلف أن يخصص له الاستحقاق في الحال و التصرف بعد الحال أ لا ترون أن الإمام إذا نص على حال له يقوم بالأمر بعده أن الأمر يجري في استحقاقه و تصرفه على ما ذكرناه و لو قلنا إن أمير المؤمنين ع يستحق بهذا النص التصرف و الأمر و النهي في جميع الأوقات على العموم و الاستيعاب إلا ما استثناه الدليل و قد استثنت الأدلة في زمان حياة رسول الله ص الذي لا يجوز أن يكون فيه متصرف في الأمة [غيره] 557 و لا آمر ناه لهم سواه لكان هذا أيضا من صحيح الجواب. فإن قال الخصم إذا جاز أن تخصصوا بذلك زمانا دون زمان فما أنكرتم أن يكون إنما يستحقها بعد عثمان قلنا له إنا أنكرنا ذلك من قبل أن القائلين بأنه استحقها بعد عثمان مجمعون على أنها لم تحصل له في ذلك بيوم الغدير و لا بغيره من وجوه النص عليه و إنما حصلت له بالاختيار و كل من أوجب له الإمامة بالنص أوجبها بعد رسول الله ص من غير تراخ في الزمان و الحمد لله.
حَدَّثَنِي الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَسَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السُّلَمِيُّ الْحَرَّانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَتَكِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْحَنْبَلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ حُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطُّهَوِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ ع خَطِيباً فِي الرَّحْبَةِ وَ هُوَ يَقُولُ أَنْشُدُ اللَّهَ امْرَأً شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ ص آخِذاً يَدَيَّ وَ رَفَعَهُمَا إِلَى السَّمَاءِ وَ هُوَ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَ لَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَلَمَّا قَالُوا بَلَى قَالَ فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ
نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ إِلَّا قَامَ فَشَهِدَ بِهَا فَقَامَ بَضْعَةَ عَشَرَ بَدْرِيّاً فَشَهِدُوا بِهَا وَ كَتَمَ أَقْوَامٌ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ بَرِصَ وَ مِنْهُمْ مَنْ عَمِيَ وَ مِنْهُمْ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ بَلِيَّةٌ فِي الدُّنْيَا فَعُرِفُوا بِذَلِكَ حَتَّى فَارَقُوا الدُّنْيَا 558 .
و مما حفظ عن قيس بن سعد بن عبادة أنه كان يقول [و هو] 559 بين يدي أمير المؤمنين ص بصفين و معه الراية في قطعة له أولها
قلت لما بغى العدو علينا
حسبنا ربنا و نعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح البصرة
بالأمس و الحديث يطول
و علي إمامنا و إمام
لسوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي من كنت
مولاه فهذا مولاه خطب جليل
إنما قاله النبي على الأمة
حتم ما فيه قال و قيل 560
فصل من الوصايا و الإقرارات المبهمة العويصة 561
إذا أوصى رجل بإخراج شيء من ماله و لم يسم كان الواجب إخراج السدس مما خلفه قال الله تبارك و تعالى وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا
الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فخلق الله سبحانه الإنسان من ستة أشياء فالشيء واحد من ستة و هو السدس. و إذا أوصى بإخراج جزء من ماله و لم يسم وجب إخراج سبع ماله قال الله تعالى لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ فالجزء واحد من سبعة و هو السبع. و إذا أوصى بسهم من ماله و لم يسم فالواجب إخراج الثمن قال الله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ و هم ثمانية أصناف لكل صنف منهم سهم من الصدقات فالسهم واحد من ثمانية و هو الثمن. و إذا أوصى بإخراج مال كثير و لم يسم وجب أن تخرج من ماله ثمانون درهما قال الله تعالى لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ و كانت ثمانين موطنا و إذا قال كل عبد لي قديم في ملكي فهو حر لوجه الله تعالى فالواجب أن يعتق كل عبد في ملكه ستة أشهر فما زاد قال الله سبحانه وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ و هو الذي مضى عليه ستة أشهر. فإذا أوصى إلى رجل بدراهم فقال أعط زيدا نصفها و عمرا ثلثها و بكرا ربعها فالواجب أن يعطي زيدا و عمرا ما سماه لهما و يدفع ما بقي لبكر.
و إذا قال عندي كذا دراهم و لم يبين فقد أقر بعشرة دراهم على ما يقتضيه اللسان 562 فإن قال كذا درهما فعشرون درهما فإن قال كذا كذا درهم فعشر عشر درهم فإن قال كذا كذا درهما فأحد عشر درهما فإن قال كذا و كذا درهما فأحد و عشرون درهما فإن قال كذا و كذا كذا درهما فمائة و أحد عشر درهما فإن كان عارفا بالعربية و قال له عندي مائة درهم غير ثلاثة دراهم بنصب غير فله سبعة و تسعون درهما لأنه استثنى من المائة ثلاثة. فإن قال له عندي مائة غير ثلاثة برفع غير فهي مائة كاملة و إنما وصفها بأنها غير ثلاثة فإن قال له مائة غير ثلاثة غير درهم و نصب غير فيهما جميعا فقد أقر بثمانية و تسعين درهما لأنه استثنى من المائة ثلاثة فبقي سبعة و تسعون فلما استثنى مما استثناه درهما علم أن المستثنى من المائة درهمان فكان الذي اعترف به ثمانية و تسعون درهما فإن قال له عندي مائة غير ثلاثة غير درهم فنصب غير الأولة و خفض الثانية فقد أقر بسبعة و تسعين درهما لأنه لما نصب غير الأولة كان قد
استثنى من المائة ثلاثة فلما خفض غير الثانية و كان قد وصف الثلاثة بأنها غير درهم فالاستثناء على حاله و المال سبعة و تسعون درهما. و كذلك لو قال له عندي مائة غير ثلاثة غير درهم بنصب غير الأولة و رفع غير الثانية فإن له عنده سبعة و تسعون درهما لأنه استثنى من المائة ثلاثة لما نصب غيرا ثم وصف المائة بأنها غير درهم لما رفع غير الأخرى فإن هو أدخل الواو في الكلام عاطفا بها كان استثناء معطوفا على استثناء و الجميع يسقط من الأصل المذكور كقوله له عندي مائة غير خمسة و غير سبعة فالخمسة و السبعة يسقطان من المائة فيكون له عنده ثمانية و ثمانون درهما فافهم ذلك مسألة ذكرها شيخنا المفيد رضي الله عنه في كتاب الأشراف رجل اجتمع عليه عشرون غسلا فرض و سنة و مستحب أجزأه عن جميعها غسل واحد. جواب هذا رجل احتلم و أجنب نفسه بإنزال الماء و جامع في الفرج و غسل ميتا و مس آخر بعد برده بالموت قبل تغسيله و دخل المدينة لزيارة رسول الله ص و أراد زيارة الأئمة ع هناك و أدرك فجر العيد و كان يوم جمعة و أراد قضاء غسل عرفة و عزم على صلاة الحاجة و أراد أن يقضي صلاة الكسوف و كان عليه في يوم بعينه صلاة ركعتين بغسل و أراد التوبة من كبيرة على ما جاء على النبي ص و أراد صلاة الاستخارة و حضرت صلاة الاستسقاء و نظر إلى مصلوب و قتل وزغة و قصد إلى المباهلة و أهرق عليه ماء غالب النجاسة
فصل في ذكر هيئة العالم