کتابخانه روایات شیعه
مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ و قوله تعالى هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فكيف يحسن أن يقول بعد هذا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قلنا الوجه في ذلك أن فعل العقاب و إن لم يكن نعمة فذكره و وصفه و الإنذار به من أكبر النعم لأن في ذلك زجرا عما يستحق به العقاب و بعثا على ما يستوجب به الثواب و إنما أشار تعالى بقوله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ بعد ذكر جهنم و العذاب فيها إلى إنعامه بذكر وصفها و الإنذار بها و التخويف منها و لا شك في أن هذا في النعم التي يجب الاعتراف بها و الشكر عليها 575
كتاب البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان
و مما عملته كتاب البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان عليه و على آبائه أفضل السلام و بيان جواز تطاول الأعمار بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما هدى و صلاته على من اصطفى سيدنا محمد و رسوله المجتبى و آله أئمة الهدى ذكرت يا أخي أيدك الله أنك رأيت جماعة من المخالفين يعتمدون في إنكار وجود صاحب الزمان ص على ما يقتضيه تاريخ مولده من تطاول عمره على القدر المعهود و يقولون إذا كان مولده عندكم في سنة خمس و خمسين و مائتين فله إلى سنتنا هذه و هي سنة سبع و عشرين و أربعمائة- مائتان و اثنتان و سبعون سنة.
و لسنا نرى الأعمار تتناهى إلى أكثر من مائة و عشرين سنة بل لا نرى أحدا يلحق عمره هذا القدر اليوم و يزعمون أن هذه الزيادة على المائة و العشرين دلالة على بطلان ما نذهب إليه و سألت في إيراد كلام عليهم يوهي عمدتهم و يبطل شبهتهم و يكون أصلا في يدك يتمسك به المستند إليك و أنا مجيبك إلى ما سألت و أبلغك منها ما طلبت بعون الله و حسن توفيقه اعلم أولا أنه إذا وجبت الإمامة و وضحت الأدلة على اختصاصها بأئمتنا الاثني عشر ع دون جميع الأمة فلا منصرف عن القول بطول عمر إمامنا و صاحب زماننا ص لأن الزمان لا يخلو من إمام و قد مضى آباء صاحب الزمان بلا خلاف و لم يبق من يستحق الإمامة سواه. فإن لم يكن عمره ممتدا من وقت أبيه إلى أن يظهره الله سبحانه حصل الزمان خاليا من إمام و هذا دليل مبني على ما قدمناه و بعد ذلك فإنه لا يصلح أن يكلمك في طول عمره من لا يقر بشريعته فأما من أقر بها و أنكر تراخي الأعمار و طولها فإن القرآن يخصمه بما تضمنه من الخبر عن طول عمر نوح ع قال الله تعالى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً و لا طريق إلى الانصراف عن ظاهر القرآن إلا ببرهان و قد أجمع المسلمون على بقاء الخضر ع من قبل زمان موسى ع إلى الآن و أن حياته متصلة إلى آخر الزمان و ما أجمع عليه المسلمون فلا سبيل إلى دفعه بحال من الأحوال. فإن قال الخصم هذان نبيان و يجوز أن يكون طول أعمارهما معجزا لهما و كرامة يميزان بها عن الأنام و لا يصح أن يكون هذا العجز و الإكرام إلا للأنبياء ع
فقل له يفسد هذا عليك بما استقر عليه الاتفاق من بقاء إبليس اللعين من عهد آدم ع و قبل ذاك إلى الآن و أنه سيبقى إلى الوقت المعلوم كما نطق به القرآن و ليس ذلك معجزا له و لا على سبيل الإكرام و إذا اشترك الولي و العدو في طول العمر علم أن السبب في ذلك غير ما ذكرت و أنه لمصلحة لا يعلمها إلا الله تعالى دون العباد. فإن أنكر الخصم إبليس و بقاءه خرج عن ظاهر الشريعة و دفع إجماع الأمة و إن تأول ذلك طولب على صحة تأويله بالحجة. و لو سلمت له طول العمر معجزا للمعمر و إكراما و لم يذكر له إبليس و طول عمره على ممر الأزمان كان لك أن تقول إن حكم الإمام عندنا كحكم النبي في الاحتجاج و جواز ظهور العجز و الإكرام بما يتميز به عن الأنام فليس بمنكر أن يطيل الله تعالى عمره على سبيل المعجز و الإكرام و اعلم أيدك الله أن المخالفين لك في جواز امتداد الأعمار ممن يقر بالإسلام لا يكلمونك إلا بكلام مستعاد فمنهم من ينطق بلسان الفلاسفة فيقول إن طول العمر من المستحيل في العقول الذي لم يثبت على جوازه دليل و منهم من ينطق بلسان المنجمين فيقول إن الكواكب لا تعطي أحدا من العمر أكثر من مائة و عشرين سنة و لهم هذيان طويل. و منهم من ينطق بلسان الأطباء و أصحاب الطبائع فيقول إن العمر الطبيعي هو مائة و عشرون سنة فإذا انتهى الحي إليها فقد بلغ غاية ما يمكن فيه صحة الطباع و سلامتها و ليس بعد بلوغ غاية السلامة إلا ضدها. و ليس على يد أحد منهم إلا الدعوى و لا يستند إلا إلى العصبية و الهوى فإذا عضهم الحجاج رجعوا أجمعين إلى الشاهد المعتاد فقالوا إنا لم نر أحدا تجاوز في العمر إلى هذا القدر و لا طريق لنا إلى إثبات ما لم نر و هذا الذي جرت به العادة و العادة أصح دلالة و جميعهم خارجون عن حكم الملة مخالفون لما اتفقت عليه الأمة و لما سلف
أيضا من الشرائع المتقدمة لأن أهل الملل كلها متفقون على جواز امتداد الأعمار و طولها و قد تضمنت التوراة من الإخبار بذلك ما ليس بينهم فيه منازع. و فيها أن آدم ع عاش تسعمائة و ثلاثين سنة و عاش شيث تسعمائة و اثنتي عشرة سنة و عاش أنوش تسعمائة و خمسا و ستين سنة و عاش قينان تسعمائة سنة و عشر سنين و عاش مهلائيل ثمانمائة و خمسا و تسعين سنة و عاش برد تسعمائة و اثنتين و ستين سنة و عاش أخنوخ و هو إدريس تسعمائة و خمسا و ستين سنة و عاش متوشلح تسعمائة و تسعا و ستين سنة و عاش ملك سبعمائة و سبعا و ستين سنة و عاش نوح تسعمائة و خمسين سنة و عاش سام ستمائة سنة. و عاش أرفخشاد أربعمائة و ثماني و تسعين سنة و عاش شالخ أربعمائة و ثلاثا و تسعين سنة و عاش غابر ثمانمائة و سبعين سنة و عاش فالخ مائتين و تسعا و تسعين سنة و عاش أرغو مائتين و ستين سنة و عاش باحور مائة و ستا و أربعين سنة و عاش تارخ مائتين و ثمانين سنة و عاش إبراهيم مائة و خمسا و سبعين سنة و عاش إسماعيل مائة و سبعا و ثلاثين سنة و عاش إسحاق مائة و ثمانين سنة. فهذا ما تضمنته التوراة مما ليس بين اليهود و النصارى اختلاف و قد تضمنت نظيره شريعة الإسلام و لم نجد أحدا من علماء المسلمين يخالفه
أو يعتقد فيه البطلان بل أجمعوا من جواز طول الأعمار على ما ذكرناه. و المستدل يعلم جواز ذلك في العقل إذا أنعم الاستدلال و الأخبار قد تناصرت في قوم عمروا في قريب الزمان سوف أذكر جماعة منهم ليتأكد البيان و ليس المنازعة لنا بعد ذلك من ذي بصيرة و عرفان. فإن قال قائل إن الأعمار قد كانت يتطاول في سالف الدهر ثم تناقضت عصرا بعد عصر حتى انتهت إلى ما نراه مما لا يجوز اليوم سواه قيل له إن العاقل يعلم أن الزمان لا تأثير له في الأعمار و أن زيادتها و نقصانها من فعل قادر مختار يغيرها في الأوقات بحسب مما يراه من الصلاح. و لسنا ننكر أن الله سبحانه قد أجرى اليوم بأقدار متقاربة في الأعمار يخالف ما كان في متقدم الزمان غير أن هذا لا يحيل طول عمر بعض الناس إذا كان ذلك ممكنا من القادر المعطي للأعمار و قد ذكرنا أن الأخبار قد أتت بذكر المعمرين كانوا في قريب الزمان فلا طريق إلى دفع ما ذكرناه مع هذا الإيضاح و أما الذين استعاروا كلام الفلاسفة من المخالفين لنا في هذه المسألة و قولهم في العمر من المستحيل في العقول فإنهم لم يعولوا في العلم بذلك على ضرورة يشاركهم العقلاء فيها و إذا عدموا الضرورة فلا بد من حجة عقلية يطالبون بإيرادها و لا حجة معهم ينطقون بها و لا عمدة لهم أكثر من الهوى و الرجوع إلى ما يشاهد و يرى و الهوى مضلة و الإنكار لما لم يشاهد مزلة و ليس من موحد و لا ملحد إلا و هو يثبت ما لا يرى و يقر بما لم يشاهد فالموحد يقر بالله و الملائكة و طول أعمارها و لم نر شيئا منها .. 576 و الملحدة قد تقر بوجود جواهر بسيطة لا تجوز عليها الرؤية و تدعي أيضا وجود عقل .. 577 لم ترهما و لا رأت .. 578 فضلا عنها.
و كل فرقة تدعي وجود أشياء لم تر فمن زعم أنه لا يثبت إلا ما شاهد و رأى فقد أفسد على نفسه من مذهبه و هؤلاء في العمر و لا يدرون ما هو و العمر هو اتصال كون الحي المحدود حيا فهذا الاتصال إنما يكون بدوام الحياة و الحياة فعل الله تعالى فليس يستحيل منه إدامتها و كل ما جاز أن يفعله الله تعالى من طول العمر فإنه يجوز أن يفعل مثله في دوام الصحة و القوة و عدم الضعف و الهرم. و أما الذين استعاروا كلام المنجمين من المنازعين لنا في جواز طول العمر فإنهم يعتمدون الظنون دون اليقين. و العقلاء يعلمون أن أصول المنجمين في الأحكام لا يثبت بالنظر و الدليل و بينهم من التحارب فيها و الاختلاف ما لا يخفى على المتأمل. إني وجدت في كتاب أحد علمائهم و هو الكتاب المعروف بابا لابن هبلى 579 في حكاية ذكرها عن معلمهم المقدم و أستاذهم المفضل الذي يعولون عليه في الأحكام و يستندون إلى كلامه و ما يدعيه و هو المعروف بما شاء الله 580 أنا موردها ففيها أكبر حجة عليهم في هذه المسألة التي خالفونا فيها. قال ما شاء الله الباب الأعظم من الهيلاج الذي يدل على العمر الكثير فإنه يكون المولود