کتابخانه روایات شیعه
من واليت، و معاداة من عاديت 15 ، و التسليم لما ارتضيت، و الرضا 16 بما أقضيت.
و بعد: فهذا الكتاب 17 حداني على عمله أنّ أحد الإخوان من أهل الإيمان شملهم اللّه بفضله اطّلع من أمالي الشيخ المفيد رضى اللّه عنه على كتاب موسوم ب «أطراف الدلائل و أوائل المسائل» يتضمّن كلاما في الإمامة، فرأى في آخره 18 بابا من أغلاط العامة، أورده الشيخ رضى اللّه عنه على طريق التعجّب منهم، و ضمّنه يسيرا من خطأهم المحفوظ عنهم، و جعله بابا قصيرا، و قولا يسيرا، حسب ما اقتضاه غرضه [في الكتاب، من الاختصار في كلّ باب، فراقه و أعجبه، و لم يحبّ فراقه] و استطرفه و استغربه، و تأسّف لقصر الباب، و تلهّف على طول الخطاب، و سألني في سلوك سبيله، و اتّباع قصده و قوله، بكلام فصيح، و غرض كغرضه صحيح، [اتّبعته] ليكون ما اورده كتابا مفردا، و فنّا في الإمامة واحدا.
فأعلمته أنّ كتب الشيخ 19 المفيد رحمه اللّه مفاتيح الفوائد، و مصابيح المراشد، و أنّ السعيد من سلك أممه، و وطئ [أثر] قدمه، و قصد نهجه، و اعتمد حججه، و اتّبع آثاره، و اقتبس أنواره.
فأمّا العامّة فلا 20 تنحصر أغلاطهم، و لا تجتمع في الإمامة مناقضاتهم؛ لأنّ زللهم غير قليل، و التعجب منهم طويل، و كيف لا يتعجّب ممّن قتل الدليل، و التمس السبيل، و اتّهم 21 الهداة، و طلب النجاة، و هجر 22 اليقين، و اتّبع الظنون، و كره الائتلاف، و رضي الاختلاف؟! و كيف لا يتعجّب ممّا يتقرّب إلى اللّه سبحانه بمعاداة أوليائه، و يدينه بموالاة أعدائه، و يطلب طاعته من معصيته، و يلتمس ثوابه بمخالفته؟! بل كيف لا يتعجّب من قوم ادّعوا الشريعة و غيّروها، و انتحلوا الملّة و بدّلوها، و ضيّعوا الفرائض و اختلفوا فيها، و تركوا السنّة و انتسبوا إليها؟! قوم غلبتهم العصبيّة، و ملكتهم الحميّة [حميّة الجاهليّة]، و أضلّتهم الأهواء، و ضلّت عنهم الآراء، فعميت أبصارهم، و صدئت أفكارهم، و تناقضت أقوالهم، و تباينت أفعالهم، [فهم] في ظلمات غيّهم تاتهون، و بأذيال جهلهم عاثرون، و عن الحقّ حائدون 23 ، و للحق معاندون، أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ 24 .
و أنا متّبع ما رغب فيه الأخ الرشيد، أدام اللّه له التسديد، من عمل هذا الكتاب، و إيراد ما حضرني 25 في فصوله من كلّ باب، من مناقضات القوم في الإمامة
و أغلاطهم، و غلوّهم في المعاندة و إفراطهم، ممّا يقتضي التعجّب منهم، و يوجب الشكر للّه سبحانه عن 26 الانفصال عنهم.
و من اللّه أستمدّ 27 التوفيق، و هو حسبي وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ .
الفصل الأوّل في 28 أغلاطهم في ذكر الوصيّة
[فمن عجيب أمرهم: أنّهم قد أجمعوا معنا على حسن الوصيّة] و فضلها و شرفها، و حميد فعلها، و أنّها [قد] تكون في المال و الأهل و الولد، و جميع من 29 كان يسوسه الموصي و يرعاه، و ما كان [يقوم] به و يتولّاه، و أنّ إهمالها تفريط، و تركها تضييع، و في فعلها حسن نظر و احتياط، و جميل حزم و احتراز، و سمعوا في القرآن ذكرها، و اعترفوا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بها، و حثّ عليها، و رغّب فيها، و دعا إليها.
و رووا 30 عنه صلّى اللّه عليه و آله أخبارا من جملتها [قوله عليه الصلاة و السلام]: «لا ينبغي لامرىء مسلم أن يبيت ليلتين إلّا و وصيّته [مكتوبة عنده» 31 .
و في خبر آخر: «إلّا و وصيّته] تحت رأسه» 32 .
ثمّ ادّعوا مع ذلك أنّه صلّى اللّه عليه و آله مضى [من الدنيا] و لم يوص إلى أحد. [هذا] و قد كان يرعى امّته 33 و يسوسهم، و يقوم بشأنهم، و يدبّر امورهم، كما يسوس الرجل أطفاله، و يرعى أهله و عياله، و منهم الضعفاء و الأيتام، و العجائز و الأطفال، الذين حاجتهم إلى سياسته، و حسن نظره و رعايته، أشدّ من حاجة الولد إلى والده، و العبد إلى سيّده.
ثمّ إنّه صلّى اللّه عليه و آله خلّف مع ذلك أهلا و أولادا، و أقارب و أزواجا، و أشياء يتنازع أهله و غيرهم [فيها] و أملاكا، و كان له حقّ في الخمس يحبّ أن يصرف إلى مستحقّيه 34 [و غيرهم]، و كان عليه دين يتعيّن وفاءه عنه لأهله 35 ، و عنده ودائع يلزم ردّها إلى أربابها، و قد وعد جماعة بعدات يجب أن تقضى عنه بعده 36 ، و لا يقضيها إلّا وصيّه، فنسبوه إلى تضييع ما حثّ على حفظه، و التفريط فيما أمر بالاحتياط في بابه، و الزهد فيما رغّب فيه امّته، و حاشا له من ذلك، بل كان صلّى اللّه عليه و آله أفعل الخلق فيما 37 دعا إليه، و أسرع الناس إلى فعل ما رغّب فيه، و أسبق العالمين إلى كلّ فضل، و أولادهم بشرائف الفعل.
و من عجيب أمرهم: أنّهم إذا طرقتهم الحجج الجليّة في أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يمض من الدنيا إلّا عن وصيّة، و أنّه أوصى [إلى] أمير المؤمنين [عليّ بن أبي طالب] عليه السّلام دون سائر الامّة، و سمعوا تمدّح أمير المؤمنين عليه السّلام بذلك في كلامه و حجاجه لخصومه، و ذكره [له] في خطبه على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و احتجاج
أهل بيته عليهم السّلام و شيعته من الأنصار بذلك في فضله، و ما نظمه الشعراء فيه، و سارت [الركبان به]، مثل قول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين رضى اللّه عنه في أبيات يذكر فيها فضله [حيث يقول]:
وصيّ رسول اللّه من دون أهله
و فارسه مذ كان في سالف الزمن 38
و قوله حين بلغه عن عائشة كلام تعيب فيه أمير المؤمنين عليه السّلام:
أ عائش خلّي عن عليّ و عيبه 39
بما ليس فيه إنّما أنت والده
وصيّ رسول اللّه من دون أهله
و أنت على ما كان من ذاك شاهده 40
و قول عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلّب رحمه اللّه:
و إنّ 41 وليّ الأمر بعد محمّد
عليّ و في كلّ المواطن صاحبه
وصيّ رسول اللّه حقّا و صهره
و أوّل من صلّى و من لان جانبه 42
و قول عبد الرحمن بن حنبل 43 الجمحي لمّا بايع أمير المؤمنين عليه السّلام:
لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة
على الدين معروف العفاف موفّقا 44
عفيفا عن الفحشاء أبيض ماجدا
صدوقا و للمختار 45 قدما مصدّقا
أبا حسن فارضوا به و تبايعوا
فلن 46 تجدوا فيه لذي العيب منطقا
عليّ وصيّ المصطفى و ابن عمّه 47
و أوّل من صلّى لذي العرش و اتّقى 48
و قول 49 زفر بن زيد 50 الأسدي:
فحوطوا عليّا و انصروه فإنّه
وصيّ و في الإسلام أوّل أوّل 51
و إن تخذلوه و الحوادث جمّة
فليس لكم في الأرض من متحوّل 52
و نحو ذلك من الأقوال التي يطول بذكرها الكلام.
قالوا عند ذلك 53 :