کتابخانه روایات شیعه
الفصل التاسع من أغلاط البكريّة
فمن عجيب أمرهم و ظاهر غلطهم: دعواهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قدّم أبا بكر ليصلّي بالناس، و زعمهم أنّ ذلك دليل على استحقاقه الإمامة العامّة على [جميع] الأنام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، [هذا مع
رواياتهم عنه صلّى اللّه عليه و آله]: «إنّ الصلاة جائزة خلف البرّ و الفاجر» 234 .
و إقرارهم بأنّ الإمامة العامّة لا تجوز لفاجر.
و من عجيب أمرهم في ذلك: [انّهم] جعلوا الإمامة العامّة التي هي الخلافة داخلة في الإمامة الخاصّة التي هي إمامة الصلاة، و هذا عكس الصواب، و المعلوم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا نصّ بالإمامة العامّة على رجل كان له أن يصلّي بالناس، لأنّ تقدّمه 235 في الصلاة [هو] بعض ما ردّ إليه، و ليس كذلك إذا قدّمه للصلاة ببعض الامّة يكون قد ردّ إليه تنفيذ الأحكام، و تدبير جميع الأنام، لأنّ هذه الامور ليست داخلة في الصلاة.
و من العجب: أنّ من جملة ما يروونه
عن عائشة قولها: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قام و رجلاه تخطّان الأرض 236 و هو متّك على رجلين؛ أحدهما الفضل بن العبّاس، فأخّر أبا بكر عن المحراب.
، فيجعلون تقديمه ولاية و لا يجعلون تأخيره عزلا، و هذا دليل على أنّه لم يقدّمه، و أنّ تقديمه كان من عائشة، و لذلك
قال لها و لصويحبتها 237 : «إنّكنّ لصويحبات يوسف» 238 .
و من عجيب أمرهم: أنّهم يجعلون صلاة أبي بكر بمن في المسجد مع عدم اتّفاقهم على أنّه تمّمها موجبة له الفضيلة 239 العظيمة، و مرتبة الخلافة و الإمامة، و لا يجعلون ذلك لعبد الرحمن بن عوف
مع روايتهم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى خلفه و أنّه كان مضى ليصلح بين قبيلتين من الأنصار 240 فعاد و قد فاته صلاة المغرب و قدّم الناس عبد الرحمن بن عوف يصلّي 241 بهم، فلمّا أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله [و هو في الصلاة] صلّى خلفه، فلمّا فرغ قال له الناس 242 : يا رسول اللّه، أ تصلّي خلف رجل من امّتك؟!
فقال صلّى اللّه عليه و آله: «ما يموت نبيّ من أنبياء اللّه حتى يصلّي خلف رجل من امّته» 243 ،.
فيوجبون الخلافة لأبي بكر بصلاته بالناس [بعد الصلاة] التي لم يتمّها، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في معزل عنها، و لا يوجبونها لعبد الرحمن و قد صلّى عندهم بالناس صلاة تمّمها و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في جملة من اقتدى [به] فيها، و قد سمع أحد البكريّة منّي هذا الكلام، فقال لي: صلاة أبي بكر أجلّ و هو بالخلافة أولى من عبد الرحمن و أحقّ 244 ؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قدّم أبا بكر و الامّة قدّمت عبد الرحمن، فمن قدّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أولى بالأمر ممّن قدّمه الناس.
فقلت له: إنّ لخصمك إذا سلّم أنّ 245 رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قدّم أبا بكر أن يقول: بل صلاة عبد الرحمن أجلّ و أفضل، و هو بالخلافة أولى من أبي بكر و أحقّ، لأنّ تقديم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما دلّ على أنّه قد رضيه إماما لمن حضر من امّته في المسجد، و صلاته خلف عبد الرحمن تدلّ على أنّه قد رضيه إماما لنفسه و لامّته، و من رضيه [النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الصلاة] لنفسه و امّته أحقّ بالخلافة ممّن نصبه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إماما في الصلاة 246 لبعض امّته، فتحيّر و لم يأت بشيء يحسن أن نذكره 247 .
الفصل العاشر في 248 أغلاطهم 249 في التقيّة
فمن عجيب أمر المعتزلة و ظاهر [ظلمهم و] دعواهم: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يمدح أبا بكر و عمر في وقتهما و بعدهما، و أنّه و ولده [و أهله] و شيعته [كانوا] يعظّمونهما 250 و يثنون عليهما، و يجعلون هذه الدعوى دليلا 251 على صوابهما، و وصّى أمير المؤمنين عليه السّلام ذرّيّته بتقديمهما 252 ، هذا مع المرويّ المشتهر من ضدّ هذا، فإذا قيل لهم على وجه تسليم الدعوى: ما ننكر 253 أن يكون ما [قد] ذكرتموه ورد على سبيل التقيّة منهم و مداراة لهما في وقتهما، و استعظاما لشيعتهما من بعدهما 254 ، استعظموا هذا القول و استبعدوه و أنكروه و جحدوه،
فإذا [هم] سمعوا من سواهم من الحشويّة [يقولون:] إنّ الدليل على صواب معاوية بن أبي سفيان بعد صلح الحسن عليه السّلام ما ظهر من الحسن و الحسين و محمّد بن علي عليهم السّلام، و عبد اللّه بن العبّاس و عبد اللّه بن جعفر و جابر بن عبد اللّه الأنصاري [و أبي ذرّ الغفّاري] و أبي أيّوب الأنصاري رحمة اللّه عليهم و غيرهم من التعظيم له و الاجلال، و إظهار الاتّباع، و ترك الإنكار، و قالوا لهم: إنّ هذا كان ممّن ذكرتموه على وجه التقيّة من معاوية لما كانوا عليه في أيّامه من أحكام الضرورة الملجئة إلى الاستعطاف و الاستمالة، و لما علموه من المصلحة في ترك المشاقّة و المخالفة فيعتمدون نظير ما ينكرون، و يستعملون الاحتجاج الذي يجحدون قلّة تأمّل بوجه المناقضة و عدم إنصاف و ديانة.
و من العجب قولهم: إذا كان أبو بكر و عمر و عثمان قد تركوا كثيرا من الأحكام، و أظهروا البدع في الإسلام، فلم لم يغيّر ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا انتهى الأمر إليه بعد عثمان؟ و لا يطّلعون [في الآثار فينظروا ما كان عليه أمير المؤمنين عليه السّلام من أحكام الاضطرار] أنّه عليه السّلام نهاهم عن الجماعة في صلاة نوافل شهر رمضان فتفرّقوا عنه و صاحوا: وا عمراه نهيتنا 255 عن سنّة عمر بن الخطّاب، فإذا كانت هذه حاله معهم في النهي عن أمر يعلمون أنّ عمرا ابتدعه، و يتحقّقون أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عنه و أنكره، و يجعلون البدعة من عمر سنّة، فكيف [لو غيّر أكثر من هذا، بل] لو غيّر بدعهم كلّها و جاهر 256 بمخالفتهم في الأمور التي استحدثوها؟ فكيف تنكر تقيّته منهم و هذه حاله معهم؟ أ لم يسمعوا
قوله عليه السّلام: « [أما و اللّه] لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم [و حكمه]، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين
أهل الفرقان بفرقانهم، حتّى ينطق كلّ كتاب و يقول: يا ربّ قضى عليّ فينا بقضائك» 257 .
و
قوله عليه السّلام: «أما و اللّه لو ثبتت قدماي لغيّرت امورا كثيرة» 258 .
و من عجيب أمرهم: قولهم: كيف جازت التقيّة على الإمام و هو عندكم حجّة فيما فعل و قال، و به قطع اللّه الأعذار، و منه يعرف الخطأ من الصواب 259 ، و هم يعتقدون مع هذا أنّ في الامّة جماعة هم الصفوة الأخيار، و الحجّة للّه على العباد، و بهم يعرف الحقّ و الصواب، و التقيّة عليهم جائزة إذا اعترضت الأسباب، فقد أقاموهم في كونهم حجّة مقام 260 الإمام، و أجازوا عليهم [من التقيّة] ما لم يجيزوا على الإمام، [و هذا من جور الأحكام، و ربّما قالوا أيضا: إذا جازت التقيّة على الإمام،] فلم لا تجوز على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟ فإذا فرّقنا بينهما في هذا الباب قالوا: لم يصحّ لكم فرق، لأنّها عندكم حجّتان 261 ، فإذا قيل لهم: أ ليس قد أجزتم التقيّة على الطائفة الأخيار، و الصفوة من الأئمّة الأبرار، الذين قولهم بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حجّة في الحلال و الحرام، فلم لا تجيزونها على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هما عندكم حجّتان؟ تعاطوا الفرق الذي عابوا نظيره، و اضطرّوا إلى التشبّث بما أنكروا [منّا] إيراده.
و من العجب: إنكارهم جواز التقيّة على الأنبياء عليهم السّلام في شيء من الأحوال مع علمهم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استتر في الشّعب و الغار و من قبله هرب موسى عليه السّلام و أخبر اللّه