کتابخانه روایات شیعه
فإذا [هم] سمعوا من سواهم من الحشويّة [يقولون:] إنّ الدليل على صواب معاوية بن أبي سفيان بعد صلح الحسن عليه السّلام ما ظهر من الحسن و الحسين و محمّد بن علي عليهم السّلام، و عبد اللّه بن العبّاس و عبد اللّه بن جعفر و جابر بن عبد اللّه الأنصاري [و أبي ذرّ الغفّاري] و أبي أيّوب الأنصاري رحمة اللّه عليهم و غيرهم من التعظيم له و الاجلال، و إظهار الاتّباع، و ترك الإنكار، و قالوا لهم: إنّ هذا كان ممّن ذكرتموه على وجه التقيّة من معاوية لما كانوا عليه في أيّامه من أحكام الضرورة الملجئة إلى الاستعطاف و الاستمالة، و لما علموه من المصلحة في ترك المشاقّة و المخالفة فيعتمدون نظير ما ينكرون، و يستعملون الاحتجاج الذي يجحدون قلّة تأمّل بوجه المناقضة و عدم إنصاف و ديانة.
و من العجب قولهم: إذا كان أبو بكر و عمر و عثمان قد تركوا كثيرا من الأحكام، و أظهروا البدع في الإسلام، فلم لم يغيّر ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا انتهى الأمر إليه بعد عثمان؟ و لا يطّلعون [في الآثار فينظروا ما كان عليه أمير المؤمنين عليه السّلام من أحكام الاضطرار] أنّه عليه السّلام نهاهم عن الجماعة في صلاة نوافل شهر رمضان فتفرّقوا عنه و صاحوا: وا عمراه نهيتنا 255 عن سنّة عمر بن الخطّاب، فإذا كانت هذه حاله معهم في النهي عن أمر يعلمون أنّ عمرا ابتدعه، و يتحقّقون أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عنه و أنكره، و يجعلون البدعة من عمر سنّة، فكيف [لو غيّر أكثر من هذا، بل] لو غيّر بدعهم كلّها و جاهر 256 بمخالفتهم في الأمور التي استحدثوها؟ فكيف تنكر تقيّته منهم و هذه حاله معهم؟ أ لم يسمعوا
قوله عليه السّلام: « [أما و اللّه] لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم [و حكمه]، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين
أهل الفرقان بفرقانهم، حتّى ينطق كلّ كتاب و يقول: يا ربّ قضى عليّ فينا بقضائك» 257 .
و
قوله عليه السّلام: «أما و اللّه لو ثبتت قدماي لغيّرت امورا كثيرة» 258 .
و من عجيب أمرهم: قولهم: كيف جازت التقيّة على الإمام و هو عندكم حجّة فيما فعل و قال، و به قطع اللّه الأعذار، و منه يعرف الخطأ من الصواب 259 ، و هم يعتقدون مع هذا أنّ في الامّة جماعة هم الصفوة الأخيار، و الحجّة للّه على العباد، و بهم يعرف الحقّ و الصواب، و التقيّة عليهم جائزة إذا اعترضت الأسباب، فقد أقاموهم في كونهم حجّة مقام 260 الإمام، و أجازوا عليهم [من التقيّة] ما لم يجيزوا على الإمام، [و هذا من جور الأحكام، و ربّما قالوا أيضا: إذا جازت التقيّة على الإمام،] فلم لا تجوز على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟ فإذا فرّقنا بينهما في هذا الباب قالوا: لم يصحّ لكم فرق، لأنّها عندكم حجّتان 261 ، فإذا قيل لهم: أ ليس قد أجزتم التقيّة على الطائفة الأخيار، و الصفوة من الأئمّة الأبرار، الذين قولهم بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حجّة في الحلال و الحرام، فلم لا تجيزونها على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هما عندكم حجّتان؟ تعاطوا الفرق الذي عابوا نظيره، و اضطرّوا إلى التشبّث بما أنكروا [منّا] إيراده.
و من العجب: إنكارهم جواز التقيّة على الأنبياء عليهم السّلام في شيء من الأحوال مع علمهم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استتر في الشّعب و الغار و من قبله هرب موسى عليه السّلام و أخبر اللّه
تعالى [عنه] أنّه قال: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ 262 و كذلك قد اتّقى [غيره من] الأنبياء عليهم السّلام، لكنّ القوم ليس من شأنهم الانصاف.
الفصل الحادي عشر في 263 أغلاطهم في [حقّ] الصحابة
و من عجيب أمرهم: غلوّهم في تفخيم [أمر] الصحابة، و إفراطهم في تعظيمهم، و قولهم: لا يدخل الجنّة مستنقص لأحد منهم، و ليس بمسلم من روى قبيحا عنهم، و يقولون: إنّا لا نعرف لأحد منهم بعد إسلامه عيبا، و ليس منهم من واقع ذنبا، و يجعلون من خالفهم في هذا زنديقا، و من ناظرهم فيه أو طلب الحجّة منهم عليه مبتدعا شرّيرا.
هذا و لهم في الرسل المصطفين و الأنبياء المفضّلين، الذين احتجّ اللّه تعالى بهم على العالمين صلوات اللّه عليهم أجمعين أقوال تقشعرّ منها الجلود، و ترتعد لها [الأبدان، و تنفطر] القلوب [لها]، و لا تثبت عند سماعها النفوس، يتديّنون بذكرها، و يتحمّلون بنشرها 264 ، و يغتاظون على من أنكرها و دحضها، كغيظهم على من أضاف إلى أحد الصحابة بعضها، فينسبون آدم و حوّاء إلى الشرك، و إبراهيم الخليل إلى الإفك و الشكّ، و يوسف إلى ارتكاب المحظور، و الجلوس
من زليخا مجلس [ذوي] الفجور، و موسى إلى أنّه قتل نفسا ظلما، و داود [إلى] أنّه عشق امرأة أوريا [بن حنان] و حمله عشقها إلى 265 أن قتل زوجها و تزوّجها، و يونس [إلى] أنّه غضب على اللّه تعالى، و يقولون في سيّدنا محمّد خاتم النبيّين و سيّد المرسلين في تزويجه بإمرأة زيد بن حارثة، و في غير ذلك من الأقوال القبيحة المفتعلة ما لا ينطلق لمؤمن بذكره لسان، و لا يثبت لمسلم عند سماعه جنان، و لا يطلقه عاقل [عليه]، و لا يجيزه منه إلّا [كلّ] كافر جاهل.
فإذا قيل لهم: إنّ جميع الأخبار الواردة في ذلك باطلة، و سائر الآيات التي تظنّون أنّها تقتضيه متأوّلة، و قد شهدت العقول بعصمة الأنبياء عليهم السّلام، و دلّ القرآن على فضلهم و تميّزهم عن الأنام، فوجب أن تتأوّل الأقوال بما يوافق مقتضى الاستدلال، قالوا إذا سمعوا هذا الكلام: هذا ضلال و ترفّض، و هو فتح باب التزندق، فيا ليت شعري كيف صار الهتف بالأنبياء بالباطل إسلاما و سترا، و الطعن على بعض الصحابة بالحقّ ضلالا و كفرا؟ و كيف صار 266 القادح في الأفاضل المصطفين ثبتا صديقا، و من قدح في أحد قوم غير معصومين رافضيّا زنديقا؟ أ لم يسمعوا قول اللّه تعالى في أنبيائه صلوات اللّه عليهم: وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ 267 ، و قوله تعالى: وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ 268 ، و قوله سبحانه و تعالى لأصحاب نبيّه صلّى اللّه عليه و آله 269 :
و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ من أصحابي 271 [من] لا يراني بعد أن يفارقني» 272 .
، فأيّ نسبة بين الطبقتين، و أيّ تقارب بين القبيلتين، لو لا [ما] مع خصومنا من العصبيّة التي حرمتهم حسن التوفيق.
و قد قال بعض المعتزلة لأحد الشيعة: إنّ أمركم- معشر الشيعة- لعجيب، و رأيكم طريف [غير مصيب]، لأنّكم أقدمتم على وجوه الصحابة الأخيار، و عيون الأتقياء الأبرار، الذين سبقوا إلى الإسلام، و اختصّوا بصحبة الرسول 273 صلّى اللّه عليه و آله، [و شاهدوا المعجزات،] و قطعت أعذارهم الآيات، و صدّقوا بالوحي، و انقادوا إلى الأمر و النهي، و جاهدوا المشركين، و نصروا رسول ربّ العالمين، و وجب أن يحسن بهم الظنون، و يعتقد فيهم الاعتقاد الجميل، فزعمتم أنّهم خالفوا الرسول صلّى اللّه عليه و آله و عاندوا أهله من بعده، و اجتمعوا على غصب حقّ الإمام 274 ، و إقامة الفتنة في الأنام، و استأثروا بالخلافة 275 ، [و سارعوا] إلى الترأس على الكافّة، و هذا ممّا تنكره العقول و تشهد أنّه مستحيل، فالتعجّب منكم طويل! قال له الشيعي 276 : أمّا المؤمنون من الصحابة 277 الأخيار، و العيون من الأتقياء
الأطهار، فمن هذه الامور 278 مبرّؤون، و نحن عن ذمّهم متنزّهون، و أمّا من سواهم ممّن ظهر زللهم و خطائهم، فإنّ الذمّ متوجّه إليهم، و قبيح فعلهم طرق القول عليهم، و لو تأملت حال هؤلاء الأصحاب لعلمت أنّك نفيت عنهم خطأ قد فعلوا أمثاله، و نزّهتهم عن خلاف قد ارتكبوا أضعافه، و تحقّقت أنّك وضعت تعجّبك في غير موضعه، و أوقعت استطرافك في ضدّ موقعه، فاحتشمت من خصمك، و رددت التعجّب إلى نفسك.
و هؤلاء القوم الذين فضّلتهم و عظّمتهم، و أحسنت ظنّك بهم و نزّهتهم، هم الذين دحرجوا الدباب ليلة العقبة 279 بين رجلي ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 280 طلبا لقتله 281 .
و هم الذين [كانوا] يضحكون خلفه إذا صلّى بهم و يتركون الصلاة معه و ينصرفون إلى تجاراتهم و لهوهم حتى نزل القرآن يهتف بهم.