کتابخانه روایات شیعه
يقوم يصلي، أو يطالع، أو يدرس، أو يتلو القرآن» 5
و كان قدّس سرّه لا يخلو من ظرف مع اصدقائه و معاشريه بما لا يخرج عن حدود الحشمة و مقاييس الأدب فمن ذلك انه جرت بينه و بين القاضي أبي بكر ابن الباقلاني مناظرة فافحمه الشيخ فقال له أبو بكر لك أيها الشيخ في كل قدر مغرفة فقال «ره» مداعبا له «نعم ما تمثلت به من أداة أبيك» فضحك الحاضرون و خجل القاضي» 6 و له مناظرات لطيفة و حكايات ظريفة أفرد لها علم الهدى كتابا 7
6- نشأته و دراسته
نشأ المترجم له قدّس سرّه في حجر أبيه و تحت رعايته، و أكبر الظنّ أن تعلمه القرآن الكريم و بعض المبادئ العلمية و الأدبية كان عند أبيه- إذ كان معلما- و لم يحدّثنا التأريخ عن أيامه الأولى في عكبراء، و كلما جاد به هو أنّه انحدر مع أبيه إلى بغداد في سن مبكرة و بدأ يقرأ العلم على أبي عبد اللّه البصري المعروف بجعل 8 - و كان شيخ المعتزلة مقدما في علمي الفقه و الكلام- بمنزله بدرب رباح، ثم قرأ من بعده على أبي بكر غلام أبي الجيش 9 - و كان من أئمة المتكلّمين من الإماميّة- و كان منزله بباب خراسان، و هو الذي أرشده إلى أخذ علم الكلام
عن عليّ بن عيسى الرماني 10 و قال له لم لا تقرأ على عليّ بن عيسى الرماني علم الكلام و تستفيد منه؟ فقال ما اعرفه و لا لي به أنس فأرسل معي من يدلني عليه ...
قال الشيخ المترجم له: ففعل ذلك و أرسل معي من أوصلني إليه، فدخلت عليه و المجلس غاص بأهله و قعدت حيث انتهى بي المجلس و كلما خف الناس قربت منه، فدخل إليه داخل فقال له: بالباب إنسان يؤثر الحضور بمجلسك و هو من أهل البصرة فقال الرماني: أ هو من أهل العلم؟ فقال غلامه: لا أعلم إلّا انه يؤثر الحضور بمجلسك، فأذن له فدخل عليه فأكرمه و طال الحديث بينهما، فقال الرجل لعلي بن عيسى: ما تقول في يوم الغدير و الغار؟ فقال أما خبر الغار فدراية و أمّا خبر الغدير فرواية، و الرواية لا توجب ما توجب الدراية، قال: فانصرف البصري و لم يحر جوابا يورد إليه، قال الشيخ رضي اللّه عنه: إني لم أجد صبرا على السكوت عن ذلك فتقدمت فقلت أيها الشيخ مسألة فقال: هات مسألتك. فقلت ما تقول فيمن خرج على الامام العادل و حاربه؟ فقال: يكون كافرا، ثمّ استدرك فقال فاسقا، فقلت:
ما تقول في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ قال: إمام، قلت: فما تقول في حرب طلحة و الزبير في يوم الجمل؟ فقال: إنهما تابا، فقلت أما خبر الجمل دراية و أما خبر التوبة فرواية، فقال لي و كنت حاضرا و قد سألني البصري؟! فقلت: نعم، قال رواية برواية و دراية بدراية، و سؤالك متجه وارد، فقال بمن تعرف؟ و على من تقرأ؟ قلت: أعرف بابن المعلّم و أقرأ على الشيخ أبي عبد اللّه الجعل، فقال: موضعك ..، و دخل منزله و خرج و معه رقعة قد كتبها و ألصقها و قال لي: أوصل هذه الرقعة الى
أبي عبد اللّه، فجئت بها إليه فقرأها و لم يزل يضحك بينه و بين نفسه، ثمّ قال لي: أي شيء جرى لك في مجلسه؟ فقد أوصاني بك و لقّبك ب «المفيد» فذكرت له المجلس بقصته فتبسم 11
فهذين العلمين- الجعل و غلام أبي الجيش- من مشايخه الذين أخذ عنهم و هو في سن مبكرة، كما انه لم يقتصر أخذه و هو في سنه تلك عليهما، بل انه أخذ الحديث عن آخرين و سنه لم يتجاوز العشرين فقد ذكروا أنّه روى عن الشريف أبي محمّد الحسن بن حمزة العلوي المرعشيّ الطبريّ و أنّه تحمله سنة 354 فيكون عمره الشريف حينئذ ثمانية عشر سنة تقريبا، و كذا روايته عن الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ فانه روى عنه عند مقدمه الى بغداد سنة 352 أو سنة 355 12 .
و هناك شيوخ أفذاذ كانوا أعلام عصره تشد اليهم الرحال من الأطراف، و هم مطمح الأنظار و معقد الآمال، سمع منهم و قرأ عليهم و حوى من علومهم ما كان رصيده يوم أشير إليه بالبنان، و غدا المجلي في حلبة الميدان.
و إن المستقرئ لدقائق أخباره و جليل آثاره ليدرك مدى اهتمامه بالتعلم، و يعرف شدة شغفه بالأخذ و التحمل، فقد كان بما منحه اللّه من صفاء الذهن و آتاه من حسن المعرفة مشاركا في كثير من العلوم و الفنون. جامعا لروائعها. ملما بدقائقها. مع عمق الغور و دقة التفكير و رقة التعبير و حسن الأداء و لعلّ فيما ذكرناه من حكايته مع الرماني خير دليل على ذلك. فانا نجده و هو تلميذ مؤدبا كثير التواضع للعلم و أهله، و نجده و هو
محاجج متكلما بارعا ذا فطنة و لباقة في احتجاجه و سؤاله.
و يروي له التأريخ نظير هذه القصة، طريفة أخرى مع القاضي عبد الجبار المعتزلي 13 فانه ذكر أنّه بينما القاضي ذات يوم في بغداد و مجلسه مملوء من علماء الفريقين إذ حضر الشيخ المفيد قدّس سرّه و جلس في صف النعال، ثمّ قال للقاضي:
إن لي سؤالا فان أجزت بحضور هؤلاء الأئمة؟ فقال القاضي: سل، فقال: ما تقول في هذا الخبر الذي ترويه طائفة من الشيعة (من كنت مولاه فعلي مولاه) أ هو مسلّم صحيح عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم الغدير؟ فقال: نعم خبر صحيح فقال الشيخ:
ما المراد بلفظ المولى؟ قال: هو بمعنى أولى، قال فما هذا الخلاف و الخصومة بين الشيعة و السنة؟ فقال القاضي: أيها الأخ هذه رواية و خلافة أبي بكر دراية، و العادل لا يعادل الرواية بالدراية فقال الشيخ: ما تقول في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (حربك حربي و سلمك سلمي)؟ قال القاضي: الحديث صحيح، فقال: ما تقول في أصحاب الجمل؟ فقال القاضي: أيها الأخ إنهم تابوا، فقال الشيخ: أيها القاضي الحرب دراية و التوبة رواية و أنت قررت في حديث الغدير ان الرواية لا تعارض الدراية، فبهت القاضي و لم يحر جوابا و وضع رأسه ساعة ثمّ رفعه و قال من أنت؟!. قال: خادمك محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي فقام القاضي و أجلسه في مجلسه على مسنده و قال: أنت «المفيد» حقا، فانقبض فرق المخالفين و تغيرت وجوه علماء المجلس و همهموا فلما ابصر القاضي ذلك منهم قال: أيها الفضلاء إن هذا الرجل ألزمني و أنا عجزت عن جوابه فان كان عندكم جواب عما ذكره فقولوا حتّى اجلسه في مجلسه الأول، فسكتوا و تفرقوا، فوصل خبر المناظرة إلى عضد الدولة فأرسل الى المفيد (ره) و أحضره و سأله عما جرى فأخبره فأكرمه غاية الإكرام و أمر له بجوائز عظام، و اركبه مركبا حسنا 14 و كان فرسا محلى
بالزينة، و أمر له بوظيفة تجري عليه.
و هكذا لم يفتأ عن الدرس و التعلم و الأخذ و التحمل و الى القارئ بعض مشاهير:-
7- شيوخه
لقد تخرج على عدة مشايخ من أهل الفضل يذعن لهم الخاصّة و العامّة كلهم من أفذاذ العلماء الذين كانت تشد اليهم الرحال للتحمل و الرواية من مختلف الحواضر و هم كما في معاجم التراجم و كتبه و فهارس المشايخ:
1- أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد القمّيّ.
2- أبو غالب أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري.
3- أبو الحسين أحمد بن الحسين بن أسامة البصرى- اجازة-
4- أبو علي أحمد بن محمّد بن جعفر الصولي.
5- الشريف أبو محمّد أحمد بن محمّد بن عيسى العلوي الزاهد.
6- أبو الحسن أحمد بن محمّد الجرجانيّ.
7- أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الصيمري.
8- أبو القاسم إسماعيل بن محمّد الأنباري الكاتب.
9- أبو أحمد إسماعيل بن يحيى العبسي.
10- جعفر بن الحسين المؤمن.
11- أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه.
12- الشريف أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوي الحسيني الطبريّ.
13- أبو علي الحسن بن عبد اللّه القطان.
14- أبو محمّد الحسن بن محمّد العطشى.
15- أبو علي الحسن بن الفضل الرازيّ البصرى.
16- أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى الشريف.
17- أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ بن إبراهيم المعروف بجعل.
18- الشيخ أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ بن شيبان القزوينيّ.
19- الحسين بن أحمد بن موسى بن هدية أبو عبد اللّه.
20- أبو الطيب الحسين بن عليّ بن محمّد التمار.
21- أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن المغيرة.
22- أبو الحسن زيد بن محمّد بن جعفر السلمي.
23- أبو ياسر طاهر غلام أبي الجيش.
24- أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد الأبهري.
25- عبد اللّه بن جعفر بن محمّد بن أعين البزاز.
26- أبو عبد اللّه بن أبي رافع الكاتب.
27- أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق. إجازة.
28- أبو الحسن عليّ بن خالد المراغي.
29- أبو الحسن عليّ بن مالك النحوي.
30- أبو الحسن عليّ بن محمّد بن حبيش الكاتب.
31- أبو الحسن عليّ بن بلال المهلبي.
32- أبو الحسن عليّ بن الحسين البصرى البزاز.
33- أبو الحسن عليّ بن محمّد بن زبير الكوفيّ.
34- أبو الحسن عليّ بن محمّد بن خالد.
35- أبو الحسن عليّ بن أحمد بن إبراهيم الكاتب.
36- أبو القاسم عليّ بن محمّد الرفاء.
37- أبو الحسن عليّ بن محمّد القرشيّ.
38- أبو بكر عمر بن محمّد بن سالم بن البراء المعروف بابن الجعابى.
39- أبو حفص عمر بن محمّد بن علي الصيرفي المعروف بابن الزيات.
40- أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق 15 .
41- أبو علي محمّد بن الجنيد الكاتب الإسكافيّ.
42- أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود بن علي القمّيّ.
43- أبو بكر محمّد بن سالم بن محمّد البراء المعروف بالحافظ الجعابي.
44- أبو عبد اللّه محمّد بن عمران المرزباني.
45- أبو نصر محمّد بن الحسين النصير الشهرزوري المقرى.
46- أبو الطيب محمّد بن أحمد الثقفي.
47- أبو الحسن محمّد بن مظفر الزيات.
48- أبو بكر محمّد بن أحمد الشافعي.
49- أبو الحسن محمّد بن جعفر بن محمّد الكوفيّ النحوي التميمي.
50- أبو جعفر محمّد بن الحسين البزوفري.
51- أبو عبد اللّه محمّد بن الحسن الجواني.
52- أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ بن رياح القرشيّ.
53- أبو عبد اللّه محمّد بن داود الحتمي.
54- محمّد بن أحمد بن عبيد اللّه المنصورى.
55- محمّد بن أحمد بن عبد اللّه بن قضاعة الصفواني.
56- أبو نصر محمّد بن الحسين الخلال.