کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة الناشر]
تقديم
الشيخ الطوسيّ ... واحد من الأفذاذ الذين نقشوا أسماءهم على ناصية التاريخ بماء الذهب ... العلم الذي تزعّم عصره علما و تقوى و شهرة ... شيخ الطائفة (رحمه اللّه)، ذو الأثر الكبير على الثقافة الإسلامية ... فقد رفد المكتبة الإسلامية بمختلف أنواع العلوم و فروعها ... سالكا في كلّ ما كتبه في التفسير و الحديث و الرجال و الكلام و الفقه و الأصول و الأدعية و الأمالي، الطرق العلمية الصحيحة و المنهجية الرائعة التي ظلّت على طول العصور مهوى أفئدة طلّاب العلم و مريديه، و بقي بعضها إلى اليوم مناهج نيّرة تدرّس في جامعات العلم و حوزاته.
و بالنظر للأهميّة القصوى لتراث هذا العالم الفذّ، فقد ارتأينا طبع كتابه (الأمالي) طبعة جديدة، سعينا فيها- قدر المستطاع- إلى تخليص الكتاب ممّا الحق به من تصحيف و تحريف في طبعته الأولى (مطبعة النعمان- النجف الأشرف. سنة 1384 ه- 1964 م) ليكون أكثر فائدة لمريدي هذا الكتاب، و بشكل يناسب مقام مؤلّفه (رحمه اللّه).
و قد أوكلنا مهمّة تحقيقه إلى قسم الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة، فتولّى ذلك الاخوة العاملون في القسم مشكورين، معتمدين في التحقيق على نسخة مخطوطة نفيسة يعود تاريخ نسخها إلى سنة 580 ه، و على النسخة المطبوعة على الحجر في إيران سنة 1313 ه، فجاء الكتاب بطبعته الجديدة منقّحا، قد شرح غريبه، و خرّجت آياته، و رقّمت مجالسه و أحاديثه، مع إلحاق عدّة فهارس تكشف عن
مضامينه المختلفة.
و أخيرا نقدّم وافر امتناننا مع خالص دعائنا لسماحة العلامة السيّد عبد العزيز الطباطبائي، و سماحة العلامة السيّد موسى الزنجانيّ، لتفضّلهما بالمراجعة النهائية للكتاب، و تسجيل ملاحظاتهما القيّمة عليه، وفّق اللّه العاملين على إحياء التراث الإسلامي المجيد و سدّد خطاهم.
دار الثقافة
قم- في 1 جمادى الأولى 1414 ه
[مقدمة التحقيق]
حياة الشيخ الطوسيّ 1
ولد الشيخ الطوسيّ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيّ، في شهر رمضان عام 385 ه، في طوس- على الأرجح- و بها نشأ، و كانت طوس إحدى مراكز العلم المهمّة في خراسان، ذلك الإقليم الواسع الذي أنجب كثيرا من المفكّرين، و ينسب إليه خلق كثير من العلماء في كلّ فنّ، و من المحتمل أنّ الشيخ الطوسيّ درس فيه علوم اللغة و الأدب و الفقه و أصوله و الحديث و علم الكلام، و لمّا بلغ الثالثة و العشرين من عمره عام 408 ه هاجر إلى بغداد، و كانت في ذلك الوقت ملتقى رجال العلم و الفكر و الأدب، و كانت تدرّس في معاهدها مختلف العلوم العقليّة و النقليّة، و كانت الزعامة الفكرية للشيعة الإماميّة فيها للشيخ المفيد (338- 413 ه) ذلك العالم الذي قطع شوطا بعيدا في ميدان العلوم، و كان مجلسه عامرا بنخبة صالحة من المثقفين و ذوي النظر، فكان يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف، و قد تتلمذ الشريف المرتضى على الشيخ المفيد في المناظرة، و كان له كاستاذه، مجلس يناظر عنده في كلّ المذاهب، فكان الجوّ الفكري المشبع بالأصالة و الإبداع من أهمّ الأسباب التي حملت الشيخ الطوسيّ على الهجرة إلى بغداد، هذا و كانت الرحلة في طلب العلم أمرا شائعا في تلك العصور، مضافا إلى توفّر المكتبات الكبرى التي يرجع
إليها الطلّاب للافادة منها، و اشتهرت ببغداد مكتبتان عظيمتان؛ الأولى مكتبة سابور ابن أردشير الوزير البويهي التي تأسست عام 381 ه، أو عام 383 ه، و كانت ملتقى رجال الفكر و الأدب، و منتدى العلماء و الباحثين و المناظرين، يشدّون إليها الرحال، و الثانية مكتبة الشريف المرتضى، و قد كان بها ثمانون ألف مجلّد.
و قد تتلمذ الشيخ الطوسيّ في بغداد على الشيخ المفيد، الذي كان يومذاك شيخ متكلّمي الإماميّة و فقهائها، انتهت رياستهم إليه في وقته في العلم، مدّة خمس سنوات، و كان ممّا درسه الأصول و الكلام، و شرع في تأليف كتاب (تهذيب الأحكام) شرح فيه كتاب (المقنعة) لاستاذه الشيخ المفيد، و تتلمذ الشيخ الطوسيّ خلال تلك الفترة على الحسين بن عبيد اللّه الغضائري، المتوفّى عام 411 ه، و محمّد بن أحمد بن أبي الفوارس المتوفّى بعد سنة 411 ه، و غير هؤلاء من شيوخ عصره. و بعد وفاة الشيخ المفيد عام 413 ه، انتقلت زعامة الإماميّة إلى الشريف المرتضى (413- 436 ه) الذي كان من أبرز تلامذة الشيخ المفيد، و قد تلمذ الشيخ الطوسيّ للسيّد المرتضى، و ألّف كتاب (تلخيص الشافي) خلال تلمذته له، و هو كتاب حاول به تبسيط المسائل التي وردت في كتاب (الشافي) لاستاذه الشريف المرتضى، و ألّف الشيخ الطوسيّ في حياة استاذه الشريف المرتضى كتاب (الرجال) و (الفهرست)، و قد دامت مدّة تلمذة الشيخ الطوسيّ على الشريف المرتضى ثلاثة و عشرين عاما، كما تلمذ خلال هذه الفترة على شيوخ آخرين، منهم: هلال بن محمّد بن جعفر الحفّار، المتوفّى عام 414 ه، و محمّد بن محمّد بن محمّد بن مخلد، المتوفّى عام 419 ه، و أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر المتوفّى عام 423 ه، و محمّد بن أحمد بن شاذان المتوفّى نحو سنة 425 ه.
و بعد وفاة السيّد المرتضى عام 436 ه، تفرّغ الشيخ الطوسيّ للتدريس و التعليم، و انشغل بالامور التي تخصّ الزعامة الدينية للامامية، و استمرّت زعامته في بغداد مدة اثنتي عشرة سنة (436- 448 ه) و كان يتمتّع بالمكانة التي كان يتمتّع بها استاذاه المفيد و المرتضى، فأصبح الطوسيّ شيخ الطائفة و عمدتها و الامام المعظّم
عند الشيعة الإماميّة، و تقاطر عليه العلماء لحضور مجلسه حتّى عدّ تلاميذه أكثر من ثلاثمائة من مختلف المذاهب الإسلامية، و قد منحه الخليفة العباسيّ القائم بأمر اللّه (422- 467 ه) كرسيّ الكلام، و كان هذا الكرسيّ لا يعطى إلّا للقليلين من كبار العلماء، و لرئيس علماء الوقت، و الظاهر أنّ تقدير الخليفة العباسيّ للشيخ الطوسيّ أثار عليه حسد بعضهم فسعوا به لدى الخليفة القائم، و اتّهموه بأنّه تناول الصحابة بما لا يليق بهم، و كان الشيخ المفيد أستاذ الشيخ الطوسيّ، واحدا من أولئك الذين لفّقت حولهم مثل هذه التهمة، و كانت بغداد مسرحا لأمثال هذه الفتن، و قد وجدت طريقها عام 447 ه عند دخول السلاجقة، و اشتدّ عنفها عام 448 ه، فقد بلغت الفتن فيها ذروتها من العنف و القتل و الإحراق، و لم يسلم الشيخ الطوسيّ من غوائلها، فقد كبست داره و نهبت و أحرقت، كما و أحرقت كتبه و آثاره و دفاتره مرّات عديدة، و بمحضر من الناس، كما و أحرق كرسيّ التدريس الذي منحه الخليفة القائم له، و نهبت أثاثه كذلك، و قتل أبو عبد اللّه الجلّاب على باب داره و هو من كبار علماء الشيعة، و كانت الدولة العباسية آنذاك في ضعف و تدهور، حيث فقدت هيبتها و سلطانها على النفوس، و أصبحت عاجزة عن إقرار النظام، ممّا جعل بعض السلفيّين المتشدّدين الذين كانوا يفيدون من الخلاف و الفرقة بين عناصر المجتمع، و آذاهم ما لمسوه من تقارب نسبيّ بين الطوائف المسلمة، فجنّدوا أنفسهم لتعكير صفو الأمن، و أظهروا كلّ ما تكنّه نفوسهم من تعصّب ضدّ خصومهم في المذهب، فاعتدوا على رجال العلم، و عرّضوا قسما مهما من التراث الإسلامي إلى الضياع، بإحراقهم المعاهد و دور العلم.
و قد ألّف الشيخ الطوسيّ في أثناء زعامته المطلقة للمذهب الإمامي كتاب (العدة) في أصول الفقه، و (المقدّمة إلى علم الكلام) و (مصباح المتهجّد) و (المبسوط) و (النهاية) في الفقه، و (مسائل الخلاف) في الفقه المقارن.
و هاجر الشيخ الطوسيّ إلى النجف الأشرف سنة 448 ه، بعد فراره من بغداد أثناء الفتنة التي عصفت بها عند دخول السلاجقة، و بقي فيها حتّى وفاته سنة 460 ه، و استمرّت أسرته فيها من بعده، و لا يزال بيته قائما فيها حتّى الوقت الحاضر، بيد أنّه
حوّل إلى مسجد، و يعرف اليوم بمسجد الشيخ الطوسيّ، و قد غدت مدينة النجف بعد فترة قصيرة من وصول الشيخ الطوسيّ إليها، حاضرة العلم و الفكر، و أخذ الناس يهاجرون إليها من مختلف المناطق، و باشر الشيخ الطوسيّ بعد إقامته بها بالتدريس، فكان يملي دروسه على تلاميذه بانتظام، و ما كتاب (الأمالي) إلّا محاضرات ألقاها هناك، و ألّف أيضا كتاب (اختيار الرجال) و (شرح الشرح) و استمرّ في تدريسه و إلقاء محاضراته حتّى أواخر حياته.
شيوخه
و هم الذين تدور روايته عليهم في كتبه، و هم إمّا شيوخ إجازة أو سماع أو قراءة، أو ممّن ذكرهم أرباب التراجم و الرجال، و هم:
1- أحمد بن إبراهيم القزوينيّ، المتوفّى بعد سنة 408 ه.
2- أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزّاز، المعروف بابن الحاشر، و يعرف أيضا بابن عبدون، المتوفّى سنة 423 ه.
3- أحمد بن عليّ بن أحمد بن العباس النجاشيّ الأسدي، المكنّى بأبي العباس أو بأبي الحسين، المتوفّى سنة 450 ه.
4- أحمد بن محمّد بن موسى بن الصلت الأهوازي، و يعرف بابن أبي الصلت أيضا، و يكنّى بأبي الحسن، المتوفّى سنة 409 ه.
5- جعفر بن الحسين بن حسكة القمّيّ، يكنى بأبي الحسين.
6- أبو حازم النيشابوري.
7- أبو الحسن الصقّال، أو ابن الصقّال.
8- الحسن بن القاسم المحمّدي، و يكنى بأبي محمّد، و يلقّب بالشريف و النقيب و العلوي و المحمّدي، المتوفّى بعد سنة 410 ه.