کتابخانه تفاسیر
احكام القرآن، ج1، ص: 3
فإن قيل: و لو لم تكن قرآنا لكان مدخلها في القرآن كافرا.
قلنا: الاختلاف فيها يمنع من أن تكون آية، و يمنع من تكفير من يعدّها من القرآن، فإنّ الكفر لا يكون إلّا بمخالفة النص و الإجماع في أبواب العقائد.
فإن قيل: فهل تجب قراءتها في الصلاة؟ قلنا: لا تجب، فإنّ
أنس بن مالك رضى اللّه عنه روى أنه صلّى خلف رسول اللّه [2] صلى اللّه عليه و سلم و أبى بكر و عمر، فلم يكن أحد منهم يقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ؛ و نحوه عن عبد اللّه بن مغفّل.
فان قيل: الصحيح من حديث انس؛ فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين.
و قد قال الشافعى: معناه انهم كانوا لا يقرؤون شيئا قبل الفاتحة.
قلنا: و هذا يكون تأويلا «1» لا يليق بالشافعي لعظيم فقهه، و انس و ابن مغفل؛ إنما قالا هذا ردّا على من يرى قراءة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
فإن قيل: فقد روى جماعة قراءتها، و قد تولى الدّارقطنيّ جميع ذلك في جزء صحّحه.
قلنا: لسنا ننكر الرواية، لكن مذهبنا يترجّح بأنّ أحاديثنا و إن كانت أقلّ فإنها أصحّ و بوجه عظيم و هو المعقول في مسائل كثيرة من الشريعة، و ذلك أنّ مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالمدينة انقضت عليه العصور، و مرّت عليه الأزمنة من لدن زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى زمان مالك، و لم يقرأ أحد [قط] «2» فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم، اتّباعا للسنة؛ بيد أنّ أصحابنا استحبّوا قراءتها في النّفل، و عليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها.
المسألة الثانية-
ثبت عن النبىّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: قال اللّه تعالى: قسّمت الصلاة بيني و بين عبدى نصفين، فنصفها لي، و نصفها لعبدي، و لعبدي ما سأل. يقول العبد:
الحمد للّه رب العالمين، يقول اللّه تعالى: حمدنى عبدى. يقول العبد: الرحمن الرحيم. يقول اللّه تعالى: أثنى علىّ عبدى. يقول العبد: مالك يوم الدّين. يقول تعالى: مجّدنى عبدى «3» .
يقول العبد: إياك نعبد و إياك نستعين. يقول اللّه تعالى: فهذه الآية بيني و بين عبدى و لعبدي ما سأل يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب
(1) في ا: قلنا هذا تأويل.
(2) ليس في م.
(3) في ص: فوض إلى عبدى.
احكام القرآن، ج1، ص: 4
عليهم و لا الضالّين. يقول اللّه: فهؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل.
فقد تولّى سبحانه قسمة القرآن «1» بينه و بين العبد بهذه الصفة، فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
و هذا دليل قوىّ، مع أنه
ثبت في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب
، و
ثبت عنه أنه قال: من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج «2» ثلاثا- غير تمام «3» .
الآية الثانية- قوله تعالى: «4» الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .
اعلموا علّمكم اللّه المشكلات أنّ البارئ تعالى حمد نفسه، و افتتح بحمده كتابه، و لم يأذن في ذلك لأحد من خلقه، بل نهاهم في محكم كتابه، فقال: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ «5» ، و منع بعض الناس من أن يسمع مدح بعض له، أو يركن إليه، و أمرهم بردّ ذلك، و قال: احثوا «6» في وجوه المدّاحين التراب- رواه المقداد و غيره.
و كأن في مدح اللّه لنفسه و حمده لها وجوها منها ثلاث أمهات:
الأول- أنه علّمنا كيف نحمده، و كلّفنا حمده و الثناء عليه؛ إذ لم يكن لنا سبيل إليه إلا به.
الثاني- أنه قال بعض الناس معناه: قولوا الحمد للّه، فيكون فائدة ذلك التكليف لنا.
و على هذا تخرّج قراءة من قرأ بنصب الدال في الشاذ.
الثالث- أنّ مدح النفس إنما نهى عنه لما يدخل عليها من العجب بها، و التكثّر على الخلق من أجلها، فاقتضى ذلك الاختصاص بمن يلحقه التغيّر و لا يجوز منه التكثر و هو المخلوق، و وجب ذلك للخالق لأنه أهل الحمد.
و هذا هو الجواب الصحيح و الفائدة المقصودة.
الآية الثالثة- قوله [3] تعالى «7» : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
فيها مسألتان:
المسألة الأولى- يقول اللّه تعالى: فهذه الآية بيني و بين عبدى، و
قد روينا
(1) في ا: القراءة.
(2) الخداج: النقصان، يريد ذات خداج، و صفها بالمصدر مبالغة، أو على حذف مضاف؛ أى ذات خداج.
(3) ثلاثا: أى كرر قوله: فهي خداج- ثلاث مرات.
(4) الفاتحة: 2
(5) النجم: 32
(6) احثوا: ارموا.
(7) الفاتحة: 5
احكام القرآن، ج1، ص: 5
عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و اسندنا لكم أنه قال: قال اللّه تعالى: يا بن آدم، أنزلت عليك سبعا، ثلاثا لي، و ثلاثا لك، و واحدة بيني و بينك؛ فأما الثلاث التي لي ف الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . و أما الثلاث التي «1» لك ف اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ . و أما الواحدة التي بيني و بينك ف إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . يعنى من العبد العبادة، و من اللّه سبحانه العون.
المسألة الثانية- قال أصحاب الشافعى: هذا يدلّ على أنّ المأموم يقرؤها، و إن لم يقرأها فليس له حظّ في الصلاة لظاهر هذا الحديث.
و لعلمائنا في ذلك ثلاثة أقوال:
الأول- يقرؤها إذا أسرّ خاصة- قاله ابن القاسم.
الثاني- قال ابن وهب و أشهب في كتاب محمد: لا يقرأ.
الثالث- قال محمد بن عبد الحكم: يقرؤها خلف الإمام، فإن لم يفعل أجزأه، كأنه رأى ذلك مستحبّا.
و المسألة عظيمة الخطر، و قد أمضينا القول في مسائل الخلاف في دلائلها بما فيه غنية «2» .
و الصحيح عندي وجوب قراءتها فيما يسرّ و تحريمها فيما جهر إذا سمع قراءة الإمام، لما عليه من فرض الإنصات له و الاستماع لقراءته، فإن كان عنه في مقام بعيد فهو بمنزلة صلاة السرّ؛ لأنّ أمر النبىّ صلى اللّه عليه و سلم بقراءتها عامّ في كل صلاة و حالة، و خصّ من ذلك حالة الجهر بوجوب فرض الإنصات، و بقي العموم في غير ذلك على ظاهره، و هذه نهاية التحقيق في الباب. و اللّه أعلم.
الآية الرابعة و الخامسة- قوله تعالى: «3» اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ «4» فيها سبع مسائل:
المسألة الأولى- لا خلاف أنّ الفاتحة سبع آيات، فإذا عددت فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1) انظر ما سيأتى في الصفحة التالية، إذ يقول: و الصحيح أن قوله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ خاتمة آية.
(2) الغنية: الاستغناء و الكفاية.
(3) الفاتحة: 6، 7
(4) يجرى المؤلف على أن يقول: إلى آخر السورة، أو: إلى آخر الآية، فآثرنا أن نكمل هذه الآيات ليستقل القارئ بالفهم.
احكام القرآن، ج1، ص: 6
آية اطّرد العدد، و إذا أسقطتها تبيّن تفصيل العدد فيها.
قلنا: إنما الاختلاف بين أهل العدد في قوله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ - هل هو خاتمة آية أو نصف آية؟ و يركب هذا الخلاف في عدّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
و الصحيح أنّ قوله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ خاتمة آية؛ لأنه كلام تامّ مستوفى.
فإن قيل: فليس بمقفّى على نحو الآيات [قبله] «1» .
قلنا: هذا غير لازم في تعداد الآي، و اعتبره بجميع سور القرآن و آياته تجده صحيحا إن شاء اللّه تعالى، كما قلنا.
المسألة الثانية-
ثبت عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه.
و ثبت عنه أنه قال: إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
؛ فترتيب المغفرة للذنب على أربع مقدمات ذكر منها ثلاثا و أمسك عن واحدة، لأن ما بعدها يدلّ عليها: المقدمة الأولى تأمين الإمام. الثانية تأمين من خلفه. الثالثة تأمين الملائكة. الرابعة موافقة التأمين. فعلى هذه المقدمات الأربع تترتّب المغفرة. و إنما أمسك عن الثالثة «2» اختصارا لاقتضاء الرابعة لها فصاحة؛ و ذلك يكون في البيان للاسترشاد و الإرشاد، و لا يصحّ ذلك [4] مع جدل أهل العناد، و قد بيناه في أصول الفقه.
المسألة الثالثة- اختلف في قوله: «آمين»، فقيل هو على وزن فاعيل كقوله يامين.
و قيل فيه أمين على وزن يمين؛ الأولى ممدودة، و الثانية مقصورة، و كلاهما لغة، و القصر أفصح و أخصر، و عليها من الخلق الأكثر.
المسألة الرابعة- في تفسير هذه اللفظة: و في ذلك ثلاثة أقوال:
قيل: إنها اسم من أسماء اللّه تعالى، و لا يصح نقله و لا ثبت قوله.
الثاني: قيل معناه اللهم استجب، وضعت موضع الدعاء اختصارا.
الثالث: قيل معناه كذلك يكون، و الأوسط أصحّ و أوسط.
(1) ليس في م.
(2) في م: عن الرابعة.
احكام القرآن، ج1، ص: 7
المسألة الخامسة- هذه كلمة لم تكن لمن قبلنا، خصّنا اللّه سبحانه بها، في الأثر عن ابن عباس أنه قال: ما حسدكم أهل الكتاب على شيء ما حسدوكم على قولكم: «آمين».
المسألة السادسة- في تأمين المصلّى، و لا يخلو أن يكون إماما أو مأموما أو منفردا، فأما المنفرد فإنه يؤمّن «1» اتفاقا. و أما المأموم فإنه يؤمّن في صلاة السرّ «2» لنفسه إذا أكمل قراءته، و في صلاة الجهر إذا أكمل القراءة إمامه يؤمّن. و أما الإمام فقال مالك:
لا يؤمّن، و معنى قوله عنده إذا أمّن الإمام: إذا بلغ مكان التأمين، كقولهم: أنجد الرجل إذا بلغ نجدا.
و قال ابن حبيب: يؤمّن. قال ابن بكير: هو بالخيار، فإذا أمّن الإمام فإنّ الشافعى قال: يؤمّن المأموم جهرا. و أبو حنيفة و ابن حبيب يقولان: يؤمّن سرّا.
و الصحيح عندي تأمين الإمام جهرا؛
فإنّ ابن شهاب قال: و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول آمين، خرّجه البخاري و مسلم «3»
و غيرهما. و في البخاري: حتى إنّ للمسجد للجّة «4» من قول الناس آمين.
و في كتاب الترمذي: و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول آمين، حتى يسمع من الصفّ. و كذلك رواه أبو داود، و
روى عن وائل بن حجر: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لما فرغ من قراءة الفاتحة قال: آمين، يرفع بها صوته.
المسألة السابعة- ليس في أمّ القرآن حديث يدلّ على فضلها إلا حديثان:
أحدهما حديث: قسّمت «5» الصلاة بيني و بين عبدى نصفين ...
الثاني حديث أبىّ بن كعب: لأعلمنك سورة ما أنزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الفرقان مثلها.
و ليس في القرآن حديث صحيح في فضل سورة إلا قليل سنشير إليه، و باقيها لا ينبغي لأحد منكم أن يلتفت إليها.
(1) في م: فليؤمن.
(2) في م: فإنه يؤمن في صلاة الجهر ... و في صلاة السر.
(3) صحيح مسلم: 307
(4) اللجة: الجلبة. يعنى أصوات المصلين.
(5) صحيح مسلم: 296
احكام القرآن، ج1، ص: 8
سورة البقرة
اعلموا- وفّقكم اللّه- أنّ علماءنا قالوا: إنّ هذه السورة من أعظم سور القرآن؛ سمعت بعض أشياخى يقول: فيها ألف أمر، و ألف نهى، و ألف حكم، و ألف خبر.
و لعظيم فقهها أقام عبد اللّه بن عمر ثماني سنين في تعلّمها، و قد أوردنا ذلك عليكم مشروحا في الكتاب الكبير في أعوام، و ليس في فضلها حديث صحيح إلّا
من طريق أبى هريرة عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، و إنّ البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان. خرّجه الترمذي.
و عدم الهدى و ضعف القوى و كلب الزمان على الخلق بتعطيلهم و صرفهم عن الحق.
و الذي حضر الآن من أحكامها في هذا المجموع تسعون آية:
الآية الأولى- قوله تعالى «1» : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ .
فيها مسألتان:
المسألة الأولى: يُؤْمِنُونَ . قد بيّنا حقيقة الإيمان في كتب الأصول و منها تؤخذ.
المسألة الثانية- [5] قوله: بِالْغَيْبِ . و حقيقته ما غاب عن الحواسّ مما لا يوصل إليه إلّا بالخبر دون النّظر، فافهموه.
و قد اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال:
الأول- ما ذكرناه كوجوب البعث، و وجود الجنة و نعيمها و عذابها و الحساب.
الثاني بالقدر. الثالث باللّه تعالى. الرابع يؤمنون بقلوبهم الغائبة عن الخلق لا بألسنتهم التي يشاهدها «2» الناس؛ معناه ليسوا بمنافقين.
و كلها قويّة إلا الثاني و الثالث؛ فإنه يدرك بصحيح النظر، فلا يكون غيبا حقيقة، و هذا الأوسط و إن كان عامّا فإنّ مخرجه على الخصوص.
و الأقوى هو الأول؛ أنه الغيب الذي أخبر به الرسول عليه السلام مما لا تهتدى إليه
(1) الآية الثالثة.
(2) في ا: شاهدها.
احكام القرآن، ج1، ص: 9
المعقول، و الإيمان بالقلوب الغائبة عن الخلق، و يكون موضع المجرور على هذا رفعا، و على التقدير الأول يكون نصبا، كقولك: مررت بزيد. و يجوز أن يكون الأول مقدّرا نصبا، كأنه يقول: جعلت قلبي محلّا للإيمان، و ذلك الإيمان بالغيب عن الخلق.
و كلّ هذه المعاني صحيحة لا يحكم له بالإيمان و لا بحمى الذمار، و لا يوجب له الاحترام، إلّا باجتماع هذه الثلاث؛ فإن أخلّ بشيء منها لم يكن له حرمة و لا يستحقّ عصمة.
الآية الثانية- قوله تعالى «1» : وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ .
فيها مسألتان:
المسألة الأولى- قال علماؤنا: في ذكر الصلاة في هذه الآية قولان:
أحدهما أنها مجملة، و أنّ الصلاة لم تكن معروفة عندهم حتى بيّنها النبىّ صلى اللّه عليه و سلم.
الثاني أنها عامّة في متناول الصلاة حتى خصّها النبىّ صلى اللّه عليه و سلم بفعله المعلوم في الشريعة.
و قد استوفينا القول في ذلك عند ذكر أصول الفقه.
و الصحيح عندي أنّ كلّ لفظ عربىّ يرد مورد التكليف في كتاب اللّه عزّ و جلّ مجمل موقوف بيانه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، إلّا أن يكون معناه متحدا «2» لا يتطرّق إليه اشتراك؛ فإن تطرّق إليه اشتراك، و استأثر اللّه عزّ و جلّ برسوله صلى اللّه عليه و سلم قبل بيانه، فإنه يجب طلب ذلك في الشريعة على مجمله، فلا بدّ أن يوجد، و لو فرضنا عدمه لارتفع التكليف به، و ذلك تحقّق في موضعه.
و قد قال عمر رضى اللّه عنه في دون هذا أو مثله: ثلاث وددت أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان عهد إلينا فيها عهدا تنتهي إليه: الجدّ، و الكلالة، و أبواب من أبواب الرّبا.
فتبيّن من هذا أن النبىّ صلى اللّه عليه و سلم لما أسرى به، و فرض عليه الصلاة، و نزل سحرا جاءه جبريل عليه السّلام عند صلاة الظهر فصلّى به و علّمه، ثم وردت الآيات بالأمر
(1) الآية الثالثة.