کتابخانه تفاسیر
آلاء الرحمن فى تفسير القرآن، ج1، ص: 140
و كما لكم من العبادة و الطاعة و الشكر لنعمي أعد عليكم بالجزاء و اللطف و النعمة و المزيد.
و لأجل المقابلة اللفظية جرى التعبير عن ذلك بقوله تعالى أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي نعمائي عارفين بها وَ لا تَكْفُرُونِ لا تكفروني نعمتي لا تجحدوني نعمتي كفره حقه جحده
[سورة البقرة (2): الآيات 153 الى 157]
151 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا في امر دينكم و عبادتكم و طاعتكم للّه و اجتناب معاصيه و في مصائبكم بِالصَّبْرِ فانه نعم المطية و مفتاح الفرج و وسيلة البشرى بالصلوات من اللّه و الرحمة وَ الصَّلاةِ عطف على الصبر فانها باب اللّه في مناجاته و الاستعانة به و معراج السعادة و الناهية عن الفحشاء و المنكر إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ و كفى بذلك بشرى 152 وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هم أَمْواتٌ بَلْ هم أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ بحياتهم لأن عالمهم غير عالمكم. و قد اخبر اللّه جلت آلاؤه عما لحياتهم السعيدة من الكرامة و الحبور كما في الآية الثالثة و الستين بعد المائة و اللتين بعدها من سورة آل عمران 153 وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ يا ايها الذين آمنوا كما يقتضيه سياق الخطاب. او يا ايها الناس بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ على ذلك رضى بما قضى اللّه و تسليما لحكمته فلا يصدهم ما ذكر عن شكر ما هم فيه من نعمة و لا عن عبادته و طاعته و الجهاد في سبيله بل هم 154 الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ و كل ما هو لنا من حياة و نعمة إنما هو من عنده بدون استحقاق لنا في أقل شيء من ذلك يفعل بحكمته ما يشاء وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ في الآخرة فيعاملنا بصبرنا او جزعنا الذي هو كفران لنعمه 155 أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ثناء جميل وَ رَحْمَةٌ بالثواب و الجزاء وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ الى الحق بصبرهم و تسليمهم للّه
آلاء الرحمن فى تفسير القرآن، ج1، ص: 141
و علمهم و اعترافهم بأنهم للّه و انهم اليه راجعون
[سورة البقرة (2): آية 158]
156 إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ موضعان معروفان بمكة يسعى بينهما في الحج و العمرة مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ من معالم اعمال الطاعة التي جعلها اللّه في الحج و العمرة و ان عرض ان المشركين جعلوا عليهما الأصنام كما جعلوها على البيت الحرام الى ان ألقاها عنه رسول اللّه في فتح مكة إذ أصعد امير المؤمنين على كتفيه و رمى بها الى الأرض فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما الحج و العمرة معروفان و التطوف الطواف. و سمي السعي تطوفا باعتبار تكرره فيكون كالطواف الذي يرجع الى مبتداه و طاف به أعم من الطواف حوله و جعله في وسط المطاف كالطواف بالبيت و من المرور به في الطواف كما تسمى الكثيرة الخروج من دارها طوّافة بالبيوت. و قد اتفقت الرواية من المسلمين على ان قريشا جعلوا من أصنامهم على الصفا و المروة فتوقف المسلمون من الطواف بهما لمكان الأصنام فرفع توهم التحريم بقوله لا جُناحَ لأنها من شعائر اللّه و ذلك لا ينافي الوجوب كما ثبت من السنة و عليه اجماع الإمامية و اكثر الجمهور.
ففي تفسير البرهان عنه أي عن محمد بن يعقوب في الكافي في الحسن كالصحيح عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث حج النبي «ص» و ان المسلمين كانوا يظنون ان السعي بين الصفا و المروة شيء صنعه المشركون فأنزل اللّه تعالى إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ الآية.
قلت و لم أجد هذا الكلام في مظانه في الكافي.
و عن العياشي قال ابو عبد اللّه في خبر حماد بن عثمان انه كان على الصفا و المروة أصنام فلما ان حج الناس لم يدروا كيف يصنعون فأنزل اللّه هذه الآية فلما حج النبي رمى بها.
و في الكافي في باب السعي في المرسل المعتبر عن أبي عبد اللّه «ع» ان رسول اللّه «ص» شرط على قريش في عمرة القضاء ان يرفعوا الأصنام من الصفا و المروة فجاؤا اليه و قالوا يا رسول اللّه ان فلانا لم يسع بين الصفا و المروة و قد أعيدت الأصنام فأنزل اللّه عزّ و جلّ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما و ذكر القمي في تفسيره نحوه.
و فيه ايضا ان عمرة القضاء كانت سنة سبع من الهجرة. و ذكر الآية من أولها و لم ينسب شيئا من ذلك الى رواية وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً تجيء صيغة تفعل للاتخاذ و الجعل نحو توسد الحجر.
و قد يتجلى عليها معنى الطلب و الرغبة و التحصيل نحو تعرّفت و تعلمت و تبصرت من البصيرة في
آلاء الرحمن فى تفسير القرآن، ج1، ص: 142
غير المطاوعة. و من ذلك قول امرؤ القيس في معشوقته:
« تنورتها من أذرعات و دارها
بيثرب أدنى دارها نظر عالي »
فالمعنى و من اتخذ الخير المشروع طاعة بطلب لها و رغبة. و لا دليل من اللغة و لا من هيئة التطوع او مادته على اختصاصه بالمستحبات. بل ان المقام يأبى ذلك فإن السعي حق في الحج و العمرة المندوبين يجب بالشروع فيهما. و حاصل الآية ان التطوف بالصفا و المروة خير لأنه تعظيم لشعائر اللّه و طاعة له في ذلك من تطوع خيرا فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ بالطاعة لا يخفى عليه شيء منها و مجاز عليها. و إن كان الشكر مختصا بالنعمة و اليد فنسبته الى اللّه مجاز
[سورة البقرة (2): الآيات 159 الى 163]
157 إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ الواضحات في الإرشاد وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ و أوضحنا دلائله فِي الْكِتابِ و العموم في الكتاب للقرآن و غيره من كتب اللّه أنسب بعموم التوبيخ و قيام الحجة و استحقاق اللعنة. و لذلك مصاديق كثيرة. و منها ما رواه في البرهان عن العياشي أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ يطردهم عن رحمته وَ يَلْعَنُهُمُ أي يدعو عليهم بالطرد عن الرحمة اللَّاعِنُونَ 158 إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا اعمالهم وَ بَيَّنُوا ما كانوا يكتمونه و غيره مما ينبغي بيانه من الحق فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ على من تاب حق التوبة الرَّحِيمُ 160 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ و طردهم عن رحمته وَ لعنة الْمَلائِكَةِ اي دعائهم باللعنة وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ بلعنهم للظالمين و الجاحدين للحق. و من طرده اللّه عن رحمته فهو معذب 162 خالِدِينَ فِيها اي في اللعنة فهم خالدون في العذاب لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ من النظرة و الإمهال في العذاب و الإمهال للاعتذار و التوبة 161 وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ في الإلهية و صفاتها لا شريك له فيها لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
آلاء الرحمن فى تفسير القرآن، ج1، ص: 143
و هذه العبارة في توحيد اللّه في الإلهية و نفي ما عداه فيها أوضح من ان تشوش بقواعد الإعراب الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ و قد مر تفسير الكلمتين في بسملة الفاتحة. و لعمر الحق ان مضمون هذه الآية الكريمة في وجود الإله و وحدانيته في الإلهية و إبداع العالم بحكمته و ارادته و رحمانيته و رحمته امر تجلوه الفطرة للعقول الحرة بأوضح المجالي. و لكن اللّه جلت آلاؤه شاء بلطفه ان يستلفت العقول الى ذلك بالحجة القيمة بنحو يكتفي منه العامي بنظرته البسيطة و يستنبط العالم لها بحسب استعداده في العلوم من كل شيء يجلوه العلم برهانا كافيا.
[سورة البقرة (2): آية 164]
فذكر هنا جلت الطافه بعض الآيات المشاهدة من خليقته و قال 162 إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ و ما يرى فيها من الكواكب الثابتة و السيارات المرتفعة بعضها عن بعض على مدار مخصوص و المستمرة كل على سيره المنتظم على منطقة البروج فضلا عما يعرف بالعلم من فوائد سير السيار على تلك المنطقة وَ الْأَرْضِ و ما فيها من الجبال و حكمها الباهرة. و منها تفجر العيون من أعاليها و إخراج النار من براكينها.
و من انواع المعادن. و من البحار و تياراتها و ما في ذلك من الحكم وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ على نظام موزون مستمر متماثل في ايام السنين يزيد النهار في كل محل من نصف الأرض الشمالي بمقدار ما ينقص في ذلك اليوم من مثل ذلك المحل في العرض من النصف الجنوبي. و تجري نقيصة الليل و زيادته على عكس النهار في المحال المتماثلة في العرض من النصفين وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ من تجارة البلدان النائية و الوصول الى البلاد البعيدة و كيف سخرت لها الرياح المسماة بالتجارية. فترى السفن تجري في زمان واحد و بحر واحد كل الى مقصدها شمالا او جنوبا او شرقا او غربا وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بالنبات و الشجر و النمو بَعْدَ مَوْتِها بكونها قاحلة ماحلة و أوجد فيها روح قوة الإنبات لا تحصل بالدوامل «1» العادية. و لا الماء الجاري نعم قد يحصل من القوة شيء باطيان الفيضان المتشبعة بروح المطر وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ببركة إحيائها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ التي يسمونها استوائية
(1) الدوامل ما يداوى بها ضعف الأرض في الإنبات من سماد و نحوه
آلاء الرحمن فى تفسير القرآن، ج1، ص: 144
و قطبية و موسمية و تجارية. و ما في استقامتها و هدوّها في البحر المسمى بالمحيط الهادئ أي الساكن و هو الواقع ما بين آسيا و امريكا مع ان مساحة قطره من المشرق الى المغرب تزيد على سبعة آلاف ميل و من الجنوب الى الشمال اكثر من ذلك. و استقامة أنواعها ايضا في البحر المسمى بالمحيط الأطلسي و هو الواقع بين أوروبا و امريكا و ربما يبلغ عرضه اربعة آلاف ميل فلا يكون في هذين المحيطين العظيمين و الطريقين الموصلين ما بين الدنيا القديمة و الدنيا الجديدة خطر العواصف و الأعاصير التي تكون في بحر الصين و الهند و بحر انتيلة المقابل لأمريكا الوسطى وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ يجري حيث توجهه القدرة و الحكمة تراه في محل واحد ينزل مطره قطرات و سحا و هكذا و تتخلل بين ذلك فترات و احوال مختلفة في نزوله و بينما هو واقف إذ اقلع مسرعا او على تأن. هذا و في كل أمر من هذه الأمور و كل حال من هذه الأحوال المنتظمة بأحسن نظام يجد العقل الحر دلالة واضحة على ان كلا من ذلك إنما هو من إيجاد إله قادر عليم حكيم و تدبيره بحسب ارادته و حكمته و رحمته. و دلالة جلية على انه وحده لا شريك له في الإلهية و هذا الخلق العجيب و التدبير المنتظم و لو كان معه إله لاختل هذا النظام و فسدت المخلوقات كما قال جل شأنه في سورة الأنبياء لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا و في سورة المؤمنون وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ و قد جرى الكلام بأكثر من هذا الشرح في مضامين هذه الآيات في الجزء الثاني من المدرسة السيارة في صفحة 116- الى 125 و 155 الى 160 و في الجزء الثالث في صحيفة 17 و 18 و أنى يبلغ الشرح و البيان معشار ما في هذه الآيات من اسرار القدرة و الحكم الدالة على الإله و توحيده. و على الإجمال ان فيما ذكر في الآية الكريمة لَآياتٍ باهرات و دلالات نيرة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و كلما تفكروا فيما ذكر ظهرت لعقولهم من الآيات و الدلالات اضعاف ما عرفوه
[سورة البقرة (2): آية 165]
163 وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً قد مر الكلام في الند في الآية الثانية و العشرين. و اتخاذ الأنداد أعم من تأليههم و اتباعهم على ظلمهم و باعتبار القسم الثاني جاءت الرواية عن الباقر عليه السلام كما في التبيان و البيان. و عن العياشي مرفوعة عنه
آلاء الرحمن فى تفسير القرآن، ج1، ص: 145
(ع) و في البرهان عن الكافي و اختصاص الشيخ المفيد مسندة. و قيل في هذه الآية من دون اللّه باعتبار ان اتخاذ الأنداد حتى بالمعنى العام المذكور انما هو نكوص عن معرفة اللّه و حقيقة إلهيته و قدس توحيده و عبادته او نكوص عن طاعته و اتباع شريعته و من امر باتباعه يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ لصدق عرفانهم له في إخلاصهم في توحيده و يقينهم بأن الخلق و الأمر بيده و هو الرحمن الرحيم وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا باتخاذهم الأنداد و تعديهم حدود اللّه في العدل إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ و يشاهدون أهواله و انه ليس من دونه نصير أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً جملة ان القوة أي مصدرها مفعول ليرى وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ عطف على مفعول يرى.
و في الآية توبيخ شديد و تسفيه لهؤلاء بالإشارة الى انهم لا يهتدون بعقولهم و دلالة العقل على وحدانية اللّه في الإلهية و انحصار القوة الإلهية به. و لزوم اتباع أوامره فيمن امر باتباعه.
و اتباع نواهيه فيمن نهى عن الضلال باتباعه. و لا يهتدون الى اليقين بما توعد اللّه به من انواع العذاب الأليم في يوم القيامة. و انه ليس من دونه وليّ و لا نصير. بل هؤلاء كالبهائم لا تلتفت إلا الى ما تراه و تحسه. فلو ان هؤلاء الظالمون حينما يرون بالحس عذاب القيامة و ما تذكره الآيتان بعد هذه الآية من أهوالها و يرون انحصار القوة الإلهية باللّه و شدة عذابه لأقلعوا عن غيهم و اتخاذهم الأنداد و أنابوا الى توحيد اللّه و طاعته. و حذف جواب «لو» لدلالة المقام عليه اختصارا. و ليقدر بكل نحو يناسب المقام. قال امرؤ القيس
« فلو أنها نفس تموت سوية
و لكنها نفس تساقط أنفسا »
و قد مرّ بعد الآية السابعة و العشرين شيء من شواهد الحذف لدلالة المقام
[سورة البقرة (2): آية 166]
164 إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا في التبيان و البيان العامل في إذ قوله تعالى شَدِيدُ الْعِقابِ و الأظهر انها بدل من إذ يروا العذاب او عطف بيان فالعامل فيها «لو يرى» وَ رَأَوُا الْعَذابَ جميعا التابعون و المتبوعون وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ السبب هو الحبل الذي يتوصل به الى الصعود فإذا انقطع بالشخص المتعلق به آيس من نجاته من ورطته. كنى بذلك عن انقطاع
آلاء الرحمن فى تفسير القرآن، ج1، ص: 146
آمالهم بوسائلهم التي كانوا يتوهمونها
[سورة البقرة (2): الآيات 167 الى 168]
165 وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً لو للتمني و التقدير لو يمكن ان لنا كرة كما تقدمت الإشارة اليه في الآية التسعين. و قيل انها لا تحتاج الى جواب كجواب الشرط. و قال بعضهم هي لو الشرطية أشربت معنى التمني و معناه انها تحتاج الى الجواب و لكن الغالب حذفه لدلالة سياق الكلام عليه. و احتجوا بقول مهلهل بن ربيعة
فلو نبش المقابر عن كليب
فيخبر بالذنائب أي زير
بيوم الشعثمين لقرّ عينا
و كيف لقاء من تحت القبور
فجاء بجوابها مقرونا باللام. و لا بأس بهذه الحجة و قولها. و ربما يكون بعض ما جيء بجوابها مع اللام في القرآن الكريم هي «لو» التي للتمني فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ من المتبوعين بنصب نتبرأ لوقوعها في جواب التمني بعد الفاء كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا أي تبريا ينفعنا في العمل و الجزاء في دار لا فيها عمل و لا حساب كَذلِكَ أي كما تبرأ بعضهم من بعض. و تقطعت بهم الأسباب و خابت آمالهم يُرِيهِمُ اللَّهُ في الآخرة أَعْمالَهُمْ في الدنيا حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ أي اسباب حسراتهم على أنفسهم فيما فرّطوا فيها و أقيم المسبب مقام السبب مبالغة و من مصاديق ذلك ما
في التبيان و البيان. روي عن أبي جعفر «ع» قال الرجل يكسب المال و لا يعمل فيه خيرا فيرثه من يعمل منه عملا صالحا فيرى الأول ما كسبه حسنات في ميزان غيره. و رواه ايضا في تفسير البرهان عن أمالي الشيخ المفيد مسندا عن أحدهما عليه السلام. و عن الكافي نحوه مسندا ايضا عن أبي عبد اللّه «ع» كما رواه عن العياشي ايضا