کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 451

يُؤْمِنُونَ‏ بعد ما قامت عليهم الآيات، اعْمَلُوا عَلى‏ مَكانَتِكُمْ‏ أي: حالتكم التي أنتم عليها إِنَّا عامِلُونَ‏ على ما كنا عليه‏ وَ انْتَظِرُوا ما يحل بنا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ‏ ما يحل بكم. و قد فصل اللّه بين الفريقين، و أرى عباده نصره لعباده المؤمنين، و قمعه لأعداء اللّه المكذبين.

[123] وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ أي: ما غاب فيهما من الخفايا، و الأمور الغيبية. وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ‏ من الأعمال و العمال، فيميز الخبيث من الطيب. فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏ أي: قم بعبادته، و هي جميع ما أمر اللّه به مما تقدر عليه، و توكل على اللّه في ذلك. وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏ من الخير و الشر، بل قد أحاط علمه بذلك، و جرى به قلمه، و سيجري عليه حكمه، و جزاؤه. تم تفسير سورة هود و الحمد للّه رب العالمين، و صلّى اللّه على محمد و سلم و كان الفراغ من نسخه في يوم السبت 12 من شهر ربيع الآخر سنة 1413.

سورة يوسف‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يخبر تعالى أن آيات القرآن هي‏ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ‏ أي: البين الواضحة ألفاظه، و معانيه.

[2] و من بيانه و إيضاحه: أنه أنزله باللسان العربي، أشرف الألسنة، و أبينها. المبين، لكل ما يحتاجه الناس، من الحقائق النافعة، و كل هذا الإيضاح و التبيين‏ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ أي: لتعقلوا حدوده، و أصوله، و فروعه، و أوامره، و نواهيه. فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم، و اتصفت قلوبكم بمعرفتها، أثمر ذلك، عمل الجوارح، و الانقياد إليه، و لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ أي: تزداد عقولكم، بتكرر المعاني الشريفة العالية، على أذهانكم، فتنتقلون من حال إلى أحوال، أعلى منها و أكمل.

[3] نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏ و ذلك لصدقه، و سلاسة عبارته، و رونق معانيه، بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ‏ أي: بما اشتمل عليه هذا القرآن، الذي أوحيناه إليك، و فضلناك به على سائر الأنبياء، و ذاك محض منّة، من اللّه و إحسان. وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ‏ أي: ما كنت تدري، ما الكتاب، و لا الإيمان، قبل أن يوحي اللّه إليك، و لكن جعلناه نورا، نهدي به من نشاء، من عبادنا. و لما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن، من القصص، و أنه أحسن القصص على الإطلاق، فلا يوجد من القصص، في شي‏ء من الكتب، مثل هذا القرآن، ذكر قصة يوسف، و أبيه، و إخوته، القصة العجيبة الحسنة، فقال: إِذْ قالَ يُوسُفُ‏ إلى‏ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏ ، و اعلم أن اللّه ذكر أنه يقص على رسوله، أحسن القصص في هذا الكتاب. ثم ذكر هذه القصة، و بسطها، و ذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك، أنها قصة تامة، كاملة حسنة. فمن أراد أن يكملها أو يحسنها، بما يذكر في الإسرائيليات، التي‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 452

لا يعرف له سند و لا ناقل، و أغلبها كذب، فهو مستدرك على اللّه، و مكمل لشي‏ء، بزعم أنه ناقص. و حسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا، فإن تضاعيف هذه السورة، قد ملئت في كثير من التفاسير، من الأكاذيب، و الأمور الشنيعة المناقضة، لما قصه اللّه تعالى بشي‏ء كثير. فعلى العبد أن يفهم عن اللّه، ما قصه، و يدع، ما سوى ذلك، مما ليس عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم، ينقل.

[4- 5] فقوله تعالى: إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ‏ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، عليهم الصلاة و السلام:

يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ‏ . فكانت هذه الرؤيا، مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام، من الارتفاع في الدنيا و الآخرة. و هكذا إذا أراد اللّه أمرا من الأصول العظام، قدم بين يديه مقدمة، توطئة له، و تسهيلا لأمره، و استعدادا لما يرد على العبد من المشاق، و لطفا بعبده، و إحسانا إليه، فأوّلها يعقوب، بأن الشمس: أمه، و القمر أبوه، و الكواكب، إخوته، و أنه ستنتقل به الأحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له، و يسجدون له، إكراما و إعظاما، و أن ذلك لا يكون، إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء اللّه له، و اصطفائه إياه، و إتمام نعمته عليه، بالعلم و العمل، و التمكين في الأرض.

[6] و أن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب، الذين سجدوا له، و صاروا تبعا له فيها، و لهذا قال: وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ‏ أي: يصطفيك و يختارك بما منّ به عليك من الأوصاف الجليلة، و المناقب الجميلة، وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ‏ أي: من تعبير الرؤيا، و بيان من تؤول إليه الأحاديث الصادقة، كالكتب السماوية و نحوها، وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ‏ في الدنيا و الآخرة، بأن يؤتيك في الدنيا حسنة، و في الآخرة حسنة، كَما أَتَمَّها عَلى‏ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ‏ حيث أنعم اللّه عليهما، بنعم عظيمة واسعة، دينية، و دنيوية. إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏ أي: علمه محيط بالأشياء، و بما احتوت عليه، ضمائر العباد، من البر و غيره، فيعطي كلا، ما تقتضيه حكمته و حمده، فإنه حكيم، يضع الأشياء مواضعها، و ينزلها منازلها. و لما تم تعبيرها ليوسف، قال له أبوه: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى‏ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً أي: حسدا من عند أنفسهم، بأن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم. إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ‏ لا يفتر عنه، ليلا و لا نهارا، و لا سرا، و لا جهارا، فالبعد عن الأسباب، التي يتسلط بها على العبد، أولى، فامتثل يوسف أمر أبيه، و لم يخبر إخوته بذلك، بل كتمها عنهم.

[7] يقول تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ‏ أي: عبر و أدلة، على كثير من المطالب الحسنة.

لِلسَّائِلِينَ‏ أي: لكل من سأل عنها، بلسان الحال، أو بلسان المقال. فإن السائلين، هم الذين ينتفعون بالآيات و العبر، و أما المعرضون، فلا ينتفعون بالآيات، و لا بالقصص، و البينات.

[8] إِذْ قالُوا فيما بينهم: لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ‏ بنيامين، أي: شقيقه، و إلا، فكلهم إخوة، أَحَبُّ إِلى‏ أَبِينا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ أي: جماعة، فكيف يفضلهما بالمحبة و الشفقة، إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ أي: لفي خطأ بيّن، حيث فضلهما علينا، من غير موجب نراه، و لا أمر نشاهده.

[9] اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً أي: غيبوه عن أبيه، في أرض بعيدة، لا يتمكن من رؤيته فيها. فإنكم إذا فعلتم أحد هذين الأمرين‏ يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ‏ ، أي: يتفرغ لكم، و يقبل عليكم بالشفقة و المحبة، فإنه قد اشتغل قلبه بيوسف، شغلا، لا يتفرغ لكم، وَ تَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ‏ أي: من بعد هذا الصنيع‏ قَوْماً صالِحِينَ‏ أي: تتوبون إلى اللّه، و تستغفرونه من بعد ذنبكم. فقدموا العزم على التوبة، قبل صدور الذنب منهم تسهيلا لفعله، و إزالة لشناعته، و تنشيطا من بعضهم لبعض.

[10] أي: قالَ قائِلٌ‏ من إخوة يوسف، الذين أرادوا قتله، أو تبعيده: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ‏ فإن قتله أعظم إثما، و أشنع، و المقصود يحصل بتبعيده عن أبيه، من غير قتل، و لكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه‏ فِي غَيابَتِ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 453

الْجُبِ‏ و تتوعدوه، على أنه لا يخبر بشأنكم، بل على أنه عبد مملوك آبق، لأجل أن‏ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ الذين يريدون مكانا بعيدا، فيحتفظوا به. و هذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف، و أبرهم، و أتقاهم في هذه القضية. فإن بعض الشر، أهون من بعض، و الضرر الخفيف، يدفع به الضرر الثقيل.

[11] فلما اتفقوا على هذا الرأي‏ قالُوا يا أَبانا ما إلى قوله: إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ‏ ، أي: قال إخوة يوسف، متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم: يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى‏ يُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ‏ أي: لأي شي‏ء يدخلك الخوف منا، على يوسف، من غير سبب، و لا موجب؟ وَ الحال‏ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ‏ أي: مشفقون عليه، نود له ما نود لأنفسنا، و هذا يدل على أن يعقوب عليه السلام، لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية و نحوها.

[12] فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة، لعدم إرساله معهم، ذكروا له من مصلحة يوسف و أنسه، الذي يحبه أبوه له، ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم، فقالوا: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ‏ أي: يتنزه في البرية و يستأنس، وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ‏ أي: سنراعيه، و نحفظه من كل أذى يريده.

[13- 14] فأجابهم بقوله: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ‏ أي: مجرد ذهابكم به، يحزنني، و يشق عليّ، لأنني لا أقدر على فراقه، و لو مدة يسيرة. فهذا مانع من إرساله‏ وَ مانع ثان، و هو: أني‏ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ‏ أي: في حال غفلتكم عنه، لأنه صغير، لا يمتنع من الذئب. قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ أي: جماعة، حريصون على حفظه، إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ‏ أي: لا خير فينا، و لا نفع يرجى منا، إن أكله الذئب، و غلبنا عليه. فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله، و عدم الموانع، سمح حينئذ بإرساله معهم، لأجل أنسه.

[15- 17] أي: لما ذهب إخوة يوسف، بعد ما أذن له أبوه، و عزموا أن يجعلوه في غيابة الجب، كما قال قائلهم، السابق ذكره، و كانوا قادرين على ما أجمعوا عليه، فنفذوا فيه قدرتهم، و ألقوه في الجب، ثم إن اللّه، لطف به، بأن أوحى إليه و هو بتلك الحال الحرجة، لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ أي: سيكون منك معاتبة لهم، و إخبار عن أمرهم هذا، و هم لا يشعرون بذلك الأمر. ففيه بشارة له، بأنه سينجو مما وقع فيه، و أن اللّه سيجمعه بأهله و إخوته، على وجه العز و التمكين له، في الأرض. وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ‏ (16) ليكون إتيانهم، متأخرا عن عادتهم، و بكاؤهم دليلا لهم، و قرينة على صدقهم، فقالوا- معتذرين بعذر كاذب-، يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ‏ إما على الأقدام، أو بالرمي و النضال، وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا توفيرا له و راحة، فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ‏ في حال غيابنا عنه و استباقنا، وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ‏ أي: اعتذرنا بهذا العذر، و الظاهر أنك لا تصدقنا، لما في قلبك من الحزن على يوسف، و الرقة الشديدة عليه.

[18] و لكن عدم تصديقك إيانا، لا يمنعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي، و كل هذا، تأكيد لعذرهم، وَ مما أكدوا به قولهم، أنهم‏ جاؤُ عَلى‏ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ‏ زعموا، أنه دم‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 454

يوسف، حين أكله الذئب، فلم يصدقهم أبوهم بذلك، و قالَ‏ : بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أي: زينت لكم أنفسكم أمرا قبيحا في التفريق بيني و بينه، لأنه رأى من القرائن و الأحوال، و من رؤيا يوسف، التي قصها عليه، ما دله على ما قال. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ‏ أي: أما أنا، فوظيفتي سأحرص على القيام بها، و هي أني أصبر على هذه المحنة، صبرا جميلا، سالما من السخط و التّشكّي إلى الخلق، و أستعين اللّه على ذلك، لا على حولي و قوتي. فوعد من نفسه هذا الأمر و شكى إلى خالقه في قوله: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ‏ لأن الشكوى إلى الخالق، لا تنافي الصبر الجميل، لأن النبي، إذا وعد وفى.

[19- 20] أي: مكث يوسف في الجب، ما مكث، حتى‏ جاءَتْ سَيَّارَةٌ أي: قافلة تريد مصر، فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ‏ أي: فرطهم و مقدمهم، الذي يعس لهم المياه، و يسبرها و يستعد لهم بتهيئة الحياض و نحو ذلك، فَأَدْلى‏ ذلك الوارد دَلْوَهُ‏ فتعلق فيه يوسف عليه السلام، و خرج. قالَ يا بُشْرى‏ هذا غُلامٌ‏ أي: استبشر و قال: هذا غلام نفيس، وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً و كان إخوته قريبا منه، فاشتراه السيارة منهم، بِثَمَنٍ بَخْسٍ‏ أي: قليل جدا، فسره بقوله: دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ‏ . لأنه لم يكن لهم قصد، إلا تغييبه، و إبعاده عن أبيه، و لم يكن لهم قصد في أخذ ثمنه. و المعنى في هذا:

أن السيارة، لما وجدوه، عزموا أن يسرّوا أمره، و يجعلوه من جملة بضائعهم، التي معهم، حتى جاءهم إخوته، فزعموا أنه عبد أبق منهم، فاشتروه منهم، بذلك الثمن، و استوثقوا منهم فيه، لئلا يهرب، و اللّه أعلم.

[21] أي لما ذهب به السيارة إلى مصر، و باعوه بها، فاشتراه عزيز مصر. فلما اشتراه، أعجب به، و وصى عليه امرأته و قال: أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى‏ أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً أي: إما أن ينفعنا كنفع العبيد، بأنواع الخدم، و إما أن نستمتع فيه، استمتاعنا بأولادنا، و لعل ذلك أنه لم يكن لهما ولد، وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ‏ أي: كما يسرنا له أن يشتريه عزيز مصر، و يكرمه هذا الإكرام، جعلنا هذا، مقدمة لتمكينه في الأرض، من هذا الطريق.

وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ‏ إذا بقي لا شغل له و لا همّ سوى العلم صار ذلك من أسباب تعلمه علما كثيرا، من علم الأحكام، و علم التعبير، و غير ذلك، وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى‏ أَمْرِهِ‏ أي: أمره تعالى نافذ، لا يبطله مبطل، و لا يغلبه مغالب، وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ . فلذلك يجري منهم، و يصدر، في مغالبة أحكام اللّه القدرية، و هم أعجز، و أضعف من ذلك.

[22- 29] أي: وَ لَمَّا بَلَغَ‏ يوسف‏ أَشُدَّهُ‏ أي: كمال قوته المعنوية و الحسية، و صلح لأن يتحمل الأحمال الثقيلة، من النبوة، و الرسالة، آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً أي: جعلناه نبيا رسولا، و عالما ربانيا، وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ‏ في عبادة الخالق ببذل الجهد و النصح فيها، و إلى عباد اللّه، ببذل النفع و الإحسان إليهم، نؤتيهم من جملة الجزاء على إحسانهم، علما نافعا. و دل هذا، على أن يوسف في مقام الإحسان، فأعطاه اللّه الحكم بين الناس، و العلم الكثير و النبوة.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 455

هذه المحنة العظيمة، أعظم على يوسف من محنة إخوته، و صبره عليها، أعظم أجرا، لأنه صبر اختيار، مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة اللّه عليها، و أما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض و المكاره التي تصيب العبد بغير اختياره و ليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعا أو كارها. و ذلك أن يوسف عليه الصلاة و السلام، بقي مكرما في بيت العزيز. و كان له من الجمال، و الكمال، و البهاء، ما أوجب ذلك، أن‏ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ‏ أي: هو غلامها، و تحت تدبيرها، و المسكن واحد، يتيسر فيه إيقاع الأمر المكروه، من غير شعور أحد، و لا إحساس بشر. وَ زادت المصيبة، بأن‏ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ‏ و صار المحل خاليا، و هما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، و قد دعته إلى نفسها وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ‏ أي:

افعل الأمر المكروه و أقبل إليّ، و مع هذا، فهو غريب، لا يحتشم مثله، ما يحتشمه إذا كان في وطنه، و بين معارفه، و هو أسير تحت يدها، و هي سيدته، و فيها من الجمال، ما يدعو إلى ما هنالك، و هو شاب عزب، و قد توعدته، إن لم يفعل ما تأمره به، بالسجن، أو العذاب الأليم. فصبر عن معصية اللّه، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما، تركه للّه، و قدم مراد اللّه على مراد النفس الأمارة بالسوء، و رأى من برهان ربه- و هو ما معه من العلم و الإيمان، الموجب، لترك كل ما حرم اللّه- ما أوجب له البعد و الانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة. قالَ مَعاذَ اللَّهِ‏ أي: أعوذ باللّه، أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط اللّه، و يبعد عنه، و لأنه خيانة في حق سيدي، الذي أكرم مثواي. فلا يليق بي، أن أقابله في أهله، بأقبح مقابلة، و هذا من أعظم الظلم، و الظالم لا يفلح.

و الحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل، تقوى اللّه، و مراعاة حق سيده، الذي أكرمه، و صيانة نفسه عن الظلم، الذي لا يفلح من تعاطاه، و كذلك ما من اللّه عليه، من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، و اجتناب الزواجر. و الجامع لذلك كله، أن اللّه صرف عنه السوء و الفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له، في عباداتهم، الذين أخلصهم اللّه، و اختارهم، و اختصهم لنفسه، و أسدى عليهم من النعم، و صرف عنهم المكاره، ما كانوا به من خيار خلقه. و لما امتنع من إجابة طلبها، بعد المراودة الشديدة، و ذهب ليهرب عنها، و يبادر إلى الخروج من الباب، ليتخلص، و يهرب من الفتنة، فبادرت إليه، و تعلقت بثوبه، فشقت قميصه، فلما وصلا إلى الباب، في تلك الحال، ألفيا سيدها، أي: زوجها لدى الباب، فرأى أمرا شق عليه، فبادرت إلى الكذب، و ادعت أن المراودة قد كانت من يوسف، و قالت: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً و لم تقل «من فعل بأهلك سوءا» تبرئة لها، و تبرئة له أيضا، من الفعل. و إنما النزاع عن الإرادة، و المراودة، إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ أي: أو يعذب عذابا أليما. فبرأ نفسه، مما رمته به، و قال: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي‏ فحينئذ احتملت الحال، صدق كل واحد منهما، و لم يعلم أيهما.

و لكن اللّه تعالى، جعل للحق و الصدق علامات، و أمارات تدل عليه، قد يعلمها العباد، و قد لا يعلمونها. فمنّ اللّه في هذه القضية، بمعرفة الصادق منهما، تبرئة لنبيه و صفيه، يوسف عليه السلام، فبعث شاهدا من أهل بيتها، يشهد بقرينة من وجدت معه، فهو الصادق، فقال: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ‏ لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها، المراود لها، المعالج، و أنها أرادت أن تدفعه عنها، فشقت قميصه من هذا الجانب. وَ إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏ (27) لأن ذلك، يدل على هروبه منها، و أنها هي التي طلبته، فشقت قميصه من هذا الجانب. فَلَمَّا رَأى‏ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ عرف بذلك صدق يوسف و براءته، و أنها هي الكاذبة. فقال لها سيدها: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ‏ . و هل أعظم من هذا الكيد، الذي برأت به نفسها، لما أرادت و فعلت، و رمت به نبي اللّه، يوسف عليه السلام. ثم إن سيدها لما تحقق الأمر، قال ليوسف: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ، أي: اترك الكلام فيه، و تناسه، و لا تذكره لأحد، طلبا للستر على أهله، وَ اسْتَغْفِرِي‏ أيتها المرأة لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ‏ فأمر يوسف بالإعراض، و أمرها بالاستغفار و التوبة.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 456

[30- 35] يعني: أن الخبر اشتهر و شاع في البلد، و تحدث به النسوة، فجعلن يلمنها، و يقلن: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا أي: هذا أمر مستقبح، هي امرأة كبيرة القدر، و زوجها كبير القدر، و مع هذا، لم تزل تراود فتاها، الذي تحت يدها، و في خدمتها- عن نفسه، و مع هذا فإن حبه، بلغ من قلبها، مبلغا عظيما. قَدْ شَغَفَها حُبًّا ، أي: وصل حبه إلى شغاف قلبها، و هو:

باطنه و سويداؤه، و هذا أعظم ما يكون من الحب، إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ حيث وجدت منها هذه الحالة، التي لا ينبغي منها، و هي حالة تحط قدرها، و تضعه عند الناس.

و كان هذا القول منهن مكرا، ليس المقصود به مجرد اللوم لها، و القدح فيها، و إنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام، إلى رؤية يوسف، الذي فتنت به امرأة العزيز، لتحنق امرأة العزيز، و تريهن إياه، ليعذرنها و لهذا سماه: مكرا، فقال:

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ‏ تدعوهن إلى منزلها للضيافة. وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أي: محلا مهيأ بأنواع الفرش و الوسائد، و ما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة، و كان في جملة ما أتت به و أحضرته، في تلك الضيافة طعام يحتاج إلى سكين، إما أترج، أو غيره، وَ آتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً ليقطعن بها ذلك الطعام‏ وَ قالَتِ‏ ليوسف: اخْرُجْ عَلَيْهِنَ‏ في حالة جماله و بهائه. فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ‏ أي: أعظمنه في صدورهن، و رأين منظرا فائقا، لم يشاهدن مثله، وَ قَطَّعْنَ‏ من الدهش‏ أَيْدِيَهُنَ‏ بتلك السكاكين، اللاتي معهن، وَ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ‏ أي: تنزيها للّه‏ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ‏ ، و ذلك أن يوسف، أعطي من الجمال الفائق، و النور، و البهاء، ما كان به آية للناظرين، و عبرة للمتأملين. فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر، و أعجبهن غاية العجب، و ظهر منهن من العذر لامرأة العزيز، شي‏ء كثير- أرادت أن تريهن جماله الباطن، بالعفة التامة- فقالت- معلنة لذلك، و مبينة لحبه الشديد،. غير مبالية، و لأن اللوم انقطع عنها من النسوة: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ‏ أي: امتنع و هي مقيمة على مراودته، لم تزدها مرور الأوقات، إلا قلقا و محبة و شوقا لوصاله و توقا. و لهذا قالت له بحضرتهن: وَ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَ لَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ‏ ، لتلجئه بهذا الوعيد إلى حصول مقصودها منه. فعند ذلك، اعتصم يوسف بربه، و استعان به على كيدهن. قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ‏ و هذا يدل، أن النسوة، جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيدته، و جعلن يكدنه في ذلك. فاستحب السجن و العذاب الدنيوي، على لذة حاضرة، توجب العذاب الشديد. وَ إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ‏ أي: أمل إليهن فإني ضعيف عاجز، إن لم تدفع عني السوء، صبوت إليهن‏ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ‏ فإن هذا جهل، لأنه آثر لذة قليلة منغصة، على لذات متتابعات، و شهوات متنوعات، في جنات النعيم. و من آثر هذا، على هذا، فمن أجهل منه؟ فإن العلم و العقل، يدعو إلى تقديم أعظم المصلحتين، و أعظم اللذتين، و يؤثر، ما كان محمود العاقبة. فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ‏ حين دعاه‏ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ‏ فلم تزل تراوده و تستعين عليه، بما تقدر عليه من الوسائل، حتى آيسها، و صرف اللّه عنه كيدها، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏ لدعاء الداعي‏ الْعَلِيمُ‏ بنيته الصالحة، و بنيته الضعيفة المقتضية لإمداده بمعونته و لطفه. فهذا ما نجى اللّه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 457

به يوسف من هذه الفتنة الملمة، و المحنة الشديدة، و أما أسياده، فإنه لما اشتهر الخبر و بان، و صار الناس فيها، بين عاذر، و لائم، و قادح. بَدا لَهُمْ‏ أي: ظهر لهم‏ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ‏ الدالة على براءته، لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏ أي:

لينقطع بذلك، الخبر، و يتناساه الناس، فإن الشي‏ء إذا شاع، لم يزل يذكر، و يشيع، مع وجود أسبابه، فإذا عدمت أسبابه نسي. فرأوا أن هذا مصلحة لهم، فأدخلوه في السجن.

[36- 37] أي‏ وَ لما دخل يوسف السجن، كان من جملة من‏ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ‏ أي: شابان، فرأى كل واحد منهما رؤيا، فقصها على يوسف ليعبرها. قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً و ذلك الخبز تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ‏ ، نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ‏ أي: بتفسيره، و ما يؤول إليه أمره. و قولهما:

إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏ أي: من أهل الإحسان إلى الخلق فأحسن إلينا في تعبيرك لرؤيانا، كما أحسنت إلى غيرنا، فتوسلا ليوسف بإحسانه. قالَ‏ لهما مجيبا لطلبهما: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما أي: فلتطمئن قلوبكما، فإني سأبادر إلى تعبير رؤياكما، فلا يأتيكما غداؤكما، أو عشاؤكما، أول ما يجي‏ء إليكما، إلا نبأتكما بتأويله، قبل أن يأتيكما. و لعل يوسف عليه الصلاة و السلام، قصد أن يدعوهما إلى الإيمان في هذه الحال، التي بدت حاجتهما إليه، ليكون أنجع لدعوته، و أقبل لهما. ثم قال: ذلِكُما التعبير الذي سأعبره لكما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي‏ ، أي: هذا من علم اللّه علمنيه، و أحسن إليّ به، و ذلك‏ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ‏ ، و الترك، كما يكون للداخل في شي‏ء ثم ينتقل عنه، يكون لمن لم يدخل فيه أصلا. فلا يقال: إن يوسف، كان من قبل، على غير ملة إبراهيم.

صفحه بعد