کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 814

ضررها على عابديها، و أنه يوم القيامة، يكفر بعضهم ببعض، و يلعن بعضهم بعضا، و مأواهم النار وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ‏ (6). و العجب، أن المشرك استكبر عن الانقياد للرسل، بزعمه أنهم بشر، و رضي أن يعبد و يدعو الشجر، و الحجر، استكبر عن الإخلاص للملك الرحمن الديان، و رضي بعبادة من ضره أقرب من نفعه، طاعة لأعدى عدو له و هو الشيطان. و قوله: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ . يحتمل أن الضمير في هذا الموضع، يعود إلى المشركين، لأنهم مذكورون في اللفظ. و القاعدة في الضمائر، أن تعود إلى أقرب مذكور. و يكون المعنى: إذا كان يوم القيامة، و فزع عن قلوب المشركين، أي: زال الفزع، و سئلوا حين رجعت إليهم عقولهم، عن حالهم في الدنيا، و تكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل، أنهم يقرون أن ما هم عليه من الكفر و الشرك باطل، و أن ما قال اللّه، و أخبرت به عنه رسله، هو الحق‏ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ‏ و عملوا أن الحق للّه، و اعترفوا بذنوبهم. وَ هُوَ الْعَلِيُ‏ بذاته، فوق جميع المخلوقات، و قهره لهم، و علو قدره، بما له من الصفات العظيمة، الجليلة المقدار الْكَبِيرُ في ذاته و صفاته. و من علوه، أن حكمه تعالى يعلو، و تذعن له النفوس، حتى نفوس المتكبرين و المشركين. و هذا المعنى أظهر، و هو الذي يدل عليه السياق.

و يحتمل أن الضمير يعود إلى الملائكة، و ذلك أن اللّه تعالى إذا تكلم بالوحي، سمعته الملائكة، فصعقوا و خروا للّه سجدا. فيكون أوّل من يرفع رأسه، جبريل فيكلمه اللّه من وحيه بما أراد. فإذا زال الصعق عن قلوب الملائكة، و زال الفزع فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك الكلام، الذي صعقوا منه: ماذا قال ربكم؟ فيقول بعضهم لبعض: قال الحق، إما إجمالا، لعلمهم أنه لا يقول إلا حقا. و إما أن يقولوا: قال كذا و كذا، للكلام الذي سمعوه منه، و ذلك من الحق. فيكون المعنى على هذا: أن المشركين الّذين عبدوا مع اللّه تلك الآلهة، الّتي وصفنا لكم عجزها و نقصها، و عدم نفعها بوجه من الوجوه، كيف صدفوا و صرفوا عن إخلاص العبادة للرب العظيم، العلي الكبير، الذي- من عظمته و جلاله- أن الملائكة الكرام، و المقربين من الخلق، يبلغ بهم الخضوع و الصعق، عند سماع كلامه هذا المبلغ، و يقرون كلهم للّه، أنه لا يقول إلا الحق. فما بال هؤلاء المشركين، استكبروا عن عبادة من هذا شأنه، و عظمة ملكه و سلطانه. فتعالى العلي الكبير، عن شرك المشركين، و إفكهم، و كذبهم.

[24] يأمر تعالى، نبيه محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم، أن يقول لمن أشرك باللّه و يسأله عن صحة شركه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ فإنهم، لا بد أن يقروا أنه اللّه. و لئن لم يقروا قُلِ اللَّهُ‏ فإنك لا تجد من يدفع هذا القول. فإذا تبيّن أن اللّه وحده، الذي يرزقكم من السموات و الأرض، و ينزل لكم المطر، و ينبت لكم النبات، و يفجر لكم الأنهار، و يطلع لكم من ثمار الأشجار، و جعل لكم الحيوانات جميعها، لنفعكم و رزقكم، فلم تعبدون من لا يرزقكم شيئا، و لا يفيدكم نفعا؟ و قوله: وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى‏ هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ أي: إحدى الطائفتين، منا و منكم، على الهدى، مستعلية عليه، أو في ضلال بين، منغمرة فيه، و هذا الكلام، يقوله من تبيّن له الحق، و اتضح له الصواب، و جزم بالحق الذي هو عليه، و بطلان ما عليه خصمه. أي: قد شرحنا من الأدلة الواضحة، عندنا و عندكم، ما به يعلم علما يقينيا لا شك فيه، من المحق منّا، و من المبطل، و من المهتدي و من الضال؟ حتى إنه يصير اليقين بعد ذلك، لا فائدة فيه. فإنك إذا وازنت بين من يدعو إلى عبادة الخالق، بسائر المخلوقات المتصرف فيها بجميع أنواع التصرفات، المسدي جميع النعم، الذي رزقهم، و أوصل إليهم كلّ نعمة، و دفع عنهم كلّ نقمة، الذي له الحمد كله، و الملك كله، و كلّ أحد من الملائكة فمن دونهم، خاضعون لهيبته، متذللون لعظمته، و كلّ الشفعاء، تخافه، لا يشفع أحد منهم عنده إلا بإذنه. العلي الكبير، في ذاته، و أوصافه، و أفعاله، الذي له كلّ كمال، و كل جلال، و كلّ جمال، و كلّ حمد و ثناء و مجد. يدعو إلى التقرب لمن هذا شأنه، و إخلاص العمل له، و ينهي عن عبادة من سواه، و بين من يتقرب إلى أوثان، و أصنام، و قبور، لا تخلق، و لا ترزق، و لا تملك لأنفسها، و لا لمن عبدها،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 815

نفعا و لا ضرا، و لا موتا، و لا حياة، و لا نشورا. بل هي جمادات، لا تعقل، و لا تسمع دعاء عابديها، و لو سمعته، ما استجابت لهم. و يوم القيامة يكفرون بشركهم، و يتبرأون منهم، و يتلاعنون بينهم. ليس لهم قسط من الملك، و لا شركة فيه، و لا لهم شفاعة يستقلون بها دون اللّه. فهو يدعو، من هذا وصفه، و يتقرب إليه مهما أمكنه، و يعادي من أخلص الدين للّه، و يحاربه، و يكذب رسل اللّه، الّذين جاءوا بالإخلاص للّه وحده. تبيّن لك أي الفريقين، المهتدي من الضال، و الشقي من السعيد؟ و لم يحتج إلى أن يعين لك ذلك، لأن وصف الحال، أوضح من لسان المقال.

[25] قُلْ‏ لهم‏ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏ أي: كل منّا و منكم، له عمله. أنتم لا تسألون عن إجرامنا و ذنوبنا لو أذنبنا، و نحن لا نسأل عن أعمالكم. فليكن المقصود منا و منكم، طلب الحق، و سلوك طريق الإنصاف. و دعوا ما كنا نعمل، و لا يكن مانعا لكم من اتباع الحق. فإن أحكام الدنيا، تجري على الظواهر، و يتبع فيها الحق، و يجتنب الباطل. و أما الأعمال، فلها دار أخرى، يحكم فيها أحكم الحاكمين، و يفصل بين المختصمين، أعدل العادلين.

[26] و لهذا قال: قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا أي: يحكم بيننا حكما، يتبين به الصادق من الكاذب، و المستحق للثواب، من المستحق للعقاب‏ وَ هُوَ الْفَتَّاحُ‏ أي: الحاكم في القضايا المنغلقة الْعَلِيمُ‏ بما ينبغي أن يقضى به.

[27] قُلْ‏ لهم يا أيها الرسول، و من ناب منابك: أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ أي: أين هم؟ و أين السبيل إلى معرفتهم؟ و هل هم في الأرض، أم في السماء؟ فإن عالم الغيب و الشهادة قد أخبرنا أنه ليس في الوجود له شريك. وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ‏ الآية وَ ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏ .

و كذلك خواص خلقه، من الأنبياء و المرسلين، لا يعلمون له شريكا. فيا أيها المشركون أروني الّذين ألحقتم بزعمكم الباطل‏ بِهِ‏ أي: باللّه‏ شُرَكاءَ . و هذا السؤال لا يمكنهم الإجابة عنه، و لهذا قال: كَلَّا أي: ليس للّه شريك، و لا ند، و لا ضد. بَلْ هُوَ اللَّهُ‏ الذي لا يستحق التأله و التعبد، إلا هو. الْعَزِيزُ الذي قهر كلّ شي‏ء فكل ما سواه، فهو مقهور له، مسخر مدبر. الْحَكِيمُ‏ الذي أتقن ما خلقه، و أحسن ما شرعه. و لو لم يكن في حكمته في شرعه إلا أنه أمر بتوحيده، و إخلاص الدين له، و أحب ذلك، و جعله طريقا للنجاة، و نهى عن الشرك به، و اتخاذ الأنداد من دونه، و جعل ذلك طريقا للشقاء و الهلاك، لكفى بذلك برهانا على كمال حكمته. فكيف، و جميع ما أمر به و نهى عنه، مشتمل على الحكمة؟

[28] يخبر تعالى، أنه ما أرسل رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، إلا ليبشر جميع الناس بثواب اللّه، و يخبرهم بالأعمال الموجبة لذلك.

و ينذرهم عقاب اللّه، و يخبرهم بالأعمال الموجبة له، فليس لك من الأمر شي‏ء. و كلّ ما اقترح عليك أهل التكذيب و العناد، فليس من وظيفتك، إنّما ذلك بيد اللّه تعالى. وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ أي: ليس لهم علم صحيح، بل إما جهال، أو معاندون لم يعملوا بعلمهم، فكأنهم لا علم لهم. و من عدم علمهم، جعلهم عدم الإجابة لما اقترحوه على الرسول، موجبا لرد دعوته.

[29] فمما اقترحوه، استعجالهم العذاب، الذي أنذرهم به فقال: وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (29) و هذا ظلم منهم. فأي ملازمة بين صدقه، و بين الإخبار بوقت وقوعه؟ و هل هذا إلا رد للحق، و سفه في العقل؟ أليس النذير في أمر من أحوال الدنيا، لو جاء قوما، يعلمون صدقه و نصحه، و لهم عدو ينتهز الفرصة منهم و يعدّ لهم، فقال لهم: تركت عدوكم قد سار، يريد اجتياحكم و استئصالكم. فلو قال بعضهم: إن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 816

كنت صادقا، فأخبرنا بأية ساعة يصل إلينا، و أين مكانه الآن؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا، أم يحكم بسفهه و جنونه؟

هذا، و المخبر يمكن صدقه و كذبه، و العدو قد يبدو له غيرهم، و قد تنحل عزيمته. و هم قد يكون بهم منعة، يدافعون بها عن أنفسهم. فكيف بمن كذّب أصدق الخلق، المعصوم في خبره، الذي لا ينطق عن الهوى، بالعذاب اليقين، الذي لا مدفع له، و لا ناصر منه؟ أليس رد خبره، بحجة عدم بيان وقت وقوعه، من أسفه السفه؟

[30] قُلْ‏ لهم- مخبرا بوقت وقوعه، الذي لا شك فيه-: لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ‏ فاحذروا ذلك اليوم، و أعدوا له عدته.

[31] لما ذكر تعالى، أن ميعاد المستعجلين بالعذاب، لا بد من وقوعه عند حلول أجله؛ ذكر هنا، حالهم في ذلك اليوم، و أنك لو رأيت حالهم، إذ وقفوا عند ربهم، و اجتمع الرؤساء و الأتباع في الكفر و الضلال، لرأيت أمرا عظيما و هولا جسيما. و رأيت كيف يتراجعون، و يرجع بعضهم إلى بعض القول. يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا و هم الأتباع‏ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا و هم القادة. لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ‏ و لكنكم حلتم بيننا و بين الإيمان، و زينتم لنا الكفران، فتبعناكم على ذلك. و مقصودهم بذلك، أن يكون العذاب على الرؤساء، دونهم.

[32] قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا مستفهمين لهم و مخبرين أن الجميع مشتركون في الجرم: أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى‏ بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ‏ أي: بقوتنا و قهرنا إياكم. بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ‏ أي: مختارين للإجرام، لستم مقهورين عليه، و إن كنا قد زينا لكم، فما كان لنا عليكم من سلطان.

[33] وَ قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً أي:

بل الذي دهانا منكم، و وصل إلينا من إضلالكم، ما دبرتموه من المكر، في الليل و النهار، إذ تحسّنون لنا الكفر، و تدعوننا إليه، و تقولون: إنه الحق، و تقدحون في الحق، و تهجنونه، و تزعمون أنه الباطل. فما زال مكركم بنا، و كيدكم إيانا، حتى أغويتمونا و فتنتمونا. فلم تفد تلك المراجعة بينهم شيئا إلا براءة بعضهم من بعض، و الندامة العظيمة، و لهذا قال: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ‏ أي: زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم، لينجو من العذاب، و علم أنه ظالم مستحق له. فندم كلّ منهم غاية الندم، و تمنى أن لو كان على الحق، و أنه ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب، سرا في أنفسهم، لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم. و في بعض مواقف القيامة، و عند دخولهم النار يظهرون ذلك الندم جهرا. وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى‏ يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) الآيات. وَ قالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11).

وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا يغلون كما يغل المسجون، الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ (72) الآيات. هَلْ يُجْزَوْنَ‏ في هذا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 817

العذاب و النكال، و تلك الأغلال الثقال‏ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ من الكفر و الفسوق و العصيان.

[34] يخبر تعالى عن حالة الأمم الماضية المكذبة للرسل، أنها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و أن اللّه إذا أرسل رسولا في قرية من القرى، كفر به مترفوها، و أبطرتهم نعمتهم، و فخروا بها.

[35] وَ قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً أي: ممن اتبع الحق‏ وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ‏ أي: أولا، لسنا بمبعوثين، فإن بعثنا، فالذي أعطانا الأموال و الأولاد في الدنيا، سيعطينا أكثر من ذلك في الآخرة و لا يعذبنا.

[36] فأجابهم اللّه تعالى، بأن بسط الرزق و تضييقه، ليس دليلا على ما زعمتم. فإن الرزق تحت مشيئة اللّه، إن شاء بسطه لعبده، و إن شاء ضيّقه.

[37] وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى‏ و تدني إليه. و إنّما الذي يقرب منه زلفى، الإيمان بما جاء به المرسلون، و العمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان، فإن أولئك، لهم الجزاء عند اللّه تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، لا يعلمها إلا اللّه. وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ‏ أي: في المنازل العاليات المرتفعات جدا، ساكنين فيها، مطمئنين، آمنين من المكدرات و المنغصات، لما فيه من اللذات و أنواع المشتهيات، و آمنين من الخروج منها، أو الحزن فيها.

[38] وَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ‏ أي: على وجه التعجيز لنا، و لرسلنا، و التكذيب. أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ‏ تحضرهم الزبانية فلا يجديهم ما عولوا عليه نفعا.

[39] ثمّ أعاد تعالى أنه‏ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ‏ ليرتب عليه قوله: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ نفقة واجبة، أو مستحبة، على قريب، أو جار، أو مسكين، أو يتيم، أو غير ذلك. فَهُوَ تعالى‏ يُخْلِفُهُ‏ فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق، بل وعد بالخلف للمنفق، الذي يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ‏ فاطلبوا الرزق منه، و اسعوا في الأسباب الّتي أمركم بها.

[40] وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً أي: العابدين لغير اللّه و المعبودين من دونه، من الملائكة. ثُمَّ يَقُولُ‏ اللّه‏ لِلْمَلائِكَةِ على وجه التوبيخ لمن عبدهم. أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ‏ فتبرأوا من عبادتهم. و قالُوا سُبْحانَكَ‏ أي: تنزيها لك و تقديسا، أن يكون لك شريك، أو ند أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ‏ أي: أنت الذي نواليه من دونهم، لا موالاة بيننا و بينهم. فنحن مفتقرون إلى ولايتك، مضطرون إليها، فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا؟ أم كيف نصلح لأن نتخذ من دونك أولياء و شركاء؟ بَلْ‏ هؤلاء المشركون‏ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ‏ أي: الشياطين، يأمرونهم بعبادتنا أو عبادة غيرنا، فيطيعونهم بذلك. و طاعتهم، هي عبادتهم؛ لأن العبادة الطاعة، كما قال تعالى مخاطبا لكل من اتخذ معه آلهة * أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ (61).

أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ‏ أي: مصدقون للجنّ، منقادون لهم؛ لأن الإيمان هو: التصديق الموجب للانقياد. فلما تبرأوا منهم، قال تعالى مخاطبا لهم: فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا تقطعت بينكم الأسباب، و انقطع‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 818

بعضكم من بعض. وَ نَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا بالكفر و المعاصي- بعد ما ندخلهم النار- ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ فاليوم عاينتموها، و دخلتموها جزاء لتكذيبكم، و عقوبة لما أحدثه ذلك التكذيب، من عدم الهرب من أسبابها.

[43] يخبر تعالى عن حالة المشركين، عند ما تتلى عليهم آيات اللّه البينات، و حججه الظاهرات، و براهينه القاطعات، الدالة على كلّ خير، الناهية عن كلّ شر، الّتي هي أعظم نعمة جاءتهم، و منّة وصلت إليهم، الموجبة لمقابلتها بالإيمان و التصديق، و الانقياد، و التسليم، أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي، و يكذبون من جاءهم بها و يقولون: ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ‏ أي: هذا قصده، حين يأمركم بالإخلاص للّه، لتتركوا عوائد آبائكم الّذين تعظمونهم و تمشون خلفهم. فردوا الحق، بقوة الضالين، و لم يوردوا برهانا، و لا شبهة. فأي شبهة إذا أمرت الرسل بعض الضالين، باتباع الحق، فادّعوا أن إخوانهم الّذين على طريقتهم لم يزالوا عليه؟ و هذه السفاهة، ورد الحق، بأقوال الضالين، إذا تأملت كلّ حق رد، فإذا هذا مآله، لا يرد إلا بأقوال الضالين من المشركين، و الدهريين، و الفلاسفة، و الصابئين، و الملحدين في دين اللّه، المارقين، فهم أسوة كلّ من رد الحق إلى يوم القيامة. و لما احتجوا بفعل آبائهم، و جعلوها دافعة لما جاءت به الرسل، طعنوا بعد هذا، بالحق. وَ قالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً‏ أي: كذب افتراه هذا الرجل، الذي جاء به. وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ أي: سحر ظاهر لكل أحد، تكذيبا بالحق، و ترويجا على السفهاء.

[44] و لمّا بيّن ما ردوا به الحق، و أنها أقوال دون مرتبة الشبهة، فضلا عن أن تكون حجة، ذكر أنهم و إن أراد أحد أن يحتج لهم، فإنهم لا مستند لهم، و لا لهم شي‏ء يعتمد عليه أصلا، فقال: وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها حتى تكون عمدة لهم‏ وَ ما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ حتى يكون عندهم من أقواله و أحواله، ما يدفعون به، ما جئتهم به. فليس عندهم علم، و لا أثارة من علم.

[45] ثمّ خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين قبلهم فقال: وَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ ما بَلَغُوا أي: ما بلغ هؤلاء المخاطبون‏ مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ‏ أي: الأمم الّذين من قبلهم. فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي: إنكاري عليهم، و عقوبتي إياهم. و قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال، و أن منهم من أغرقه، و منهم من أهلكه بالريح العقيم، و بالصيحة، و بالرجفة، و بالخسف بالأرض، و بإرسال الحاصب من السماء. فاحذروا يا هؤلاء المكذبون، أن تدوموا على التكذيب، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم، و يصيبكم ما أصابهم.

[46] أي‏ قُلْ‏ يا أيها الرسول، لهؤلاء المكذبين المعاندين، المتصدين لرد الحق و تكذيبه، و القدح بمن جاء به: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أي: بخصلة واحدة، أشير عليكم بها، و أنصح لكم في سلوكها. و هي طريق نصف، لست أدعوكم بها، إلى اتباع قولي، و لا إلى ترك قولكم، من دون موجب لذلك، و هي: أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى‏ وَ فُرادى‏ أي: تنهضوا بهمة، و نشاط و قصد لاتباع الصواب، و إخلاص للّه، مجتمعين، و متباحثين في ذلك، و متناظرين،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 819

و فرادى، كل واحد يخاطب نفسه بذلك. فإذا قمتم للّه، مثنى و فرادى، استعملتم فكركم، و أجلتموه، و تدبرتم أحوال رسولكم: هل هو مجنون، فيه صفات المجانين من كلامه، و هيئته، و صفته؟ أم هو نبي صادق، منذر لكم ما يضركم، مما أمامكم من العذاب الشديد؟ فلو قبلوا هذه الموعظة، و استعملوها، لتبين لهم أكثر من غيرهم، أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، ليس بمجنون، لأن هيئته ليست كهيئة المجانين، في خنقهم، و اختلاجهم، و نظرهم. بل هيئته أحسن الهيئات، و حركاته أجلّ الحركات، و هو أكمل الخلق، أدبا، و سكينة، و تواضعا، و وقارا، لا يكون إلا لأرزن الرجال عقلا. ثمّ إذا تأملوا كلامه الفصيح، و لفظه المليح، و كلماته الّتي تملأ القلوب، أمنا، و إيمانا، و تزكي النفوس، و تطهر القلوب، و تبعث على مكارم الأخلاق، و تحث على محاسن الشيم، و تزجر عن مساوئ الأخلاق و رذائلها. إذا تكلّم، رمقته العيون، هيبة و إجلالا، و تعظيما. فهل هذا يشبه هذيان المجانين، و عربدتهم، و كلامهم الذي يشبه أحوالهم؟

فكل من تدبر أحواله؛ و قصده استعلام هل هو رسول اللّه أم لا؟ سواء تفكر وحده، أم معه غيره، جزم بأنه رسول اللّه حقّا، و نبيه صدقا، خصوصا المخاطبين، و هو صاحبهم يعرفون أول أمره و آخره.

[47] و ثمّ مانع للنفوس آخر، عن اتباع الداعي، إلى الحقّ، و هو أنه يأخذ أموال من يستجيب له، و يأخذ أجره على دعوته. فبيّن اللّه تعالى نزاهة رسوله عن هذا الأمر فقال: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ أي: على اتباعكم للحق‏ فَهُوَ لَكُمْ‏ أي: فأشهدكم أن ذلك الأجر- على التقدير- أنه لكم. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ أي: محيط علمه مما أدعو إليه. فلو كنت كاذبا، لأخذني بعقوبته. و شهيد أيضا على أعمالكم، سيحفظها عليكم، ثمّ يجازيكم بها.

[48- 50] و لما بيّن البراهين الدالة على صحة الحقّ، و بطلان الباطل، أخبر تعالى أن هذه سنته و عادته أن‏ يَقْذِفُ بِالْحَقِ‏ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق؛ لأنه بيّن من الحقّ في هذا الموضع، ورد به أقوال المكذبين، ما كان عبرة للمعتبرين، و آية للمتأملين. فإنك كما ترى، كيف اضمحلت أقوال المكذبين، و تبين كذبهم و عنادهم، و ظهر الحقّ و سطع، و بطل الباطل و انقمع. و ذلك بسبب بيان‏ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏ الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب، من الوساوس و الشبه، و يعلم ما يقابل ذلك، و يدفعه من الحجج. فيعلم بها عباده، و يبينها لهم، و لهذا قال: قُلْ جاءَ الْحَقُ‏ أي: ظهر و بان، و صار بمنزلة الشمس، و ظهر سلطانه، وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ أي: اضمحل و بطل أمره، و ذهب سلطانه، فلا يبدى‏ء و لا يعيد. و لما تبين الحقّ بما دعا إليه الرسول، و كان المكذبون له، يرمونه بالضلال، أخبرهم بالحق، و وضحه لهم، و بيّن لهم عجزهم عن مقاومته، و أخبرهم أن رميهم له بالضلال، ليس بضائر الحقّ شيئا، و لا دافع ما جاء به. و أنه إن ضل- و حاشاه من ذلك، لكن على سبيل التنزل في المجادلة- فإنما يضل على نفسه، أي: ضلاله قاصر على نفسه، غير متعد إلى غيره. وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ‏ فليس ذلك من نفسي، و حولي، و قوتي، و إنّما هدايتي بما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي‏ فهو مادة هدايتي، كما هو مادة هداية غيري. إن ربي‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 820

سَمِيعٌ‏ للأقوال و الأصوات كلها قَرِيبٌ‏ ممن دعاه و سأله، و عبده.

[51] يقول تعالى: وَ لَوْ تَرى‏ أيها لرسول، و من قام مقامك، حال هؤلاء المكذبين. إِذْ فَزِعُوا حين رأوا العذاب، و ما أخبرتهم به الرسل، و ما كذبوا به، لرأيت أمرا هائلا، و منظرا مفظعا، و حالة منكرة، و شدة شديدة، و ذلك حين يحق عليهم العذاب. فَلا فَوْتَ‏ لهم و ليس لهم عنه مهرب. وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ‏ أي: ليس بعيدا عن محل العذاب، بل يؤخذون، ثمّ يقذفون في النار.

[52] وَ قالُوا في تلك الحال: آمَنَّا بِهِ‏ و صدقنا ما به كذبنا وَ لكن‏ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ‏ أي: تناول الإيمان‏ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قد حيل بينهم و بينه، و صار من الأمور المحالة في هذه الحالة. فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان، لكان إيمانهم مقبولا.

[53] و لكنهم‏ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ‏ أي:

يرمون‏ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ بقذفهم الباطل، ليدحضوا به الحقّ. و لكن لا سبيل إلى ذلك، كما لا سبيل للرامي، من مكان بعيد إلى إصابة الغرض. فكذلك الباطل، من المحال أن يغلب الحقّ أو يدفعه، و إنّما يكون له صولة، وقت غفلة الحقّ عنه، فإذا برز الحقّ و قاوم الباطل قمعه.

[54] وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ‏ من الشهوات و اللذات، و الأولاد، و الأموال، و الخدم و الجنود. و قد انفردوا بأعمالهم، و جاءوا فرادى، كما خلقوا، و تركوا ما خولوا، وراء ظهورهم. كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ‏ أي: من الأمم السابقين، حين جاءهم الهلاك، حيل بينهم و بين ما يشتهون. إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ‏ أي: يحدث الريبة و قلق القلب، فلذلك لم يؤمنوا، و لم يعتبوا حين استعتبوا. تم تفسير سورة سبأ- و للّه الحمد و المنّة، و الفضل، و منه العون، و عليه التوكل، و به الثقة.

تفسير سورة فاطر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

صفحه بعد