کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 919

اللّه لعباده، و أخبرهم أنه موصل إليه و إلى دار كرامته. أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ أي: ترجع جميع أمور الخير و الشر، فيجازي كلّا بعمله، إن خيرا فخير، و إن شراّ فشر.

سورة الزخرف‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] هذا قسم بالقرآن، فأقسم بالكتاب المبين، و أطلق، و لم يذكر المتعلق، ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا و الدين و الآخرة.

[3- 5] إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا هذا هو المقسوم عليه، أنه جعل بأفصح اللغات و أوضحها، و أبينها، و هذا من بيانه. و ذكر الحكمة في ذلك فقال: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ ألفاظه و معانيه لتيسرها و قربها من الأذهان.

وَ إِنَّهُ‏ أي: هذا الكتاب‏ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا أي:

في الملأ الأعلى في أعلى الرتب و أفضلها لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ‏ أي: لعلي في قدره، و شرفه، و محله، حكيم فيما يشتمل عليه، من الأوامر، و النواهي، و الأخبار، فليس فيه حكم مخالف للحكمة، و العدل، و الميزان. ثمّ أخبر تعالى أن حكمته و فضله، تقتضي أن لا يترك عباده هملا، لا يرسل إليهم رسولا، و لا ينزل عليهم كتابا، و لو كانوا مسرفين ظالمين فقال: أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أي: أ فنعرض عنكم، و نترك إنزال الذكر إليكم و نضرب عنكم صفحا، لأجل إعراضكم، و عدم انقيادكم؟ بل ننزل عليكم الكتاب، و نوضح لكم فيه كل شي‏ء. فإن آمنتم به و اهتديتم، فهو من توفيقكم، و إلّا، فقد قامت عليكم الحجة و كنتم على بيّنة من أمركم.

[6] يقول تعالى: إن هذه سنتنا في الخلق، أن لا نتركهم هملا. وَ كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ‏ (6) يأمرونهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له. و لم يزل التكذيب موجودا في الأمم.

[7] وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ (7) جحدا لما جاء به، و تكبرا على الحقّ.

[8] فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ‏ أي: من هؤلاء بَطْشاً أي:

قوة، و أفعالا و آثارا في الأرض. وَ مَضى‏ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ‏ أي: مضت أمثالهم، و أخبارهم، و بينا لكم منها، ما فيه عبرة و مزدجر عن التكذيب.

[9] يخبر تعالى عن المشركين، أنك‏ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏ (9) أي: اللّه وحده لا شريك له، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات، بظواهر الأمور، و بواطنها، و أوائلها، و أواخرها. فإذا كانوا مقرين بذلك، فكيف يجعلون له الولد، و الصاحبة، و الشريك؟ و كيف يشركون به، من لا يخلق، و لا يرزق، و لا يميت، و لا يحيي؟.

[10] ثمّ ذكر أيضا، من الأدلة الدالة على كمال نعمته و اقتداره، بما خلقه لعباده من الأرض، الّتي مهدها، و جعلها قرارا للعباد، يتمكنون فيها من كل ما يريدون. وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي: جعل منافذ، بين سلاسل الجبال المتصلة، تنفذون منها إلى ما وراءها من الأقطار. لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 920

في السير في الطرق و لا تضيعون، و لعلكم أيضا، تهتدون في الاعتبار بذلك، و الادكار فيه.

[11] وَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ لا يزيد و لا ينقص، و يكون أيضا، بمقدار الحاجة، لا ينقص بحيث لا يكون فيه نفع، و لا يزيد بحيث يضر العباد و البلاد. بل أغاث به العباد، و أنقذ به البلاد من الشدة، و لهذا قال:

فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أي: أحييناها بعد موتها كَذلِكَ تُخْرَجُونَ‏ أي: فكما أحيا الأرض الميتة الهامدة بالماء، كذلك يحييكم، بعد ما تستكملون في البرزخ، ليجازيكم بأعمالكم.

[12- 13] وَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أي:

الأصناف جميعها، مما تنبت الأرض و من أنفسهم، و مما لا يعلمون، من ليل، و نهار، و حر، و برد، و ذكر، و أنثى، و غير ذلك. وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ‏ أي: السفن البحرية، الشراعية و البخارية وَ من‏ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى‏ ظُهُورِهِ‏ و هذا شامل لظهور الأنعام، أي: لتستقروا عليها.

ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ‏ بالاعتراف بالنعمة لمن سخرها، و الثناء عليه تعالى بذلك و لهذا قال: وَ تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ‏ أي: لو لا تسخيره لنا ما سخّر من الفلك، و الأنعام، ما كنا مطيقين لذلك، و قادرين عليه. و لكن من لطفه و كرمه تعالى، سخرها، و ذللها، و يسر أسبابها. و المقصود من هذا، بيان أن الرب الموصوف بما ذكره، من إفاضة النعم على العباد، هو الذي يستحق أن يعبد، و يصلى له و يسجد. [ وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ‏ (14) أي: و إنا إلى خالقنا لراجعون بعد هذه الحياة ليحاسب كلا بما قدمت يداه. و فيه إيذان و إعلام، بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه، من المسير، و يتذكر منه المسافرة العظمى، الّتي هي الانقلاب و الرجوع إلى اللّه تعالى: فيبني أموره في مسيره ذلك، على تلك الملاحظة.

و لا يخطر بباله في شي‏ء، مما يأتي و يذر أمرا ينافيها، و من ضرورته أن يكون ركوبه لأمر مشروع‏] «1» .

[14- 17] يخبر تعالى عن شناعة قول المشركين، الّذين جعلوا للّه تعالى ولدا، و هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، و لم يكن له كفوا أحد. و إن ذلك باطل من عدة أوجه: منها: أن الخلق كلهم عباده، و العبودية، تنافي الولادة. و منها: أن الولد جزء من والده، و اللّه تعالى بائن من خلقه، مباين لهم في صفاته، و نعوت جلاله، و الولد جزء من الوالد، فمحال أن يكون اللّه تعالى ولد. و منها: أنهم يزعمون أن الملائكة بنات اللّه، و من المعلوم أن البنات أدون الصنفين. فكيف يكون للّه البنات، و يصطفيهم بالبنين، و يفضلهم بها؟ فإذا يكونون أفضل من اللّه، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. و منها: أن الصنف الذي نسبوه للّه، و هو البنات، أدون الصنفين، و أكرهها لهم، حتى إنهم من كراهتهم لذلك‏ وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا من كراهته و شدة بغضه، فكيف يجعلون للّه ما يكرهون؟ و منها: أن الأنثى ناقصة في وصفها، و في منطقها و بيانها، و لهذا قال تعالى:

[18] أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي: يجمل فيها، لنقص جماله، فيجمل بأمر خارج منه؟ وَ هُوَ فِي‏

(1) سقط من المطبوعة، و هو موافق للسياق و اللّه أعلم.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 921

الْخِصامِ‏ أي: عند الخصام، الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام‏ غَيْرُ مُبِينٍ‏ أي: غير مبين لحجته، و لا مفصح عمّا احتوى عليه ضميره، فكيف ينسبونهن للّه تعالى؟

[19] و منها: أنهم‏ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً فتجرؤوا على الملائكة، العباد المقربين، و رقوهم عن مرتبة العبادة و الذل، إلى مرتبة المشاركة للّه، في شي‏ء من خواصه، ثمّ نزلوا بهم عن مرتبة الذكورية، إلى مرتبة الأنوثية. فسبحان من أظهر تناقض من كذب عليه، و عاند رسله. و منها: أن اللّه رد عليهم بأنهم لم يشهدوا خلق اللّه لملائكته. فكيف يتكلمون بأمر غير المعلوم عند كل أحد، أنه ليس لهم به علم؟ و لكن لا بد أن يسألوا عن هذه الشهادة، و ستكتب عليهم، و يعاقبون عليها.

[20] و قوله تعالى: وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ‏ فاحتجوا على عبادتهم الملائكة بالمشيئة، و هي حجة لم يزل المشركون يطرقونها، و هي حجة باطلة في نفسها، عقلا، و شرعا. فكل عاقل، لا يقبل الاحتجاج بالقدر، و لو سلكه في حالة من أحواله، لم يثبت عليها قدمه. و أما شرعا، فإن اللّه تعالى أبطل الاحتجاج به، و لم يذكره عن غير المشركين به، المكذبين لرسله، فإن اللّه تعالى قد أقام الحجة أصلا، و لهذا قال هنا: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏ أي: يتخرصون تخرصا لا دليل عليه، و يتخبطون خبط عشواء.

[21] ثمّ قال: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ‏ (21) يخبرهم بصحة أفعالهم، و صدق أقوالهم؟ ليس الأمر كذلك، فإن اللّه أرسل محمدا نذيرا إليهم، و هم لم يأتهم نذير غيره. أي: فلا عقل، و لا نقل، و إذا انتفى الأمران، فلا ثمّ إلّا الباطل.

[22] نعم لهم شبهة من أوهى الشّبه، و هي: تقليد آبائهم الضالين، الّذين ما زال الكفرة يردون بتقليدهم دعوة الرسل، و لهذا قال هنا: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ أي: على دين و ملة وَ إِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ‏ أي:

فلا نتبع ما جاء به محمد صلّى اللّه عليه و سلم.

[23] وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أي: منعموها، و ملؤها الّذين أطغتهم الدنيا، و غرتهم الأموال، و استكبروا على الحقّ. إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ‏ أي: فهؤلاء ليسوا ببدع منهم، و ليسوا بأول من قال هذه المقالة. و هذا الاحتجاج، من هؤلاء المشركين الضالين، بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به، اتباع الحقّ و الهدى، و إنّما هو تعصب محض، يراد به نصرة ما معهم من الباطل.

[24] و لهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة أَ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى‏ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ‏ أي:

أ فتتبعوني لأجل الهدى. قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ‏ يعلم بهذا، أنهم ما أرادوا اتباع الحقّ و الهدى. و إنّما قصدهم، اتباع الباطل و الهوى.

[25] فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ‏ بتكذيبهم الحقّ، وردهم إياه، بهذه الشبهة الباطلة. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ فليحذر هؤلاء، أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم ما أصابهم.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 922

[26- 27] يخبر تعالى عن ملة إبراهيم الخليل عليه السّلام، الذي ينتسب إليه أهل الكتاب و المشركون، و كلهم يزعم أنه على طريقته. فأخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ‏ الّذين اتخذوا من دون اللّه آلهة يعبدونهم، و يتقربون إليهم: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ أي: مبغض له، مجتنب معاد لأهله‏ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي‏ فإني أتولاه، و أرجو أن يهديني للعلم بالحق، و العمل بالحق.

فكما فطرني و دبرني بما يصلح بدني و دنياي‏ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ‏ لما يصلح ديني و آخرتي.

[28] وَ جَعَلَها أي: هذه الخصلة الحميدة، الّتي هي أم الخصال و أساسها، و هي إخلاص العبادة للّه وحده، و التبرّي من عبادة ما سواه.

كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ‏ أي: في ذريته‏ لَعَلَّهُمْ‏ إليها يَرْجِعُونَ‏ لشهرتها عنه، و توصيته لذريته، و توصية بعض بنيه- كإسحاق و يعقوب- لبعض، كما قال تعالى: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ‏ إلى آخر الآيات.

فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السّلام، حتى دخلهم الترف و الطغيان.

[29] فقال تعالى: بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ‏ بأنواع الشهوات، حتى صارت هي غايتهم، و نهاية مقصودهم، فلم تزل يتربى حبها في قلوبهم، حتى صارت صفات راسخة، و عقائد متأصلة. حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ‏ الذي لا شك فيه، و لا مرية و لا اشتباه. وَ رَسُولٌ مُبِينٌ‏ أي: بين الرسالة، قامت أدلة رسالته، قياما باهرا، بأخلاقه، و معجزاته، و بما جاء به، و بما صدق به المرسلين، و بنفس دعوته صلّى اللّه عليه و سلم.

[30] وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ‏ الذي يوجب على من له أدنى دين و معقول، أن يقبله و ينقاد له. قالُوا هذا سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ كافِرُونَ‏ و هذا من أعظم المعاندة و المشاقة. فإنهم لم يكتفوا بمجرد الإعراض عنه، بل و لا جحده، فلم يرضوا حتى قدحوا به، قدحا شنيعا، و جعلوه بمنزلة السحر الباطل، الذي لا يأتي به إلّا أخبث الخلق، و أعظمهم افتراء. و الذي حملهم على ذلك، طغيانهم بما متعهم اللّه به و آباءهم.

[31] وَ قالُوا مقترحين على اللّه بعقولهم الفاسدة: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏ أي: معظّم عندهم، مبجّل من أهل مكة، و أهل الطائف، كالوليد بن المغيرة، و نحوه، ممن هو عندهم عظيم.

[32] قال اللّه ردا لاقتراحهم: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ‏ أي: أهم الخزان لرحمة اللّه، و بيدهم تدبيرها، فيعطون النبوة و الرسالة من يشاؤون، و يمنعونها ممن يشاؤون؟ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ‏ أي: في الحياة الدنيا، وَ الحال أن‏ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏ من الدنيا. فإذا كانت معايش العباد و أرزاقهم الدنيوية بيد اللّه تعالى، و هو الذي يقسمها بين عباده، فيبسط الرزق على من يشاء، و يضيقه على من يشاء، بحسب حكمته، فرحمته الدينية، الّتي أعلاها النبوة و الرسالة، أحرى أن تكون بيد اللّه تعالى، فاللّه أعلم حيث يجعل رسالته. فعلم أن اقتراحهم ساقط لاغ، و أن التدبير للأمور كلها، دينيها و دنيويها، بيد اللّه وحده. هذا إقناع لهم، من جهة غلطهم في الاقتراح، الذي ليس في أيديهم منه شي‏ء، إن هو إلّا ظلم منهم، ورد للحق. و قولهم: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏ لو عرفوا حقائق الرجال، و الصفات الّتي بها يعرف علو قدر الرجل، و عظم منزلته عند اللّه و عند خلقه، لعلموا أن محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 923

صلّى اللّه عليه و سلّم، هو أعظم الرجال قدرا، و أعلاهم فخرا، و أكملهم عقلا، و أغزرهم علما، و أجلهم رأيا، و عزما، و حزما و أكملهم خلقا، و أوسعهم رحمة، و أشدهم شفقة، و أهداهم و أتقاهم. و هو قطب دائرة الكمال، و إليه المنتهى في أوصاف الرجال، ألا و هو رجل العالم على الإطلاق. يعرف ذلك أولياؤه و أعداؤه، إلا من ضل و كابر. فكيف يفضل عليه المشركون من لم يشم مثقال ذرة من كماله؟ و من جرمه و منتهى حمقه، أن جعل إلهه الذي يعبده، و يدعوه، و يتقرب إليه، صنما، أو شجرا، أو حجرا، لا يضر و لا ينفع، و لا يعطي و لا يمنع، و هو كلّ على مولاه، يحتاج لمن يقوم بمصالحه. فهل هذا، إلّا من فعل السفهاء و المجانين؟ فكيف يجعل مثل هذا عظيما؟ أم كيف يفضل على خاتم الرسل و سيد ولد آدم محمد صلّى اللّه عليه و سلّم؟ و لكن الذين كفروا لا يعقلون. و في هذه الآية تنبيه على حكمة اللّه تعالى، في تفضيل اللّه بعض العباد على بعض في الدنيا لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا أي: ليسخر بعضهم بعضا، في الأعمال و الحرف، و الصنائع. فلو تساوى الناس في الغنى، و لم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطل كثير من مصالحهم و منافعهم. و فيها دليل على أن نعمته الدينية، خير من النعمة الدنيوية كما قال تعالى في الآية الأخرى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏ (58).

[33] يخبر تعالى بأن الدنيا لا تسوى عنده شيئا، و أنه لو لا لطفه و رحمته بعباده، الّتي لا يقدم عليها شيئا، لوسّع الدنيا على الّذين كفروا، توسيعا عظيما، و لجعل: لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ‏ أي: درجا من فضة. عَلَيْها يَظْهَرُونَ‏ إلى سطوحهم.

[34- 35] وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ‏ (34) من فضة، و لجعل لهم زخرفا، أي: لزخرف لهم دنياهم بأنواع الزخارف، و أعطاهم ما يشتهون. و لكن منعه من ذلك رحمته بعباده خوفا عليهم من التسارع في الكفر و كثرة المعاصي، بسبب حب الدنيا، ففي هذا دليل على أنه يمنع العباد بعض أمور الدنيا منعا عاما أو خاصا لمصالحهم. و أن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة، و أن كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا، منغصة، مكدرة، فانية، و أن الآخرة عند اللّه تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال أوامره، و اجتناب نواهيه. لأن نعيمها تام كامل من كل وجه، و في الجنة ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين، و هم فيها خالدون. فما أشد الفرق بين الدارين!!

[36] يخبر تعالى عن عقوبته البليغة، لمن أعرض عن ذكره فقال: وَ مَنْ يَعْشُ‏ أي: يعرض و يصد عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ‏ الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده. فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، و فاز بأعظم المطالب و الرغائب. و من أعرض عنها وردها، فقد خاب و خسر خسارة، لا يسعد بعدها أبدا، و قيّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه، و يصاحبه، و يعده، و يمنيه، و يؤزه إلى المعاصي أزا.

[37] وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ‏ أي: الصراط المستقيم، و الدين القويم. وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ‏ بسبب تزيين الشيطان للباطل، و تحسينه له، و إعراضهم عن الحقّ، فاجتمع هذا و هذا. فإن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، و ليس كذلك؟ قيل: لا عذر لهذا و أمثاله، الّذين مصدر جهلهم، الإعراض عن ذكر اللّه، مع تمكنهم من الاهتداء. فزهدوا في الهدى، مع القدرة عليه، و رغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، و الجرم جرمهم. فهذه حالة هذا المعرض عن ذكر اللّه في الدنيا، مع قرينه، و هي الضلال و الغيّ، و انقلاب الحقائق. و أما حاله، إذا جاء ربه في الآخرة، فهو شر الأحوال، و هو: الندم و التحسر، و الحزن الذي لا يجبر مصابه، و التبرّي من قرينه، و لهذا قال تعالى:

[38] حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ‏ (38). كما في قوله تعالى: وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى‏ يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29).

[39] و قوله تعالى: وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ‏ (39) أي: و لا ينفعكم يوم القيامة،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 924

اشتراككم في العذاب، أنتم و قرناؤكم، و أخلاؤكم. و ذلك لأنكم اشتركتم في الظلم، فاشتركتم في عقابه و عذابه. و لن ينفعكم أيضا، روح التسلي في المصيبة فإن المصيبة إذا وقعت في الدنيا، و اشترك فيها المعاقبون، هان عليهم بعض الهون، و تسلّى بعضهم ببعض. و أما مصيبة الآخرة، فإنها جمعت كل عقاب، ما فيه أدنى راحة، حتى و لا هذه الراحة. نسألك يا ربنا العافية، و أن تريحنا برحمتك.

[40] يقول تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، مسليا له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له، و أنهم لا خير فيهم، و لا فيهم زكاء يدعوهم إلى الهدى: أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ‏ أي: الّذين لا يسمعون‏ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ‏ الّذين لا يبصرون. وَ تهدي‏ مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ أي: بيّن واضح، لعلمه بضلاله، و رضاه به. فكما أن الأصم لا يسمع الأصوات، و الأعمى لا يبصر، و الضال ضلالا مبينا لا يهتدي. فهؤلاء قد فسدت فطرهم و عقولهم، بإعراضهم عن الذكر، و استحدثوا عقائد فاسدة، و صفات خبيثة، تمنعهم و تحول بينهم و بين الهدى، و توجب لهم الازدياد من الردى. فهؤلاء لم يبق إلّا عذابهم و نكالهم، إما في الدنيا، أو في الآخرة، و لهذا قال تعالى:

[41] فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ‏ (41) أي: فإن ذهبنا بك قبل أن نريك ما نعدهم من العذاب، فاعلم بخبرنا الصادق، أنّا منهم منتقمون.

[42] أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ‏ من العذاب‏ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ‏ و لكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة لتعجيله أو تأخيره. فهذه حالك، و حال هؤلاء المكذبين.

[43] و أما أنت‏ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ‏ فعلا و اتصافا، بما يأمر بالاتصاف به و دعوة إليه، و حرصا على تنفيذه بنفسك و في غيرك. إِنَّكَ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ موصل إلى اللّه و إلى دار كرامته. و هذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به و الاهتداء. إذا علمت أنه حق، و عدل، و صدق، تكون بانيا على أصل أصيل، إذا بنى غيرك على الشوك و الأوهام، و الظلم و الجور.

[44] وَ إِنَّهُ‏ أي: هذا القرآن الكريم‏ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ‏ أي: فخر لكم، و منقبة جليلة، و نعمة لا يقادر قدرها، و لا يعرف وصفها، و يذكركم أيضا ما فيه من الخير الدنيوي و الأخروي، و يحثكم عليه، و يذكركم الشر و يرهبكم عنه. وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ‏ عنه، هل قمتم به فارتفعتم و انتفعتم، أم لم تقوموا به؟ فيكون حجة عليكم، و كفرا منكم بهذه النعمة.

[45] وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ‏ (45) حتى يكون للمشركين نوع حجة، يتبعون فيها أحدا من الرسل. فإنك لو سألتهم، و استخبرت عن أحوالهم، لم تجد أحدا منهم يدعو إلى اتخاذ إله آخر مع اللّه، و أن كل الرسل، من أولهم إلى آخرهم، يدعون إلى عبادة اللّه، وحده لا شريك له. قال تعالى: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏ و كل رسول بعثه اللّه، يقول لقومه: اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره. فدل هذا، أن المشركين ليس لهم مستند في شركهم، لا من عقل صحيح، و لا نقل عن الرسل.

[46] لما قال تعالى: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ‏ (45) بيّن تعالى حال موسى و دعوته، الّتي هي أشهر ما يكون من دعوات الرسل، و لأن اللّه تعالى، أكثر من ذكرها في كتابه، فذكر حاله‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 925

مع فرعون. وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‏ بِآياتِنا الّتي دلت دلالة قاطعة على صحة ما جاء به، كالعصا، و الحية، و إرسال الجراد، و القمل، إلى آخر الآيات. إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ فدعاهم إلى الإقرار بربهم، و نهاهم عن عبادة ما سواه.

[47] فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ‏ (47) أي: ردوها و أنكروها، و استهزأوا بها، ظلما و علوا.

[48] فلم يكن لقصور بالآيات و عدم وضوح فيها، و لهذا قال: وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها أي: الآية المتأخرة أعظم من السابقة وَ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ‏ كالجراد، و القمل و الضفادع، و الدم، آيات مفصلات.

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏ إلى الإسلام، و يذعنون له، ليزول شركهم و شرهم.

[49] وَ قالُوا عند ما نزل عليهم العذاب:

يا أَيُّهَا السَّاحِرُ يعنون موسى عليه السّلام. و هذا، إما من باب التهكم به، و إما أن يكون هذا الخطاب عندهم، مدحا، فتضرعوا إليه بأن خاطبوه، بما يخاطبون من يزعمون أنهم علماؤهم، و هم السحرة فقالوا: يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ‏ أي: بما خصك اللّه به، و فضلّك به، من الفضائل و المناقب، أن يكشف عنّا العذاب‏ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ‏ إن كشف اللّه عنّا ذلك.

[50] فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ‏ (50) أي: لم يفوا بما قالوا، بل غدروا، و استمروا على كفرهم. و هذا كقوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَ لَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى‏ أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ‏ (135).

[51] وَ نادى‏ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ‏ مستعليا بباطله، قد غره ملكه، و أطغاه ماله و جنوده: يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ أي: أ لست المالك لذلك، المتصرف فيه. وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي‏ أي: الأنهار المنسحبة من النيل، في وسط القصور و البساتين. أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ هذا الملك الطويل العريض. و هذا من جهله البليغ، حيث افتخر بأمر خارج عن ذاته، و لم يفخر بأوصاف حميدة، و لا أفعال سديدة.

[52] أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ‏ يعني قبحه اللّه- بالمهين، موسى بن عمران، كليم الرحمن، الوجيه عند اللّه. أي: أنا العزيز، و هو الذليل المهان المحتقر، فأيّنا خير؟ وَ مع هذا فإنه‏ لا يَكادُ يُبِينُ‏ عمّا في ضميره بالكلام، لأنه ليس بفصيح اللسان. و هذا ليس من العيوب في شي‏ء، إذا كان يبين ما في قلبه، و لو كان الكلام ثقيلا عليه.

[53] ثمّ قال فرعون: فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ‏ أي: فهلّا كان موسى بهذه الحالة، أن يكون مزينا مجملا بالحلي و الأساور؟ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ‏ يعاونونه على دعوته، و يؤيدونه على قوله.

صفحه بعد