کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1055

بعقاب من الأرض و من السماء ينفعكم، فستجدون عاقبة أمركم، سواء طال عليكم الأمد أو قصر.

[18] فإن من قبلكم، كذبوا كما كذبتم، فأهلكهم اللّه تعالى، فانظروا كيف إنكار اللّه عليهم، عاجلهم بالعقوبة الدنيوية قبل عقوبة الآخرة، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم.

[19] و هذا عتاب و حث على النظر إلى حالة الطير، الّتي سخرها اللّه، و سخر لها الجو و الهواء، تصف فيه أجنحتها للطيران، و تقبضها للوقوع، فتظل سابحة في الجو، مترددة فيه، بحسب إرادتها و حاجتها. ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ‏ فإنه الذي سخر لهن الجو، و جعل أجسادها و خلقتها، في حالة مستعدة للطيران. فمن نظر في حالة الطير، و اعتبر فيها، دلته على قدرة الباري، و عنايته الربانية، و أنه الواحد الأحد، الذي لا تنبغي العبادة إلا له. إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ بَصِيرٌ ، فهو المدبر لعباده، بما يليق بهم، و تقتضيه حكمته.

[20] يقول تعالى للعتاة النافرين عن أمره، المعرضين عن الحقّ: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ‏ ، أي: ينصركم، إذا أراد الرحمن بكم سوءا، فيدفعه عنكم؟ أي: من الذي ينصركم على أعدائكم غير الرحمن؟ فإنه تعالى هو الناصر المعز المذل، و غيره من الخلق لو اجتمعوا على نصر عبد، لم ينفعوه بمثقال ذرة، على أيدي أيّ عدوّ كان. فاستمرار الكافرين على كفرهم، بعد أن علموا أنه لا ينصرهم أحد من دون الرحمن، غرور و سفه.

[21] أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ‏ ، أي: الرزق كله من اللّه، فلو أمسك عنكم الرزق، فمن الذي يرسله لكم؟ فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم، فكيف بغيرهم؟ فالرزاق المنعم، الذي لا يصيب العباد نعمة إلا منه، هو الذي يستحق أن يفرد بالعبادة. و لكن الكافرين‏ لَجُّوا ، أي: استمروا فِي عُتُوٍّ ، أي: قسوة و عدم لين للحق‏ وَ نُفُورٍ ، أي: شرود عن الحقّ.

[22] أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى‏ وَجْهِهِ أَهْدى‏ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ (22) أي: أيّ الرجلين أهدى؟ من كان تائها في الضلال، غارقا في الكفر قد انتكس قلبه، فصار الحقّ عنده باطلا، و الباطل حقا؟ أو من كان عالما بالحق، مؤثرا له، عاملا يمشي على الصراط المستقيم في أقواله و أعماله، و جميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال الرجلين، يعلم الفرق بينهما، و المهتدي من الضال منهما، و الأحوال أكبر شاهد من الأقوال.

[23] يقول تعالى- مبينا أنه المعبود وحده، و داعيا عباده إلى شكره، و إفراده بالعبادة-: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ‏ ، أي: أوجدكم من العدم، من غير معاون له و لا مظاهر. و لما أنشأكم، كمل لكم الوجود، إذ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ ، و هذه الثلاثة، هي أفضل أعضاء البدن، و أكمل القوى الجسمانية. و لكنكم مع هذا الإنعام‏ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ‏ اللّه، قليل منكم الشاكر، و قليل منكم الشكر.

[24] قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ‏ ، أي: بثكم في أقطارها، و أسكنكم في أرجائها، و أمركم، و نهاكم، و أسدى إليكم من النعم، ما به تنتفعون، ثمّ بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة.

[25] و لكن هذا الوعد بالجزاء، ينكره هؤلاء المعاندون‏ وَ يَقُولُونَ‏ تكذيبا: مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ ، جعلوا علامة صدقهم، أن يخبروهم بوقت مجيئه، و هذا ظلم و عناد.

[26] قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ‏ لا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1056

عند أحد من الخلق، و لا ملازمة بين هذا الخبر، و بين الإخبار بوقته، فإن الصدق يعرف بأدلته. و قد أقام اللّه من الأدلة و البراهين على صحته، ما لا يبقى معه أدنى شك، لمن ألقى السمع و هو شهيد.

[27] يعني أن محل تكذيب الكفار و غرورهم به حين كانوا في الدنيا، فإذا كان يوم الجزاء، و رأوا العذاب منهم‏ زُلْفَةً ، أي: قريبا، ساءهم ذلك، و أفظعهم، و أقلقهم، فتغيرت لذلك وجوههم، و وبخوا على تكذيبهم، و قيل: هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ‏ . فاليوم رأيتموه عيانا، و انجلى لكم الأمر، و تقطعت بكم الأسباب، و لم يبق إلا مباشرة العذاب.

[28] و لما كان المكذبون للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، الّذين يردون دعوته، ينتظرون هلاكه، و يتربصون به ريب المنون، أمره اللّه أن يقول لهم: إنكم إن حصلت لكم أمنيتكم، و أهلكني اللّه و من معي، فليس ذلك بنافع لكم شيئا، لأنكم كفرتم بآيات اللّه، و استحققتم العذاب، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتّم وقوعه بكم؟ فإذا، تعبكم و حرصكم على هلاكي، غير مفيد و لا مجد لكم شيئا. و من قولهم: إنهم على هدى، و الرسول على الضلال، أعادوا في ذلك و أبدوا، و جادلوا عليه و قاتلوا.

[29] فأمر اللّه نبيه أن يخبر عن حاله، و حال أتباعه، ما به يتبين لكل أحد هداهم و تقواهم، و هو أن يقولوا: هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا ، و الإيمان يشمل التصديق الباطن، و الأعمال الباطنة و الظاهرة. و لما كانت الأعمال، وجودها و كمالها، متوقفان على التوكل، خص اللّه التوكل من سائر الأعمال، و إلا فهو داخل في الإيمان، و من جملة لوازمه كما قال تعالى: وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ .

فإذا كانت هذه حال الرسول، و حال من اتبعه، و هي الحال الّتي تتعين للفلاح، و تتوقف عليها السعادة، و حالة أعدائه بضدها، فلا إيمان لهم و لا توكل، علم بذلك، من هو على هدى، و من هو في ضلال مبين. ثمّ أخبر عن انفراده بالنعم، خصوصا الماء الذي جعل اللّه منه كلّ شي‏ء حيّ، فقال:

[30] قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ، أي: غائرا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ‏ تشربون منه، و تسقون أنعامكم، و أشجاركم، و زروعكم؟ و هذا استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدر أحد على ذلك، غير اللّه تعالى. تم تفسير سورة الملك- و الحمد للّه.

تفسير سورة القلم‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقسم تعالى بالقلم، و هو اسم جنس شامل للأقلام، الّتي تكتب بها أنواع العلوم، و يسطر بها المنثور و المنظوم.

[2] و ذلك أن القلم، و ما يسطر به من أنواع الكلام، من آياته العظيمة، الّتي تستحق أن يقسم بها، على براءة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، فنفى عنه ذلك بنعمة ربه عليه، و إحسانه، حيث منّ عليه بالعقل الكامل، و الرأي الجزل، و الكلام الفصل، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام، و سطره الأنام، و هذا هو السعادة في الدنيا.

[3] ثمّ ذكر سعادته في الآخرة، فقال: وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ‏ (3)، أي: لأجرا عظيما، كما يفيده التنكير، غير مقطوع، بل هو دائم مستمر. و ذلك لما أسلفه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من الأعمال الصالحة، و الأخلاق الكاملة، و الهداية إلى كلّ خير.

[4] و لهذا قال: وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏ (4)، أي: عليّ به، مستعل بخلقك الذي منّ اللّه عليك به. و حاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها لمن سألها عنه، فقالت: «كان خلقه القرآن»، و ذلك نحو

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1057

قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ‏ (199)، فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏ الآية، لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ‏ الآية. و ما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلّى اللّه عليه و سلّم بمكارم الأخلاق، و الآيات الحاثّات على كلّ خلق جميل، فكان له منها، أكملها و أجلّها، و هو في كلّ خصلة منها، في الذروة العليا. فكان سهلا لينا، قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابرا لقلب من سأله، لا يحرمه، و لا يرده خائبا. و إذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه، و تابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، و إن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم و يؤامرهم.

و كان يقبل من محسنهم، و يعفو عن مسيئهم، و لم يكن يعاشر جليسا، إلا أتم عشرة و أحسنها. فكان لا يعبس في وجهه، و لا يغلظ عليه في مقاله، و لا يطوي عنه بشره، و لا يمسك عليه فلتات لسانه، و لا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إليه غاية الإحسان و يحتمله غاية الاحتمال. فلما أنزل اللّه نبيه محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم في أعلى المنازل، و كان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون، قال:

[5- 6] فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ‏ (6)، و قد تبين أنه أهدى الناس، و أكملهم لنفسه و لغيره. و أن أعداءه أضل الناس، و شر الناس للناس، و أنهم الّذين فتنوا عباد اللّه، و أضلوهم عن سبيله، و كفى بعلم اللّه بذلك، فإنه المحاسب المجازي.

[7] إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏ (7)، و هذا فيه تهديد للضالين، و وعد للمهتدين، و بيان لحكمة اللّه، حيث كان يهدي من يصلح للهداية دون غيره.

[8] يقول اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و سلّم: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ‏ (8) الّذين كذبوك، و عاندوا الحقّ، فإنهم ليسوا أهلا لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم، و هم لا يريدون إلا الباطل، فالمطيع لهم مقدم على ما يضره، و هذا عام في كلّ مكذب، و في كلّ طاعة ناشئة عن التكذيب، و إن كان السياق في شي‏ء خاص، و هو أن المشركين طلبوا من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أن يسكت عن عيب آلهتهم و دينهم، و يسكتوا عنه، و لهذا قال:

[9] وَدُّوا ، أي: المشركون‏ لَوْ تُدْهِنُ‏ ، أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول، أو الفعل، أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه.

فَيُدْهِنُونَ‏ ، و لكن اصدع بأمر اللّه، و أظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، نقض ما يضاده، و عيب ما يناقضه.

[10] وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ‏ ، أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا و هو كذاب. و لا يكون كذابا، إلا و هو مَهِينٍ‏ ، أي: خسيس النفس، ناقص الحكمة، ليس له رغبة في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة.

[11] هَمَّازٍ أي: كثير العيب للناس و الطعن فيهم، بالغيبة و الاستهزاء، و غير ذلك. مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ‏ ، أي:

يمشي بين الناس بالنميمة، و هو: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، و إيقاع العداوة و البغضاء.

[12- 13] مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة و الكفارات و الزكوات و غير ذلك، مُعْتَدٍ على الخلق يظلمهم في دمائهم و أموالهم و أعراضهم‏ أَثِيمٍ‏ ، أي: كثير الإثم و الذنوب المتعلقة في حق‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1058

اللّه‏ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ‏ أي: غليظ شرس الخلق قاس، غير منقاد زَنِيمٍ‏ أي: دعيّ، ليس له أصل و لا مادة ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، و لا يرجى منه فلاح، له زنمة، أي: علامة في الشر يعرف بها. و حاصل هذا، أن اللّه تعالى نهى عن طاعة كلّ حلاف كذاب، خسيس النفس، سيى‏ء الأخلاق، خصوصا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، و التكبر على الحقّ و على الخلق، و الاحتقار للناس، بالغيبة و النميمة، و الطعن فيهم، و كثرة المعاصي.

[14- 15] و هذه الآيات- و إن كانت نزلت في بعض المشركين- كالوليد بن المغيرة أو غيره، لقوله عنه: أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ (14) إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ (15) أي: لأجل كثرة ماله و ولده، طغى و استكبر عن الحقّ، و دفعه حين جاءه، و جعله من جملة أساطير الأولين، الّتي يمكن صدقها و كذبها. فإنها عامة في كلّ من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، و يدخل فيه أول الأمة و آخرهم. و ربما نزل بعض الآيات في سبب شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، و يعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة.

[16] ثمّ توعد تعالى من جرى منه ما وصف اللّه، بأن اللّه سيسمه على الخرطوم في العذاب، و يعذبه عذابا ظاهرا، يكون عليه سمة و علامة، في أشق الأشياء عليه، و هو وجهه.

[17] يقول تعالى: إنا بلونا هؤلاء المكذبين بالخير، و أمهلناهم، و أمددناهم بما شئنا من مال و ولد و طول عمر، و نحو ذلك، مما يوافق أهواءهم، لا لكرامتهم علينا، بل ربما يكون استدراجا لهم، من حيث لا يعلمون.

فاغترارهم بذلك، نظير اغترار أصحاب الجنة، الذي هم فيها شركاء، حين أينعت أشجارها، و زهت ثمارها، و آن وقت صرامها، و جزموا أنها في أيديهم، و طوع أمرهم، و أنه ليس ثمّ مانع يمنعهم منها.

[18] و لهذا أقسموا و حلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها، أي: يجذونها مصبحين. و لم يدروا أن اللّه بالمرصاد، و أن العذاب سيخلفهم عليها، و يبادرهم إليها.

[19- 21] فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ‏ ، أي: عذاب نزل عليها ليلا وَ هُمْ نائِمُونَ‏ ، فأبادها، و أتلفها فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ‏ (20)، أي: كالليل المظلم، و ذهبت الأشجار و الثمار، هذا و هم لا يشعرون بهذا الواقع الملم، و لهذا تنادوا فيها بينهم لما أصبحوا، يقول بعضهم لبعض:

[22- 24] أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا قاصدين لها وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ‏ فيما بينهم بمنع حق اللّه تعالى، و يقولون: لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ‏ ، أي: بكروا قبل انتشار الناس، و تواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء و المساكين. و من شدة حرصهم و بخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء.

[25] وَ غَدَوْا في هذه الحالة الشنيعة، و القسوة، و عدم الرحمة عَلى‏ حَرْدٍ قادِرِينَ‏ ، أي: على إمساك و منع لحق اللّه، جازمين بقدرتهم عليها.

[26] فَلَمَّا رَأَوْها على الوصف الذي ذكر اللّه كالصريم، قالُوا من الحيرة و الانزعاج: إِنَّا لَضَالُّونَ‏ ، أي: تائهون عنها، لعلها غيرها.

[27] فلما تحققوها، و رجعت إليهم عقولهم، قالوا:

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏ (27) منها، فعرفوا حينئذ أنه عقوبة.

[28] قالَ أَوْسَطُهُمْ‏ ، أي: أعدلهم، و أحسنهم طريقة: أَ لَمْ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1059

أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ‏ ، أي: تنزهون اللّه عما لا يليق به، و من ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فلو استثنيتم، و قلتم: «إن شاء اللّه» و جعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئته، ما جرى عليكم ما جرى.

[29] قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ‏ (29)، أي:

استدركوا بعد ذلك، و لكن بعد ما وقع على جنتهم العذاب، الذي لا يرفع. و لكن بعد ما وقع على جنتهم العذاب، الذي لا يرفع. و لكن لعل تسبيحهم هذا، و إقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم و يكون توبة، و لهذا ندموا ندامة عظيمة.

[30- 31] فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ‏ (30) فيما أجروه و فعلوه، قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ‏ (31)، أي: متجاوزين للحد في حق اللّه، و حق عباده.

[32] عَسى‏ رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا راغِبُونَ‏ (32) فهم رجوا اللّه أن يبدلهم خيرا منها، و وعدوا أنهم سيرغبون إلى اللّه، و يلحون عليه في الدنيا. فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن اللّه أبدلهم في الدنيا خيرا منها لأن من دعا اللّه صادقا، و رغب إليه و رجاه، أعطاه سؤله.

[33] قال تعالى معظما ما وقع: كَذلِكَ الْعَذابُ‏ ، أي: الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلبه اللّه الشي‏ء الذي طغى به و بغى، و آثر الحياة الدنيا، و أن يزيله عنه، أحوج ما يكون إليه. وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ من عذاب الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ‏ ، فإن من علم ذلك، أوجب له الانزجار عن كلّ سبب يوجب العقاب، و يحرم الثواب.

[34- 35] يخبر تعالى بما أعده للمتقين الكفر و المعاصي، من أنواع النعيم و العيش السليم في جوار أكرم الأكرمين، و أن حكمته تعالى، لا تقتضي أن يجعل المتقين القانتين لربهم، المنقادين لأوامره، المتبعين مراضيه، كالمجرمين الّذين أوضعوا في معاصيه، و الكفر بآياته، و معاندة رسله، و محاربه أوليائه.

[36] و أن من ظن أنه يسويهم في الثواب، فإنه قد أساء الحكم، و أن حكمه باطل، و رأيه فاسد.

[37- 38] و أن المجرمين إذا ادعوا ذلك، فليس لهم مستند، لا كتاب فيه يدرسون و يتلون، أنهم من أهل الجنة، و أن لهم ما طلبوا و تخيروا.

[39] و ليس لهم عند اللّه عهد و يمين بالغة إلى يوم القيامة أن لهم ما يحكمون و ليس لهم شركاء و أعوان على إدراك ما طلبوا، فإن كان لهم شركاء و أعوان، فليأتوا بهم، إن كانوا صادقين. و من المعلوم أن جميع ذلك منتف، فليس لهم كتاب، و لا لهم عهد عند اللّه في النجاة، و لا لهم شركاء يعينونهم، فعلم أن دعواهم باطلة فاسدة.

[40] و قوله: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ‏ (40)، أي: أيهم الكفيل بهذه الدعوى الّتي تبين بطلانها، فإنه لا يمكن أحدا، أن يتصدر بها، و لا يكون زعيما فيها.

[42] أي: إذا كان يوم القيامة، و انكشف فيه من القلاقل و الزلازل و الأهوال، ما لا يدخل تحت الوهم، و أتى الباري لفصل القضاء بين عباده، و مجازاتهم، فكشف عن ساقه الكريمة، الّتي لا يشبهها شي‏ء، و رأى الخلائق من جلال اللّه و عظمته، ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذ يدعون إلى السجود للّه. فيسجد المؤمنون الّذين كانوا يسجدون للّه، طوعا و اختيارا، و يذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود، و تكون ظهورهم كصياصي البقر، لا يستطيعون الانحناء.

[43] و هذا الجزاء من جنس عملهم، فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود للّه،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1060

و توحيده و عبادته، و هم سالمون، لا علة فيهم، فيستكبرون عن ذلك و يأبون، فلا تسأل يومئذ عن حالهم، و سوء مآلهم، فإن اللّه سخط عليهم، و حقت عليهم كلمة العذاب، و تقطعت أسبابهم، و لم تنفعهم الندامة و الاعتذار يوم القيامة. ففي هذا ما يزعج القلوب عن المقام على المعاصي، و يوجب التدارك مدة الإمكان.

[44- 45] أي: دعني و المكذبين بالقرآن العظيم، فإن عليّ جزاءهم، و لا تستعجل لهم، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ‏ فنمدهم بالأموال و الأولاد، و نمدهم في الأرزاق و الأعمال، ليغتروا، و يستمروا على ما يضرهم، و هذا من كيد اللّه لهم، و كيد اللّه لأعدائه متين قوي، يبلغ من ضررهم و عقوبتهم كلّ مبلغ.

[46] أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ‏ (46)، أي: ليس لنفورهم عنك، و عدم تصديقهم لك، سبب يوجب لهم ذلك، فإنك تعلمهم، و تدعوهم إلى اللّه، لمحض مصلحتهم، من غير أن تصيبهم من أموالهم مغرما، يثقل عليهم.

[47] أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ‏ (47) ما كان عندهم من الغيوب، و قد وجدوا أنهم على حق، و أن لهم الثواب عند اللّه. فهذا أمر ما كان، و إنّما كانت حالهم، حال معاند ظالم.

[48] فلم يبق إلا الصبر لأذاهم، و التحمل لما يصدر منهم، و الاستمرار على دعوتهم، و لهذا قال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ‏ ، أي: لما حكم به، شرعا و قدرا، فالحكم القدري، يصبر على المؤذى منه، و لا يتلقّى بالسخط و الجزع، و الحكم الشرعي، يقابل بالقبول و التسليم، و الانقياد لأمره. و قوله: وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ‏ و هو يونس بن متى، عليه الصلاة و السّلام. أي: و لا تشابهه في الحال الّتي أوصلته و أوجبت له الانحباس في بطن الحوت، و هو عدم صبره على قومه، الصبر المطلوب منه، و ذهابه مغاضبا لربه، حتى ركب البحر، فاقترع أهل السفينة حين ثقلت بأهلها، أيهم يلقون لكي تخف بهم، فوقعت القرعة عليه، فالتقمه الحوت و هو مليم. و قوله: إِذْ نادى‏ وَ هُوَ مَكْظُومٌ‏ ، أي: و هو في بطنها قد كظمت عليه، أو نادى و هو مغتمّ مهتم، فقال: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ‏ . فاستجاب اللّه له، و قذفته الحوت من بطنها بالعراء، و هو سقيم، و أنبت اللّه عليه شجرة من يقطين، و لهذا قال هنا:

[49] لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ ، أي: لطرح في العراء، و هي الأرض الخالية وَ هُوَ مَذْمُومٌ‏ ، و لكن اللّه تغمده برحمته، فنبذ و هو ممدوح، و صارت حاله أحسن من حاله الأولى، و لهذا قال:

[50] فَاجْتَباهُ رَبُّهُ‏ ، أي: اختاره و نقاه من كلّ كدر. فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ ، أي: الّذين صلحت أعمالهم و أقوالهم، و نياتهم و أحوالهم. فامتثل نبينا محمد صلّى اللّه عليه و سلّم أمر اللّه، فصبر لحكم ربه صبرا لا يدركه أحد من العالمين. فجعل اللّه له العاقبة وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* و لم يبلغ أعداؤه فيه إلا ما يسوؤهم.

[51] حتى إنهم حرصوا على أن يزلقوه بأبصارهم، أي:

يصيبوه بأعينهم، من حسدهم و حنقهم و غيظهم. هذا منتهى ما قدروا عليه من الأذى الفعليّ، و اللّه حافظه و ناصره.

و أما الأذى القولي، فيقولون فيه أقوالا، بحسب ما توحي إليهم قلوبهم، فيقولون تارة: «مجنون»، و تارة: «شاعر»، و تارة: «ساحر».

[52] قال تعالى: وَ ما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ‏ (52)، أي: و ما هذا القرآن العظيم، و الذكر الحكيم، إلا ذكر للعالمين، يتذكرون به مصالح دينهم و دنياهم، و الحمد للّه. تم تفسير سورة القلم- بمنّ اللّه و كرمه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1061

سورة الحاقة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 3] الْحَاقَّةُ (1) من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق و تنزل بالخلق، و تظهر فيها حقائق الأمور، و مخبآت الصدور. فعظم تعالى شأنها و فخّمه، بما كرّره من قوله: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) فإن لها شأنا عظيما، و هولا جسيما.

ثمّ ذكر نموذجا من أحوالها الموجودة في الدنيا المشاهدة فيها، و هو ما أحله من العقوبات البليغة بالأمم العاتية، فقال:

[4] كَذَّبَتْ ثَمُودُ و هم: القبيلة المشهورة، سكان الحجر، الّذين أرسل اللّه إليهم رسوله صالحا عليه السّلام، ينهاهم عما هم عليه من الشرك، و يأمرهم بالتوحيد، فردوا دعوته، و كذبوه، و كذبوا ما أخبر به من يوم القيامة، و هي:

القارعة الّتي تقرع الخلق بأهوالها. و كذلك عاد الأولى، سكان حضرموت، حين بعث اللّه إليهم رسوله هودا عليه الصلاة و السّلام، يدعوهم إلى عبادة اللّه وحده، فكذبوه، و أنكروا ما أخبر به من البعث، فأهلك اللّه الطائفتين بالهلاك العاجل:

[5] فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) و هي: الصيحة العظيمة الفظيعة، الّتي قطعت قلوبهم، و زهقت لها أرواحهم فأصبحوا موتى، لا يرى إلا مساكنهم و جثثهم.

[6] وَ أَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ ، أي: قوية شديدة الهبوب، لها صوت أبلغ من صوت الرعد القاصف، عاتِيَةٍ ، أي: عتت على خزانها، على قول كثير من المفسرين، أو عتت على عاد، و زادت على الحد كما هو الصحيح.

[7] سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ، أي: نحسا و شرا فظيعا عليهم، فدمرتهم و أهلكتهم. فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى‏ ، أي: هلكى موتى، كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ، أي: كأنهم جذوع النخل، الّتي قطعت رؤوسها الخاوية، الساقط بعضها على بعض.

[8] فَهَلْ تَرى‏ لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (8)، و هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر.

[9] أي: و كذلك غير هاتين الأمتين الطاغيتين، عاد و ثمود، جاء غيرهم من الطغاة العتاة، كفرعون مصر، الذي أرسل اللّه إليه عبده و رسوله، موسى بن عمران عليه الصلاة و السّلام، و أراهم من الآيات البينات، ما تيقنوا بها الحقّ، و لكن جحدوا و كفروا، ظلما و علوا، و جاء من قبله من المكذبين. وَ الْمُؤْتَفِكاتُ‏ ، أي: قرى قوم لوط، الجميع جاءوا بِالْخاطِئَةِ ، أي: بالفعلة الطاغية، و هو الكفر و التكذيب، و الظلم و المعاندة، و ما انضم إلى ذلك من أنواع المعاصي و الفسوق.

[10] فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ‏ و هذا اسم جنس، أي: كل من هؤلاء كذبوا الرسول، الذي أرسله اللّه إليهم. فَأَخَذَهُمْ‏ اللّه جميعا أَخْذَةً رابِيَةً ، أي: زائدة على الحد و المقدار، الذي يحصل به هلاكهم.

صفحه بعد