کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

جامع البيان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

(القول فى البيان عن اتفاق معانى آي القرآن و معانى منطق من نزل بلسانه من وجه البيان و الدلالة على أن ذلك من الله جل و عز هو الحكمة البالغة مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين القرآن سائر الكلام) (القول فى البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب و ألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم) (القول فى اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب) القول فى البيان عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة و ذكر الاخبار المروية بذلك القول فى الوجوه التي من قبلها يوصل الى معرفة تأويل القرآن ذكر بعض الاخبار التي رويت بالنهى عن القول فى تأويل القرآن بالرأى ذكر بعض الاخبار التي رويت فى الحض على العلم بتفسير القرآن و من كان يفسره من الصحابة ذكر بعض الاخبار التي غلط فى تأويلها منكر و القول فى تأويل القرآن ذكر الاخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير و من كان منهم مذموما علمه بذلك (القول فى تاويل أسماء القرآن و سوره و آيه) القول فى تأويل أسماء فاتحة الكتاب القول فى تأويل الاستعاذة
تفسير سورة الفاتحة تفسير سورة البقرة

جامع البيان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 56

لا يوفقهم، و لا يشرح للحق و الإِيمان صدورهم. و قد زعم بعضهم أن تأويل قوله: اهْدِنَا زدنا هداية.

و ليس يخلو هذا القول من أحد أمرين: إما أن يكون قائله قد ظن أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بمسألة ربه الزيادة في البيان، أو الزيادة في المعونة و التوفيق. فإن كان ظن أنه أمر بمسألة الزيادة في البيان فذلك ما لا وجه له؛ لأَن الله جل ثناؤه لا يكلف عبدا فرضا من فرائضه إلا بعد تبيينه له و إقامة الحجة عليه به. و لو كان معنى ذلك معنى مسألته البيان، لكان قد أمر أن يدعو ربه أن يبين له ما فرض عليه، و ذلك من الدعاء خلف؛ لأَنه لا يفرض فرضا إلا مبينا لمن فرضه عليه، أو يكون أمر أن يدعو ربه أن يفرض عليه الفرائض التي لم يفرضها. و في فساد وجه مسألة العبد ربه ذلك ما يوضح عن أن معنى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ غير معنى بين لنا فرائضك و حدودك، أو يكون ظن أنه أمر بمسألة ربه الزيادة في المعونة و التوفيق. فإن كان ذلك كذلك، فلن تخلو مسألته تلك الزيادة من أن تكون مسألة للزيادة في المعونة على ما قد مضى من عمله، أو على ما يحدث. و في ارتفاع حاجة العبد إلى المعونة على ما قد تقضى من عمله ما يعلم أن معنى مسألة تلك الزيادة إنما هو مسألته الزيادة لما يحدث من عمله. و إذا كان ذلك كذلك صار الأَمر إلى ما وصفنا و قلنا في ذلك من أنه مسألة العبد ربه التوفيق لأَداء ما كلف من فرائضه فيما يستقبل من عمره. و في صحة ذلك فساد قول أهل القدر الزاعمين أن كل مأمور بأمر أو مكلف فرضا، فقد أعطي من المعونة عليه ما قد ارتفعت معه في ذلك الفرض حاجته إلى ربه؛ لأَنه لو كان الأَمر على ما قالوا في ذلك لبطل معنى قول الله جل ثناؤه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ و في صحة معنى ذلك على ما بينا فساد قولهم. و قد زعم بعضهم أن معنى قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ : أسلكنا طريق الجنة في المعاد، أي قدمنا له و امض بنا إليه، كما قال جل ثناؤه: فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ أي أدخلوهم النار؛ كما تهدى المرأة إلى زوجها، يعني بذلك أنها تدخل إليه، و كما تهدى الهدية إلى الرجل، و كما تهدي الساق القدم؛ نظير قول طرفة بن العبد:

لعبت بعدي السيول به‏

و جرى في رونق رهمه‏

للفتى عقل يعيش به‏

حيث تهدي ساقه قدمه‏

أي ترد به الموارد. و في قول الله جل ثناؤه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ ما ينبئ عن خطأ هذا التأويل مع شهادة الحجة من المفسرين على تخطئته؛ و ذلك أن جميع المفسرين من الصحابة و التابعين مجمعون على أن معنى" الصراط" في هذأ الموضع غير المعنى الذي تأوله قائل هذا القول، و أن قوله: إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ مسألة العبد ربه المعونة على عبادته، فكذلك قوله" اهدنا"، إنما هو مسألة الثبات على الهدى فيما بقي من عمره. و العرب تقول: هديت فلانا الطريق، و هديته للطريق، و هديته إلى الطريق: إذا أرشدته إليه و سددته له. و بكل ذلك جاء القرآن، قال الله جل ثناؤه: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا و قال في موضع آخر: اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ و قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ و كل ذلك فاش في منطقها موجود في كلامها، من ذلك قول الشاعر:

أستغفر الله ذنبا لست محصيه‏

رب العباد إليه الوجه و العمل‏

يريد: أستغفر الله لذنب، كما قال جل ثناؤه: وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ‏ و منه قول نابغة بني ذبيان:

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 57

فيصيدنا العير و المدل بحضره‏

قبل الونى و الأَشعب النباحا

يريد: فيصيد لنا. و ذلك كثير في أشعارهم و كلامهم، و فيما ذكرنا القول في تأويل قوله تعالى: الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال أبو جعفر: أجمعت الأَمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه. و كذلك ذلك في لغة جميع العرب؛ فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي:

أمير المؤمنين على صراط

إذا اعوج الموارد مستقيم‏

يريد على طريق الحق. و منه قول الهذلي أبي ذؤيب:

صبحنا أرضهم بالخيل حتى‏

تركناها أدق من الصراط

و منه قول الراجز:

فصد عن نهج الصراط القاصد

و الشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، و فيما ذكرنا غنى عما تركنا. ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول و عمل وصف باستقامة أو اعوجاج، فتصف المستقيم باستقامته، و المعوج باعوجاجه. و الذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي، أعني: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ أن يكونا معنيا به: وفقنا للثبات على ما ارتضيته و وفقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قول و عمل. و ذلك هو الصراط المستقيم، لأَن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليه من النبيين و الصديقين و الشهداء، فقد وفق للإِسلام، و تصديق الرسل، و التمسك بالكتاب، و العمل بما أمر الله به، و الانزجار عما زجره عنه، و اتباع منهج النبي صلى الله عليه و سلم، و منهاج أبي بكر و عمر و عثمان و علي، و كل عبد لله صالح. و كل ذلك من الصراط المستقيم. و قد اختلفت تراجمة القرآن في المعني بالصراط المستقيم، يشمل معاني جميعهم في ذلك ما اخترنا من التأويل فيه. و مما قالته في ذلك، ما روي عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال و ذكر القرآن فقال:" هو الصراط المستقيم". حدثنا بذلك موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال: حدثنا حسين الجعفي، عن حمزة الزيات، عن أبي المختار الطائي، عن ابن أخي الحارث، عن الحارث، عن علي، عن النبي صلى الله عليه و سلم. و حدثنا عن إسماعيل بن أبي كريمة، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة، عن أبي البحتري، عن الحارث، عن علي، عن النبي صلى الله عليه و سلم‏ مثله. و حدثنا أحمد بن إسحاق الأَهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا حمزة الزيات، عن أبي المختار الطائي، عن أبن أخي الحارث الأَعور، عن الحارث، عن علي، قال:" الصراط المستقيم كتاب الله تعالى". حدثنا أحمد بن إسحاق الأَهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان ح. و حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال. حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن أبي وائل، قال: قال عبد الله‏ : و الصراط المستقيم كتاب الله". حدثني محمود بن خداش الطالقاني، قال: حدثنا حميد بن عيد الرحمن الرواسي، قال: حدثنا علي و الحسن ابنا صالح جميعا، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله‏ : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال: الإِسلام، قال:

هو أوسع مما بين السماء و الأَرض. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال:

حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس‏ ، قال: قال جبريل لمحمد: قل يا محمد: اهدنا الصراط المستقيم، يقول ألهمنا الطريق الهادي و هو دين الله الذي لا عوج له. و حدثنا موسى بن سهل الرازي، قال: حدثنا يحيى بن عوف، عن الفرات بن السائب،

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 58

عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس‏ في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال: ذلك الإِسلام. و حدثني محمود بن خداش، قال: حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي، عن إسماعيل الأَزرق، عن أبي عمر البزار، عن ابن الحنفية في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال: هودين الله الذي لا يقبل من العباد غيره. و حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن طلحة القناد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، و عن أبي صالح عن ابن عباس، و عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، و عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم‏ : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال: هو الإِسلام. و حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس‏ في قوله:

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال: الطريق. حدثنا عبد الله بن كثير أبو صديف الآملي، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا حمزة بن أبي المغيرة، عن عاصم، عن أبي العالية في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال: هو رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحباه من بعده: أبو بكر و عمر. قال: فذكرت ذلك للحسن، فقال: صدق أبو العالية و نصح. و حدثني يونس بن عبد الأَعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم‏ : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال: الإِسلام. حدثنا المثنى، قال:

حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، أن عبد الرحمن بن جبير، حدثه عن أبيه، عن نواس بن سمعان الأَنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ قال: ضرب الله مثلا صراطا مستقيما".

و الصراط: الإِسلام. حدثنا المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا الليث عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه عن نواس بن سمعان الأَنصاري، عن النبي صلى الله عليه و سلم‏ بمثله. قال أبو جعفر: و إنما وصفه الله بالاستقامة، لأَنه صواب لا خطأ فيه.

و قد زعم بعض أهل الغباء أنه سماه مستقيما لاستقامته بأهله إلى الجنة، و ذلك تأويل لتأويل جميع أهل التفسير خلاف، و كفى بإجماع جميعهم على خلافه دليلا على خطئه. القول في تأويل قوله:

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ و قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ إبانة عن الصراط المستقيم أي الصراط هو، إذ كان كل طريق من طرق الحق صراطا مستقيما، فقيل لمحمد صلى الله عليه و سلم: قل يا محمد: اهدنا يا ربنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، بطاعتك و عبادتك من ملائكتك، و أنبيائك، و الصديقين، و الشهداء، و الصالحين. و ذلك نظير ما قال ربنا جل ثناؤه في تنزيله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ‏ قال أبو جعفر: فالذي أمر محمد صلى الله عليه و سلم و أمته أن يسألوه ربهم من الهداية للطريق المستقيم، هي الهداية للطريق الذي وصف الله حل ثناؤه صفته. و ذلك الطريق هو طريق الذي وصفهم الله بما وصفهم به في تنزيله، و وعد من سلكه فاستقام فيه طائعا لله و لرسوله صلى الله عليه و سلم، أن يورده مواردهم، و الله لا يخلف الميعاد. و بنحو ما قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس و غيره. حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عباس‏ : صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ يقول:

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 59

طريق من أنعمت عليم بطاعتك و عبادتك من الملائكة و النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، الذين أطاعوك و عبدوك. و حدثني أحمد بن حازم الغفاري، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر عن ربيع‏ : صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ قال: النبيون. و حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس‏ : أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ قال: المؤمنين.

و حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: قال وكيع‏ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ المسلمين. و حدثني يونس بن عبد الأَعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد في قول الله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ قال: النبي صلى الله عليه و سلم و من معه. قال أبو جعفر: و في هذه الآية دليل واضح على أن طاعة الله جل ثناؤه لا ينالها المطيعون إلا بإنعام الله بها عليهم و توفيقه إياهم لها. أو لا يسمعونه يقول: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ فأضاف كل ما كان منهم من اهتداء و طاعة و عبادة إلى أنه إنعام منه عليهم؟ فإن قال قائل: و أين تمام هذا الخبر، و قد علمت أن قول القائل لآخر: أنعمت عليك، مقتض الخبر عما أنعم به عليه، فأين ذلك الخبر في قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ و ما تلك النعمة التي أنعمها عليهم؟ قيل له: قد قدمنا البيان فيما مضى من كتابنا هذا عن إجراء العرب في منطقها ببعض من بعض إذا كان البعض الظاهر دالا على البعض الباطن و كافيا منه، فقوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ من ذلك؛ لأَن أمر الله جل ثناؤه عباده بمسألته المعونة و طلبهم منه الهداية للصراط المستقيم لما كان متقدما قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ الذي هو إبانة عن الصراط المستقيم، و إبدال منه، كان معلوما أن النعمة التي أنعم الله بها على من أمرنا بمسألته الهداية لطريقهم هو المنهاج القويم و الصراط المستقيم الذي قد قدمنا البيان عن تأويله آنفا، فكان ظاهر ما ظهر من ذلك مع قرب تجاور الكلمتين مغنيا عن تكراره كما قال نابغة بني ذبيان:

كأنك من جمال بني أقيش‏

يقعقع خلف رجليه بشن‏

يريد كأنك من جمال بني أقيش جمل يقعقع خلف رجليه بشن، فاكتفى بما ظهر من ذكر الجمال الدال على المحذوف من إظهار ما حذف. و كما قال الفرزدق بن غالب:

ترى أرباقهم متقلديها

إذا صدئ الحديد على الكماة

يريد: متقلديها هم، فحذف هم" إذ كان الظاهر من قوله:" و أرباقهم" دالا عليها. و الشواهد على ذلك من شعر العرب و كلامها أكثر من أن تحصى، فكذلك ذلك في قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ القول في تأويل قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ قال أبو جعفر: و القراء مجمعة على قراءة" غير" بجر الراء منها.

و الخفض يأتيها من و جهين: أحدهما أن يكون غير صفة للذين و نعتا لهم فتخفضها، إذ كان" الذين" خفضا و هي لهم نعت و صفة؛ و إنما جاز أن يكون" غير" نعتا ل" الذين"، و" الذين" معرفة و غير نكرة؛ لأَن" الذين" بصلتها ليست بالمعرفة المؤقتة كالأَسماء التي هي أمارات بين الناس، مثل: زيد و عمرو، و ما أشبه ذلك؛ و إنما هي كالنكرات المجهولات، مثل: الرجل و البعير، و ما أشبه ذلك؛ فما كان" الذين" كذلك صفتها، و كانت غير مضافة إلى مجهول من الأَسماء نظير" الذين" في أنه معرفة غير موقتة كما" الذين" معرفة غير مؤقتة، جاز من أجل ذلك أن يكون: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ نعتا ل‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ كما يقال: لا أجلس إلا إلى العالم غير الجاهل، يراد: لا أجلس إلا إلى من يعلم، لا إلى من يجهل. و لو كأن‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ معرفة موقتة كان غير جائز أن يكون‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ لها نعتا، و ذلك‏

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 60

أنه خطأ في كلام العرب إذا وصفت معرفة مؤقتة بنكرة أن تلزم نعتها النكرة إعراب المعرفة المنعوت بها، إلا على نية تكرير ما أعرب المنعوت بها. خطأ في كلامهم أن يقال: مررت بعبد الله غير العالم، فتخفض" غير" إلا على نية تكرير الباء التي أعربت عبد الله، فكان معنى ذلك لو قيل كذلك: مررت بعبد الله، مررت بغير العالم. فهذا أحد وجهي الخفض في: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ و الوجه الآخر من وجهي الخفض فيها أن يكون" الذين" بمعنى المعرفة المؤقتة. و إذا وجه إلى ذلك، كانت" غير" مخفوضة بنية تكرير الصراط الذي خفض الذين عليها، فكأنك قلت: صراط الذين أنعمت عليهم صراط غير المغضوب عليهم. و هذان التأويلان في غير المغضوب عليهم، و إن اختلفا باختلاف معربيهما، فإنهما يتقارب معناهما؛ من أجل أن من أنعم الله عليه فهداه لدينه الحق فقد سلم من غضب ربه و نجا من الضلال في دينه، فسواء إذ كان سامع قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ غير جائز أن يرتاب مع سماعه ذلك من تاليه في أن الذين أنعم الله عليهم بالهداية للصراط، غير غاضب ربهم عليهم مع النعمة التي قد عظمت منته بها عليهم في دينهم، و لا أن يكونوا ضلالا و قد هداهم للحق ربهم، إذ كان مستحيلا في فطرهم اجتماع الرضا من الله جل ثناؤه عن شخص و الغضب عليه في حال واحدة و اجتماع الهدى و الضلال له في وقت واحد أوصف القوم مع وصف الله إياهم بما وصفهم به من توفيقه إياهم و هدايته لهم و إنعامه عليهم بما أنعم الله به عليهم في دينهم بأنهم غير مغضوب عليهم و لا هم ضالون، أم لم يوصفوا بذلك؛ لأَن الصفة الظاهرة التي وصفوا بها قد أنبأت عنهم أنهم كذلك و إن لم يصرح وصفهم به. هذا إذا وجهنا" غير" إلى أنها مخفوضة على نية تكرير الصراط الخافض الذين، و لم نجعل‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ من صفة الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ بل إذا جعلناهم غيرهم؛ و إن كان الفريقان لا شك منعما عليهما في أديانهم. فأما إذا وجهنا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ إلى أنها من نعت‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ فلا حاجة بسامعه إلا الاستدلال، إذ كان الصريح من معناه قد أغنى عن الدليل، و قد يجوز نصب" غير" في‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ و إن كنت للقراءة بها كارها لشذوذها عن قراءه القراء. و إن ما شذ من القراءات عما جاءت به الأَمة نقلا طاهرا مستفيضا، فرأي للحق مخالف و عن سبيل الله و سبيل رسوله صلى الله عليه و سلم و سبيل المسلمين متجانف، و إن كان له لو كانت القراءة جائزة به في الصواب مخرج. و تأويل وجه صوابه إذا نصبت: أن يوجه إلى أن يكون صفة للهاء و الميم اللتين في" عليهم" العائدة على" الذين"، لأَنها و إن كانت مخفوضة ب" على"، فهي في محل نصب يقوله:" أنعمت". فكأن تأويل الكلام إذا نصبت" غير" التي مع" المغضوب عليهم": صراط الذين هديتهم إنعاما منك عليهم غير مغضوب عليهم، أي لا مغضوبا عليهم و لا ضالين. فيكون النصب في ذلك حينئذ كالنصب في" غير" في قولك: مررت بعبد الله غير الكريم و لا الرشيد، فتقطع غير الكريم من عبد الله، إذ كان عبد الله معرفة مؤقتة و غير الكريم نكرة مجهولة. و قد كان بعض نحويي البصريين يزعم أن قراءة من نصب" غير" في‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ على وجه استثناء غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ من معاني صفة الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ كأنه كان يرى أن معنى الذين قرءوا ذلك نصبا: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم إلا المغضوب عليهم الذين لم تنعم عليهم في أديانهم و لم تهدهم للحق، فلا تجعلنا منهم؛ كما قال نابغة بني ذبيان:

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 61

وقفت فيها أصيلا لا أسائلها

عيت جوابا و ما بالربع من أحد

إلا أواري لأَيا ما أبينها

و النؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

و الأَواري معلوم أنها ليست من عداد أحد في شي‏ء. فكذلك عنده استثنى‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ من‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ و إن لم يكونوا من معانيهم في الدين في شي‏ء. و أما نحويو الكوفيين فأنكروا هذا التأويل و استخطئوه، و زعموا أن ذلك لو كان كما قاله الزاعم من أهل البصرة لكان خطأ أن يقال: وَ لَا الضَّالِّينَ‏ لأَن" لا" نفي و جحد، و لا يعطف بجحد إلا على جحد؛ و قالوا: لم نجد في شي‏ء من كلام العرب استثناء يعطف عليه بجحد، و إنما وجدناهم يعطفون على الاستثناء بالاستثناء، و بالجحد على الجحد فيقولون في الاستثناء: قام القوم إلا أخاك و إلا أباك؛ و في الجحد: ما قام أخوك، و لا أبوك؛ و أما قام القوم إلا أباك و لا أخاك، فلم نجده في كلام العرب؛ قالوا: فلما كان ذلك معدوما في كلام العرب و كان القرآن بأفصح لسان العرب نزوله، علمنا إذ كان قوله: وَ لَا الضَّالِّينَ‏ معطوفا على قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ أن" غير" بمعنى الجحد لا بمعنى الاستثناء، و أن تأويل، من وجهها إلى الاستثناء خطأ. فهذه أوجه تأويل‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ . باختلاف أوجه إعراب ذلك. و إنما اعترضنا بما اعترضنا في ذلك من بيان وجوه إعرابه، و إن كان قصدنا في هذا الكتاب الكشف عن تأويل آي القرآن، لما في اختلاف وجوه إعراب ذلك من اختلاف وجوه تأويله، فاضطرتنا الحاجة إلى كشف وجوه إعرابه، لتنكشف لطالب تأويله وجوه تأويله على قدر اختلاف المختلفة في تأويله و قراءته. و الصواب من القول في تأويله و قراءته عندنا القول الأَول، و هو قراءة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ بخفض الراء من" غير" بتأويل أنها صفة ل‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ و نعت لهم؛ لما قد قدمنا من البيان إن شئت، و إن شئت فبتأويل تكرار و صراط" كل ذلك صواب حسن. فإن قال لنا قائل: فمن هؤلاء المغضوب عليهم الذين أمرنا الله جل ثناؤه بمسألته أن لا يجعلنا منهم؟ قيل: هم الذين وصفهم الله جل ثناؤه في تنزيله فقال: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ‏ فأعلمنا جل ذكره بمنه ما أحل بهم من عقوبته بمعصيتهم إياه، ثم علمنا، منة منه علينا، وجه السبيل إلى النجاة، من أن يحل بنا مثل الذي حل بهم من المثلات، و رأفة منه بنا. فإن قال: و ما الدليل على أنهم أولاء الذين وصفهم الله و ذكر نبأهم في تنزيله على ما وصفت؟ قيل: حدثني أحمد بن الوليد الرملي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ : المغضوب عليهم: اليهود. و حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب، قال: سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ " إن المغضوب عليهم:

اليهود". و حدثني علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا محمد بن مصعب، عن حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن مري بن قطري، عن عدي بن حاتم قال: سألت النبي صلى الله عليه و سلم‏ عن قول الله جل و عز: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ قال:" هم اليهود". و حدثنا حميد بن مسعدة الشامي، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق: أن رجلا أتى‏

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 62

رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ و هو محاصر وادي القرى فقال: من هؤلاء الذين تحاصر يا رسول الله؟ قال:" هؤلاء المغضوب عليهم: اليهود". و حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن سعيد الجريري، عن عروة، عن عبد الله بن شقيق، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ فذكر نحوه.

و حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن بديل العقيلي، قال: أخبرني عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه و سلم‏ و هو بوادي القرى و هو على فرسه و سأله رجل من بني القين، فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال:" المغضوب عليهم" و أشار إلى اليهود. و حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم‏ ، فذكر نحوه‏ و حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عباس‏ : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ يعني اليهود الذين غضب الله عليهم. و حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن طلحة، قال:

حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، و عن أبي صالح، عن ابن عباس، و عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، و عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم‏ : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ هم اليهود. و حدثنا ابن حميد الرازي، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد ، قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ قال: هم اليهود. حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا عبد الله، عن أبي جعفر، عن ربيع‏ : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ قال: اليهود. و حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس‏ : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ قال: اليهود. و حدثني يونس بن عبد الأَعلى، قال: أخبرنا ابن وهب. قال: قال ابن زيد : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ اليهود. و حدثني يونس، ابن وهب، قال: حدثني ابن زيد، عن أبيه ابو زيد ، قال: الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ اليهود. قال أبو جعفر: و اختلف في صفة الغضب من الله جل ذكره؛ فقال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من خلقه إحلال عقوبته بمن غضب عليه، إما في دنياه، و إما في آخرته، كما وصف به نفسه جل ذكره في كتابه فقال: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ‏ و كما قال: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ و قال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من عباده ذم منه لهم و لأَفعالهم، و شتم منه لهم بالقول. و قال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب. غير أنه و إن كان كذلك من جهة الإِثبات، فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم و يحركهم و يشق عليهم و يؤذيهم؛ لأَن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، و لكنه له صفة كما العلم له صفة، و القدرة له صفة على ما يعقل من جهة الإِثبات، و إن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد التي هي معارف القلوب و قواهم التي توجد مع وجود الأَفعال و تعدم مع عدمها. القول في تأويل قوله تعالى: وَ لَا الضَّالِّينَ‏ قال أبو جعفر: كان بعض أهل البصرة يزعم أن" لا" مع" الضالين" أدخلت تتميما للكلام و المعنى إلغاؤها، يستشهد على قيله ذلك ببيت العجاج:

في بئر لا حور سرى و ما شعر

و يتأوله بمعنى: في بئر حور سرى، أي في بئر هلكة، و أن" لا" بمعنى الإِلغاء و الصلة.

و يعتل أيضا لذلك بقول أبي النجم:

فما ألوم البيض أن لا تسخرا

صفحه بعد