کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

جامع البيان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

(القول فى البيان عن اتفاق معانى آي القرآن و معانى منطق من نزل بلسانه من وجه البيان و الدلالة على أن ذلك من الله جل و عز هو الحكمة البالغة مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين القرآن سائر الكلام) (القول فى البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب و ألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم) (القول فى اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب) القول فى البيان عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة و ذكر الاخبار المروية بذلك القول فى الوجوه التي من قبلها يوصل الى معرفة تأويل القرآن ذكر بعض الاخبار التي رويت بالنهى عن القول فى تأويل القرآن بالرأى ذكر بعض الاخبار التي رويت فى الحض على العلم بتفسير القرآن و من كان يفسره من الصحابة ذكر بعض الاخبار التي غلط فى تأويلها منكر و القول فى تأويل القرآن ذكر الاخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير و من كان منهم مذموما علمه بذلك (القول فى تاويل أسماء القرآن و سوره و آيه) القول فى تأويل أسماء فاتحة الكتاب القول فى تأويل الاستعاذة
تفسير سورة الفاتحة تفسير سورة البقرة

جامع البيان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 65

الصفة، و خص اليهود بما وصفهم به من أنهم مغضوب عليهم؟ قيل: إن كلا الفريقين ضلال مغضوب عليهم، غير أن الله جل ثناؤه وسم كل فريق منهم من صفته لعباده بما يعرفونه به إذا ذكره لهم، أو أخبرهم عنه، و لم يسم واحدا من الفريقين إلا بما هو له صفة على حقيقته، و إن كان له من صفات الذم زيادات عليه. و قد ظن بعض أهل الغباء من القدرية أن في وصف الله جل ثناؤه النصارى بالضلال بقوله:

وَ لَا الضَّالِّينَ‏ و إضافته الضلال إليهم دون إضافة إضلالهم إلى نفسه، و تركه وصفهم بأنهم المضللون كالذي وصف به اليهود أنهم المغضوب عليهم، دلالة على صحة ما قاله إخوانه من جهلة القدرية جهلا منه بسعة كلام العرب و تصاريف وجوهه. و لو كان الأَمر على ما ظنه الغبي الذي وصفنا شأنه لوجب أن يكون شأن كل موصوف بصفة أو مضاف إليه فعل لا يجوز أن يكون فيه سبب لغيره، و أن يكون كل ما كان فيه من ذلك لغيره سبب فالحق فيه أن يكون مضافا إلى مسببه، و لو وجب ذلك لوجب أن يكون خطأ قول القائل:" تحركت الشجرة" إذا حركتها الرياح، و" اضطربت الأَرض" إذا حركتها الزلزلة، و ما أشبه ذلك من الكلام الذي يطول بإحصائه الكتاب. و في قول الله جل ثناؤه: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ‏ بإضافته الجري إلى الفلك، و إن كان جريها بإجراء غيرها إياها، ما يدل على خطأ التأويل الذي تأوله من وصفنا قوله في قوله: وَ لَا الضَّالِّينَ‏ و ادعائه أن في نسبة الله جل ثناؤه الضلالة إلى من نسبها إليه من النصارى تصحيحا لما ادعى المنكرون أن يكون لله جل ثناؤه في أفعال خلقه سبب من أجله وجدت أفعالهم، مع إبانة الله عز ذكره نصا في آي كثيرة من تنزيله أنه المضل الهادي؛ فمن ذلك قوله جل ثناؤه: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ فأنبأ جل ذكره أنه المضل الهادي دون غيره.

و لكن القرآن نزل بلسان العرب، على ما قد قدمنا البيان عنه في أول الكتاب. و من شأن العرب إضافة الفعل إلى من وجد منه، و إن كان مسببه غير الذي وجد منه أحيانا، و أحيانا إلى مسببه، و إن كان الذي وحد منه الفعل غيره. فكيف بالفعل الذي يكتسبه العبد كسبا و يوجده الله جل ثناؤه عينا منشأة؟ بل ذلك أحرى أن يضاف إلى مكتسبه كسبا له بالقوة منه عليه و الاختيار منه له، و إلى الله جل ثناؤه بإيجاد عينه و إنشائها تدبيرا. مسألة يسأل عنها أهل الإِلحاد الطاعنون في القرآن إن سألنا منهم سائل فقال: إنك قد قدمت في أول كتابك هذا في وصف البيان بأن أعلاه درجة و أشرفه مرتبة، أبلغه في الإِبانة عن حاجة المبين به عن نفسه و أبينه عن مراد قائله و أقربه من فهم سامعه، و قلت مع ذلك إن أولى البيان بأن يكون كذلك كلام الله جل ثناؤه بفضله على سائر الكلام و بارتفاع درجته على أعلى درجات البيان. فما الوجه إذ كان الأَمر على ما وصفت في إطالة الكلام بمثل سورة أم القرآن بسبع آيات؟ و قد حوت معاني جميعها منها آيتان، و ذلك قوله:

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ إذ كان لا شك أن من عرف: ملك يوم الدين فقد عرفه بأسمائه الحسنى و صفاته المثلى. و أن من كان لله مطيعا، فلا شك أنه لسبيل من أنعم الله عليه في دينه متبع، و عن سبيل من غضب عليه و ضل منعدل، فما في زيادة الآيات الخمس الباقية من الحكمة التي لم تحوها الآيتان اللتان ذكرنا؟ قيل له: إن الله تعالى ذكره جمع لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم و لأَمته بما أنزل إليه من كتابه معاني لم يجمعهن بكتاب أنزله إلى نبي قبله و لا لأَمة من الأَمم قبلهم. و ذلك أن كل كتاب أنزله جل ذكره على نبي من أنبيائه قبله، فإنما أنزل ببعض المعاني‏

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 66

التي يحوي جميعها كتابه الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، كالتوراة التي هي مواعظ و تفصيل، و الزبور الذي هو تحميد و تمجيد، و الإِنجيل الذي هو مواعظ و تذكير؛ لا معجزة في واحد منها تشهد لمن أنزل إليه بالتصديق. و الكتاب الذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم يحوي معاني ذلك كله، و يزيد عليه كثيرا من المعاني التي سائر الكتب غيره منها خال، و قد قدمنا ذكرها فيما مضى من هذا الكتاب. و من أشرف تلك المعاني التي فضل بها كتابنا سائر الكتب قبله: نظمه العجيب، و رصفه الغريب، و تأليفه البديع، الذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورة منه الخطباء، و كلت عن وصف شكل بعضه البلغاء، و تحيرت في تأليفه الشعراء، و تبلدت قصورا عن أن تأتي بمثله لديه أفهام الفهماء. فلم يجدوا له إلا التسليم، و الإِقرار بأنه من عند الواحد القهار، مع ما يحوي مع ذلك من المعاني التي هي ترغيب، و ترهيب، و أمر، و زجر، و قصص، و جدل، و مثل، و ما أشبه ذلك من المعاني التي لم تجتمع في كتاب أنزل إلى الأَرض من السماء. فمهما يكن فيه من إطالة على نحو ما في أم القرآن، فلما وصفت قبل من أن الله جل ذكره أراد أن يجمع برصفه العجيب، و نظمه الغريب، المنعدل عن أوزان الأَشعار، و سجع الكهان، و خطب الخطباء، و رسائل البلغاء، العاجز عن وصف مثله جميع الأَنام، و عن نظم نظيره كل العباد الدلالة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم؛ و بما فيه من تحميد و تمجيد و ثناء عليه، تنبيه للعباد على عظمته و سلطانه و قدرته و عظم مملكته، ليذكروه بآلائه و يحمدوه على نعمائه، فيستحقوا به منه المزيد و يستوجبوا عليه الثواب الجزيل. و بما فيه من نعت من أنعم عليه بمعرفته، و تفضل عليه بتوفيقه لطاعته، تعريف عباده أن كل ما بهم من نعمة في دينهم و دنياهم فمنه، ليصرفوا رغبتهم إليه، و يبتغوا حاجاتهم من عنده دون ما سواه من الآلهة و الأَنداد، و بما فيه من ذكره ما أحل بمن عصاه من مثلاته، و أنزل بمن خالف أمره من عقوباته؛ ترهيب عباده عن ركوب معاصيه، و التعرض لما لا قبل لهم به من سخطه، فيسلك بهم في النكال و النقمات سبيل من ركب ذلك من الهلاك. فذلك وجه إطالة البيان في سورة أم القرآن، و فيما كان نظيرا لها من سائر سور الفرقان، و ذلك هو الحكمة البالغة و الحجة الكاملة. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا المحاربي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبي السائب مولى زهرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ :" إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، و إذا قال: الرحمن الرحيم، قال: اثنى علي عبدي، و إذا قال: مالك يوم الدين، قال:

مجدني عبدي، فهذا لي. و إذا قال: إياك نعبد و إياك نستعين إلى أن يختم السورة قال: فذاك له".

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبدة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي السائب، عن أبي هريرة، قال: إذا قال العبد: الحمد لله، فذكر نحوه، و لم يرفعه. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا الوليد بن كثير، قال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة، عن أبي السائب، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ مثله. حدثني صالح بن مسمار المروزي، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا عنبسة بن سعيد، عن مطرف بن طريف، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن جابر بن عبد الله الأَنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ :" قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين و له ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي،

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 67

و إذا قال الرحمن الرحيم، قال: أثنى علي عبدي، و إذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، قال: هذا لي و لا ما بقي". آخر تفسير سورة فاتحة الكتاب.

[تفسير سورة البقرة]

(القول فى تفسير السورة التي يذكر فيها البقرة) القول في تأويل قوله تعالى‏

الم‏ قال أبو جعفر: اختلفت تراجمة القرآن في تأويل قول الله تعالى ذكره: الم‏ فقال بعضهم: هو اسم من أسماء القران. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: الم‏ قال: اسم من أسماء القرآن. حدثني المثنى بن إبراهيم الآملي، قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الم‏ اسم من أسماء القرآن. حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج‏ قال: الم‏ اسم من أسماء القرآن. و قال بعضهم: هو فواتح يفتح الله بها القرآن. ذكر من قال ذلك: حدثني هارون بن إدريس الأَصم الكوفي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، ابن جريج، عن مجاهد ، قال: الم‏ فواتح يفتح الله بها القرآن. حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد ، قال: الم‏ فواتح. حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، عن يحيى بن آدم، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال: الم‏ و حم‏ و المص‏ و ص‏ فواتح افتتح الله بها. حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثل حديث هارون بن إدريس‏ الم‏ فواتح يفتح الله بها القرآن. و قال بعضهم: هو اسم للسورة.

ذكر من قال ذلك: حدثني يونس بن عبد الأَعلى، قال: أنبأنا عبد الله بن وهب، قال: سألت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن قول الله: الم ذلِكَ الْكِتابُ‏ و الم تَنْزِيلُ‏ و المر تِلْكَ‏ فقال: قال أبي زيد بن أسلم‏:

إنما هي أسماء السور. و قال بعضهم: هو اسم الله الأَعظم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، قال: سألت السدي عن‏ حم‏ و طسم‏ و الم‏ فقال قال ابن عباس‏: هو اسم الله الأَعظم. حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثني أبو النعمان، قال: حدثنا شعبة عن إسماعيل السدي، عن مرة الهمداني، قال: قال عبد الله‏ فذكر نحوه. حدثني المثنى قال:

حدثنا إسحاق بن الحجاج، عن عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل، عن الشعبي‏ قال: فواتح السور من أسماء الله. و قال بعضهم: هو قسم أقسم الله به و هي من أسمائه. ذكر من قال ذلك: حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس‏ ، قال: هو قسم أقسم الله به و هو من أسماء الله. حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، ثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: الم‏ قسم. و قال بعضهم: هو حروف مقطعة من أسماء و أفعال، كل حرف من ذلك لمعنى غير معنى الحرف الآخر. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، و حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن أبي شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس‏ : الم‏ قال: أنا الله أعلم. و حدثت عن أبي عبيد قال: حدثنا أبو اليقظان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير ، قال قوله: الم‏ قال:

أنا الله أعلم. حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد، قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن إسماعيل السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، و عن أبي صالح، عن ابن عباس، و عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، و عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم‏ : الم‏ قال: أما: الم‏ فهو

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 68

حرف اشتق من حروف هجاء أسماء الله جل ثناؤه. حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا عباس بن زياد الباهلي، قال: حدثنا شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس‏ في قوله: الم‏ و حم‏ و ن‏ قال: اسم مقطع. و قال بعضهم: هي حروف هجاء موضوع. ذكر من قال ذلك: حدثت عن منصور بن أبي نويرة، قال: حدثنا أبو سعيد المؤدب، عن خصيف، عن مجاهد ، قال: فواتح السور كلها ق‏ و ص‏ و حم‏ و طسم‏ و الر و غير ذلك هجاء موضوع. و قال بعضهم: هي حروف يشتمل كل حرف منها على معان شتى مختلفة ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى بن إبراهيم الطبري، قال:

حدثنا إسحاق بن الحجاج، عن عبد الله بن أبي جعفر الرازي قال: حدثني أبي أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس‏ في قول الله تعالى ذكره: الم‏ قال: هذه الأَحرف من التسعة و العشرين حرفا، دارت فيها الأَلسن كلها، ليس منها حرف إلا و هو مفتاح اسم من أسمائه، و ليس منها حرف إلا و هو في آلائه و بلائه، و ليس منها حرف إلا و هو مدة قوم و آجالهم. و قال عيسى ابن مريم:" و عجيب ينطقون في أسمائه، و يعيشون في رزقه، فكيف يكفرون"؟ قال: الأَلف: مفتاح اسمه" الله"، و اللام: مفتاح اسمه" لطيف"، و الميم: مفتاح اسمه" مجيد"؛ و الأَلف: آلاء الله، و اللام: لطفه، و الميم: مجده؛ الآلف: سنة، و اللام ثلاثون سنة، و الميم: أربعون سنة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام عن أبي جعفر، عن الربيع‏ بنحوه. و قال بعضهم: هي حروف من حساب الجمل، كرهنا ذكر الذي حكي ذلك عنه، إذ كان الذي رواه ممن لا يعتمد على روايته و نقله، و قد مضت الرواية بنظير ذلك من القول عن الربيع بن أنس. و قال بعضهم: لكل كتاب سر، و سر القرآن فواتحه. و أما أهل العربية فإنهم اختلفوا في معنى ذلك، فقال بعضهم: هي حروف من حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية و العشرين حرفا، كما استغنى المخبر عمن أخبر عنه أنه في حروف المعجم الثمانية و العشرين بذكر" أ ب ت ث" عن ذكر بواقي حروفها التي هي تتمة الثمانية و العشرين، قال: و لذلك رفع‏ ذلِكَ الْكِتابُ‏ لأَن معنى الكلام: الأَلف و اللام و الميم من الحروف المقطعة ذلِكَ الْكِتابُ‏ الذي أنزلته إليك مجموعا لا رَيْبَ فِيهِ‏ . فإن قال قائل: فإن" أ ب ت ث" قد صارت كالاسم في حروف الهجاء كما صارت الحمد اسما لفاتحة الكتاب. قيل له: لما كان جائزا أن يقول القائل: ابني في" ط ظ"، و كان معلوما بقيله ذلك لو قاله أنه يريد الخبر عن ابنه أنه في الحروف المقطعة، علم بذلك أن" أ ب ت ث" ليس لها باسم، و إن كان ذلك آثر في الذكر من سائرها. قال: و إنما خولف بين ذكر حروف المعجم في فواتح السور، فذكرت في أوائلها مختلفة، و ذكرها إذا ذكرت بأوائلها التي هي" أ ب ت ث" مؤتلفة ليفصل بين الخبر عنها، إذا أريد بذكر ما ذكر منها مختلفا الدلالة على الكلام المتصل، و إذا أريد بذكر ما ذكر منها مؤتلفا الدلالة على الحروف المقطعة بأعيانها. و استشهدوا لإِجازة قول القائل: ابني في" ط ظ"، و ما أشبه ذلك من الخبر عنه أنه في حروف المعجم، و أن ذلك من قيله في البيان يقوم مقام قوله:" ابني في أ ب ت ث" برجز بعض الرجاز من بني أسد:

لما رأيت أمرها في حطي‏

و فنكت في كذب و لط

أخذت منها بقرون شمط

فلم يزل ضربي بها و معطي‏

حتى علا الرأس دم يغطي‏

فزعم أنه أراد بذلك الخبر عن المرأة أنها في" أبي جاد"، فأقام قوله:" لما رأيت أمرها في حطي" مقام خبره عنها

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 69

أنها في" أبي جاد"، إذ كان ذاك من قوله يدل سامعه على ما يدله عليه قوله: لما رأيت أمرها في أبي جاد.

و قال آخرون: بل ابتدئت بذلك أوائل السور ليفتح لاستماعه أسماع المشركين، إذ تواصوا بالإِعراض عن القرآن، حتى إذا استمعوا له تلي عليهم المؤلف منه .. و قال بعضهم: الحروف التي هي فواتح السور حروف يستفتح الله بها كلامه. فإن قيل: هل يكون من القرآن ما ليس له معنى؟ فإن معنى هذا أنه افتتح بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت، و أنه قد أخذ في أخرى، فجعل هذا علامة انقطاع ما بينهما، و ذلك في كلام العرب ينشد الرجل منهم الشعر فيقول: بل ....

و بلدة ما الإِنس من آهالها

و يقول: لا بل ...

ما هاج أحزانا و شجوا قد شجا

و" بل" ليست من البيت و لا تعد في وزنه، و لكن يقطع بها كلاما و يستأنف الآخر. قال أبو جعفر: و لكل قول من الأَقوال التي قالها الذين وصفنا قولهم في ذلك وجه معروف. فأما الذين قالوا: الم‏ اسم من أسماء القرآن، فلقولهم ذلك وجهان: أحدهما أن يكونوا أرادوا أن: الم‏ اسم للقرآن كما الفرقان اسم له. و إذا كان معنى قائل ذلك كذلك، كان تأويل قوله: الم‏ ذلك الكتاب على معنى القسم؛ كأنه قال:

و القرآن هذا الكتاب لا ريب فيه. و الآخر منهما أن يكونوا أرادوا أنه اسم من أسماء السورة التي تعرف به كما تعرف سائر الأَشياء بأسمائها التي هي لها أمارات تعرف بها، فيفهم السامع من القائل يقول: قرأت اليوم‏ المص‏ و ن‏ أي السورة التي قرأها من سور القرآن، كما يفهم عنه إذا قال: لقيت اليوم عمرا و زيدا، و هما بزيد و عمر و عارفان من الذي لقي من الناس. و إن أشكل معنى ذلك على امرئ فقال: و كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك و نظائر الم المر في القرآن جماعة من السور؟ و إنما تكون الأَسماء أمارات، إذا كانت مميزة بين الأَشخاص، فأما إذا كانت غير مميزة فليست أمارات. قيل: إن الأَسماء و إن كانت قد صارت لاشتراك كثير من الناس في الواحد منها غير مميزة إلا بمعان أخر معها من ضم نسبة المسمى بها إليها أو نعته أو صفته بما يفرق بينه و بين غيره من أشكالها، فإنها وضعت ابتداء للتمييز لا شك ثم احتيج عند الاشتراك إلى المعاني المفرقة بين المسمى بها. فكذلك ذلك في أسماء السور، جعل كل اسم في قول قائل هذه المقالة أمارة للمسمى به من السور فلما شارك المسمى به فيه غيره من سور القرآن احتاج المخبر عن سورة منها أن يضم إلى اسمها المسمى به من ذلك ما يفرق به للسامع بين الخبر عنها و عن غيرها من نعت و صفة أو غير ذلك، فيقول المخبر عن نفسه إنه تلا سورة البقرة إذا سماها باسمها الذي هو الم‏ قرأت" الم البقرة"، و في آل عمران: قرأت" الم آل عمران"، و" الم ذلك الكتاب" و" الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم". كما لو أراد الخبر عن رجلين اسم كل واحد منهما عمرو، غير أن أحدهما تميمي و الآخر أزدي، للزمه أن يقول لمن أراد إخباره عنهما: لقيت عمرا التميمي و عمرا الأَزدي، إذ كان لا فرق بينهما و بين غيرهما ممن يشاركهما في أسمائهما إلا بنسبتهما كذلك، فكذلك ذلك في قول من تأول في الحروف المقطعة أنها أسماء للسور. و أما الذين قالوا: ذلك فواتح يفتتح الله عز وجل بها كلامه، فإنهم وجهوا ذلك إلى نحو المعنى الذي حكيناه عمن حكينا عنه من أهل العربية أنه قال: ذلك أدلة على انقضاء سورة و ابتداء في أخرى و علامة لانقطاع ما بينهما، كما جعلت" بل" في ابتداء قصيدة دلالة على ابتداء فيها و انقضاء أخرى قبلها كما ذكرنا عن العرب إذا أرادوا الابتداء في إنشاد قصيد ة، قالوا: بل ....

ما هاج أحزانا و شجوا قد شجا

و" بل"

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 70

ليست من البيت و لا داخلة في وزنه، و لكن ليدل به على قطع كلام و ابتداء آخر. و أما الذين قالوا: ذلك حروف مقطعة بعضها من أسماء الله عز وجل، و بعضها من صفاته، و لكل حرف من ذلك معنى غير معنى الحرف الآخر. فإنهم نحوا بتأويلهم ذلك نحو قول الشاعر:

قلنا لها قفي لنا قالت قاف‏

لا تحسبي أنا نسينا الإِيجاف‏

يعني بقوله: قالت قاف: قالت قد وقفت. فدلت بإظهار القاف من وقفت على مرادها من تمام الكلمة التي هي" وقفت"، فصرفوا قوله: الم‏ و ما أشبه ذلك إلى نحو هذا المعنى، فقال بعضهم: الأَلف ألف" أنا"، و اللام لام" الله"، و الميم ميم" أعلم"، و كل حرف منها دال على كلمة تامة. قالوا: فجملة هذه الحروف المقطعة إذا ظهر مع كل حرف منهن تمام حروف الكلمة" أنا" الله أعلم". قالوا: و كذلك سائر جميع ما في أوائل سور القرآن من ذلك، فعلى هذا المعنى و بهذا التأويل. قالوا: و مستفيض ظاهر في كلام العرب أن ينقص المتكلم منهم من الكلمة الأَحرف إذا كان فيما بقي دلالة على ما حذف منها، و يزيد فيها ما ليس منها إذا لم تكن الزيادة ملسة معناها على سامعها كحذفهم في النقص في الترخيم من" حارث"" الثاء" فيقولون: يا حار، و من" مالك"" الكاف" فيقولون: يا مال، و أما أشبه ذلك. و كقول راجزهم‏

ما للظليم عال كيف لا يا

ينقذ عنه جلده إذا يا

كأنه أراد أن يقول: إذا يفعل كذا و كذا، فاكتفى بالياء من يفعل .. و كما قال آخر منهم:

بالخير خيرات و إن شرا فا

يريد فشرا.

و لا أريد الشر إلا أن تا

يريد إلا أن تشاء. فاكتفى بالتاء و الفاء في الكلمتين جميعا من سائر حروفهما، و ما أشبه ذلك من الشواهد التي يطول الكتاب باستيعابه. و كما: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب و ابن عون، عن محمد، قال: لما مات يزيد بن معاوية، قال لي عبدة : إني لا أراها إلا كائنة فتنة فافزع من ضيعتك و الحق بأهلك قلت: فما تأمرني؟ قال: أحب إلي لك أن تا قال أيوب و ابن عون بيده تحت خده الأَيمن يصف الاضطجاع حتى ترى أمرا تعرفه قال أبو جعفر: يعني ب" تا" تضطجع، فاجتزأ بالتاء من تضطجع. و كما قال الآخر في الزيادة في الكلام على النحو الذي وصفت:

أقول إذ خرت على الكلكال‏

يا ناقتي ما جلت من مجال‏

يريد الكلكل. و كما قال الآخر:

إن شكلي و إن شكلك شتى‏

فالزمي الخص، و اخفضي تبيضضي‏

فزاد ضادا و ليست في الكلمة. قالوا: فكذلك ما نقص من تمام حروف كل كلمة من هذه الكلمات التي ذكرنا أنها تتمة حروف‏ الم‏ و نظائرها، نظير ما نقص من الكلام الذي حكيناه عن العرب في أشعارها و كلامها. و أما الذين قالوا: كل حرف من‏ الم‏ و نظائرها دال على معان شتى نحو الذي ذكرنا عن الربيع بن انس، فإنهم وجهوا ذلك إلى مثل الذي وجهه إليه من قال هو بتأويل:" أنا الله أعلم" في أن كل حرف منه بعض حروف كلمة تامة استغني بدلالته على تمامه عن ذكر تمامه، و إن كانوا له مخالفين في كل حرف من ذلك، أ هو من الكلمة التي ادعى أنه منها قائلوا لقول الأَول أم من غيرها؟ فقالوا: بل الأَلف من‏ الم‏ من كلمات شتى هي دالة على معاني جميع ذلك و على تمامه. قالوا: و إنما أفرد كل حرف من ذلك و قصر به عن تمام حروف الكلمة أن جميع حروف الكلمة لو أظهرت لم تدل‏

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 71

الكلمة التي تظهر التي بعض هذه الحروف المقطعة بعض لها، إلا على معنى واحد لا على معنيين و أكثر منهما. قالوا: و إذا كان لا دلالة في ذلك لو أظهر جميعها إلا على معناها الذي هو معنى واحد، و كان الله جل ثناؤه قد أراد الدلالة بكل حرف منها على معان كثيرة لشي‏ء واحد، لم يجز إلا أن يفرد الحرف الدال على تلك المعاني، ليعلم المخاطبون به أن الله عز وجل لم يقصد قصد معنى واحد و دلالة على شي‏ء واحد بما خاطبهم به، و أنه إنما قصد الدلالة به على أشياء كثيرة. قالوا: فالأَلف من‏ الم‏ مقتضية معاني كثيرة، منها: إتمام اسم الرب الذي هو الله، و تمام اسم نعماء الله التي هي آلاء الله، و الدلالة على أجل قوم أنه سنة، إذا كانت الأَلف في حساب الجمل واحدا. و اللام مقتضية تمام اسم الله الذي هو لطيف، و تمام اسم فضله الذي هو لطف، و الدلالة على أجل قوم أنه ثلاثون سنة. و الميم مقتضية تمام اسم الله الذي هو مجيد، و تمام اسم عظمته التي هي مجد، و الدلالة على أجل قوم أنه أربعون سنة. فكان معنى الكلام في تأويل قائل القول الأَول: أن الله جل ثناؤه افتتح كلامه بوصف نفسه بأنه العالم الذي لا يخفى عليه شي‏ء، و جعل ذلك لعباده منهجا يسلكونه في مفتتح خطبهم و رسائلهم و مهم أمورهم، و ابتلاء منه لهم ليستوجبوا به عظيم الثواب في دار الجزاء، كما افتتح بالحمد لله رب العالمين، و الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ و ما أشبه ذلك من السور التي جعل مفاتحها الحمد لنفسه. و كما جعل مفاتح بعضها تعظيم نفسه و إجلالها بالتسبيح كما قال جل ثناؤه‏ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا و ما أشبه ذلك من سائر سور القرآن التي جعل مفاتح بعضها تحميد نفسه، و مفاتح بعضها تمجيدها، و مفاتح بعضها تعظيمها و تنزيهها. فكذلك جعل مفاتح السور الأَخرى التي أوائلها بعض حروف المعجم مدائح نفسه أحيانا بالعلم، و أحيانا بالعدل و الإِنصاف، و أحيانا بالإِفضال و الإِحسان بإيجاز و اختصار، ثم اقتصاص الأَمور بعد ذلك. و على هذا التأويل يجب أن يكون الأَلف و اللام و الميم في أماكن الرفع مرفوعا بعضها ببعض دون قوله: ذلِكَ الْكِتابُ‏ و يكون ذلك الكتاب خبر مبتدأ منقطعا عن معنى‏ الم‏ ، و كذلك" ذلك" في تأويل قول قائل هذا القول الثاني مرفوع بعضه ببعض، و إن كان مخالفا معناه معنى قول قائل القول الأَول. و أما الذين قالوا: هن حروف من حروف حساب الجمل دون ما خالف ذلك من المعاني، فإنهم قالوا: لا نعرف للحروف المقطعة معنى يفهم سوى حساب الجمل و سوى تهجي قول القائل: الم‏ . و قالوا: غير جائز أن يخاطب الله جل ثناؤه عباد إلا بما يفهمونه و يعقلونه عنه. فلما كان ذلك كذلك و كان قوله: الم‏ لا يعقل لها وجه توجه إليه إلا أحد الوجهين اللذين ذكرنا، فبطل أحد وجهيه، و هو أن يكون مرادا بها تهجي. الم‏ صح و ثبت أنه مراد به الوجه الثاني و هو حساب الجمل؛ لأَن قول القائل: الم‏ لا يجوز أن يليه من الكلام ذلك الكتاب لاستحالة معنى الكلام و خروجه عن المعقول إذا ولي‏ الم‏ ذلك الكتاب. و احتجوا لقولهم ذلك أيضا بما:

حدثنا به محمد بن حميد الرازي، قال: حدثنا سلمة بن الفضل. قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال:

صفحه بعد