کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

جامع البيان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

(القول فى البيان عن اتفاق معانى آي القرآن و معانى منطق من نزل بلسانه من وجه البيان و الدلالة على أن ذلك من الله جل و عز هو الحكمة البالغة مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين القرآن سائر الكلام) (القول فى البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب و ألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم) (القول فى اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب) القول فى البيان عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة و ذكر الاخبار المروية بذلك القول فى الوجوه التي من قبلها يوصل الى معرفة تأويل القرآن ذكر بعض الاخبار التي رويت بالنهى عن القول فى تأويل القرآن بالرأى ذكر بعض الاخبار التي رويت فى الحض على العلم بتفسير القرآن و من كان يفسره من الصحابة ذكر بعض الاخبار التي غلط فى تأويلها منكر و القول فى تأويل القرآن ذكر الاخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير و من كان منهم مذموما علمه بذلك (القول فى تاويل أسماء القرآن و سوره و آيه) القول فى تأويل أسماء فاتحة الكتاب القول فى تأويل الاستعاذة
تفسير سورة الفاتحة تفسير سورة البقرة

جامع البيان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏24، ص: 50

وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ‏ يقول: و أورثنا بني إسرائيل التوراة، فعلمنا هموها، و أنزلنا إليهم‏ هُدىً‏ يعني بيانا لأمر دينهم، و ما ألزمناهم من فرائضها، وَ ذِكْرى‏ لِأُولِي الْأَلْبابِ‏ يقول: و تذكيرا منا لأهل الحجا و العقول منهم بها. و قوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم:

فاصبر يا محمد لأمر ربك، و انفذ لما أرسلك به من الرسالة، و بلغ قومك و من أمرت بإبلاغه ما أنزل إليك، و أيقن بحقيقة وعد الله الذي وعدك من نصرتك، و نصرة من صدقك و آمن بك، على من كذبك، و أنكر ما جئته به من عند ربك، و إن وعد الله حق لا خلف له و هو منجز له‏ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ‏ يقول:

و سله غفران ذنوبك و عفوه لك عنه‏ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ‏ يقول: وصل بالشكر منك لربك‏ بِالْعَشِيِ‏ و ذلك من زوال الشمس إلى الليل‏ وَ الْإِبْكارِ و ذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. و قد وجه قوم الإبكار إلى أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى، و خروج وقت الضحى، و المعروف عند العرب القول الأول. و اختلف أهل العربية في وجه عطف الإبكار و الباء غير حسن دخولها فيه على العشي، و الباء تحسن فيه، فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: و سبح بحمد ربك بالعشي و في الإبكار. و قال: قد يقال: بالدار زيد، يراد: فى الدار زيد، و قال غيره: إنما قيل ذلك كذلك، لأن معنى الكلام: صل بالحمد بهذين الوقتين و في هذين الوقتين، فإدخال الباء في واحد فيهما. القول في تأويل قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ يقول تعالى ذكره: إن الذين يخاصمونك يا محمد فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات‏ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ‏ يقول: بغير حجة جاءتهم من عند الله بمخاصمتك فيها إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ يقول: ما في صدورهم إلا كبر يتكبرون من أجله عن اتباعك، و قبول الحق الذي أتيتهم به حسدا منهم على الفضل الذي آتاك الله، و الكرامة التي أكرمك بها من النبوة ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ يقول: الذي حسدوك عليه أمر ليسوا بمدركيه و لا نائليه، لأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، و ليس بالأمر الذي يدرك بالأماني؛ و قد قيل: إن معناه: إن في صدورهم إلا عظمة ما هم ببالغي تلك العظمة لأن الله مذلهم. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال. ثني أبو عاصم، قال:

ثنا عيسى، و حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، قوله: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ قال: عظمة. و بنحو الذي قلنا في تأويل قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ‏ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال:

ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ‏ لم يأتهم بذاك سلطان. و قوله: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يقول تعالى ذكره: فاستجر بالله يا محمد من شر هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان، و من الكبر أن يعرض فى قلبك منه شي‏ء إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يقول: إن الله هو السميع لما يقول هؤلاء المجادلون في آيات الله و غيرهم من قول البصير بما تمله جوارحهم، لا يخفى عليه شي‏ء من ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:

لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ يقول تعالى ذكره:

لابتداع السموات و الأرض و إنشاؤها من غير شي‏ء أعظم أيها الناس عندكم إن كنتم مستعظمي خلق الناس، و إنشائهم من غير شي‏ء من خلق الناس، و لكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله. القول في تأويل موله تعالى:

وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏24، ص: 51

الصَّالِحاتِ وَ لَا الْمُسِي‏ءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ‏ و ما يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا، و هو مثل الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه، فيتدبرها و يعتبر بها، فيعلم وحدانيته و قدرته على خلق ما شاء من شي‏ء، و يؤمن به و يصدق. و البصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما و يبصره، و ذلك مئل للمؤمن الذي يرى بعينيه حجج الله، فيتفكر فيها و يتعظ، و يعلم ما دلت عليه من توحيد صانعه، و عظيم سلطانه و قدرته على خلق ما يشاء؛ يقول جل ثناؤه: كذلك لا يستوي الكافر و المؤمن. وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ يقول جل ثناؤه: و لا يستوي أيضا كذلك المؤمنون بالله و رسوله، المطيعون لربهم، و لا المسي‏ء، و هو الكافر بربه، العاصي له، المخالف أمره‏ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ‏ يقول حل ثناؤه: قليلا ما تتذكرون أيها الناس حجج الله، فتعتبرون و تتعظون؛ يقول: لو تذكرتم آياته و اعتبرتم، لعرفتم خطأ ما أنتم عليه مقيمون من إنكاركم قدرة الله على إحيائه من فنى من خلقه من بعد الفناء، و إعادتهم لحياتهم من بعد وفاتهم، و علمتم قبح شرككم من تشركون في عبادة ربكم. و اختلفت القراء في قراءة قوله: تَتَذَكَّرُونَ‏ فقرأت ذلك عامة قراء أهل المدينة و البصرة:" يتذكرون" بالياء على وجه الخبر، و قرأته عامة قراء الكوفة: تَتَذَكَّرُونَ‏ بالتاء على وجه الخطاب، و القول في ذلك أن القراءة بهما صواب. القول في تأويل قوله تعالى:

إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ ... أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ يقول تعالى ذكره: إن الساعة التي يحيي الله فيها الموتى للثواب و العقاب لجائية أيها الناس لا شك في مجيئها؛ يقول: فأيقنوا بمجيئها، و أنكم مبعوثون من بعد مماتكم، و مجازون بأعمالكم، فتوبوا إلى ربكم‏ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ‏ يقول:

و لكن أكثر قريش لا يصدقون بمجيئها. و قوله: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ يقول تعالى ذكره: و يقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني: يقول: اعبدوني و أخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني من الأوثان و الأصنام و غير ذلك‏ أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ يقول: أجب دعاءكم فأعفو عنكم و أرحمكم.

و بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس‏ ، قوله: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ يقول: وحدوني أغفر لكم.

حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الله بن داود، عن الأعمش، عن زر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ :" الدعاء هو العبادة" و قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ . حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، و الأعمش عن زر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم‏ يقول:" الدعاء هو العبادة، وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ الآية. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن زر، عن يسيع قال أبو موسى: هكذا قال غندر، عن سعيد، عن منصور، عن زر، عن يسيع، عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم‏ :" إن الدعاء هو العبادة" وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ . حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن زر، عن يسيع عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه و سلم‏ بمثله. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا يوسف بن العرف الباهلي، عن الحسن بن أبي جعفر، عن محمد بن جحادة، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ :" إن عبادتي دعائي" ثم تلا هذه الآية: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي‏

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏24، ص: 52

أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ قال:" عن دعائي". حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا عمارة، عن ثابت، قال: قلت لأنس‏ : يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال: لا، بل هى العبادة كلها. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أخبرنا منصور، عن زر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ :" الدعاء هو العبادة، ثم قرأ هذه الآية وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ " حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن الأشجعي، قال: قيل لسفيان‏ : ادع الله، قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء. و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ يقول: إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة، و إفراد الألوهة لي‏ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‏ بمعنى: صاغرين. و قد دللنا فيما مضى قبل على معنى الدخر بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. و قد قيل: إن معنى قوله‏ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ إن الذين يستكبرون عن دعائي. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي‏ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ قال: عن دعائي. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي‏ داخِرِينَ‏ قال: صاغرين. القول في تأويل قوله تعالى:

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ‏ يقول تعالى ذكره: الله الذي لا تصلع الألوهة إلا له، و لا تنبغي العبادة لغيره، الذي صفته أنه جعل لكم أيها الناس الليل سكنا لتسكنوا فيه، فتهدءوا من التصرف و الاضطراب للمعاش، و الأسباب التي كنتم تتصرفون فيها في نهاركم‏ وَ النَّهارَ مُبْصِراً يقول: و جعل النهار مبصرا من اضطرب فيه لمعاشه، و طلب حاجاته، نعمة منه بذلك عليكم‏ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ‏ يقول: إن الله لمتفضل عليكم أيها الناس بما لا كف‏ء له من الفضل‏ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ‏ يقول: و لكن أكثرهم لا يشكرونه بالطاعة له، و إخلاص الألوهة و العبادة له، و لا يد تقدمت له عنده استوجب بها منه الشكر عليها. القول في تأويل قوله تعالى:

ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ يقول تعالى ذكره: الذي فعل هذه الأفعال، و أنعم عليكم هذه النعم أيها الناس، الله مالككم و مصلح أموركم، و هو خالقكم و خالق كل شي‏ء لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يقول: لا معبود تصلع له العبادة غيره، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ يقول: فأي وجه تأخذون، و إلى أين تذهبون عنه، فتعبدون سواه؟. و قوله: كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏ يقول: كذهابكم عنه أيها القوم، و انصرافكم عن الحق إلى الباطل، و الرشد إلى الضلال، ذهب عنه الذين كانوا من قبلكم من الأمم بآيات الله، يعني: بحجج الله و أدلته يكذبون فلا يؤمنون؛ يقول: فسلكتم أنتم معشر قريش مسلكهم، و ركبتم محجتهم في الضلال. القول في تأويل قوله تعالى:

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ يقول تعالى ذكره: اللَّهُ‏ الذي له الألوهة خالصة أيها الناس‏ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ‏ التي أنتم على ظهرها سكان‏ قَراراً تستقرون عليها، و تسكنون فوقها، وَ السَّماءَ بِناءً بناها فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم، و قوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم‏ وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ يقول: و خلقكم فأحسن خلقكم‏ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ يقول: و رزقكم من حلال الرزق، و لذيذات المطاعم و المشارب. و قوله: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ‏

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏24، ص: 53

يقول تعالى ذكره: فالذي فعل هذه الأفعال، و أنعم عليكم أيها الناس هذه النعم، هو الله الذي لا تنبغي الألوهة إلا له، و ربكم الذي لا تصلح الربوبية لغيره، لا الذي لا ينفع و لا يضر، و لا يخلق و لا يرزق‏ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ يقول: فتبارك الله مالك جميع الخلق جنهم و إنسهم، و سائر أجناس الخلق غيرهم‏ هُوَ الْحَيُ‏ يقول: هو الحي الذي لا يموت، الدائم الحياة، و كل شي‏ء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يقول: لا معبود بحق تجوز عبادته، و تصلح الألوهة له إلا الله الذي هذه الصفات صفاته، فادعوه أيها الناس مخلصين له الدين، مخلصين له الطاعة، مفردين له الألوهة، لا تشركوا في عبادته شيئا سواه، من وثن و صنم، و لا تجعلوا له ندا و لا عدلا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ يقول:

الشكر لله الذي هو مالك جميع أجناس الخلق، من ملك و جن و إنس و غيرهم، لا للآلهة و الأوثان التي لا تملك شيئا، و لا تقدر على ضر و لا نفع، بل هو مملوك، إن ناله نائل بسوء لم يقدر له عن نفسه دفعا.

و كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال: لا إله إلا الله، أن يتبع ذلك: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ تأولا منهم هذه الآية، بأنها أمر من الله بقيل ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي، قال: أخبرنا الحسين بن واقد، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس‏ ، قال: من قال لا إله إلا الله، فليقل على إثرها: الحمد لله رب العالمين، فذلك قوله: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير ، قال:" إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فليقل: الحمد لله رب العالمين، ثم قال: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ . حدثني محمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير أنه كان يستحب إذا قال: لا إله إلا الله، يتبعها الحمد لله، ثم قرأ هذه الآية: هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ . حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن سعيد بن جبير ، قال: إذا قال أحدكم لا إله إلا الله وحده، فليقل بأثرها: الحمد لله رب العالمين، ثم قرا فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .. القول في تأويل قوله تعالى:

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم: قل يا محمد لمشركي قومك من قريش‏ إِنِّي نُهِيتُ‏ أيها القوم‏ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ من الآلهة و الأوثان‏ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي‏ يقول: لما جاءني الآيات الواضحات من عند ربي، و ذلك آيات كتاب الله الذي أنزله‏ وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ يقول: و أمرني ربي أن أذل لرب كل شي‏ء، و مالك كل خلق بالخضوع، و أخضع له بالطاعة دون غيره من الأشياء. القول في تأويل قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ يقول تعالى ذكره آمرا نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم بتنبيه مشركي قومه على حججه عليهم في وحدانيته: قل يا محمد لقومك: أمرت أن أسلم لرب العالمين الذي صفته هذه الصفات. و هي أنه خلق أباكم آدم‏ مِنْ تُرابٍ ثُمَ‏ خلقكم‏ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ بعد أن كنتم نطفا ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا من بطون أمهاتكم صغارا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏ فتتكامل قواكم، و يتناهى شبابكم، و تمام خلقكم شيوخا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ‏

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏24، ص: 54

قَبْلُ‏ أن يبلغ الشيخوخة وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ يقول: و لتبلغوا ميقاتا مؤقتا لحياتكم، و أجلا محدودا لا تجاوزونه، و لا تتقدمون قبله‏ وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ يقول: و كي تعقلوا حجج الله عليكما بذلك، و تتدبروا آياته فتعرفوا بها أنه لا إله غيره فعل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ فَإِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم: قل لهم يا محمد: هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ يقول قل لهم: و من صفته جل ثناؤه أنه هو الذي يحيي من يشاء بعد مماته، و يميت من يشاء من الأحياء بعد حياته و فَإِذا قَضى‏ أَمْراً يقول: و إذا قضى كون أمر من الأمور التي يريد تكوينها فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ‏ يعني للذي يريد تكوينه كن، فيكون ما أراد تكوينه موجودا بغير معاناة، و لا كلفة مؤنة. و قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ يقول لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم أ لم تر يا محمد هؤلاء المشركين من قومك، الذين يخاصمونك في حجج الله و آياته‏ أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ يقول: أي وجه يصرفون عن الحق، و يعدلون عن الرشد كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ أنى يكذبون و يعدلون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ قال:

يصرفون عن الحق. و اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عنى بها أهل القدر. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار و محمد بن المثنى، قالا: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أبي هند عن محمد بن سيرين‏ ، قال: إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية، فإني لا أدري فيمن نزلت: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ إلى قوله: لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ . حدثني علي ابن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن داود بن أبي هند، عن ابن سيرين‏ ، قال: إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك بن أبي الخير الزيادي، عن أبي قبيل، قال: أخبرني عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم‏ قال:" سيهلك من أمتي أهل الكتاب، و أهل اللين" فقال عقبة: يا رسول الله، و ما أهل الكتاب؟ قال:" قوم يتعلمون كتاب الله يجادلون الذين آمنوا"، فقال عقبة: يا رسول الله، و ما أهل اللين؟ قال:" قوم يتبعون الشهوات، و يضيعون الصلوات".

قال أبو قبيل: لا أحسب المكذبين بالقدر إلا الذين يجادلون الذين أمنوا، و أما أهل اللين، فلا أحسبهم إلا أهل العمود ليس عليهم إمام جماعة، و لا يعرفون شهر رمضان. و قال آخرون: بل عنى به أهل الشرك. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ قال: هؤلاء المشركون. و الصواب من القول في ذلك ما قاله ابن زيد؛ و قد بين الله حقيقة ذلك بقوله: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا . القول في تأويل قوله تعالى:

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا ... إِذِ الْأَغْلالُ‏ ... تُشْرِكُونَ‏ ... الْكافِرِينَ‏ يقول تعالى ذكره: أ لم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذبوا بكتاب الله، و هو هذا القرآن؛ و" الذين" الثانية في موضع خفض ردا لها على" الذين" الأولى على وجه النعت‏ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏24، ص: 55

يقول: و كذبوا أيضا مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله، و البراءة مما يعبد دونه من الآلهة و الأنداد، و الإقرار بالبعث بعد الممات للثواب و العقاب. و قوله:

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ‏ و هذا تهديد من الله المشركين به؛ يقول جل ثناؤه: فسوف يعلم هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله، المكذبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد، و صحة ما هم به اليوم مكذبون من هذا الكتاب، حين تجعل الأغلال و السلاسل في أعناقهم في جهنم. و قرأت قراء الأمصار: و السلاسل، برفعها عطفا بها على الأغلال على المعنى الذي بينت.

و ذكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه" و السلاسل يسحبون" بنصب السلاسل في الحميم. و قد حكي أيضا عنه أنه كان يقول: إنما هو و هم في السلاسل يسحبون، و لا يجيز أهل العلم بالعربية خفض الاسم و الخافض مضمر. و كان بعضهم يقول في ذلك: لو أن متوهما قال: إنما المعنى: إذ أعناقهم في الأغلال و السلال يسحبون. جاز الخفض في السلاسل على هذا المذهب، و قال: مثله، مما رد إلى المعنى. قول الشاعر:

قدم سالم الحيات منه القدما

الأفعوان و الشجاع الأرقما

فنصب الشجاع و الحيات قبل ذلك مرفوعة، لأن المعنى: قد سالمت رجله الحيات و سالمتها، فلما احتاج إلى نصب القافية، جعل الفعل من القدم واقعا على الحيات. و الصواب من القراءة عندنا فى ذلك ما عليه قراء الأمصار، لإجماع الحجة عليه، و هو رفع السلاسل عطفا بها على ما في قوله:

فِي أَعْناقِهِمْ‏ من ذكر الأغلال. و قوله: يُسْحَبُونَ‏ يقول: يسحب هؤلاء الذين كذبوا في الدنيا بالكتاب زبانية العذاب يوم القيامة في الحميم، و هو ما قد انتهى حره، و بلغ غايته. و قوله‏ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ يقول:

ثم في نار جهنم يحرقون، يقول: تسجر بها جهنم: أي توقد بهم. و بنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ و حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، في قوله:

يُسْجَرُونَ‏ قال: يوقد بهم النار. حدثنا محمد قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي‏ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ قال: يحرقون في النار. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ قال: يسجرون في النار: يوقد عليهم فيها. و قوله: ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ يقول: ثم قيل: أين الذين كنتم تشركون بعبادتكم إياها من دون الله من آلهتكم و أوثانكم حتى يغيثوكم فينقذوكم مما أنتم فيه من البلاء و العذاب، فإن المعبود يغيث من عبد و خدمه؛ و إنما يقال هذا لهم توبيخا و تقريعا على ما كان منهم في الدنيا من الكفر بالله و طاعة الشيطان، فأجاب المساكين عند ذلك فقالوا: ضلوا عنا: يقول: عدلوا عنا، فأخذوا غير طريقنا، و تركونا في هذا البلاء، بل ما ضلوا عنا، و لكنا لم نكن ندعو من قبل في الدنيا شيئا: أي لم نكن نعبد شيئا؛ يقول الله تعالى ذكره: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ يقول: كما أضل هؤلاء الذين ضل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله من الآلهة و الأوثان آلهتهم و أوثانهم، كذلك يضل الله أهل الكفر به عنه، و عن رحمته و عبادته، فلا يرحمهم فينجيهم من النار، و لا يغيثهم فيخفف عنهم ما هم فيه من البلاء. القول في تأويل قوله تعالى:

ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ يعني تعالى ذكره‏

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏24، ص: 56

بقوله: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ هذا الذي فعلنا بكم أيها القوم اليوم من تعذيبنا كم العذاب الذي أنتم فيه، بفرحكم الذي كنتم تفرحونه في الدنيا، بغير ما أذن الله لكم به من الباطل و المعاصي، و بمر حكم فيها، و المرح: هو الأشر و البطر. و بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه أب جد سعد، عن ابن عباس‏ ، قوله: بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ إلى‏ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ قال: الفرح و المرح: الفخر و الخيلاء، و العمل في الأرض بالخطيئة، و كان ذلك في الشرك، و هو مثل قوله لقارون: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ‏ و ذلك في الشرك. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ و حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، قوله: بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ قال: تبطرون و تأشرون. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي‏ ، قوله: تَمْرَحُونَ‏ قال: تبطرون. و قوله: ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها يقول تعالى ذكره لهم: ادخلوا أبواب جهنم السبعة من كل باب منها جزء مقسوم منكم‏ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ يقول: فبئس منزل المتكبرين في الدنيا على الله أن يوحدوه، و يؤمنوا برسله اليوم جهنم. القول في تأويل قوله تعالى:

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ‏ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم: فاصبر يا محمد على ما يجادلك به هؤلاء المشركون في آيات الله التي أنزلناها عليك، و على تكذيبهم إياك، فإن الله منجز لك فيهم ما وعدك من الظفر عليهم، و العلو عليهم، و إحلال العقاب بهم، كسنتنا في موسى بن عمران و من كذبه‏ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ يقول جل ثناؤه: فإما نرينك يا محمد في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب و النقمة أن يحل بهم‏ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ‏ قبل أن يحل ذلك بهم‏ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ‏ يقول: فإلينا مصيرك و مصيرهم، فنحكم عند ذلك بينك و بينهم بالحق بتخليدنا هم في النار، و إكرامناك بجوارنا في جنات النعيم. القول في تأويل قوله تعالى:

صفحه بعد