کتابخانه تفاسیر
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج3، ص: 235
و قوله سبحانه: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يصحّ أن يريد بالأمر اسم الجنس من الأمور، و يصحّ أن يريد الأمر الذي هو مصدر أمر يأمر، و تدبيره لا إله إلا هو إنما هو الإنفاذ؛ لأنه قد أحاط بكلّ شيء علما، قال مجاهد: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ : معناه: يقضيه وحده «1» .
و قوله سبحانه: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ؛ ردّ على العرب في اعتقادها؛ أن الأصنام تشفع لها عند اللّه.
ذلِكُمُ اللَّهُ أي: الذي هذه صفاته فاعبدوه، ثم قرّرهم على هذه الآيات و العبر، فقال: أَ فَلا تَذَكَّرُونَ .
و قوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ... الآية إنباء بالبعث.
و قوله: يَبْدَؤُا الْخَلْقَ يريد: النشأة الأولى، و الإعادة: هي البعث من القبور.
لِيَجْزِيَ : هي لام كي، و المعنى: أنّ الإعادة إنما هي ليقع الجزاء على الأعمال.
و قوله: بِالْقِسْطِ : أي: بالعدل.
و قوله: الَّذِينَ كَفَرُوا : ابتداء، و الحميم الحارّ المسخّن، و حميم النار فيما ذكر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «إذا أدناه الكافر من فيه، تساقطت فروة رأسه» «2» و هو كما وصفه سبحانه:
يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف: 29].
[سورة يونس (10): الآيات 5 الى 9]
(1) أخرجه الطبري (6/ 530) برقم: (17559، 17562)، و ذكره ابن عطية (3/ 104)، و السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 536)، و زاد نسبته إلى ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و أبي الشيخ.
(2) أخرجه الترمذي (4/ 706) كتاب «صفة جهنم» باب: ما جاء في صفة شراب أهل النار، حديث (2584)، و في (5/ 426) كتاب «التفسير» باب: و من سورة سأل سائل، حديث (3322)، و أحمد (3/ 70- 71)، و أبو يعلى (2/ 520) رقم: (1375)، و الحاكم (4/ 602) من حديث أبي سعيد الخدري.
و قال الترمذي: هذا حديث غريب.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج3، ص: 236
و قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً ... الآية: هذا استمرار على وصف/ آياته سبحانه، و التنبيه على صنعته الدّالة على وحدانيته، و عظيم قدرته.
و قوله: قَدَّرَهُ مَنازِلَ : يحتمل أن يعود الضمير على «القمر» وحده؛ لأنه المراعى في معرفة عدد السّنين و الحساب عند العرب، و يحتمل أن يريد الشّمس و القمر معا، لكنه اجتزأ بذكر أحدهما؛ كما قال: وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة: 62].
و قوله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ أي: رفقا بكم، و رفعا للالتباس في معايشكم و غير ذلك مما يضطرّ فيه إلى معرفة التواريخ.
و قوله: لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ : إنما خصهم، لأن نفع هذا فيهم ظهر.
و قوله سبحانه: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ... الآية: آية اعتبار و تنبيه، و الآيات: العلامات، و خصّص القوم المتّقين؛ تشريفا لهم؛ إذ الاعتبار فيهم يقع، و نسبتهم إلى هذه الأشياء المنظور فيها أفضل من نسبة من لم يهتد و لا اتّقى.
و قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ... الآية: قال أبو عبيدة «1» و غيره:
يَرْجُونَ ، في هذه الآية: بمعنى يخافون «2» ؛ و احتجّوا ببيت أبي ذؤيب: [الطويل]
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها
و حالفها في بيت نوب عوامل «3»
و قال ابن سيده و الفرّاء: لفظة الرّجاء، إذا جاءت منفيّة، فإنها تكون بمعنى الخوف، فعلى هذا التأويل معنى الآية: إنّ الذين لا يخافون لقاءنا، و قال بعض أهل العلم: الرجاء، في هذه الآية: على بابه؛ و ذلك أن الكافر المكذّب بالبعث لا يحسن ظنّا بأنه يلقى اللّه، و لا له في الآخرة أمل؛ إذ لو كان له فيها أمل؛ لقارنه لا محالة خوف، و هذه الحال من الخوف المقارن هي القائدة إلى النجاة.
قال* ع «4» *: و الذي أقول به: إنّ الرجاء في كلّ موضع هو على بابه، و أنّ بيت
(1) ينظر: «مجاز القرآن» لأبي عبيدة (1/ 275)
(2) ذكره ابن عطية (3/ 106)
(3) البيت لأبي ذؤيب كما ذكر المصنف، ينظر: «ديوان الهذليين» (1/ 143)، «الكشاف» (4/ 499)، و «الدر المصون» (1/ 534) و «جمهرة الشعراء» (9)
(4) ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 107)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج3، ص: 237
الهذليّ معناه: لم يرج فقد لسعها، قال ابن زيد: هذه الآية في الكفّار «1» .
و قوله سبحانه: وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا : يريد: كانت منتهى غرضهم، و قال قتادة في تفسير هذه الآية: إذا شئت رأيت هذا الموصوف صاحب دنيا، لها يغضب، و لها يرضى، و لها يفرح، و لها يهتمّ و يحزن، فكأنّ قتادة صوّرها في العصاة «2» ، و لا يترتب ذلك إلا مع تأوّل الرّجاء على بابه؛ لأن المؤمن العاصي مستوحش من آخرته، فأما على التأويل الأول، فمن لا يخاف اللّه، فهو كافر.
و قوله: وَ اطْمَأَنُّوا بِها : تكميل في معنى القناعة بها، و الرفض لغيرها.
و قوله: وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ : يحتمل أن يكون ابتداء إشارة إلى فرقة أخرى، ثم عقّب سبحانه بذكر الفرقة الناجية، فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ ... الآية، الهداية في هذه الآية تحتمل وجهين:
أحدهما: أن يريد أنّه يديمهم و يثبّتهم.
الثّاني: أن يريد أنه يرشدهم إلى طريق الجنان في الآخرة.
و قوله: بِإِيمانِهِمْ يحتمل أن يريد: بسبب إيمانهم، و يحتمل أن يكون الإيمان هو نفس الهدى، أي، يهديهم إلى طريق الجنة بنور إيمانهم. قال مجاهد: يكون لهم إيمانهم نورا يمشون به، و يتركّب هذا التأويل، على ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنّ العبد المؤمن، إذا قام من قبره للحشر تمثّل له رجل جميل الوجه طيّب الرّائحة، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصّالح فيقوده إلى الجنّة، و بعكس هذا في الكافر، و نحو هذا مما أسنده الطبري «3» و غيره.
[سورة يونس (10): آية 10]
و قوله سبحانه: دَعْواهُمْ : أي: دعاؤهم فيها و سُبْحانَكَ اللَّهُمَ : تقديس و تسبيح و تنزيه لجلاله سبحانه عن كلّ ما لا يليق به، و قال علي بن أبي طالب في ذلك: هي كلمات رضيها اللّه تعالى لنفسه «4» ، و قال طلحة بن عبيد اللّه/: قلت: يا رسول اللّه؛ ما
(1) ذكره ابن عطية (3/ 106)، و السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 537)، و زاد نسبته إلى أبي الشيخ.
(2) ذكره ابن عطية (3/ 107)
(3) تقدم تخريجه.
(4) أخرجه الطبري (6/ 536) برقم: (17583)، و ذكره ابن عطية (3/ 107)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج3، ص: 238
معنى سبحان اللّه؟ فقال: معناها: «تنزيها للّه من السّوء»، و حكي عن بعض المفسّرين أنهم رووا أنّ هذه الكلمة إنّما يقولها المؤمن عند ما يشتهي الطّعام، فإنه إذا رأى طائرا أو غير ذلك، قال: سُبْحانَكَ اللَّهُمَ ، فنزلت تلك الإرادة بين يديه فوق ما اشتهى. رواه ابن جريج و سفيان بن عيينة، و عبارة الداوديّ عن ابن جريج: «دعواهم فيها»: قال: إذا مرّ بهم الطائر يشتهونه، كان دعواهم به سُبْحانَكَ اللَّهُمَ ، فيأكلون منه ما يشتهون، ثم يطير، و إذا جاءتهم الملائكة بما يشتهون، سلّموا عليهم، فذلك قوله: وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ، و إذا أكلوا حاجتهم، قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فذلك قوله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .
و قوله سبحانه: وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ : يريد تسليم بعضهم على بعض، و التحيّة:
مأخوذة من تمنّي الحياة للإنسان و الدّعاء بها، يقال: حيّاه و يحيّيه؛ و منه قول زهير بن جناب: [الكامل]
من كلّ ما نال الفتى
قد نلته إلّا التّحيّة «1»
يريد: دعاء الناس للملوك بالحياة، و قال بعض العلماء: وَ تَحِيَّتُهُمْ يريد: تسليم اللّه تعالى عليهم، و السّلام: مأخوذ من السّلامة، وَ آخِرُ دَعْواهُمْ : أي: خاتمة دعائهم و كلامهم في كلّ موطن حمد اللّه و شكره، على ما أسبغ عليهم من نعمه، و قال ابن العربيّ في «أحكامه» «2» . في تفسير هذه الآية قولان:
الأول: أنّ الملك يأتيهم بما يشتهون، فيقول: سلام عليكم، أي: سلمتم، فيردّون عليه، فإذا أكلوا، قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .
الثاني: أنّ معنى «تحيّتهم»: أي: تحيّة بعضهم بعضا، فقد ثبت في الخبر: «أن اللّه تعالى خلق آدم، ثم قال له: اذهب إلى أولئك النّفر من الملائكة فسلّم عليهم، فجاءهم، فقال لهم: سلام عليكم، فقالوا له: و عليك السّلام و رحمة اللّه، فقال له: هذه تحيّتك، و تحيّة ذرّيّتك من بعدك إلى يوم القيامة» «3» ، و بيّن في القرآن هاهنا أنها تحيتهم في الجنّة،
(1) البيت لزهير بن جناب في «إصلاح المنطق» ص: (316)، و «الأغاني» (18/ 307)، و «الشعر و الشعراء» (1/ 386)، و «لسان العرب» (11/ 46) (بجل)، (14/ 216) (حيا)، و «المؤتلف و المختلف» ص:
(130)، و بلا نسبة في «خزانة الأدب» (5/ 299)، و «شرح التصريح» (1/ 326)، و «شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي: ص (100)، و «لسان العرب» (14/ 217) (حيا)
(2) ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1050)
(3) تقدم تخريجه.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج3، ص: 239
فهي تحيّة موضوعة من أول الخلقة إلى غير نهاية، و قد روى ابن القاسم، عن مالك في قوله تعالى: وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ أي: هذا السّلام الذي بين أظهركم، و هذا أظهر الأقوال، و اللّه أعلم. انتهى.
و قرأ الجمهور «1» : «أن الحمد للّه»، و هي عند سيبويه «2» «أن» المخفّفة من الثقيلة؛ قال أبو الفتح: فهي بمنزلة قول الأعشى: [البسيط]:
في فتية كسيوف الهند قد علموا
أن هالك كلّ من يحفى و ينتعل «3»
[سورة يونس (10): الآيات 11 الى 14]
و قوله سبحانه: وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ... الآية: هذه الآية نزلت، في دعاء الرّجل على نفسه أو ولده، أو ماله، فأخبر سبحانه أنّه لو فعل مع النّاس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريد فعله معهم في إجابته إلى الخير، لأهلكهم، و حذف بعد ذلك جملة يتضمّنها الظاهر، تقديرها: فلا يفعل ذلك، و لكن يذر الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ... الآية، و قيل: إن هذه الآية نزلت في قولهم:
إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: 32]، و قيل:
نزلت في قولهم: ائْتِنا بِما تَعِدُنا [هود: 32]، و ما جرى مجراه، و العمه: الخبط في ضلال.
و قوله سبحانه: وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ ... الآية: هذه الآية أيضا
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 108)، و «البحر المحيط» (5/ 132)
(2) ينظر: «الكتاب» (1/ 480)
(3) ينظر: «ديوانه» ص: (109)، و «الأزهية» ص: (64)، و «الإنصاف» ص: (199)، و «تلخيص الشواهد» ص: (382)، و «خزانة الأدب» (5/ 426)، (8/ 390)، (10/ 393)، (11/ 353- 354)، و «الدرر» (2/ 194)، و «شرح أبيات سيبويه» (2/ 76)، و «الكتاب» (2/ 137)، (3/ 74، 164، 454)، و «المحتسب» (1/ 308)، و «مغني اللبيب» (1/ 314)، و «المقاصد النحويّة» (2/ 287)، و «المنصف» (3/ 129)، و بلا نسبة في «خزانة الأدب» (10/ 391) و «رصف المباني» ص: (115)، و «شرح المفصل» (8/ 71)، و «المقتضب» (3/ 9)، و «همع الهوامع» (1/ 142)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج3، ص: 240
عتاب على سوء الخلق من بعض الناس، و مضمّنه النهي عن مثل هذا، و الأمر بالتسليم إلى اللّه و الضّراعة إليه في كلّ حال، و العلم بأنّ الخير و الشر منه، لا ربّ غيره، و قوله:
لِجَنْبِهِ ، في موضع الحال؛ كأنه قال: مضطجعا، و الضّرّ عام لجميع الأمراض و الرزايا.
و قوله: مَرَّ يقتضي أن نزولها في الكفّار، ثم هي بعد تتناول كلّ من دخل تحت معناها من كافر و عاص.
و قوله سبحانه: وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ/ قَبْلِكُمْ ... الآية: آية وعيد للكفّار، و ضرب أمثال لهم، و خَلائِفَ : جمع خليفة.
و قوله: لِنَنْظُرَ : معناه: لنبيّن في الوجود ما علمناه أزلا، لكن جرى القول على طريق الإيجاز و الفصاحة و المجاز، و قال عمر رضي اللّه عنه: إنّ اللّه تعالى إنما جعلنا خلفاء؛ لينظر كيف عملنا؛ فأروا اللّه حسن أعمالكم في السر و العلانية «1» .
[سورة يونس (10): الآيات 15 الى 18]
و قوله سبحانه: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا يعني:
بعض كفار قريش: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ ، ثم أمر سبحانه نبيه أن يردّ عليهم بالحق الواضح، فقال: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ و لا أعلمكم به، و أَدْراكُمْ بمعنى:
أعلمكم، تقول: دريت بالأمر، و أدريت به غيري، ثم قال: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ يعني: الأربعين سنة قبل بعثته عليه السلام، أي: فلم تجرّبوني في كذب، و لا تكلّمت في شيء من هذا أَ فَلا تَعْقِلُونَ ؛ أنّ من كان على هذه الصفة لا يصحّ منه كذب بعد أن ولّى عمره، و تقاصر أمله، و اشتدّت حنكته و خوفه لربّه.
(1) أخرجه الطبري (6/ 539) برقم: (17594)، و ذكره ابن عطية (3/ 110)، و السيوطي (3/ 540)، و عزاه لابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و أبي الشيخ، عن قتادة.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج3، ص: 241
و قوله: فَمَنْ أَظْلَمُ : استفهام و تقرير، أي: لا أحد أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا، أو ممّن كذّب بآياته؛ بعد بيانها، و الضمير في يَعْبُدُونَ لكفّار قريش، و قولهم:
هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ : هذا قول النبلاء منهم، ثم أمر سبحانه نبيّه أن يقرّرهم و يوبّخهم بقوله: أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ ، و ذكر السموات؛ لأن من العرب من يعبد الملائكة و الشّعرى، و بحسب هذا حسن أن يقول:
هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا ، و قيل: ذلك على تجوّز في الأصنام التي لا تعقل.
[سورة يونس (10): الآيات 19 الى 21]
و قوله سبحانه: وَ ما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا قالت فرقة: المراد آدم كان أمة وحده، ثم اختلف الناس بعده، و قالت فرقة: المراد آدم و بنوه من لدن نزوله إلى قتل أحد ابنيه الآخر، و يحتمل أن يريد: كان الناس صنفا واحدا بالفطرة معدّا للاهتداء، و قد تقدّم الكلام على هذا في قوله سبحانه: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [البقرة: 213].
و قوله سبحانه: وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يريد: قضاءه و تقديره لبني آدم بالآجال المؤقّتة، و يحتمل أن يريد: الكلمة في أمر القيامة، و أنّ العقاب و الثواب إنما يكون حينئذ.
و قوله: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ أي: إن شاء فعل، و إن شاء لم يفعل.
و قوله: فَانْتَظِرُوا : وعيد.
و قوله سبحانه: وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ... الآية: هذه الآية في الكفّار، و هي بعد تتناول من العصاة من لا يؤدي شكر اللّه عند زوال المكروه عنه، و لا يرتدع بذلك عن معاصيه، و ذلك في الناس كثير، و الرحمة هنا بعد الضرّاء؛ كالمطر بعد القحط، و الأمن بعد الخوف و نحو هذا ممّا لا ينحصر، و المكر: الاستهزاء و الطّعن عليها من الكفّار و اطّراح الشكر و الخوف من العصاة.