کتابخانه تفاسیر
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج5، ص: 99
ابن عبّاس «1» ، «واحدها «مقلاد» ك «مفتاح»، و قال عثمان بن عفّان: سألت النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فقال: «هي لا إله إلّا اللّه، و اللّه أكبر، و سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم هو الأوّل و الآخر و الظّاهر و الباطن يحيي و يميت، و هو على كلّ شيء قدير» «2» .
و قوله تعالى: وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ قالت فرقة: المعنى: و لقد أوحي إلى كلّ نبيّ؛ لئن أشركت ليحبطنّ عملك،* ت*: قد تقدّم غير ما مرّة، بأنّ ما ورد من مثل هذا، فهو محمول على إرادة الأمّة لعصمة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و إنما المراد من يمكن أن يقع ذلك منه، و خوطب هو صلّى اللّه عليه و سلّم تعظيما للأمر، قال- ص-: لَيَحْبَطَنَ جواب القسم، و جواب الشرط محذوف؛ لدلالة جواب القسم عليه، انتهى.
[سورة الزمر (39): الآيات 67 الى 72]
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
و قوله تعالى: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ معناه و ما عظّموا اللّه حقّ عظمته، و لا وصفوه بصفاته، و لا نفوا عنه ما لا يليق به، قال ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في كفّار قريش الذين كانت هذه الآيات كلّها محاورة لهم، و ردّا عليهم «3» ، و قالت فرقة: نزلت في
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 22) برقم: (30205) عن ابن عبّاس، و برقم: (30206) عن قتادة، و ذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 86)، و ابن عطية في «تفسيره» (4/ 539)، و السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 625)، و عزاه لابن المنذر، و ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس، و الفريابي، و عبد بن حميد، و ابن المنذر عن مجاهد.
(2) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 526)، و عزاه إلى أبي يعلى، و يوسف القاضي في «سننه»، و أبي الحسن القطان في «المطولات»، و ابن السني في «عمل اليوم و الليلة»، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و ابن مردويه.
(3) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 24) برقم: (30209)، و ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 540)، و ابن كثير في «تفسيره» (4/ 62) عن مجاهد.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج5، ص: 100
قوم من اليهود تكلّموا في صفات اللّه تعالى، فألحدوا و جسّموا و أتوا بكلّ تخليط.
و قوله تعالى: وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ معناه: في قبضته، و اليمين هنا، و القبضة عبارة عن القدرة و القوّة، و ما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل، و فَصَعِقَ في هذه الآية، معناه: خرّ ميّتا، و الصُّورِ : القرن، و لا يتصوّر هنا غير هذا، و من يقول:
الصُّورِ جمع صورة، فإنما يتوجّه قوله في نفخة البعث، و قد تقدّم بيان نظير هذه/ الآية في غير هذا الموضع.
و قوله تعالى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى هي نفخة البعث، و في الحديث: «أنّ بين النّفختين أربعين» لا يدري أبو هريرة سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة* ت*: و لفظ مسلم:
عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ما بين النفختين أربعون، قالوا: يا أبا هريرة: أربعون سنة؟ قال: أبيت قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون يوما؟ قال: أبيت الحديث، قال صاحب «التّذكرة» «1» : فقيل: معنى قوله: «أبيت» أي: امتنعت من بيان ذلك؛ إذ ليس هو ممّا تدعو إليه حاجة، و على هذا كان عنده علم ذلك، و قيل: المعنى:
أبيت أن أسأل «2» النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك، و على هذا: فلا علم عنده، و الأوّل أظهر، و قد جاء أنّ ما بين النفختين أربعين عاما، انتهى، و قد تقدّم أنّ الصحيح في المستثنى في الآية أنّهم الشهداء قال الشيخ أبو محمّد بن بزيزة في «شرح الأحكام الصغرى» لعبد الحقّ: الذي تلقيناه من شيوخنا المحققين أن العوالم التي لا تفنى سبعة: العرش، و الكرسيّ، و اللّوح، و القلم، و الجنّة، و النار، و الأرواح. انتهى.
وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها معناه: أضاءت و عظم نورها، و الْأَرْضُ في هذه الآية: الأرض المبدّلة من الأرض المعروفة.
و قوله: بِنُورِ رَبِّها إضافة مخلوق «3» إلى خالق، و الْكِتابُ كتاب حساب
(1) ينظر: «التذكرة» (1/ 231)
(2) أخرجه البخاري (8/ 414) كتاب «التفسير» باب: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (4814)، (8/ 558) كتاب «التفسير» باب: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (4935)، و مسلم (4/ 2270) كتاب «الفتن و أشراط الساعة» باب: ما بين النفختين (141/ 2955)، (143/ 2955)، و أخرجه مختصرا مالك (1/ 239) كتاب «الجنائز» باب: جامع الجنائز (48)، و النسائي (4/ 111- 112)، كتاب «الجنائز» باب: أرواح المؤمنين برقم: (2077)، و ابن ماجه (2/ 1425)، كتاب «الزهد» باب: ذكر القبر و البلى (4266)
(3) في د: خلق.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج5، ص: 101
الخلائق، و وحّده على اسم الجنس؛ لأنّ كلّ أحد له كتاب على حدة، «و جيء بالنبيئين» أي: ليشهدوا على أممهم، و الشُّهَداءِ قيل: هو جمع «شاهد» و قيل: هو جمع «شهيد» في سبيل اللّه، و الأول أبين في معنى التّوعّد، و الضمير في قوله بَيْنَهُمْ عائد على العالم بأجمعه، إذ الآية تدلّ عليهم، و زُمَراً معناه: جماعات متفرقة، واحدتها: زمرة.
و قوله: فُتِحَتْ جواب «إذا»، و الكلام هنا يقتضي أن فتحها إنما يكون بعد مجيئهم، و في وقوفهم قبل فتحها مذلّة لهم، و هكذا هي حال السّجون و مواضع الثّقاف و العذاب؛ بخلاف قوله في أهل الجنّة وَ فُتِحَتْ ، فالواو مؤذنة بأنهم يجدونها مفتوحة كمنازل الأفراح و السّرور.
و قوله تعالى: وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ ... الآية، في قوله: مِنْكُمْ أعظم في الحجّة، أي: رسل من جنسكم؛ لا يصعب عليكم مرامهم، و لا فهم أقوالهم.
[سورة الزمر (39): الآيات 73 الى 75]
و قوله تعالى: وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ : لفظ يعمّ كلّ من يدخل الجنة من المؤمنين الذين اتّقوا الشرك، و الواو في قوله: وَ فُتِحَتْ مؤذنة بأنها قد فتحت قبل وصولهم إليها، و قالت فرقة: هي زائدة و قال قوم: أشار إليهم ابن الأنباريّ، و ضعّف قولهم: هذه واو الثمانية، و قد تقدّم الكلام عليها، و جواب «إذا» فتحت، و عن المبرّد: جواب «إذا» محذوف، تقديره بعد قوله: خالِدِينَ : سعدوا و سقطت هذه الواو في مصحف ابن مسعود، و سَلامٌ عَلَيْكُمْ تحية، و طِبْتُمْ معناه: أعمالا و معتقدا و مستقرّا و جزاء، وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يريد: أرض الجنّة، و نَتَبَوَّأُ معناه: نتخذ أمكنة و مساكن، ثم وصف تعالى حالة الملائكة من العرش و حفوفهم به و الحفوف الإحداق بالشّيء، و هذه اللفظة مأخوذة من الحفاف، و هو الجانب، قال ابن المبارك في «رقائقه»: أخبرنا معمر عن أبي إسحاق/ عن عاصم بن ضمرة عن علي؛ أنه تلا هذه الآية: وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها قال: وجدوا عند باب الجنّة شجرة يخرج من ساقها عينان، فعمدوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها، فاغتسلوا بها، فلم تشعث رؤوسهم بعدها أبدا، و لم تتغيّر جلودهم بعدها أبدا كأنما دهنوا بالدّهن، ثم عمدوا إلى الأخرى، فشربوا منها،
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج5، ص: 102
فطهرت أجوافهم، و غسلت كلّ قذر فيها، و تتلقّاهم على كلّ باب من أبواب الجنّة ملائكة:
سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ، ثم تتلقّاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان الدّنيا بالحميم، يجيء من الغيبة يقولون: أبشر، أعدّ اللّه لك كذا و كذا، و أعدّ اللّه لك كذا، ثم يذهب الغلام منهم إلى الزّوجة من أزواجه، فيقول: قد جاء فلان باسمه الّذي كان يدّعي به في الدنيا، فتقول له: أنت رأيته؟ فيستخفّها الفرح حتّى تقوم على أسكفّة بابها، ثم ترجع، فيجيء، فينظر إلى تأسيس بنيانه من جندل اللؤلؤ أخضر و أصفر و أحمر؛ من كلّ لون ثم يجلس فينظر؛ فإذا زرابيّ مبثوثة، و أكواب موضوعة، ثمّ يرفع رأسه- فلولا أنّ اللّه قدّر ذلك، لأذهب بصره- إنّما هو مثل البرق؛ ثم يقول: الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، انتهى.
و قوله تعالى: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قالت فرقة معناه: أنّ تسبيحهم يتأتّى بحمد اللّه و فضله، و قالت فرقة: تسبيحهم هو بترديد حمد اللّه، و تكراره، قال الثعلبيّ: متلذّذين لا متعبّدين مكلّفين «1» .
و قوله تعالى: وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ختم للأمر، و قول جزم عند فصل القضاء، أي: أن هذا الملك/ الحاكم العادل ينبغي أن يحمد عند نفوذ حكمه و إكمال قضائه بين عباده، و من هذه الآية جعلت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ خاتمة المجالس و المجتمعات في العلم، قال قتادة: فتح اللّه أوّل الخلق بالحمد، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ [الأنعام: 1] و ختم القيامة بالحمد في هذه الآية «2» .
قال* ع «3» *: و جعل سبحانه الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فاتحة كتابه؛ فبه يبدأ كلّ أمر و به يختم، و حمد اللّه تعالى و تقديسه ينبغي أن يكون من المؤمن؛ كما قيل: [الطويل]
و آخر شيء أنت في كلّ ضجعة
و أوّل شيء أنت عند هبوبي «4»
(1) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 544)
(2) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 36) برقم: (30264)، و ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 544)، و ابن كثير في «تفسيره» (4/ 69)، و السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 642)، و عزاه لعبد الرزاق، و عبد بن حميد، و ابن المنذر.
(3) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 544)
(4) ينظر: المصدر السابق (4/ 544)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج5، ص: 103
تفسير «سورة غافر»
[و هي] مكّية روى أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال: الحواميم ديباج القرآن «1» ، و معنى هذه العبارة: أنّها خلت من الأحكام و قصرت على المواعظ و الزّجر و طرق الآخرة محضا، و عن ابن مسعود أن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «من أراد أن يرتع في رياض مونقة من الجنّة، فليقرإ الحواميم» «2» .
[سورة غافر (40): الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: حم : تقدّم القول في الحروف المقطّعة، و يختصّ هذا الموضع بقول آخر قاله الضّحّاك و الكسائيّ؛ أنّ حم هجاء (حمّ)- بضم الحاء و تشديد الميم المفتوحة-؛ كأنه يقول: حمّ الأمر و وقع تنزيل الكتاب من اللّه «3» ، و قال ابن عبّاس: الر، و حم، و ن، هي حروف الرحمن مقطّعة في سور «4» ، و سأل أعرابيّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن حم ما هو؟ فقال: بدء أسماء، و فواتح سور، و ذِي الطَّوْلِ معناه: ذي/ التطوّل و المنّ بكلّ نعمة، فلا خير إلّا منه سبحانه، فترتّب في هذه الآية وعيد بين وعدين، و هكذا رحمته سبحانه تغلب غضبه، قال* ع «5» *: سمعت هذه النزعة من أبي- رحمه اللّه- و هو نحو من قول عمر- رضي اللّه عنه-: «لن يغلب عسر يسرين» «6» * ت*: هو حديث، و الطّول: الإنعام، و عبارة البخاريّ: الطّول: التّفضّل، و حكى الثعلبيّ عن أهل الإشارة أنّه
(1) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 643)، و عزاه إلى أبي الشيخ، و أبي نعيم، و الديلمي.
(2) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 545)
(3) ذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 90)، و ابن عطية في «تفسيره» (4/ 545)
(4) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 37) برقم: (30265)، و ذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 90)، و ابن عطية في «تفسيره» (4/ 545)
(5) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 546)
(6) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 546)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج5، ص: 104
تعالى: غافر الذّنب فضلا، و قابل التّوب وعدا، شديد العقاب عدلا، لا إله إلّا هو إليه المصير فردا، و قال ابن عبّاس: الطّول: السّعة، و الغنى «1» ، و تقلب الذين كفروا في البلاد:
عبارة عن تمتّعهم بالمساكن و المزارع و الأسفار و غير ذلك، وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ أي: ليهلكوه، كما قال تعالى: فَأَخَذْتُهُمْ ، و العرب تقول للقتيل: أخذ، و للأسير كذلك؛ قال قتادة: لِيَأْخُذُوهُ معناه: ليقتلوه «2» ، و لِيُدْحِضُوا معناه ليزلقوا و يذهبوا، و المدحضة: المزلّة، و المزلقة.
و قوله: فَكَيْفَ كانَ عِقابِ : تعجيب و تعظيم، و ليس باستفهام عن كيفيّة وقوع الأمر.
[سورة غافر (40): الآيات 6 الى 9]
و قوله سبحانه: «و كذلك حقّت كلمات ربك على الذين كفروا» الآية، في مصحف ابن مسعود «و كذلك سبقت كلمة ربّك» «3» و المعنى: و كما أخذت أولئك المذكورين فأهلكتهم، فكذلك حقّت كلماتي على جميع الكفّار، من تقدّم منهم و من تأخّر أنّهم أصحاب النار.
و قوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ... الآية، أخبر اللّه سبحانه بخبر يتضمّن تشريف المؤمنين، و يعظّم الرجاء لهم، و هو أنّ الملائكة الحاملين للعرش و الذين/ حول العرش؛ و هؤلاء أفضل الملائكة يستغفرون للمؤمنين، و يسألون اللّه لهم الرحمة و الجنّة؛ و هذا معنى قوله تعالى في غير هذه الآية، كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا [الفرقان: 16] أي سألته الملائكة، قال* ع «4» *: و فسّر
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 39) برقم: (30271)، و ذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 90)، و ابن عطية في «تفسيره» (4/ 546)، و ابن كثير في «تفسيره» (4/ 70)، و السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 645)، و عزاه لابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و البيهقي في «الأسماء و الصفات».
(2) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 40) برقم: (30277)، و ذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 91) عن ابن عبّاس، و ابن عطية في «تفسيره» (4/ 547)، و السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 646)، و عزاه لعبد الرزاق، و عبد بن حميد عن قتادة.
(3) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 547)، و «البحر المحيط» (7/ 432)
(4) ينظر: «المحرر الوجيز» (547)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج5، ص: 105
في هذه الآية المجمل الذي في قوله تعالى: وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الشورى:
5]؛ لأنّ الملائكة لا تستغفر لكافر، و قد يجوز أن يقال: إنّ استغفارهم لهم بمعنى طلب هدايتهم، و بلغني أنّ رجلا قال لبعض الصالحين: ادع لي، و استغفر لي، فقال له: تب، و اتّبع سبيل اللّه يستغفر لك من هو خير منّي، و تلا هذه الآية، و قال مطرّف بن الشخّير:
وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة، و أغشّ العباد للعباد الشياطين «1» ، و تلا هذه الآية، و روى جابر؛ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: أذن لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه و عاتقه مسيرة سبعمائة سنة «2» ، قال الداوديّ: و عن هارون بن رياب قال:
حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت حسن، فأربعة يقولون: سبحانك و بحمدك على حلمك بعد علمك، و أربعة يقولون: سبحانك و بحمدك على عفوك بعد قدرتك، انتهى.
و روى أبو داود عن جابر بن عبد اللّه، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «أذن لي أن أحدّث عن ملك من ملائكة اللّه من حملة العرش، أنّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه [مسيرة] سبعمائة عام» «3» ، انتهى، و قد تقدّم.
و قولهم: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً معناه: وسعت رحمتك و علمك كلّ شيء.
و قوله: «و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم»: روي عن سعيد/ بن جبير في ذلك: أنّ الرجل يدخل الجنّة قبل قرابته، فيقول: أين أبيّ؟ أين أمّي، أين ابني، أين زوجي، فيلحقون به؛ لصلاحهم و لتنبيه عليهم، و طلبه إيّاهم، و هذه دعوة الملائكة «4» .
و قولهم: وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ معناه: اجعل لهم وقاية تقيهم السيئات، و اللّفظ يحتمل
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 43) برقم: (30284)، و ذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 93)، و ابن عطية في «تفسيره» (4/ 548)، و ابن كثير في «تفسيره» (4/ 72)، و السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 649)، و عزاه لعبد الرزاق، و عبد بن حميد عن قتادة عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير.
(2) أخرجه أبو داود (2/ 645) كتاب «السنة» باب: في الجهمية و المعتزلة (4727)، و الخطيب في «تاريخ بغداد» (10/ 194- 195) (5334).
و قال أبو نعيم في «الحلية» (3/ 158): غريب من حديث محمّد عن ابن عبّاس، لم نكتبه إلا من حديث جعفر عن ابن عجلان، و حديث جابر قد رواه عن محمّد غيره.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: رواه الطبراني في «الأوسط» و رجاله رجال «الصحيح».
(3) ينظر: المصدر السابق.