کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين

المجلد الرابع

سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة ن سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة التساؤل سورة و النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الأنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة و التين سورة اقرأ(العلق) سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس سورة الفاتحة

الفهرس

تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس تفسير سورة الفاتحة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين


صفحه قبل

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 7

الإمام العلامة المحقق جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي رحمه اللّه، و تتميم ما فاته و هو من أول سورة البقرة إلى آخر الإسراء بتتمة على نمطه من ذكر ما يفهم به كلام اللّه تعالى و الاعتماد

أن تفسير النصف الثاني قد احتوى على المعنى العزيز، و انطوى على اللفظ الوجيز، فلم ينسج أحد على منواله. قوله: (الراغبين) أي: المحبين و المريدين لتكميل هذا الكتاب بالتأليف، و تستعمل الرغبة متعدية بنفسها، و بفي في المحبة و الميل، و متعدية بعن للزهد في الشي‏ء و الكراهية له. قوله: (تفسير القرآن) المراد منه ما يعم التأويل، و الفرق بينهما أن التفسير هو التوضيح لكلام اللّه أو رسوله أو الآثار أو القواعد الأدبية العقلية، و أما التأويل فهو أن يكون الكلام محتملا لمعان فتقصره على بعضها كما في‏ وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ‏ و القرآن في اللغة مأخوذ من القرء و هو الجمع، و في الإصطلاح اللفظ المنزل على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم المتعبد بتلاوته و وصفه بالكريم، لأن نفعه ليس قاصرا بل عم الخلق جميعا في الدنيا و الآخرة. و اعلم أن المدرسين و إن تباينت مراتبهم في العلم، ثلاثة أصناف، الأول: من إذا درس آية اقتصر على ما فيها من المنقول، و أقوال المفسرين، و أسباب النزول، و المناسبة، و أوجه الإعراب، و معاني الحروف. و الثاني: من يأخذ في وجوه الإستنباط منها، و يستعمل فكره بمقدار ما آتاه اللّه من الفهم، و لا يشتغل بأقوال السابقين اعتمادا على كونها موجودة في بطون الأوراق لا معنى لذكرها. و الثالث: من يرى الجمع بين الأمرين و التحلي بالوصفين، و لا يخفى أنه أرفع الأصناف، و من هذا الصنف الجلال المحلي و الجلال السيوطي رضي اللّه عنهما و عنا بهما.

قوله: (الذي ألفه) صفة للتفسير مخصصة له. قوله: (الإمام) هو لغة المقدم و اصطلاحا من بلغ رتبة أهل الفضل. قوله: (العلامة) مبالغة في العلم، و معناه الجامع بين المعقول و المنقول بأبلغ وجه.

قوله: (المحقق) أي الآتي بأدلة على الوجه الحق. قوله: (جلال الدين) لقب له و معناه ذو جلالة في الدين أو مجل و معظم له لأنه شيده و أظهر قواعده. قوله: (محمد) هو اسمه، و قوله: (ابن أحمد) هو اسم أبيه.

قوله: (المحلي) بفتح الحاء نسبة للمحلة الكبرى مدينة من مدن مصر مشهورة ولد سنة سبعمائة و إحدى و تسعين و توفي سنة ثمانمائة و أربع و ستين، فعمره ثلاث و سبعون، و قبر قبالة باب النصر مشهور. قوله:

(الشافعي) نسبة للإمام أبي عبد اللّه محمد بن ادريس.

قوله: (و تتميم) بالرفع عطف على ما في قوله ما اشتدت إليه حاجة الراغبين، أو بالجر عطف على قوله في تكملة تفسير القرآن و ذكره، و إن علم مما قبله توطئة للأوصاف التي ذكرها بقوله على نمطه الخ، و في التعبير بالتتميم تسمح من حيث إن ما أتى به السيوطي تتميم لما أتى به المحلي لا لما فاته، إذ الذي فاته هو نفس ما أتى به السيوطي. و قوله: (و هو من أول الخ) الضمير راجع لما فاته أو للتتميم، لما علمت أن ما فاته و التتميم مصدوقهما واحد و هو تفسير السيوطي. و قوله: (من أول سورة البقرة إلخ) أي و أما الفاتحة ففسرها المحلي، فجعلها السيوطي في آخر تفسير المحلي لتكون منضمة لتفسيره، و ابتداء هو من أول البقرة. قوله: (بتتمة) متعلق بتتميم و الباء بمعنى مع، أي هذا التتميم الذي أتى به السيوطي تفسيرا للنصف الأول مصاحب لتتمة، و المراد بها ما ذكره بعد فراغه من سورة الإسراء بقوله هذا آخر ما كملت به تفسير القرآن الكريم إلخ. قوله: (على نمطه) حال من التتميم، أي حال كون هذا التتميم كائنا على نمط تفسير المحلي أي طريقته و أسلوبه. قوله: (من ذكر ما يفهم إلخ) بيان للنمط.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 8

على أرجح الأقوال و إعراب ما يحتاج إليه و تنبيه على القراءات المختلفة على وجه لطيف و تعبير وجيز و ترك التطويل بذكر أقوال غير مرضية و أعاريب محلها كتب العربية، و اللّه أسأل النفع به في الدنيا و أحسن الجزاء عليه في العقبى بمنه و كرمه.

قوله: (و الاعتماد) بالجر عطف على ذكر أي و الإقتصار على أرجح الأقوال، و كذا قوله و إعراب و تنبيه إلخ. قوله: (و تنبيه إلخ) نكر هذا المصدر دون ما قبله، إشارة إلى قلة التنبيه المذكور و إنه لم ينبه على جميع القراءات المختلفة. قوله: (المختلفة) أي المتنوعة و تنوعها من سبعة أوجه، لأنه إما من حيث الشكل فقط كالبخل و البخل قرئ بهما و المعنى واحد، و إما من حيث المعنى فقط نحو: (فتلقى آدم من ربه كلمات)، برفع آدم و نصب كلمات و عكسه قرى‏ء بهما أيضا، و إما من حيث اللفظ و المعنى و صورة الحرف واحدة نحو (تبلوا كل نفس) و تتلو قرئ بهما و صورة الباء و التاء واحدة بقطع النظر عن النقط، و إما أن يكون الاختلاف في صورة الحرف لا في المعنى كسراط و صراط، و إما من حيث اللفظ و المعنى و صورة الحرف نحو فاسعوا و امضوا قرى‏ء بهما، و إما من حيث الزيادة و النقص كأوصى و وصى، و إما من حيث التقديم و التأخير كيقتلون و يقتلون بتقديم المبني للفاعل على المبني للمفعول و بالعكس. قوله: (على وجه لطيف) متعلق بالمصادر الأربعة قبله و المراد باللطيف هنا القصير فعطف قوله و تعبير وجيز للتفسير.

قوله: (و ترك التطويل) معطوف على وجه لطيف و هو تصريح بما علم من قوله، و تعبير وجيز إذ يلزم من كونه وجيزا أن لا يكون طويلا. قوله: (بذكر أقوال) متعلق بتطويل و قوله: (غير مرضية) أي عند المفسرين. قوله: (و أعاريب) معطوف على أقوال. قوله: (و اللّه أسأل النفع به) أي بالتتميم المذكور.

قوله: (بمنه و كرمه) الباء فيه للتوسل أي أتوسل إليه بصفتيه العظيمتين؛ و هما منه الذي هو تفضله على عباده بالعطايا، و كرمه الذي هو إيصال فضله للبار و الفاجر.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 9

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة البقرة

مدنية و آياتها ستّ و ثمانون و مائتان‏ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة البقرة مدنية مائتان و ست أو سبع و ثمانون آية قوله: (سورة البقرة إلخ) مبتدأ و (مدنية) خبر أول و (مائتان) الخ خبر ثان، و يؤخذ من هذا أن تسميتها بما ذكر غير مكروه، خلافا لمن قال بذلك و ادعى أنه إنما يقال السورة التي تذكر فيها البقرة، و أسماء السور توقيفية و كذا ترتيبها على التحقيق كما تقدم، و السورة مأخوذة من سور البلد، لارتفاع رتبتها و إحاطتها و هي طائفة من القرآن لها أول و آخر و ترجمة باسم خاص بها بتوقيف كما سبق، و الراجح أن المكي ما نزل قبل الهجرة و لو في مكة، و المدني ما نزل بعد الهجرة و لو في غير المدينة، قوله: (و ثمانون آية) قيل: أصلها أبية قلبت عينها ألفا على غير قياس، و هي في العرف طائفة من كلمات القرآن متميزة بفصل و قد تكون كلمة مثل: و الفجر و الضحى و العصر و كذا: الم و طه و يس و نحوهما عند الكوفيين و غيرهم لا يسميها آيات بل يقول هي فواتح السور و عن أبي عمرو الداني لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى: (مُدْهامَّتانِ) .

فائدة:- قال ابن العربي: سورة البقرة فيها ألف أمر و ألف نهي و ألف حكم و ألف خبر أخذها بركة و تركها حسرة لا تستطيعها البطلة و هم السحرة إذا قرئت في بيت لم تدخله مردة الشياطين ثلاثة أيام-.

و روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر و إن الشياطين يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» و عنه في رواية: «لكل شي‏ء سنام و سنام القرآن سورة البقرة» و في رواية: «سيدة أي القرآن، آية الكرسي».

فائدة أخرى: في الكلام على الاستعاذة و لفظها المختار أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم عند مالك و أبي حنيفة و الشافعي لقوله تعالى: (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) و قال أحمد: الأولى أن يقول أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم جمعا بين هذه الآية و آية فاستعذ باللّه إنه هو السميع العليم. و قال الثوري و الأوزاعي: الأولى أن يقول أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم إن اللّه هو السميع العليم، فاتفق الجمهور على أنه يستحب لقارئ القرآن خارج الصلاة أن يتعوذ، و حكي عن عطاء

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 10

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ الم‏ (1) اللّه أعلم بمراده بذلك، ذلِكَ‏ أي هذا

وجوبها. و قال ابن سيرين: إذا تعوذ الرجل في عمره مرة واحدة كفى في إسقاط الوجوب. و وقت الإستعاذة قبل القراءة عند الجمهور. و حكي عن النخعي أنه بعد القراءة، و هو قول داود و أحد الروايتين عن ابن سيرين، و معنى أعوذ باللّه ألتجى‏ء اليه و أتحصن به مما اخشاه، و الشيطان أصله من شطن أي بعد عن الرحمة و قيل من شاط بمعنى احترق و هو اسم لكل عات من الأنس و الجن، و الرجيم فعيل بمعنى فاعل أي راجم بالوسوسة و الشر، و قيل بمعنى مفعول أي مرجوم بالشهب عند استراق السمع أو بالعذاب أو مطرود عن الرحمة و الخيرات، فحكمة الاستعاذة تطهير القلب من كل شي‏ء يشغل عن اللّه تعالى، فإن في تعوذ العبد باللّه إقرارا بالعجز و الضعف و اعترافا بقدرة الباري و أنه الغنى القادر على دفع المضرات و إن الشيطان عدو مبين و قد دخل منه في الحصن الحصين.

قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) اختلف الأئمة في كون البسملة من الفاتحة و غيرها من السور سوى سورة براءة، فذهب الشافعي و جماعة من العلماء إلى أنها آية من الفاتحة و من كل سورة ذكرت في أولها سوى سورة براءة، و قال به جماعة من الصحابة، و ذهب الأوزاعي و مالك و أبو حنيفة إلى أن البسملة ليست آية من الفاتحة، و زاد أبو داود و لا من غيرها من السور و إنما هي بعض آية في سورة النمل و إنما كتبت للفصل و التبرك، قال مالك و يكره استفتاح صلاة الفرض بها، و اختلفت الرواية عن أحمد في كونها في الفاتحة أو لا و الأحسن أن يقدر متعلق الجار هنا قولوا، لأن هذا المقام مقام تعليم صادر عن حضرة الرب تعالى.

قوله: (الم) : اعلم أن مجموع الأحرف المنزلة في أوائل السور أربعة عشر حرفا و هي نصف حروف الهجاء، و قد تفرّقت في تسع و عشرين سورة: المبدوء بالألف و اللام منها ثلاث عشرة، و بالحاء و الميم سبعة، و بالطاء أربعة، و بالكاف واحدة، و بالباء واحدة، و بالصاد واحدة، و بالقاف واحدة، و بالنون واحدة، و بعض هذه الحروف المبدوء بها أحادي و بعضها ثنائي و بعضها ثلاثي و بعضها رباعي و بعضها خماسي و لا تزيد. قوله: (اللّه أعلم بمراده بذلك) أشار بهذا إلى أرجح الأقوال في هذه الأحرف التي ابتدأ بها تلك السور، و هو أنها من المتشابه جريا على مذهب السلف القائلين باختصاص اللّه تعالى بعلم المراد منه، و على هذا فلا محل لها من الإعراب، لأنه فرع إدراك المعنى فلا يحكم عليها بإعراب و لا بناء و لا بتركيب مع عامل، و مقابل هذا أقوال: قيل إنها اسماء للسور التي ابتدئت بها، و قيل اسماء للقرآن، و قيل للّه تعالى، و قيل كل حرف منها مفتاح اسم من اسمائه تعالى، أي جزء من اسم، فالألف مفتاح لفظ الجلالة، و اللام مفتاح اسم لطيف، و الميم مفتاح اسم مجيد، و هكذا، و قيل كل حرف منها يشير إلى نعمة من نعم اللّه، و قيل إلى ملك، و قيل إلى نبي، و قيل الألف تشير إلى آلاء اللّه، و اللام إلى لطف اللّه، و الميم إلى ملك اللّه، و على هذه الأقوال فلها محل من الإعراب، فقيل الرفع، و قيل النصب، و قيل الجر، فالرفع على أحد وجهين، إما بكونها مبتدأ، و إما بكونها خبرا، و النصب على أحد وجهين أيضا: إما باضمار فعل لائق تقديره اقرؤوا مثلا و إما باسقاط حرف القسم كقول الشاعر:

إذا ما الخبز تأدمه بلحم‏

فذاك أمانة اللّه الثريد

يريد و أمانة اللّه و الجر بوجه واحد و هو أنها مقسم بها حذف حرف القسم و بقي عمله، أجاز ذلك الزمخشري و إن كان ضعيفا لأن ذلك من خصائص الجلالة المعظمة لا يشاركها فيه غيرها.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 11

الْكِتابُ‏ الذي يقرؤه محمد لا رَيْبَ‏ لا شك‏ فِيهِ‏ أنه من عند اللّه و جملة النفي خبر مبتدؤه ذلك و الإشارة به للتعظيم‏ هُدىً‏ خبر ثان أي هاد لِلْمُتَّقِينَ‏ (2) الصائرين إلى التقوى بامتثال‏

قوله: (ذلِكَ) اسم الإشارة مبتدأ و اللام للبعد و الكاف حرف خطاب و الكتاب نعت لاسم الإشارة أو عطف بيان و جملة لا ريب فيه خبر كما قال المفسر. قوله: (أي هذا) أشار بذلك إلى أن حق الإشارة أن يؤتى بها للقريب و سيأتي الجواب عنه. قوله: (الكتاب) بمعنى المكتوب و هو القرآن، إن قلت إن القرآن قريب فلا يشار له بإشارة البعيد، أجاب المفسر بقوله و الإشارة به للتعظيم، أي و القرآن و إن كان قريبا منا إلا أنه مرفوع الرتبة و عظيم القدر من حيث إنه منزه عن كلام الحوادث، و ذلك كمناداة المولى سبحانه و تعالى بيا التي ينادي بها البعيد مع كونه أقرب إلينا من حبل الوريد، لكونه سبحانه منزها عن صفات الحوادث، فنزل تنزهه عن الحوادث منزلة بعدنا عنه، و الكتاب في الأصل مصدر يطلق بمعنى الجمع.

قوله: (الذي يقرؤه محمد) أي و هو القرآن احترز بذلك عن باقي الكتب السماوية. قوله: (لا شك) هذا أحد معان ثلاثة و الثاني النهمة و الثالث القلق و الإضطراب و كلها منزه عنها القرآن لخروجه عن طاقة البشر، قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى‏ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) الآية.

إن قلت إن قوله تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ‏ خبر و هو لا يتخلف، مع أن بعض الكفار ارتاب فيه حيث قالوا:

سحر و كهانة و أساطير الأولين إلى غير ذلك، أجيب بأجوبة أحسنها أن قوله: لا رَيْبَ فِيهِ‏ أي لمن أذعن و أقام البرهان و تأمل، فلا ريب فيه للعارفين المنصفين، و أما من عاند فلا يعتد به، (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل) و منها أن معنى قوله: لا رَيْبَ فِيهِ‏ أي لا ينبغي أن يرتاب فيه لقيام الأدلة الواضحة على كونه من عند اللّه. و منها أن المعنى‏ لا رَيْبَ فِيهِ‏ أي للمؤمنين، و أما الكافرون فلا يعتد بهم، فالجواب الأول عام، فمن تأمل لا يحصل له ريب مسلما أو كافرا أو جحده بعد ذلك عنادا، و الجواب الثاني أنه نفي بمعنى النهي، و الثالث خاص بالمسلم. قوله: (أنه من عند اللّه) بفتح الهمزة بدل من الضمير في قوله: فِيهِ‏ و يدل على قوله تعالى في الآية الأخرى‏ لا رَيْبَ فِيهِ‏ من‏ رَبِّ الْعالَمِينَ* . قوله: (و الإشارة به للتعظيم) تقدم أن هذا الجواب عن سؤال مقدر، إن قلت إنه لا يشار إلا المحسوس أو الإشارة لما في المصاحف أو اللوح المحفوظ.

قوله: (هدى) أي رشاد و بيان، و هو مصدر إما بمعنى اسم الفاعل و هو الذي اقتصر عليه المفسر أي مرشد و مبين، و الإسناد له مجاز عقلي من الإسناد للسبب أو ذو هدى أو بولغ فيه حتى جعل نفس الهدى على حد: زيد عدل. قوله: (للمتقين) إن قلت إن القرآن هدى بمعنى مبين طريق الحق من الباطل للناس مؤمنهم و كافرهم فلم خص المتقين؟ أجيب بأنه خصهم بالذكر لكونهم انتفعوا بثمرته عاجلا و آجلا و هذا إن أريد به البيان حصل وصول للمقصود أم لا، و أما إن أريد به الوصول للمقصود فالتخصيص ظاهر، و أصل متقين متقيين استثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت الياء فالتقى ساكنان حذفت الياء لإلتقاء الساكنين. قوله: (الصائرين إلى التقوى) اشار بذلك إلى أن في الكلام مجاز الأول أي المتقين في علم اللّه أو من يؤول إلى كونهم متقين، فهو جواب عن سؤال مقدر حاصله أنهم إذا كانوا متقين فهم مهتدون فلا حاجة له. قوله: (بامتثال الأوامر) يصح أن تكون سببية أو للتصوير. و قوله: (و اجتناب النواهي) عطف عليه، و المعنى أن امتثال الأوامر على حسب الطاقة و اجتناب النواهي جميعها سبب للتقوى أو هي مصورة بذلك. قوله: (لاتقائهم) علة لتسميتهم متقين. قوله: (بذلك) أي المذكور و هو امتثال الأوامر و اجتناب‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 12

الأوامر و اجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ‏ يصدقون‏ بِالْغَيْبِ‏ بما غاب عنهم من البعث و الجنة و النار وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ أي يأتون بها بحقوقها وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ‏ أعطيناهم‏ يُنْفِقُونَ‏ (3) في طاعة اللّه‏ وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ أي القرآن‏ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ‏

النواهي، و هذا إشارة إلى تقوى الخواص و تحتها تقوى العوام و هي تقوى الشرك و فوقها تقوى خواص الخواص و هي تقوى ما يشغل عن اللّه. قال العارف:

و لو خطرت لي في سواك إرادة

على خاطري يوما حكمت بردتي‏

و الآية في حد ذاتها شاملة للمراتب الثلاث.

قوله:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ‏ هذا تفصيل لبعض صفات المتقين و خصها لأنها أعلى الأوصاف، و هو في محل جر صفة للمتقين، أو رفع خبر لمحذوف، أو نصب مفعول لمحذوف، و يصح أن يكون مستأنفا مبتدأ خبره قوله: أُولئِكَ عَلى‏ هُدىً‏ ، و على هذا فالوقف على المتقين تام لعدم ارتباطه بما بعده، و على الإعراب الأول فهو حسن لأنه رأس آية و إن كان له ارتباط بما بعده. قوله: (بما غاب) أشار بذلك إلى إطلاق المصدر و إرادة اسم الفاعل، و ما غاب عنا قسمان ما دل عليه عقلي أو سمعي، كالجنة و النار و الملائكة و العرش و الكرسي و اللوح و القلم و المولى سبحانه و تعالى و صفاته، و ما لم يدل عليه كالساعة و وقت نزول المطر، و ما في الأرحام و باقي الخمسة المذكورة في الآية. و أما الشهادة فهي ما ظهر لنا حسا أو عقلا ببداهة العقل كالواحد نصف الأثنين و أن الجرم متحيز. قوله: (من البعث إلخ) بيان لما. و قوله:

(و الجنة و النار) عطف عليه، أي و نحو ذلك مما قام لنا الدليل عليه، و يحتمل أن يبقى الغيب على مصدريته و الباء متعلقة بمحذوف حال أي إيمانا ملتبسا بحالة الغيبة، ففيها بيان لحال المؤمنين الخالصين و تعريض لحال المنافقين، فإنهم كانوا يؤمنون ظاهرا فقط، فمدح اللّه من يؤمن في حال غيبته عن كل أحد كما يؤمن ظاهرا، و يحتمل أن المراد بالغيب القلب سمي بذلك لخفائه أي يؤمنون بحالة السر و هو الإيمان القلبي، فالمصدر باق على حاله و فيه رد على المنافقين أيضا حيث قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

قوله: وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ إما مأخوذة من الصلاة اللغوية بمعنى الدعاء لأنها مشتملة عليه في الركوع و السجود و عليه فأصلها صلوة تحركت الواو و انفتح ما قبلها قلبت ألفا، و قيل من الوصلة لأنها وصلة بين العبد و بين ربه، و عليه فأصلها وصلة قلبت ألفا مكانيا فصار صلوة تحركت الواو و انفتح ما قبلها قلبت ألفا. و قوله: يُقِيمُونَ‏ من قومت العود عدلته. قوله: (أي يأتون بها بحقوقها) أي الظاهرية كالشروط و الآداب و الأركان، و الباطنية كالخشوع و الخضوع و الإخلاص. قوله: وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ‏ فيه حذف نون من التبعيضية لفظا و خطا لإدغامها في ما الموصولة، و رزقنا صلة الموصول و نا فاعل و الهاء مفعول أول و حذف المفعول الثاني فيصح تقديره متصلا أي رزقناهموه، أو منفصلا أي رزقناهم إياه على حد قول ابن مالك وصل أو افصل هاء سلنيه. قوله: (أعطيناكم) أشار بذلك إلى أن الرزق معناه الملك، و ليس المراد به الرزق الحقيقي، إذ لا يتأتى تعديه لغيره و قدم الجار و المجرور للإهتمام. قوله: يُنْفِقُونَ‏ إي إنفاقا واجبا كالزكاة و النفقة على الوالدين و العيال، أو مندوبا كالتوسعة على العيال و مواساة الأقارب و الفقراء. قوله:

(في طاعة اللّه) في تعليله أي من أجل طاعة اللّه لا رياء و لا سمعة، قال اللّه تعالى: (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) .

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 13

قَبْلِكَ‏ أى التوراة و الإنجيل و غيرهما وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏ (4) يعلمون‏ أُولئِكَ‏ الموصوفون بما ذكر عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ (5) الفائزون بالجنة الناجون من النار إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا كأبي جهل و أبي لهب و نحوهما سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ‏ بتحقيق الهمزتين و إبدال الثانية ألفا

قوله: (وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) معطوف على الموصول الأول و هو نوع آخر للمتقين، فإنها أنزلت فيمن كان آمن بعيسى و أدرك النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كعبد اللّه بن سلام و عمار بن ياسر و سلمان و النجاشي و غيرهم. و أما النوع الأول فهم مشركو العرب الذين لم يرسل لهم غيره صلّى اللّه عليه و سلّم فنزلت فيهم الآية الأولى. قوله: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ نزل المستقبل منزلة الماضي لتحقق الوقوع لأنه لم يكن تم نزوله. قوله: وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ‏ أي فلم يفرقوا بين الأنبياء بحيث يؤمنون ببعض و يكفرون ببعض. قوله: وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏ قدم الجار و المجرور لإفادة الحصر و أتى بالجملة الأسمية لأنه أعلى من الإنفاق. قوله: (يعلمون) أي علما لا شك فيه و لا ريب، و لذا اتصف مولانا بالعلم و لم يتصف باليقين، و فيه رد على من أنكر الآخرة ممن لم يؤمن بمحمد.

قوله: أُولئِكَ‏ (الموصوفون بما ذكر) إنا قلنا إن قوله الذين يؤمنون الخ وصف للمتقين كان ما هنا مبتدأ و خبرا بيان لعاقبة المتقين و إن قلنا إنه مستأنف مبتدأ كان ما هنا خبره. قوله: عَلى‏ هُدىً‏ عبر بعلى إشارة إلى تمكنهم من الهدى كتمكن الراكب من المركوب. قوله: (الناجون من النار) أي ابتداء و انتهاء، و عطف الجملتين إشارة إلى تغايرهما و أن كلا غاية في الشرف، و أن الثانية مسببة على الأولى.

قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا جرت عادة اللّه سبحانه و تعالى في كتابه أنه إذا ذكر بشرى المؤمنين يذكر بلصقها وعيد الكافرين، فذكر حال الكافرين ظاهرا و باطنا، و ثم ذكر حال الكافرين باطنا و هم المنافقون، و أنهم أسوأ حالا من الكافرين ظاهرا و باطنا، و إن حرف توكيد و نصب و الذين كفروا اسمها و جملة لا يؤمنون خبرها، و جملة سواء عليهم أ أنذرتهم أم لم تنذرهم معترضة بين اسم إن و خبرها، و إعرابها أن تقول على المشهور سواء اسم مصدر مبتدأ بمعنى مستو، و سوغ الإبتداء به تعلق الجار و المجرور به، و أ أنذرتهم أم لم تنذرهم مؤول بمفرد خبر تقديره مستو عليهم إنذارك و عدمه، و هو فعل مسبوك بلا سابك، إن قلت إن خبر المبتدأ إذا وقع جملة لا بدله من رابط. اجيب بأن الخبر عن المبتدأ في المعنى و هو يكفي في الربط، و أجيب أيضا بأن محل الإحتياج للرابط ما لم يؤول الخبر بمفرد و إلا فلا يحتاج للرابط، و قولهم لا بد للفعل من سابك اغلبي و يصح العكس، و هو أن الجملة مبتدأ مؤخر و سواء خبر مقدم.

قوله: (و نحوهما) أي من كفار مكة الذين سبق علم اللّه بعدم ايمانهم، و الحكمة في إخبار اللّه نبيه بذلك ليريح قلبه من تعلقه بإيمانهم فلا يشغل بهدايتهم و لا تأليفهم، و يحتمل أن ذلك إعلام من اللّه لنبيه بمن كفر من أول الزمان إلى آخره لأنه أطلعه على النار و على أعد لها من الكفار، و الحكمة في عدم الدعاء منه عليهم مع علمه بأنه يستحيل إيمانهم أنه يرجو الإيمان من ذريتهم. قوله: (بتحقيق الهمزتين) أي مع مدة بينهما مدا طبيعيا و تركه فهما قراءتان. قوله: (و إبدال الثانية ألفا) أي مدا لازما و قدره ست حركات. و قوله:

صفحه بعد