کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين

المجلد الرابع

سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة ن سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة التساؤل سورة و النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الأنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة و التين سورة اقرأ(العلق) سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس سورة الفاتحة

الفهرس

تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس تفسير سورة الفاتحة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين


صفحه قبل

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 85

و هو اسمها على الأولى‏ أَنْ أَوْحَيْنا أي إيحاؤنا إِلى‏ رَجُلٍ مِنْهُمْ‏ محمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ أَنْ‏ مفسرة أَنْذِرِ خوف‏ النَّاسَ‏ الكافرين بالعذاب‏ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَ‏ أي بأن‏ لَهُمْ قَدَمَ‏ سلف‏ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ أي أجرا حسنا بما قدموه من الأعمال‏ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا القرآن المشتمل على ذلك‏ لَساحِرٌ مُبِينٌ‏ (2) بين و في قراءة لساحر و المشار إليه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم‏ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏ من أيام الدنيا في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس و لا قمر و لو شاء لخلقهن فى لمحة، و العدول عنه لتعليم خلقه التثبت‏ ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ‏ استواء يليق به‏ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ بين الخلائق‏ ما مِنْ‏ زائدة شَفِيعٍ‏ يشفع لأحد إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ‏ رد لقولهم إن الأصنام تشفع لهم‏ ذلِكُمُ‏ الخالق المدبر اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ‏ و حدوه‏

(بالرفع اسمها) هذه القراءة شاذة، فكان المناسب للمفسر أن ينبه عليها. قوله: (و الخبر) مبتدأ، و جملة أَنْ أَوْحَيْنا خبره، و قوله: (و هو اسمها على الأولى) اعتراض من بين المبتدأ و الخبر. قوله: (مفسرة) أي بمعنى (أي) و ضابطها أن يتقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه. قوله: أَنْذِرِ (الناس) أي إن استمروا على الكفر. قوله: قَدَمَ صِدْقٍ‏ من إضافة الموصوف للصفة، و سمي الأجر الحسن‏ قَدَمَ صِدْقٍ‏ لأن الخير قد سبق لهم عند اللّه، و الشأن أن السعي يكون بالقدم، فسمي المسبب باسم السبب، كما سميت النعمة يدا، لأنها تعطى بها. قوله: (أجرا حسنا) هذا أحد أقوال في تفسير قوله: قَدَمَ صِدْقٍ‏ و هو لابن عباس، و قيل هو الأعمال الصالحة، و قيل شفاعة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و قيل السعادة المكتوبة لهم أزلا في اللوح المحفوظ، و قيل منزلة رفيعة في الجنة، و كل هذه التفاسير ترجع إلى ما قاله المفسر.

قوله: قالَ الْكافِرُونَ‏ أي حيث رد عليهم في تعجبهم بأبلغ رد. قوله: (المشتمل على ذلك) أي الإنذار و التبشير. قوله: (و في قراءة) أي و هي سبعية أيضا. قوله: (المشار إليه) أي من القراءة الثانية.

قوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ‏ هذا رد عليهم في تعجبهم، و المعنى لا ينبغي لكم التعجب من إرسال الرسول.

لأن‏ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ إلخ، فمن كان قادرا على ذلك، فلا يستغرب عليه إرسال رسول. قوله: (أي في قدرها) جواب عن قوله: (لم يكن ثم شمس) إلخ. قوله: (لتعليم خلقه التثبت) أي التأني و التمهل في الأمور، و تخصيص الستة بذلك، و لم تكن أقل و لا أكثر مما استأثر اللّه بعلمه. قوله: (استواء يليق به) هذه طريقة السلف في تفويض علم المتشابه إلى اللّه تعالى، و طريقة الخلف، يؤولونه بالاستيلاء و القهر و التصرف، و إلى هاتين الطريقتين أشار صاحب الجوهرة بقوله:

و كل نص أوهم التشبيها

أوله أو فوض ورم تنزيها

فالاستواء كما يطلق على الركوب، يطلق على الاستيلاء، و هو المراد هنا، و منه قول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق‏

من غير سيف و دم مهراق‏

قوله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ أي يتصرف في الخلائق بأسرها، و لا يشغله شأن عن شأن. قوله: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ‏ أي لا يشفع أحد عنده، إلا أن يأذن له في الشفاعة. قوله: رَبَّكُمُ‏ أي‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 86

أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ (3) بادغام التاء في الأصل في الذال‏ إِلَيْهِ‏ تعالى‏ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا مصدران منصوبان بفعلهما المقدر إِنَّهُ‏ بالكسر استئنافا و الفتح على تقدير اللام‏ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ‏ أي بدأه بالإنشاء ثُمَّ يُعِيدُهُ‏ بالبعث‏ لِيَجْزِيَ‏ يثيب‏ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ‏ ماء بالغ نهاية الحرارة وَ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ مؤلم‏ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ‏ (4) أي بسبب كفرهم‏ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ذات ضياء أي نور وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ‏ من حيث سيره‏ مَنازِلَ‏ ثمانية و عشرون منزلا في ثمان و عشرين ليلة من كل شهر و يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما أو ليلة إن كان تسعة و عشرين يوما لِتَعْلَمُوا بذلك‏ عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ‏ المذكور إِلَّا بِالْحَقِ‏ لا عبثا،

خالقكم و مربيكم. قوله: (بإدغام التاء في الأصل) أي فأصله تتذكرون، قلبت التاء ذالا، و أدغمت في الذال.

قوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً رد على منكري البعث قالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا، نموت و نحيا، و ما يهلكنا إلا الدهر. قوله: (بفعلهما المقدر) أي وعدكم وعدا، و حقه حقا. قوله: (بالكسر) أي و هي القراءة السبعية. قوله: (و الفتح) أي و هي شاذة، فكان عليه أن ينبه عليها. قوله: بِالْقِسْطِ أي العدل المصحوب بالفضل، أو المراد بالقسط: عدل العبيد، بامتثالهم المأمورات، و اجتنابهم المنهيات، فتكون الباء سببية.

قوله: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا غاير الأسلوب، إشارة إلى أنهم مستحقون العذاب بسبب أعمالهم، و أما المؤمنون فثوابهم بفضل اللّه، و إلى أن المقصود من البدء و الإعادة إنما هو الثواب، و أما العقاب، فكأنه عرض للكفار من سوء اعتقادهم و أفعالهم. قوله: وَ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ أي غير الشراب. قوله: (أي بسبب كفرهم) أشار بذلك إلى أن الباء سببية، و ما مصدرية.

قوله: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً هذا من جملة أدلة توحيده. قوله: (ذات ضياء) أشار بذلك إلى أن ضياء مصدر، و يحتمل أنه جمع ضوء، و المعنى ذات أضواء كثبرة، و الضوء النور القوي العظيم، فهو أخص من مطلق نور، و قيل الضياء ما كان ذاتيا، و النور ما كان مكتسبا من غيره، فما قام بالشمس يقال له ضياء، و ما قام بالقمر يقال له نور. اعلم أن الشعاع الفائض من الشمس: قيل جوهر، و قيل عرض، و الحق أنه عرض لقيامه بالإجرام. قوله: وَ الْقَمَرَ معطوف على‏ الشَّمْسَ‏ ، و نُوراً على‏ ضِياءً ففيه العطف على معمولي عامل واحد، و هو جائز بلا خلاف.

قوله: وَ قَدَّرَهُ‏ الضمير عائد على‏ الْقَمَرَ فقط، و خص بالذكر و إن كانت الشمس لها منازل أيضا، لأن سير القمر في المنازل أسرع، و به يعرف انقضاء الشهور و السنين، لأن المعتبر في مثل الصيام و الحج السنة القمرية، و يحتمل أن الضمير عائد على كل من الشمس و القمر، و أفرد باعتبار ما ذكر، و الأقرب الأول. قوله: (ثمانية و عشرون منزلا) أي و هي منقسمة على اثني عشر برجا، و هي: الحمل و الثور و الجوزاء و السرطان و الأسد و السنبلة و الميزان و العقرب و القوس و الجدي و الدلو و الحوت، لكل برج منزلان و ثلث، فيكون إقامته في كل برج ستة و خمسين ساعة، و انتقالات الشمس في هذه الأبراج مرتبة على الشهور القبطية، لكن الشهر: نصفه الأول من آخر برج، و نصفه الآخر من أول برج آخر، فيكون نصفه الأول من نصف السنبلة الأخيرة، و نصفه الأخير من نصف الميزان الأول، و هكذا. قوله: (و يستتر

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 87

تعالى عن ذلك نفصل بالياء و النون‏ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ (5) يتدبرون‏ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ بالذهاب و المجي‏ء و الزيادة و النقصان‏ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ‏ من ملائكة و شمس و قمر و نجوم و غير ذلك‏ وَ في‏ الْأَرْضِ‏ من حيوان و جبال و بحار و أنهار و أشجار و غيرها لَآياتٍ‏ دلالات على قدرته تعالى‏ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ‏ (6) فيؤمنون، خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا بالبعث‏ وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا بدل الآخرة لإنكارهم لها وَ اطْمَأَنُّوا بِها سكنوا إليها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا دلائل وحدانيتنا غافِلُونَ‏ (7) تاركون للنظر فيها أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ (8) من الشرك و المعاصي‏ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ‏ يرشدهم‏ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ به بأن يجعل لهم نورا يهتدون به يوم‏

ليلتين) أي لا يرى، و إن كان سائرا.

قوله: لِتَعْلَمُوا هذا هو حكمة التقدير. قوله: وَ الْحِسابَ‏ معطوف على عدد مسلط عليه تعلموا، و لا يجوز جره عطفا على السنين، لأن الحساب لا يعلم عدده، و لذا سئل أبو عمرو عن الحساب، أتنصبه أم تجره؟ فقال: و من يدري ما عدد الحساب؟ كناية عن كونه لا يجوز جره. قوله: (المذكور) أي من كونه‏ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً . قوله: (بالياء و النون) أي فهما قراءتان سبعيتان، و على النون فيه التفات من الغيبة إلى التكلم. قوله: لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ خصوا بالذكر، لأنهم هو المنتفعون بذلك.

قوله: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أي في كون أحدهما يخلف الآخر و يعقبه. قوله:

(بالذهاب و المجي‏ء) تصوير للاختلاف. قوله: (و الزيادة و النقصان) أي فكل واحد يزيد بقدر ما نقص من الآخر.

قوله: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي لا يخافونه و لا يؤمنون به. قوله: وَ اطْمَأَنُّوا بِها أي فعلوا فعل المخلدين فيها.

قوله: أُولئِكَ‏ مبتدأ، و مَأْواهُمُ‏ مبتدأ ثان، و النَّارُ خبر الثاني، و الثاني و خبره الأول، و الجملة خبر إِنَ‏ . قوله: بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ أي بسبب كسبهم. قوله:

(من الشرك و المعاصي) بيان لقوله: يَكْسِبُونَ‏ .

قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا هذا مقابل قوله: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا إلخ. و إِنَ‏ حرف توكيد و نصب، و الَّذِينَ‏ اسمها، و آمَنُوا صلته، و جملة يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ‏ خبر إِنَ‏ قوله:

آمَنُوا أي صدقوا باللّه و رسوله و اليوم الآخر، و القدر خيره و شره، حلوه و مره. قوله: وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ أي الأعمال المرضية للّه و رسوله. قوله: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ‏ أي يوصلهم لدار السعادة و حذف المعمول للعلم به. قوله: بِإِيمانِهِمْ‏ أي بسبب تصديقهم باللّه و رسله، أي و بسبب أعمالهم الصالحة أيضا، فالإيمان و الأعمال الصالحة، سببان موصلان لدار السعادة، أو المراد بالإيمان الكامل، ليشمل الأعمال. قوله: (بأن يجعل لهم نورا يهتدون) أي و تصور لهم الأعمال الصالحة بصورة حسنة، عند خروجهم من القبور، و تقول لصاحبها: كنت أسهرك في الدنيا، و أتعبك فيها، فاركب على ظهري، و ذلك قوله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً بخلاف الكافر، فيحشر يوم القيامة أعمى، لا يهتدي إلى مقصوده، و يأتيه عمله السيى‏ء فيقول له: كنت متلذذا بي في الدنيا، فأنا أركبك اليوم، و ذلك قوله تعالى: وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى‏ ظُهُورِهِمْ‏ .

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 88

القيامة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏ (9) دَعْواهُمْ فِيها طلبهم لما يشتهونه في الجنة أن يقولوا سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ أي يا اللّه فإذا ما طلبوه بين أيديهم‏ وَ تَحِيَّتُهُمْ‏ فيما بينهم‏ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ‏ مفسرة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (10) و نزل لما استعجل المشركون العذاب‏ وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ‏ أي كاستعجالهم‏ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ‏ بالبناء

قوله: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏ أي بساتين التنعم، و هذا الاسم يطلق على جميع الجنات، و المعنى أن المؤمنين العاملين للصالحات يوصلهم ربهم لدار كرامته و محل سعادته، تجري الأنهار بجانب قصورهم، ينظرون إليها من أعلى أماكنهم. قوله: (طلبهم لما يشتهونه في الجنة أن يقولوا) إلخ، أي فهذه الكلمة علامة بين أهل الجنة و الخدم في جميع ما يطلبونه، فإذا أرادوا الأكل مثلا قالوا سبحانك اللهم، فيأتونهم بالطعام على الموائد، كل مائدة ميل في ميل، في كل مائدة سبعون ألف صحفة، في كل صحفة لون من الطعام، لا يشبه بعضها بعضا، فإذا فرغوا من الطعام، و حمدوا اللّه على ما أعطاهم، و ذلك قوله:

(و آخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين) و المراد بما يشتهونه في الجنة، ما كان محمودا في الدنيا، فلا يقال:

إن نفوس الفساق قد تشتهي اللواط مثلا فيفيد أنه يحصل في الجنة، لأنه يقال: المراد بما يشتهونه، ما ليس بشهوات شيطانية لأنهم عصموا منا بالموت، فلا تخطر ببالهم في الجنة، و لا يميل إليهم طبعهم، و كذلك يقال في شهوة المحارم، كالأم و البنت، و أيضا أهل الجنة، لا أدبار لهم، و لا يتغوطون فيها، لما في الحديث: «أهل الجنة يأكلون فيها و يشربون و لا يتفلون، و لا يبولون، و لا يتغوطون، و لا يتمخطون، قالوا فما بال الطعام؟ قال: جشاء، و رشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح و التحميد كما يلهمون النفس.

قوله: وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ‏ التحية ما يحيا به الإنسان من الكلام الطيب. قوله: (فيما بينهم) أي أو تحية الملائكة لهم. قال تعالى: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ‏ أو تحية اللّه لهم.

قال تعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ‏ . قوله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ‏ أي خاتمة تسبيحهم في كل مجلس أن يقولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ و ليس معناه انقطاع الحمد، فإن أقوال أهل الجنة و أحوالها لا آخر لها. قوله: (مفسرة) اعترض بأن ضابط المفسرة مفقود هنا، إذ ضابطها أن يتقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه، و هنا تقدمها مفرد، فكان المناسب أن يقول مخففة من الثقيلة، و يكون اسمها ضمير الشأن، و جملة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ خبرها.

قوله: أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي فأهل الجنة يبتدئون مطالبهم بالتسبيح، و يختمونها بالتحميد. فتلذذهم بالأكل و الشرب و سائر النعيم لا يشغلهم عن ذكر اللّه و شكره. قوله: (و نزل لما استعجل المشركون العذاب) أي لما بين اللّه سبحانه و تعالى، أن يجيب الداعي بالخير. أدب عباده بأنهم لا يطلبون الشر، بل يطلبون الخير فيعطون، و قوله: (لما استعجل المشركون) قيل: النضر بن الحرث و غيره حيث قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء.

قوله: وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ أي الذي طلبوه لأنفسهم. قوله: (أي كاستعجالهم) أشار بذلك إلى أن استعجالهم مصدر، و الأصل استعجالا مثل استعجالهم، حذف الموصوف، و أقيمت الصفة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 89

للمفعول و للفاعل‏ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏ بارفع و النصب بأن يهلكهم و لكن يمهلهم‏ فَنَذَرُ نترك‏ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ (11) يترددون متحيرين‏ وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ‏ الكافر الضُّرُّ المرض و الفقر دَعانا لِجَنْبِهِ‏ أي مضطجعا أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً أي في كل حال‏ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ على كفره‏ كَأَنْ‏ مخففة و اسمها محذوف أي كأنه‏ لَمْ يَدْعُنا إِلى‏ ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ‏ كما زين له الدعاء عند الضر و الإعراض عند الرخاء زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ‏ المشركين‏ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ (12) وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ‏ الأمم‏ مِنْ قَبْلِكُمْ‏ يا أهل مكة لَمَّا ظَلَمُوا بالشرك‏ وَ قد جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ الدالات على صدقهم‏ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عطف‏

مقامه ثم حذف المضاف، و أقيم المضاف إليه مقامه. قوله: لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏ أي لهلكوا جميعا، و المعنى أن الناس عند الغضب و الضجر، قد يدعون على أنفسهم و أهليهم و أولادهم بالموت، و تعجيل البلاء كما يدعونه بالرزق و الرحمة، فلو أجابهم اللّه إذا دعوه بالشر الذي يستعجلونه به مثل ما يجيبهم إذا دعوه بالخير، لأهلكهم، و لكنه من فضله و كرمه يستجيب للداعي بالخير، و لا يستجيب للداعي بالخير، و لا يستجيب له بالشر، فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، قوله: (بالبناء للمفعول و للفاعل) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله:

(بالرفع و النصب) لف و نشر مرتب، فالرفع نائب فاعل، و النصب مفعول به. قوله: (بأن يهلكهم) أي قبل قوتهم. قوله: (و لكن يمهلهم) أي فضلا منه و كرما إلى أن يأتي أجلهم، فإذا جاء لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون، فالمؤمن يلقى النعيم الدائم، و الكافر يلقى العذاب الدائم.

قوله: الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي الذين لا يخافون عقابنا، و لا يؤمنون بالبعث بعد الموت.

قوله: فِي طُغْيانِهِمْ‏ أي الذي هو انكار البعث و المقالات الشنيعة. قوله: يَعْمَهُونَ‏ حال على فاعل‏ يَرْجُونَ‏ . قوله: (يترددون متحيرين) أي في الفرار من العذاب، فلا يجدون لهم مفرا.

قوله: وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ وجه مناسبة هذه الآية لما قبلها، أنه لما وبخهم على الدعاء بالشر لأنفسهم، بين هنا غاية عجزهم و ضعفهم، و أنهم لا يقدرون على إيجاد شي‏ء و لا إعدامه. قوله: (الكافر) مثله ناقص الإيمان، المنهمك في المعاصي. قوله: لِجَنْبِهِ‏ حال من فاعل‏ دَعانا ، و اللام بمعنى على. قوله: أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً يحتمل أن أو على بابها، لأن المضار، إما ثقيلة تمنعه القيام و القعود، أو خفيفة لا تمنع ذلك، أو متوسطة تمنعه القيام دون القعود. و يحتمل أن أو بمعنى الواو، فهو إشارة لتوزيع الأحوال، و إلى هذا أشار المفسر بقوله: أي في جميع الأحوال. قوله: مَرَّ (على كفره) أي استمر عليه. قوله: كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا الجملة في محل نصب حال من فاعل‏ مَرَّ و المعنى استمر هو على كفره، مشبها بمن لم يدعنا أصلا أي رجع إلى حالته الأولى، و ترك الالتجاء إلى ربه. قوله: لِلْمُسْرِفِينَ‏ أي المتجاوزين الحد. قوله:

ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ أي عملهم فالواجب على الإنسان، دوام الدعاء و التضرع و الالتجاء لجانب اللّه في كل حال، سيما في حال الصحة و الغنى، لأنه يشدد عليه فيهما، ما لا يشدد عليه في غيرهما.

قوله: وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏ أي كقوم نوح و عاد و ثمود و غيرهم. قوله: لَمَّا ظَلَمُوا أي حين ظلمهم. قوله: وَ جاءَتْهُمْ‏ قدره المفسر إشارة إلى أن الجملة حالية من فاعل‏ ظَلَمُوا . قوله: (عطف على ظلموا) أي كأنه قيل: حين ظلموا، و حين لم يكونوا مؤمنين. و المعنى أن‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 90

على ظلموا كَذلِكَ‏ كما أهلكنا أولئك‏ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ‏ (13) الكافرين‏ ثُمَّ جَعَلْناكُمْ‏ يا أهل مكة خَلائِفَ‏ جمع خليفة فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏ (14) فيها و هل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا القرآن‏ بَيِّناتٍ‏ ظاهرات حال‏ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا لا يخافون البعث‏ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ليس فيه عيب آلهتنا أَوْ بَدِّلْهُ‏ من تلقاء نفسك‏ قُلْ‏ لهم‏ ما يَكُونُ‏ ينبغي‏ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ قبل‏ نَفْسِي إِنْ‏ ما أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي‏ بتبديله‏ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏ (15) هو يوم القيامة قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ‏ أعلمكم‏ بِهِ‏ و لا نافية عطف على ما قبله و في قراءة بلام جواب لو أي لأعلمكم به على لسان غيري‏ فَقَدْ لَبِثْتُ‏ مكثت‏ فِيكُمْ‏

سبب إهلاكهم شيئان: ظلمهم و عدم إيمانهم.

قوله: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ‏ عطف على‏ أَهْلَكْنَا . قوله:

خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ‏ أي متخلفين من بعد القرون، بسبب أن اللّه أورثكم أرضهم و ديارهم، فمن يوم بعث اللّه محمدا فجميع الخلق الموجودون من يومئذ إلى يوم القيامة من أمته مسلمهم و كافرهم، و هم خلفاء الأرض. قوله: لِنَنْظُرَ أي ليظهر متعلق علمنا، و نعاملهم معاملة من ينظر، و في الكلام استعارة تمثيلية، حيث شبه حال العباد مع ربهم، بحال رعية مع سلطانها في إمهالهم لنظر ماذا تفعل، و استعير الاسم الدال على المشبه به للمشبه، على سبيل التمثيل و التقريب، و للّه المثل الأعلى. قوله: كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏ أي فهل تصدقون رسلنا أو تكذبونهم.

قوله: وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ‏ فيه التفات من الخطاب للغيبة. قوله: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أي من عند ربك، إن كنت صادقا في أنه من عند اللّه. قوله: أَوْ بَدِّلْهُ‏ أي بأن تجعل مكان سب آلهتنا مدحهم، و مكان الحرام حلالا، و هذا الكلام من الكفار، يحتمل أن يكون على سبيل الاستهزاء و السخرية، و يحتمل أنه على سبيل الامتحان، ليعلموا كونه من عند اللّه فلا يقدر على تغييره و لا تبديله أو من تلقاء نفسه فيقدر على ذلك، و الأول هو المتبادر من حالهم. قوله: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ‏ إلخ.

أي لا يليق مني و لا يصح. قوله: إِنِّي أَخافُ‏ تعليل لما قبله.

قوله: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ‏ مفعول شاء محذوف، أي عدم إنزاله. قوله: وَ لا أَدْراكُمْ‏ أدرى فعل ماض، و فاعله مستتر يعود على اللّه، و الكاف مفعول به. قوله: (و لا نافية) أي و جملة أَدْراكُمْ‏ مؤكدة لما قبلها، عطف عام على خاص، و المعنى لو شاء اللّه عدم إنزاله ما تلوته عليكم و لا أعلمكم به مني و لا من غيري. قوله: (و في قراءة) أي و هي سبعية أيضا. قوله: (بلام) أي و هي للتأكيد، و المعنى لو شاء اللّه عدم تلاوتي ما تلوته عليكم و لا أعلمكم به غيري، بأن ينزله على لسان نبي غيري، و نتيجة هذا القياس محذوفة، تقديره لكن شاء اللّه إنزاله علي، فأنا أتلوه عليكم، و أنا أعلمكم به.

قوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً هذا هو وجه الاحتجاج عليهم، و المعنى أن كفار مكة شاهدوا رسول اللّه قبل مبعثه، و علموا أحواله، و أنه كان أميا لم يقرأ كتابا و لا تعلم من أحد. و ذلك مدة أربعين سنة، ثم بعدها جاءهم بكتاب عظيم الشأن، مشتمل على نفائس العلوم و الأحكام و الآداب و مكارم الأخلاق، فكل من له عقل سليم و فهم ثابت، يعلم أن هذا القرآن من عند اللّه. لا من عند نفسه.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 91

عُمُراً سنينا أربعين‏ مِنْ قَبْلِهِ‏ لا أحدثكم بشي‏ء أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ (16) أنه ليس من قبلي‏ فَمَنْ‏ أي لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك إليه‏ أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ‏ القرآن‏ إِنَّهُ‏ أي الشأن‏ لا يُفْلِحُ‏ يسعد الْمُجْرِمُونَ‏ (17) المشركون‏ وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ أي غيره‏ ما لا يَضُرُّهُمْ‏ إن لم يعبدوه‏ وَ لا يَنْفَعُهُمْ‏ إن عبدوه و هو الأصنام‏ وَ يَقُولُونَ‏ عنها هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ‏ لهم‏ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ‏ تخبرونه‏ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ‏ استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه إذ لا يخفى عليه شي‏ء سُبْحانَهُ‏ تنزيها له‏ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ (18) معه‏ وَ ما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً على دين واحد و هو الإسلام من لدن آدم إلى نوح و قيل من عهد إبراهيم إلى عمر بن لحي‏ فَاخْتَلَفُوا بأن ثبت بعض و كفر

قوله: (سنينا) منصوب بفتحة ظاهرة، و قد مر المفسر على طريقة من يجعله مثل حين. و منه حديث:

«اللهم اجعلنا عليهم سنينا كسنين يوسف» في احدى الروايتين. قوله: أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ أي أعميتم عن الحق، فلا تعقلونه. قوله: (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (بنسبة الشريك إليه) أشار المفسر إلى أن الخطاب متوجه لهم. و المعنى على ذلك: أنكم افتريتم على اللّه الكذب، فزعمتم أن له شريكا و اللّه منزه عنه، و ثبت عندكم صدقي بالقرآن، فكذبتم بآياته.

قوله: وَ يَعْبُدُونَ‏ عطف على ما تقدم، عطف قصة على قصة، بيان لقبائحهم، و في الحقيقة عبادتهم غير اللّه، تسبب عنه ما تقدم من افترائهم و تكذيبهم بالآيات.

قوله: ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ‏ ما اسم موصول أو نكرة موصوفة، و نفي الضر و النفع هنا باعتبار ذواتهم و إثباتهما في قوله تعالى: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ‏ باعتبار السبب. قوله: (و هو الأصنام) بيان لما. قوله: وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ‏ قال أهل المعاني: توهموا أن عبادتها أشد في تعظيم اللّه من عبادتهم إياه. و قالوا: لسنا بأهل أن نعبد اللّه و لكن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، فإنها تكون شافعة لنا عند اللّه، قال تعالى إخبارا عنهم‏ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏ . إن قلت إنهم ينكرون البعث ففي أي وقت يشفعون لهم على زعمهم؟ أجيب: بأنهم يرجون شفاعتهم في الدنيا في إصلاح معايشهم. قوله: بِما لا يَعْلَمُ‏ المقصود نفي وجود الشريك بنفي لازمه، لأن علمه تعالى محيط بكل شي‏ء، فلو كان موجودا لعلمه اللّه، و حيث كان غير معلوم للّه وجب أن لا يكون موجودا، و هذا مثل مشهور، فإن الإنسان إذا أراد نفي شي‏ء وقع منه، يقول ما علم اللّه ذلك مني، أي لم يحصل ذلك من قط. قوله: فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ‏ حال من العائد المحذوف في يعلم. قوله: (استفهام انكار) أي بمعنى النفي.

صفحه بعد