کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين

المجلد الرابع

سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة ن سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة التساؤل سورة و النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الأنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة و التين سورة اقرأ(العلق) سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس سورة الفاتحة

الفهرس

تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس تفسير سورة الفاتحة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين


صفحه قبل

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 250

علم كثير هو إسحق كما ذكر في هود قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي‏ بالولد عَلى‏ أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ حال أي مع مسه إياي‏ فَبِمَ‏ فبأي شي‏ء تُبَشِّرُونَ‏ (54) استفهام تعجب‏ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ‏ بالصدق‏ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ‏ (55) الآيسين‏ قالَ وَ مَنْ‏ أي لا يَقْنَطُ بكسر النون و فتحها مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ‏ (56) الكافرون‏ قالَ فَما خَطْبُكُمْ‏ شأنكم‏ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ‏ (57) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‏ قَوْمٍ مُجْرِمِينَ‏ (58) كافرين أي قوم لوط لإهلاكهم‏ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ‏ (59) لإيمانهم‏ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ‏ (60) الباقين في العذاب لكفرها فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ أي لوط الْمُرْسَلُونَ‏ (61) قالَ‏ لهم‏ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ‏ (62) لا أعرفكم‏ قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا أي قومك‏ فِيهِ يَمْتَرُونَ‏ (63) يشكون و هو العذاب‏ وَ أَتَيْناكَ بِالْحَقِ‏

و قرى‏ء شذوذا بالبناء للمفعول، و لا تأجل بقلب الواو ألفا، و لا تؤاجل بضم التاء و زيادة ألف بعد الواو، فالقراءات الشاذة ثلاث.

قوله: أَ بَشَّرْتُمُونِي‏ هكذا بهمزة الاستفهام في قراءة الجمهور، و قرى‏ء شذوذا بحذفها، فيحتمل الإخبار و الاستفهام، و حذفت أداته للعلم بها. قوله: عَلى‏ أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ أي فكان عمره إذ ذاك مائة و اثنتي عشرة سنة.

قوله: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ‏ الجار و المجرور متعلق بتبشرون، و قدم لأن الاستفهام له صدر الكلام، و قرأ العامة بفتح النون مخففة على أنها نون الرفع، و قرأ نافع بكسرها مخففة، و ابن كثير بكسرها مشددة.

قوله: (استفهام تعجب) أي من أن يولد له ولد مع مس الكبر إياه، و تعجبه بالنظر للعادة لا بالنظر لقدرة اللّه تعالى، و لذا دفع ذلك بقوله: وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ‏ .

قوله: قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ‏ أي اليقين الذي لا لبس فيه.

قوله: (أي لا) يَقْنَطُ أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (بكسر النون و فتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان، و قرى‏ء شذوذا بضم النون.

قوله: قالَ فَما خَطْبُكُمْ‏ أي الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة فإن البشارة يكفي فيها واحد، فلا تحتاج لعدد.

قوله: إِلَّا آلَ لُوطٍ يحتمل أن يكون مستثنى من الأرسال، و المعنى إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، إلا آل لوط، فلم نرسل لهلاكهم، بل أرسلنا لنجاتهم، و حينئذ يكون الاستثناء متصلا، أو مستثنى من قوم مجرمين، فهو منقطع، لأنهم لم يدخلوا في القوم المجرمين، و يشير للثاني قول المفسر لإيمانهم.

قوله: إِلَّا امْرَأَتَهُ‏ الأقرب أنه مستثنى من ضمير منجوهم. قوله: قَدَّرْنا إسناد التقدير للملائكة مجاز، إذ المقدر حقيقة هو اللّه تعالى، و هذا كما يقول خواص الملك: أمرنا بكذا، و الآمر هو الملك. قوله: (الباقين في العذاب) أي فيقال غبر الشي‏ء بقي، و يقال أيضا مضى، فهو من الأضداد.

قوله: فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ أي بعد أن خرجوا من عند إبراهيم، و سافروا لقرية لوط، و كان بينهما أربعة فراسخ. قوله: (أي لوطا) أشار بذلك إلى أن لفظة آل زائدة، بدليل الآية الأخرى‏ وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً .

قوله: مُنْكَرُونَ‏ أي تنكركم نفسي و تجزع منكم، و إنما جزع منهم، لخوفه من قومه عليهم، بدليل آية هود وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي‏ءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ‏ . قوله:

وَ أَتَيْناكَ بِالْحَقِ‏ الباء للملابسة أي متلبسين بالحق.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 251

وَ إِنَّا لَصادِقُونَ‏ (64) في قولنا فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ‏ امش خلفهم‏ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم‏ وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ‏ (65) و هو الشام‏ وَ قَضَيْنا أوحينا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ و هو أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ‏ (66) حال أي يتم استئصالهم في الصباح‏ وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مدينة سذوم و هم قوم لوط لما أخبروا أن في بيت لوط مردا حسانا و هم الملائكة يَسْتَبْشِرُونَ‏ (67) حال طمعا في فعل الفاحشة بهم‏ قالَ‏ لوط إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ‏ (68) وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ‏ (69) بقصدكم إياهم بفعل الفاحشة بهم‏ قالُوا أَ وَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ‏ (70) عن إضافتهم‏ قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ‏ (71) ما تريدون من قضاء الشهوة فتزوجوهن، قال تعالى: لَعَمْرُكَ‏ خطاب للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم أي و حياتك‏ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ (72) يترددون‏ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صيحة جبريل‏ مُشْرِقِينَ‏ (73) وقت شروق الشمس‏ فَجَعَلْنا عالِيَها أي قراهم‏ سافِلَها بأن رفعها جبريل إلى السماء و أسقطها مقلوبة إلى الأرض‏ وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ‏ (74) طين طبخ بالنار إِنَّ فِي‏

قوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ‏ أي و هم بنتاه، فلم يخرج من قريته إلا هو و بنتاه. قوله: بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ‏ أي جزء منه. قوله: (امش خلفهم) أي لتطمئن عليهم. قوله: (لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم) أي فينزعج من ذلك. قوله: (و هو الشام) أي فطوى اللّه لهم الأرض في الوقت حتى نجوا، و وصلوا إلى إبراهيم.

قوله: (أوحينا) أشار بذلك إلى أن‏ قَضَيْنا ضمن معنى (أوحينا) فعدي بما تعدى به.

قوله: وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الواو لا تقضي ترتيبا و لا تعقيبا، فإن هذا المجي‏ء قبل إعلام الملائكة له بأنهم رسل اللّه، فالقصة هنا على خلاف الترتيب الواقعي، بخلافها في هود. قوله: (مدينة سذوم) بالسين المهملة و الذال المعجمة، و أخطأ من قال بالمهملة. قوله: يَسْتَبْشِرُونَ‏ أي يبشر بعضهم بعضا بأضياف لوط، و تقدم أن المخبر لهم بالضيوف امرأة لوط.

قوله: فَلا تَفْضَحُونِ‏ أي لا تسيئوني فيهم.

قوله: وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ أي خافوا عقابه.

قوله: عَنِ الْعالَمِينَ‏ أي عن تضييف أحد من الغرباء، و كانوا يمنعونه من مخالطة الناس و إضافتهم، خوفا من أن يؤلفهم و يستعين بهم عليهم. قوله: (فتزوجوهن) أي إن أسلمتم، و يحتمل أنه كان في شريعته، يحل تزوج الكافر بالمسلمة، و تقدم في هود أنه يحتمل أن المراد نساء أمته.

قوله: لَعَمْرُكَ‏ بفتح العين لغة في العمر بضمتين، و هو مدة حياة الإنسان في الدنيا، و لكن لم يرد القسم في كلام العرب إلا بالفتح. قوله: إِنَّهُمْ‏ أي قوم لوط، و قيل المراد قريش، و على كل حال فهذه الجملة معترضة بين قصة قوم لوط. قوله: (أي وقت شروق الشمس) أي طلوعها، و هذا بيان لانتهاء العذاب، و ابتداؤه كان وقت الصباح.

قوله: فَجَعَلْنا عالِيَها أي وجه الأرض و ما عليه. قوله: (أي قراهم) أي و كانت أربعة، فيها أربعمائة ألف مقاتل، و قيل خمسة و فيها أربعة آلاف ألف، قوله: وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ‏ تقدم في هود أنه يحتمل أن المطر كان على من كان غائبا عن القرى، و يحتمل أنه عليهم بعد قلبها بهم.

قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 252

ذلِكَ‏ المذكور لَآياتٍ‏ دلالات على وحدانية اللّه‏ لِلْمُتَوَسِّمِينَ‏ (75) للناظرين المعتبرين‏ وَ إِنَّها أي قرى قوم لوط لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ‏ (76) طريق قريش إلى الشام لم تندرس، أ فلا يعتبرون بهم‏ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لعبرة لِلْمُؤْمِنِينَ‏ (77) وَ إِنْ‏ مخففة أي إنه‏ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هي غيضة شجر بقرب مدين و هم قوم شعيب‏ لَظالِمِينَ‏ (78) بتكذيبهم شعيبا فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ‏ بأن أهلكناهم بشدة الحر وَ إِنَّهُما أي قرى قوم لوط و الأيكة لَبِإِمامٍ‏ طريق‏ مُبِينٍ‏ (79) واضح، أ فلا تعتبرون بهم يا أهل مكة وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ واد بين المدينة و الشام و هم ثمود الْمُرْسَلِينَ‏ (80) بتكذيبهم صالحا لأنه تكذيب لباقي الرسل لاشتراكهم في المجي‏ء بالتوحيد وَ آتَيْناهُمْ آياتِنا في الناقة فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ‏ (81) لا يتفكرون فيها وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ‏ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ‏ (83) وقت الصباح‏ فَما أَغْنى‏ دفع‏

(المذكور) أي من قصة إبراهيم و لوط. قوله: لِلْمُتَوَسِّمِينَ‏ أي المتفكرين الذين يتأملون الشي‏ء فيعرفون حقيقته. قوله: (لم تندرس) أي آثارهم.

قوله: (لعبرة) لِلْمُؤْمِنِينَ‏ خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك.

قوله: وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ شروع في ذكر قصة شعيب مع قومه أصحاب الأيكة، و ذكرت هنا مختصرة، و سيأتي بسطها في سورة الشعراء. قوله: (مخففة) أي و اسمها ضمير الشأن، و كانَ‏ ناقصة، و أَصْحابُ الْأَيْكَةِ اسمها، و لَظالِمِينَ‏ خبرها، و اللام للتوكيد، و الجملة خبر إِنْ‏ .

قوله: (هي غيضة شجر) الغيضة في الأصل اسم للشجر الملتف، و المراد بها هنا، المكان الذي فيه الشجر الكثير، و نسبوا لها لملازمتهم لها و إقامتهم عندها، و كان عامة شجرهم المقل أي الدوم. قوله: (بتكذيبهم شعيبا) أي و بخسهم الكيل و الميزان و قطعهم الطريق. قوله: (بشدة الحر) أي فسلطها اللّه عليهم سبعة أيام، حتى قربوا من الهلاك، فبعث اللّه لهم سحابة كالظلة، فالتجؤوا إليها، و اجتمعوا تحتها للتظلل بها، فبعث اللّه عليهم منها نارا فأحرقتهم جميعا، فإهلاكهم أولا بشدة الحر، ثم بالظلة، و أما أهل مدين، فأهلكوا بالصيحة، كما تقدم في سورة هود، من أنه أرسل لأهل مدين و لأصحاب الأيكة.

قوله: (طريق) مُبِينٍ‏ أي و سمي الطريق إماما، لأنه يؤم و يتبع، لأن الإنسان إذا أراد الانتقال من موضع لآخر، فإنه يأتم بالطريق حتى يصل إلى الموضع الذي يريده.

قوله: وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ شروع في قصة صالح. قوله: (واد بين المدينة و الشام) أي و آثاره باقية، يمر عليها الذاهب من الشام للحجاز. قوله: (لأنه تكذيب لباقي الرسل) جواب عما يقال:

لم جمع المرسلين مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولا واحدا.

قوله: وَ آتَيْناهُمْ‏ أضاف الايتاء لهم، و إن كان لصالح لأنه مرسل لهم. قوله: (في الناقة) أشار بذلك إلى أن الناقة، و إن كانت آية واحدة، إلا أنها اشتملت على آيات، كخروجها من الصخرة، و عظم جثتها، و غزارة لبنها، و ولادتها فصيلا قدرها. قوله:

(لا يتفكرون) أي لا يتأملون و لا ينظرون فيها.

قوله: وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً أي ينقرون الجبال بالمعاويل، حتى تصير بيوتا من غير

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 253

عَنْهُمْ‏ العذاب‏ ما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ (84) من بناء الحصون و جمع الأموال‏ وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا محالة فيجازي كل أحد بعمله‏ فَاصْفَحِ‏ يا محمد عن قومك‏ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ‏ (85) أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه و هذا منسوخ بآية السيف‏ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ‏ لك شي‏ء الْعَلِيمُ‏ (86) بكل شي‏ء وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏ قال صلّى اللّه عليه و سلّم هي الفاتحة رواه الشيخان لأنها تثنى في كل ركعة وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏ (87) لا

بنيان. قوله: آمِنِينَ‏ أي من وصول اللصوص لهم، و من تخريب الأعداء لبيوتهم لشدة اتقانها.

قوله:

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ أي من السماء، و الزلزلة من الأرض، لما عقروا الناقة، و تقدم في هود، أن صالحا قال لهم قبل نزول العذاب بهم: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام. قوله: (وقت الصباح) أي بعد مضي الثلاثة الأيام.

قوله: ما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ ما اسم موصول أو مصدرية أو نكره موصوفة فاعل أغنى؛ و التقدير الذي كانو يكسبونه أو كسبهم أو شي‏ء يكسبونه. قوله: (من بناء الحصون) الخ، بيان لما.

قوله: إِلَّا بِالْحَقِ‏ أي خلقا ملتبسا بالحكمة و المصلحة و المنافع للعباد، و دلائل على وحدانية اللّه. قوله: وَ إِنَّ السَّاعَةَ أي القيامة. قوله: (فيجازي كل واحد بعمله) أي فينتقم من المسي‏ء، و ينعم على المحسن. قوله: (و هذا منسوخ) أي قوله: فاصفح الصفح الجميل، و هو أحد قولين، و الثاني أن الآية محكمة، و لا ينافي أمره بالقتال، فإن المقصود أمره بأن يصفح عن الخلق الصفح الجميل، و يعاملهم بالخلق الحسن، فيعفو عن المسي‏ء، و يسامح المذنب، و إن كان مأمورا بقتال المشركين، فقتاله للأمر به لا لهوى نفسه، و لذا قال البوصيري:

و لو أن انتقامه لهوى النف

س لدامت قطيعة و جفاء

قوله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏ سبب نزولها أن سبع قوافل، أتت من بصرى و أذرعات في يوم واحد، ليهود قريظة و النضير، فيها أنواع من البز و الطيب و الجواهر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقربنا بها، و أنفقناها في سبيل اللّه فنزلت، و المعنى قد أعطيتكم سبع آيات، خير لكم من سبع قوافل. إن قلت: إن مقتضى ذلك، أن تكون الآية مدنية، مع أنه تقدم أن السورة مكية بإجماع. أجيب:

بأنه لا مانع أن هذه الآية نزلت مرتين، مرة بمكة مرة بالمدينة. قوله: (هي الفاتحة) أي لأنها سبع آيات، فمن عد البسملة آية منها، تكون الآية الأخيرة. صِراطَ الَّذِينَ‏ الخ، و من لم يعدها آية، تكون السابعة قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ ، و هذا القول هو الراجح، و عليه فيكون عطف قوله:

وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏ من عطف الكل على الجزء، أو من عطف العام على الخاص، و قيل المراد بالسبع المثاني الحواميم، و قيل السبع الطوال أولها البقرة، و آخرها مجموع الأنفال مع براءة، و قيل جميع القرآن، و عليه يكون العطف مرادفا. قوله: (لأنها تثنى في كل ركعة) أي تعاد في كل ركعة، و هذا أحد الوجوه في سبب تسميتها بالمثاني، و قيل سميت بذلك، لأنها مقسومة بين العبد و بين اللّه نصفين، فنصفها الأول ثناء على اللّه، و نصفها الثاني دعاء، و قيل لأن كلماتها مثناة مثل قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ إلى آخرها، و قيل لأنها نزلت مرتين: مرة بمكة و مرة بالمدينة، معها سبعون ألف ملك.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 254

تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً أصنافا مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏ إن لم يؤمنوا وَ اخْفِضْ جَناحَكَ‏ ألن جانبك‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ (88) وَ قُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ من عذاب اللّه أن ينزل بكم‏ الْمُبِينُ‏ (89) البين الإنذار كَما أَنْزَلْنا العذاب‏ عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ‏ (90) اليهود و النصارى‏ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ‏ أي كتبهم المنزلة عليهم‏ عِضِينَ‏ (91) أجزاء حيث آمنوا ببعض و كفروا ببعض، و قيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإسلام، و قال بعضهم:

في القرآن سحر، و بعضهم: كهانة، و بعضهم: شعر فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ‏ (92) سؤال‏

قوله: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ‏ أي لا ترغب فيما متعنا به أصنافا من الكفار، فإنه مستحقر، و في الحديث عن أبي بكر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «من أوتي القرآن، فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي، فقد صغر عظيما، و عظم صغيرا». قوله: وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏ أي لأجلهم. قوله: (ألن جانبك) أي تواضع لهم و ارحمهم، كالطائر الذي يخفض جناحه على أفراخه، رحمة بها و شفقة عليها، و قد فعل صلّى اللّه عليه و سلّم ما أمر به، قال البوصيري في هذا المعنى:

أحل أمته في حرز ملته‏

كالليث حل مع الأشبال في أجم‏

قوله: كَما أَنْزَلْنا الكاف حرف تشبيه و جر، و ما اسم موصول في محل جر، و الجار و المجرور متعلق بمحذوف، و التقدير: و قل: إني أنا النذير لكم بالعذاب، كالعذاب الذي أنزلناه على المقتسمين و الماضي بمعنى المستقبل، إذ الذي نزل بأهل مكة لم يكن واقعا حين نزول الآية، بل وقع بعد الهجرة، و كذا ما وقع للمقتسمين طرق مكة لم يكن واقعا حينئذ، بل وقع يوم بدر. إن قلت: إن العذاب المنذر، ينبغي تشبيهه بشي‏ء قد وقع ليحصل به الاتعاظ. أجيب: بأنه سهل ذلك تحتم نزوله، فكأنه واقع و لا بد، و قد تحقق ذلك يوم بدر. قوله: (اليهود و النصارى) أي حيث اقتسموا كتبهم، فآمنوا ببعضها الذي وافق هواهم، و كفروا بالبعض الذي خالفه.

قوله: الَّذِينَ جَعَلُوا بيان للمقتسمين. قوله: الْقُرْآنَ‏ المراد به على هذا التفسير معناه اللغوي، فحينئذ صح تفسير المفسر له بكتبهم المنزلة عليهم. قوله: عِضِينَ‏ جمع عضة، و أصلها قيل عضو، و قيل عضة، فعلى الأولى يكون: من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء، أي أجزاء متفرقة. و على الثاني يكون: من عضه إذا كذب، و المعنى جعلوا القرآن أجزاء متفرقة، أو جعلوه أكاذيب. قوله: (و قيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة) أي و هم ستة عشر رجلا، بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا أعتاب مكة و أنقابها و فجاجها و يقولون لمن سلكها: لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة، فإنه مجنون، و ربما قالوا ساحر، و ربما قالوا شاعر، و ربما قالوا كاهن، و سموا المقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق، فأماتهم اللّه شر ميتة، و كانوا نصبوا الوليد بن المغيرة حكما على باب المسجد، فإذا سألوه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: صدق أولئك، و ما ذكره المفسر قولان من سبعة ذكرها القرطبي. قوله: (و قال بعضهم) معطوف على اقتسموا، فالضمير في بعضهم عائد على الذين اقتسموا، و هو إشارة إلى أن المراد بالقرآن على هذا القول، الكتاب المنزل على سيدنا محمد فجعلوه أجزاء، و حيث اختلفت أقوالهم فيه، فقال بعضهم سحر، و بعضهم كهانة، أو المراد جعلوه أكاذيب فلم يؤمنوا به. قوله: (سؤال توبيخ) جواب عما يقال:

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 255

توبيخ‏ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ‏ (93) فَاصْدَعْ‏ يا محمد بِما تُؤْمَرُ أي أجهر به و أمضه‏ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ‏ (94) هذا قبل الأمر بالجهاد إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ‏ (95) بك بإهلاكنا كلا منهم بآفة و هم: الوليد بن المغيرة، و العاصي بن وائل، و عدي بن قيس، و الأسود بن المطلب، و الأسود بن عبد يغوث‏ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ صفة و قيل مبتدأ، و لتضمنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره، و هو فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ (96) عاقبة أمرهم‏ وَ لَقَدْ للتحقيق‏

إنه أثبت سؤالهم هنا، و نفاه في سورة الرحمن حيث قال‏ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌ‏ فحاصل الجواب: أن المنفي هناك سؤال الإكرام و الاحترام، و المثبت هنا سؤال التوبيخ و التقريع.

قوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ سبب نزولها: أن رسول اللّه أول أمره، كان يدعو إلى اللّه مختفيا، و يأمر كل من آمن به بالاختفاء، فلما نزلت هذه الآية، أظهر أمره و بالغ في إظهاره. قوله: (هذا قبل الأمر بالجهاد) أي فتكون الآية منسوخة، و قيل ليست منسوخة بل هي محكمة، و المعنى لا تلتفت لهم و لا تبال بهم.

قوله: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ‏ أي و هم جماعة من قومه، كانوا يسخرون به و يبالغون في إيذائه، و إنما عجلت لهؤلاء العقوبة، لشدة إيذائهم لرسول اللّه و بغضهم له، و إلا فالمستهزئون كثير، كأبي لهب و زوجته و ولده، و أبي جهل. قوله: (و هم الوليد بن المغيرة) أي و قد مر برجل نبال و هو يجر إزاره، فتعلقت قطعة من النبل بإزار الوليد، فمنعه الكبر أن يطاطى‏ء رأسه و ينزعها، فجعلت تضرب في ساقه فخدشته، فمرض منها فمات، و قوله: (و العاصي بن وائل) خرج على راحلته يتنزه، فدخل شعبا فدخلت شوكة في أخمص رجله، فانتفخت حتى صارت مثل عنق البعير، فمات مكانه، و قوله: (و عدي بن قيس) الصواب الحرث بن قيس بن الطلاطلة، كما ذكره في الهمزية و شراحها، و الخازن و غيره من كتب التفسير، و قد هلك بأن صار القيح يجري من أنفه و عينه و فمه حتى مات، و قوله: (و الأسود بن المطلب) رماه جبريل بورقة خضراء، فذهب بصره و وجعت عينه، فجعل يضرب برأسه الجدار حتى هلك، و قوله:

(و الأسود بن عبد يغوث) أصابه مرض الاستسقاء فمات به، و قيل إن النبي شكا هؤلاء الخمسة لجبريل عليه السّلام، فكفاه اللّه شرهم، و قد أجاد صاحب الهمزية حيث قال في حقهم:

كفاه المستهزئين و كم سا

ء نبيا من قومه استهزاء

و رماهم بدعوة من فناء ال

بيت فيها للظالمين فناء

خمسة كلهم اصيبوا بداء

و الردى من جنوده الأدواء

فدهى الأسود بن المطلب‏

أي عمى ميت به الأحياء

و دهى الأسود بن عبد يغوث‏

أن سقاه كاس الردى استسقاء

و اصاب الوليد خدشة سهم‏

قصرت عنها الحية الرقطاء

و قضت شوكة على مهجة العا

ص فلله النقعة الشوكاء

و على الحرث القيوح و قد سا

ل بها رأسه و ساء الوعاء

خمسة طهرت بقطعهم الأر

ض فكف الأذى بهم شلاء

قوله: الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أي يشركون في عبادته غيره. قوله: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏2، ص: 256

نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ‏ (97) من الاستهزاء و التكذيب‏ فَسَبِّحْ‏ متلبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ‏ أي قل سبحان اللّه و بحمده‏ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ‏ (98) المصلين‏ وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ‏ (99) الموت.

هذا تهديد و وعيد لهم.

قوله: بِما يَقُولُونَ‏ أي بسبب قولهم و تكلمهم في شأنك، فإن شأن ذلك، يضيق منه الصدر بحسب الطبيعة البشرية.

قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ‏ أي فافزع إلى ربك و التجى‏ء إليه، يكفك ما يهمك من أمور الدنيا و الآخرة، ففي الحديث «اعمل لوجه واحد يكفك كل الأوجه».

قوله: (أي قل سبحان اللّه و بحمده) أي تنزيها له عن كل نقص، و اتصافا له بكل كمال. قوله: (المصلين) أشار بذلك إلى أن الكلام فيه مجاز، من إطلاق الجزء على الكل، و خص السجود بالذكر، لأنه أشرف أركانها.

صفحه بعد