کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين

المجلد الرابع

سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة ن سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة التساؤل سورة و النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الأنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة و التين سورة اقرأ(العلق) سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس سورة الفاتحة

الفهرس

تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس تفسير سورة الفاتحة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين


صفحه قبل

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 109

بشدة مِنْ لَدُنْ‏ من عند حَكِيمٍ عَلِيمٍ‏ (6) في ذلك اذكر إِذْ قالَ مُوسى‏ لِأَهْلِهِ‏ زوجته عند مسيره من مدين إلى مصر إِنِّي آنَسْتُ‏ أبصرت من بعيد ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ عن حال الطريق و كان قد ضلها أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ‏ بالإضافة للبيان و تركها أي شعلة نار في رأس فتيلة أو عود لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ‏ (7) و الطاء بدل من تاء الافتعال من صلي بالنار بكسر اللام و فتحها تستدفئون من البرد فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ‏ أي بأن‏ بُورِكَ‏ أي بارك اللّه‏ مَنْ فِي النَّارِ أي موسى‏ وَ مَنْ حَوْلَها أي الملائكة أو العكس، و بارك يتعدى بنفسه و بالحرف و يقدر بعد في مكان‏ وَ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (8) من جملة ما نودي و معناه تنزيه اللّه من السوء يا مُوسى‏ إِنَّهُ‏ أي الشأن‏ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ (9) وَ أَلْقِ عَصاكَ‏ فألقاها فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ تتحرك‏ كَأَنَّها جَانٌ‏ حية خفيفة وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ‏ يرجع، قال تعالى‏ يا مُوسى‏ لا

قوله) أَوْ آتِيكُمْ‏ أو مانعة خلو تجوز الجمع. قوله: (أي شعلة نار) أي شعلة مقتبسة من النار، فالإضافة لبيان الجنس كما قال المفسر، لأن الشهاب يكون من النار و غيرها كالكواكب. قوله: (بدل من تاء الافتعال) أي لأنها وقعت بعد الصاد، و هي من حروف الأطباق، فقلبت طاء على القاعدة المعلومة.

قوله: (بكسر اللام) أي من باب تعب، و قوله: (و فتحها) أي من باب رمى. قوله: نُودِيَ‏ أي ناداه اللّه. قوله: (أي بأن) أشار بذلك إلى أن أن مصدرية، و ما بعدها في تأويل مصدر، و حرف الجر مقدر قبلها، أي نودي ببركة مَنْ فِي النَّارِ الخ، أي بتقديسه و تطهيره مما يشغل قلبه عن غير اللّه و تخليصه للنبوة و الرسالة، أي ناداه اللّه، بأننا قدسناك و طهرناك و اخترناك للرسالة، كما تقدم في طه حيث قال:

وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ‏ الخ.

قوله: مَنْ فِي النَّارِ هو نائب فاعل‏ بُورِكَ‏ ، و هذه تحية لموسى و تكرمة له. قوله: (أو العكس) أي فتفسر من الأولى بالملائكة، و الثانية بموسى، و على هذا التفسير فلا يحتاج لتقدير مضاف.

قوله: (يتعدى بنفسه) أي فيقال باركك اللّه. قوله: (و بالحرف) أي اللام و في و على. قوله: (و يقدر بعد في مكان) أي على التفسير الأول، فيقال أن بورك من في مكان النار، و إنما احتيج لهذا التقدير، لأن موسى إذ ذاك لم يكن في النار حقيقة، بل كان في المكان القريب منها. قوله: (من جملة ما نودي) أي أتى به، و إنما أتى بالتنزيه هنا، لدفع ما يتوهم أن الكلام الذي سمعه في ذلك المكان، بحرف و صوت، أو كون اللّه في مكان أو جهة.

قوله: وَ أَلْقِ عَصاكَ‏ لم يقل هنا و أن كما في القصص، لأنه هنا ذكر بعد أن فعل، فحسن عطف ألق عليه، و ما يأتي لم يذكر، فقد عطف و أن أطلق، على قوله أن يا موسى إني أنا اللّه. قوله: تَهْتَزُّ حال من ضمير رَآها . قوله: (حية خفيفة) أي في سرعة الحركة، فلا ينافي عظم جثتها. قوله: (يرجع) أي لم يرجع على عقبه. قوله: لا تَخَفْ‏ (منها) أي لأنك في حضرتي، و من كان فيها فهو آمن، لا يخطر بباله خوف من شي‏ء.

قوله: (لكن) مَنْ ظَلَمَ‏ الخ، أشار إلى أن الاستثناء منقطع، و مَنْ ظَلَمَ‏ مبتدأ، و قوله: فَإِنِّي غَفُورٌ خبره. قوله: (أتاه) أي عمله. قوله: (طوق القميص) إنما لم يأمره بإدخالها

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 110

تَخَفْ‏ منها إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَ‏ عندي‏ الْمُرْسَلُونَ‏ (10) من حية و غيرها إِلَّا لكن‏ مَنْ ظَلَمَ‏ نفسه‏ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً أتاه‏ بَعْدَ سُوءٍ أي تاب‏ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ (11) أقبل التوبة و أغفر له‏ وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ‏ طوق القميص‏ تَخْرُجْ‏ خلاف لونها من الأدمة بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ برص لها شعاع يغشى البصر آية فِي تِسْعِ آياتٍ‏ مرسلا بها إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ‏ (12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً أي مضيئة واضحة قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ (13) بين ظاهر وَ جَحَدُوا بِها أي لم يقروا وَ قد اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ‏ أي تيقنوا أنها من عند اللّه‏ ظُلْماً وَ عُلُوًّا تكبرا عن الإيمان بما جاء به موسى راجع إلى الجحد فَانْظُرْ يا محمد كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏ (14) التي علمتها من إهلاكهم‏ وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ‏ ابنه‏ عِلْماً بالقضاء بين الناس و منطق الطير و غير ذلك‏ وَ قالا شكرا للّه‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا

في كمه، لأنه كان عليه مدرعة قصيرة من صوف لا كم لها، و قيل: لها كم قصيرة.

قوله: تَخْرُجْ بَيْضاءَ جواب لقوله: أَدْخِلْ‏ قوله: (لها شعاع) أي لمعان و إشراق. قوله: (آية) أشار بذلك إلى أن‏ فِي تِسْعِ آياتٍ‏ في محل نصب متعلق بمحذوف حال أخرى من ضمير تَخْرُجْ‏ ، و قد صرح بهذا المحذوف في سورة طه حيث قال هناك: تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى‏ ، فالمعنى هنا حال كونها آية مندرجة في جملة الآيات التسع.

قوله: إِلى‏ فِرْعَوْنَ‏ متعلق بما قدره المفسر، و قوله: إِنَّهُمْ كانُوا الخ، تعليل لذلك المقدر.

قوله: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا أي جاءهم موسى بها، و قوله: مُبْصِرَةً اسم فاعل و المراد به المفعول، أطلق اسم الفاعل على المفعول، إشعارا بأنها لفرط وضوحها و إناراتها كأنها تبصر نفسها. قوله: (أي مضيئة) أي إضاءة معنوية في جميعها، و حسية في بعضها و هو اليد. قوله: قالُوا هذا أي ما نشاهده من الخوارق التي أتى بها موسى.

قوله: وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ‏ حال من الواو في‏ جَحَدُوا و لذا قدر فيه (قد). قوله: (أي تيقنوا) الخ، أشار به إلى أن السين زائدة. قوله: (راجع إلى الجحد) أي على أنه علة له. قوله: كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏ كَيْفَ‏ خبر مقدم لكان، و عاقِبَةُ اسمها مؤخر، و الجملة في محل نصب على إسقاط الخافض. قوله: (من إهلاكهم) أي بالإغراق على الوجه الهائل الذي هو عبرة للعالمين.

قوله: وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ‏ هو بالمد بمعنى أعطينا، و هو شروع في ذكر القصة الثانية، و كان لداود تسعة عشر ولدا أجلهم سليمان، و عاش داود مائة سنة، و سليمان ابنه نيفا و خمسين سنة، و بين داود و موسى خمسمائة سنة و تسع و ستون سنة، و بين سليمان و محمد صلّى اللّه عليه و سلّم ألف و سبعمائة سنة. قوله: (بالقضاء بين الناس) أي و هو علم الشرائع. قوله: (و منطق الطير) أي تصويته. قوله: (و غير ذلك) أي كتسبيح الجبال.

قوله: وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ أي شكر كل منهما ربه على ما أنعم عليه به. قوله: الَّذِي فَضَّلَنا أي أعطانا هذا الفضل العظيم. قوله: (و تسخير الجن و الإنس) الخ، ظاهره أن هذا كان لكل من داود

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 111

بالنبوة و تسخير الجن و الإنس و الشياطين‏ عَلى‏ كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ‏ (15) وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ النبوة و العلم دون باقي أولاده‏ وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ أي فهم أصواته‏ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ تؤتاه الأنبياء و الملوك‏ إِنَّ هذا المؤتى‏ لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ‏ (16) البين الظاهر

و سليمان و هو كذلك، إلا أن سليمان فاق أباه، و كانت له السلطنة الظاهرة. قوله: عَلى‏ كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي الذين لم يؤتوا مثلنا، و هذه مزية، و هي لا تقتضي الأفضلية، فداود و سليمان و إن أعطيا تلك المزايا، فأولو العزم أفضل منهما، لأن التفضيل من اللّه لا بالمزايا.

قوله: وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ أي قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه التسعة عشر، مع كون النبوة و العطايا التي مع داود مستمرة معه، و ليس المراد أن نبوة داود و عطاياه انتقلت منه لسليمان و صار داود بلا شي‏ء.

قوله: وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ أي قال سليمان لبني إسرائيل: شكرا للّه على نعمه. قوله: عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ أي فهمنا اللّه أصوات الطير، و لا مفهوم للطير، بل كان الزرع و النبات يكلمه و يفهم كلامه، ورد أن سليمان كان جالسا، إذ مر به طائر يطوف، فقال لجلسائه: أتدرون ما يقول هذا الطائر؟

إنه قال لي: السّلام عليك أيها الملك المسلط، و النبي لبني إسرائيل، أعطاك اللّه الكرامة، و أظهرك على عدوك، إني منطلق إلى أفراخي، ثم أمر بك الثانية، و إنه سيرجع إلينا الثانية، ثم رجع فقال لهم: يقول السّلام عليك أيها الملك المسلط، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يثبوا ثم آتيك، فافعل بي ما شئت، فأخبرهم سليمان بما قال، و أذن له فانطلق. و مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه و يميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا لا يا نبي اللّه، قال إنه يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. و مر بهدهد فوق شجرة و قد نصب له صبي فخا، فخاف، فقال له سليمان احذر، فقال الهدهد: يا نبي اللّه هذا صبي و لا عقل له فأنا أسخر به، ثم رجع سليمان فوجده قد وقع في حبالة الصبي و هو في يده فقال له: ما هذا؟ قال ما رأيتها حتى وقعت بها يا نبي اللّه، قال: و يحك فأنت ترى الماء تحت الأرض، أما ترى الفخ؟ فقال يا نبي اللّه إذا نزل القضاء عمي البصر. و صاح ورشان عند سليمان بن داود فقال سليمان: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول: لدوا للموت و ابنوا للخراب.

و صاحت فاختة فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: ليت الخلق لم يخلقوا، و ليتهم إذ خلقوا علموا ما خلقوا له. و صاح عنده طاووس فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول: كما تدين تدان. و صاح عنده هدهد فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا لا، قال: إنه يقول: إن من لا يرحم لا يرحم. و صاح عنده صرد فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول: استغفروا اللّه يا مذنبون. فمن ثم نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن قتله. و قيل: إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت، و لذلك يقال له الصرد الصرام.

و صاحت عنده طيطرجى فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: كل حي ميت، و كل جديد بال.

و صاحت عنده خطافة فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: قدموا خيرا تجدوه. فمن ثم نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن قتلها. و قيل: إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى اللّه تعالى الوحشة، فآنسه اللّه بالخطاف و ألزمها البيوت، فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم، قال: و معها أربع آيات من كتاب اللّه‏ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ‏ إلى آخرها، و تمد صوتها بقوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ . و هدرت حمامة عند سليمان فقال: أتدرون ما

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 112

وَ حُشِرَ جمع‏ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ في مسير له‏ فَهُمْ يُوزَعُونَ‏ (17)

تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: سبحان ربي الأعلى، عدد ما في السماوات و الأرض. و صاح قمري عند سليمان فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال إنه يقول: سبحان ربي العظيم المهيمن. قال كعب: و حدثهم سليمان فقال: الغراب يقول: اللهم العن العشار، و الحدأ يقول: كل شي‏ء هالك إلا وجهه، و القطاة تقول: من سكت سلم، و الببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه، و الضفدع تقول: سبحان ربي القدوس، و البازي يقول:

سبحان ربي و بحمده، و السرطان يقول: سبحان المذكور بكل مكان، و صاح دراج عند سليمان فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال إنه يقول: الرحمن على العرش استوى. و قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: الديك إذا صاح قال: اذكروا اللّه يا غافلون. و قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «النسر إذا صاح قال: يا ابن آدم عش ما شئت فآخرك الموت، و إذا صاح العقاب قال: في البعد من الناس راحة. و إذا صاح القنبر قال: إلهي العن مبغض آل محمد. و إذا صاح الخطاف قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ إلى آخرها فيقول‏ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ فيمد بها صوته كما يمد القارى‏ء».

قوله: وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قال ذلك تحدثا بنعمة اللّه، و شكرا على ما أعطاه.

قوله: وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ أي من الأماكن البعيدة، و كان له نقباء ترد أول العسكر على آخره، لئلا يتقدموا في السير، قال محمد بن كعب القرظي: كان عسكر سليمان عليه السّلام، مائة فرسخ في مائة فرسخ، خمسة و عشرون منها للإنس، و خمسة و عشرون للجن، و خمسة و عشرون للوحش، و خمسة و عشرون للطير، و قيل نسجت له الجن بساطا من ذهب و حرير فرسخا في فرسخ، و كان يوضع كرسيه في وسطه فيقعد، و حوله كراسي من ذهب و فضة، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب، و العلماء على كراسي الفضة، و الناس حوله، و الجن و الشياطين حول الناس، و الوحش حولهم، و تظلله الطير بأجنحتها حتى لا يقع عليه شمس، و كان له ألف بيت من قوارير على الخشب، فيها ثلاثمائة منكوحة يعني حرة، و سبعمائة سرية، فيأمر الريح العاصف فترفعه، ثم يأمر الرخاء فتسير به. و روي عن كعب الأحبار أنه قال: كان سليمان إذا ركب، حمل أهله و خدمه و حشمه، و قد اتخذ مطابخ و مخابز فيها تنانير الحديد و القدور العظام، تسع كل قدر عشرة من الإبل، فيطبخ الطباخون، و يخبز الخبازون، و هو بين السماء و الأرض، و اتخذ ميادين للدواب، فتجري بين يديه، و الريح تهوي، فسار من إصطخر يريد اليمن، فسلك على مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فلما وصل اليها قال سليمان: هذه دار هجرة نبي يكون آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، و طوبى لمن اتبعه، و لما وصل مكة، رأى حول البيت أصناما تعبد فجاوزه سليمان، فلما جاوزه بكى البيت، فأوحى اللّه اليه ما يبكيك؟ قال: يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك، و معه قوم من أوليائك، مروا علي و لم يصلوا عندي، و الأصنام تعبد حولي من دونك، فأوحى اللّه اليه لا تبك، فإني سوف أملؤك وجوها سجدا، و أنزل فيك قرآنا جديدا، و أبعث منك نبيا في آخر الزمان، أحب أنبيائي إلي، و أجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني، أفرض عليهم فريضة، يحنون اليك حنين الناقة إلى ولدها، و الحمامة إلى بيضها، و أطهرك من الأوثان و الأصنام و عبدة الشيطان، ثم مضى سليمان حتى مروا بوادي النمل. قوله: (يجمعون ثم يساقون) أي يمنعون من التقدم حتى يجتمعوا ثم يؤمرون.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 113

يجمعون ثم يساقون‏ حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى‏ وادِ النَّمْلِ‏ هو بالطائف أو بالشام نمله صغار أو كبار قالَتْ نَمْلَةٌ ملكة النمل و قد رأت جند سليمان‏ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ‏ لا يكسرنكم‏ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ (18) نزل النمل منزلة العقلاء في الخطاب‏

قوله: حَتَّى إِذا أَتَوْا غاية لمحذوف، أي فساروا مشاة على الأرض و ركبانا حتى إذا أتوا، الخ.

قوله: (نمله صغار) أي و هو المعروف، و قوله: (أو كبارا): أي كالبخاتي أو الذئاب. قوله: قالَتْ نَمْلَةٌ ) قيل اسمها طاخية و قيل جرمى، و حكى الزمخشري عن أبي حنيفة رضي اللّه عنه أنه وقف على قتادة و هو يقول: سلوني، فأمر أبو حنيفة شخصا سأل قتادة عن نملة سليمان، هل كانت ذكرا أو أنثى؟ فلم يجب، فقيل لأبي حنيفة في ذلك فقال: كانت أنثى و استدل بلحاق العلامة، قال بعضهم: و فيه نظر لأن لحاق التاء في قالت، لا يدل على أنها مؤنثة، لأن تاءه للوحدة لا للتأنيث، و حينئذ فيصح أن يقال: قال نملة، و قالت نملة، و ما استدل به أبو حنيفة يفيد الظن لا التحقيق. قوله: (و قد رأت جند سليمان) أي من ثلاثة أميال بدليل قوله الآتي، و قد سمعه من ثلاثة أميال.

قوله: يا أَيُّهَا النَّمْلُ‏ الخ، اشتمل هذا القول على أحد عشر نوعا من البلاغة، أولها النداء بيا، ثانيها لفظ أي، ثالثها التنبيه، رابعها التسمية بقولها: النَّمْلِ‏ ، خامسها الأمر بقولها: ادْخُلُوا سادسها التنصيص بقولها: مَساكِنَكُمْ‏ ، سابعها التحذير بقولها: لا يَحْطِمَنَّكُمْ‏ ثامنها التخصيص بقولها: سُلَيْمانُ‏ ، تاسعها التعميم بقولها: وَ جُنُودُهُ‏ عاشرها الإشارة بقولها: وَ هُمْ‏ ، حادي عشرها العذر بقولها: لا يَشْعُرُونَ‏ . و كانت تلك النملة عرجاء ذات جناحين، و هي من جملة الحيوانات العشرة التي تدخل الجنة و هي: براق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و هدهد بلقيس، و نملة سليمان، و عجل إبراهيم، و كبش ولده، و بقرة بني إسرائيل، و كلب أهل الكهف، و حمار العزير، و ناقة صالح، و حوت يونس، روي أن سليمان قال لها: لم حذرت النمل، أخفت من ظلمي؟ أما علمت أني نبي عدل، فلم قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ‏ ، فقالت النملة: أما سمعت قولي: وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ مع أني لم أرد حطم النفوس، و إنما أردت حطم القلوب، خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت، و يفتنن في الدنيا، و يشتغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح و الذكر، فلما تكلمت مع سليمان، مضت مسرعة إلى قومها فقالت: هل عندكم من شي‏ء نهديه إلى نبي اللّه؟ قالوا: و ما قدر ما نهدي له؟ و اللّه ما عندنا إلا نبقة واحدة، فقالت: حسنة ائتوني بها، فأتوها بها فحملتها بفيها و انطلقت تجرها، و أمر اللّه الريح فحملتها و أقبلت تشق الجن و الإنس و العلماء و الأنبياء على البساط، حتى وقفت بين يديه، و وضعت تلك النبقة من فيها في فيه، و أنشأت تقول:

أ لم تر أنا نهدي إلى اللّه ماله‏

و إن كان عنه ذا غنى فهو قابله‏

و لو كان يهدى للجليل بقدره‏

لأقصر البحر عنه يوما و ساحله‏

و لكننا نهدي إلى من نحبه‏

فيرضى بها عنا و يشكر فاعله‏

و ما ذاك إلا من كريم فعاله‏

و إلا فما في ملكنا من يشاكله‏

فقال لها: بارك اللّه فيكم، فهم بتلك الدعوة أشكر خلق اللّه، و أكثر خلق اللّه، و النمل حيوان‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 114

بخطابهم‏ فَتَبَسَّمَ‏ سليمان ابتداء ضاحِكاً انتهاء مِنْ قَوْلِها و قد سمعه من ثلاثة أميال حملته إليه الريح فحبس جنده حين أشرف على واديهم حتى دخلوا بيوتهم، و كان جنده ركبانا و مشاة في هذا السير وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي‏ ألهمني‏ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ‏ بها عَلَيَّ وَ عَلى‏ والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ‏ (19) الأنبياء و الأولياء وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ ليرى الهدهد الذي يرى الماء تحت الأرض و يدل عليه بنقره فيها فتستخرجه الشياطين لاحتياج سليمان إليه للصلاة فلم يره‏ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أي أعرض لي ما

معروف شديد الإحساس و الشم، حتى إنه يشم الشي‏ء من بعيد و يدخر قوته، و من شدة إدراكه أنه يفلق الحبة فلقتين خوفا من الإنبات، و يفلق حبة الكزبرة أربع فلق، لأنها إذا فلقت فلقتين نبتت، و يأكل في عامه نصف ما جمع، و يستبقي باقيه عدة. قوله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ‏ فيه وجهان، أحدهما أنه نهي، و الثاني أنه جواب الأمر. قوله: وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ جملة حالية.

قوله: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مفرع على محذوف تقديره فسمع قولها المذكور فتبسم، و كان سبب ضحكه شيئين: أحدهما ما دل على ظهور رحمته و رحمة جنوده و شفقتهم من قولها و هم لا يشعرون. الثاني سروره بما آتاه اللّه ما لم يؤت أحدا، من ادراك سمعه ما قالته النملة. قوله: (ابتداء) الخ، فالتبسم انفتاح الفم من غير صوت، و الضحك انفتاحه مع صوت خفيف، و القهقهة انفتاحه مع صوت قوي، و هي لا تكون من الأنبياء. قوله: (في هذا السير) أي في خصوص سيره على وادي النمل، و كان هو و جنوده في غير هذا المكان راكبين على البساط و تسير بهم الريح. قوله: وَ عَلى‏ والِدَيَ‏ إنما ذكر نعمة والديه تكثيرا للنعمة، ليزداد في الشكر عليها. قوله: فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ‏ على حذف مضاف أي في جملة عِبادِكَ‏ و في بمعنى مع، و المراد الكاملون في الصلاح، لأن الصلاح مقول بالتشكيك، فما من مقام إلا و فوقه أعلى منه، و الكامل يقبل الكمال.

قوله: وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ شروع في القصة الثالثة، و المعنى نظر في الطير فلم ير الهدهد، و كان سبب سؤاله عن الهدهد، أنه كان دليل سليمان على الماء، و كان يعرف موضع الماء، و يرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة، و يعرف قربه و بعده، فينقر في الأرض، ثم تجي‏ء الشياطين فيحفرونه و يستخرجون الماء في ساعة يسيرة، قيل لما ذكر ذلك ابن عباس قيل له: إن الصبي يضع له فخا و يحثو عليه التراب، فيجي‏ء الهدهد و هو لا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه، فقال ابن عباس: إذا نزل القضاء و القدر، ذهب اللب و عمي البصر، قيل و لم يكن له في مسيره إلا هدهد واحد. قوله: (فتستخرجه الشياطين) أي بأن تسلخ وجه الأرض عن الماء، كما تسلخ الشاة.

قوله: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ استفهام استخبار. قوله: أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ‏ أَمْ‏ منقطعة تفسر ببل و الهمزة، كأنه لما يره ظن أنه حاضر و لا يراه لساتر أو غيره، فقال: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ثم احتاط فظهر له أنه غائب فأضرب عن ذلك، و هو إضراب انتقالي.

قوله: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً الحلف على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث، فأو بين الكلمتين الأوليين للتخيير، و في الثالث للترديد بينه و بينهما، فهي في الأخير بمعنى إلا. قوله: (بنتف ريشه) هذا أحد أقوال في معنى التعذيب، و قيل هو أن‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 115

منعني من رؤيته‏ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ‏ (20) فلم أره لغيبته، فلما تحققها قال‏ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً تعذيبا شَدِيداً بنتف ريشه و ذنبه و رميه في الشمس فلا يمتنع من الهوامّ‏ أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ‏ بقطع حلقومه‏ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي‏ بنون مشددة مكسورة أو مفتوحة يليها نون مكسورة بِسُلْطانٍ مُبِينٍ‏ (21)

يحشره مع غير أبناء جنسه، و قيل هو أن يطلى بالقطران و يوضع في الشمس. قوله: (بنون مشددة) الخ، أي و القراءتان سبعيتان.

صفحه بعد