کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين

المجلد الرابع

سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة ن سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة التساؤل سورة و النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الأنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة و التين سورة اقرأ(العلق) سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس سورة الفاتحة

الفهرس

تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس تفسير سورة الفاتحة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين


صفحه قبل

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 391

اعتذروا وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ أي البعد من الرحمة وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) الآخرة أي شدة عذابها وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى‏ التوراة و المعجزات‏ وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ‏ (53) من بعد موسى‏ الْكِتابَ‏ التوراة هُدىً‏ هاديا وَ ذِكْرى‏ لِأُولِي الْأَلْبابِ‏ (54) تذكرة لأصحاب العقول‏ فَاصْبِرْ يا محمد إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بنصر أوليائه‏ حَقٌ‏ و أنت و من اتبعك منهم‏ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ‏ ليستن بك‏ وَ سَبِّحْ‏ صلّ متلبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِ‏ و هو من بعد الزوال‏ وَ الْإِبْكارِ (55) الصلوات الخمس‏ إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ‏ القرآن‏ بِغَيْرِ سُلْطانٍ‏ برهان‏ أَتاهُمْ إِنْ‏ ما فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ تكبر و طمع أن يعلوا عليك‏ ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏

الأول. قوله: (بالياء و التاء) أي فهما سبعيتان. قوله: (لو اعتذروا) جواب عما يقال: مقتضى الآية أنهم يذكرون أعذارهم، إلا أنها لا تنفعهم، و حينئذ يكون بينها و بين الآية الأخرى و هي‏ وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ‏ تناف، فأجاب: بأن معنى (لو اعتذروا) فرضا لا تنفعهم معذرتهم، فهذه الآية على سبيل الفرض و التقدير.

قوله: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى‏ هذا مرتب على قوله: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ فهذا من النصر الدنيوي الموصل لنصر الأخروي. قوله: (من بعد موسى) أي إلى نزول عيسى، فآتاه اللّه الإنجيل، ناسخة لبعض احكام التوراة. قوله: الْكِتابَ‏ لم يعبر عنه في جانب بني إسرائيل بالهدى، كما عبر في جانب موسى، إشارة إلى أنه لم يكن هدى لجميعهم، بل هدى لمن آمن و صدق، و وبال لمن طغى و كفر.

قوله: (هاديا) أشار بذلك إلى أن‏ هُدىً‏ حال من‏ الْكِتابَ‏ ، و كذا قوله: وَ ذِكْرى‏ . قوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ هذا نتيجة ما قبله، أي إذا علمت أن اللّه ناصر لرسله في الدنيا و الآخرة، فاصبر حتى يأتيك النصر من ربك.

قوله: وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ‏ أي اطلب المغفرة من ربك لذنبك، و المقصود من هذا الأمر، تعليم الأمة ذلك، و إلا فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم معصوم من الذنوب جميعا، صغائر و كبائر، قبل النبوة و بعدها على التحقيق كجميع الأنبياء، و إلى هذا أشار المفسر بقوله: (ليستن بك) أي يقتدى بك، و أجيب أيضا: بأن الكلام على حذف مضاف، و التقدير: و استغفر لذنب أمتك، و إنما أضيف الذنب له، لأنه شفيع لهم، و أمرهم متعلق به، فإذا لم يسع في غفرانه في الدنيا، اتبعه في الآخرة، قال تعالى‏ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ‏ و كل هذا تشريف لهذه الأمة المحمدية، فقد تشرفت بأمور: منها أن نبيها مأمور بالاستغفار لها، و منها صلاة اللّه و ملائكته عليها، و غير ذلك. و أجيب أيضا: بأن المراد بالذنب خلاف الأولى، و سمي ذنبا بالنسبة لمقامه، من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: (صلّ) إنما فسر التسبيح بالصلاة لقرينة قوله: (بعد) بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ . قوله: (و هو من بعد الزوال) أي و فيه أربع صلوات: الظهر و العصر و المغرب و العشاء، و قوله: وَ الْإِبْكارِ أي و هو من الفجر إلى الزوال، و فيه صلاة واحدة و هي الصبح، فلذلك قال: الصلوات الخمس.

قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ الخ، بيان لتفصيل أن جدالهم ناشى‏ء من الحقد الذي في صدورهم، و فيما تقدم بين عاقبة جدالهم، و ما أعد لهم في نظيره. قوله: بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 392

فَاسْتَعِذْ من شرهم‏ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏ لأقوالهم‏ الْبَصِيرُ (56) بأحوالهم، و نزل في منكري البعث‏ لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ ابتداء أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ‏ مرة ثانية و هي الإعادة وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ‏ أي كفار مكة لا يَعْلَمُونَ‏ (57) ذلك، فهم كالأعمى و من يعلمه كالبصير وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ لا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ و هو المحسن‏ وَ لَا الْمُسِي‏ءُ فيه زيادة لا قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ‏ (58) يتعظون بالياء و التاء، أي تذكرهم قليل جدا إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ‏ شك‏ فِيها وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ‏ (59) بها وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ أي اعبدوني أثبكم بقرينة ما بعده‏ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ‏

وصف كاشف، إذ يستحيل المجادلة في آيات اللّه بسلطان. قوله: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ‏ خبر إِنَ‏ .

قوله: ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ هذا وعد حسن من اللّه تعالى، بأن المتكبر لا يبلغ ما أمله بكبره، و إنما يجعل كيده في نحره. قوله: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ‏ أي تحصن باللّه من كيدهم، و التجى‏ء إليه في دفع مكرهم. قوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ تعليل لما قبله.

قوله: لَخَلْقُ السَّماواتِ‏ الخ، أي سبعا طباقا على هذا الوجه المشاهد. قوله: (ابتداء) أي من غير سبق مثال. قوله: أَكْبَرُ أعظم بحسب العادة، و إلا فالكل بالنسبة إليه تعالى، لا تفاوت فيها بين الصغير و الكبير، بدءا و إعادة. قوله: وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ أي و الأقل يعلمه و هو من آمن.

قوله: (فهم كالأعمى) الخ. هذا نتيجة ما قبله، و هو دخول على‏

قوله: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ الخ.

قوله: وَ (لا) الَّذِينَ آمَنُوا الخ، راجع للبصير، و قوله: وَ لَا الْمُسِي‏ءُ راجع لقوله:

الْأَعْمى‏ على سبيل اللف و النشر المشوش، و هو من أنواع البلاغة. قوله: (فيه زيادة لا) أي للتوكيد لطول الكلام بالصلة.

قوله: قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ‏ قَلِيلًا صفة لموصوف محذوف مفعول مطلق، أي يتذكرون تذكرا قليلا، و ما زائدة لتوكيد القلة. قوله: (بالياء و التاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي تذكرهم قليلا) هكذا بالنصب على الحال، و الخبر محذوف، و التقدير يحصل حال كونه قليلا.

قوله: لا رَيْبَ فِيها أي لوضوح الأدلة على حصولها. قوله: وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ‏ (بها) أي جحدا و عنادا، و الأقل يؤمنون لقيام الدليل العقلي و الشرعي، على أنه تعالى قادر على كل شي‏ء، و أخبر على ألسنة رسله أنه كما بدأنا يعيدنا، فلو جوز تخلفه للزم، إما كذب خبره تعالى أو عجزه، و كلاهما محال تنزه اللّه عنه.

قوله: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ الدعاء في الأصل، السؤال و التضرع إلى اللّه تعالى في الحوائج الدنيوية و الأخروية الجليلة و الحقيرة، و منه ما ورد: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى في شسع نعله إذا انقطع، و قوله: أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ أي أجبكم فيما طلبتم، لما ورد: إذا قال العبد: يا رب، قال اللّه: لبيك يا عبدي. إن قلت: قوله: أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ وعد بالإجابة، و وعده لا يتخلف، مع أنه مشاهد أن الإنسان قد يدعو و لا يستجاب له. أجيب: بأن الدعاء له شروط، فإذا تخلف بعضها تخلفت الإجابة، منها: إقبال العبد بكليته على اللّه وقت الدعاء، بحيث لا يحصل في قلبه غير ربه، و أن لا يكون‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 393

بفتح الياء و ضم الخاء و بالعكس‏ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‏ (60) صاغرين‏ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إسناد الإبصار إليه مجازي لأنه يبصر فيه‏ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ‏ (61) اللّه فلا يؤمنون‏ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ (62) فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان‏ كَذلِكَ يُؤْفَكُ‏ أي مثل إفك هؤلاء إفك‏ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ‏ معجزاته‏ يَجْحَدُونَ‏ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ‏

لمفاسد، و أن لا يكون فيه قطيعة رحم، و أن لا يستعجل الإجابة، و أن يكون موقنا بها، فإذا كان الدعاء بهذه الشروط، كان حقيقا بالإجابة، فإما أن يعجلها له، و إما أن يؤخرها له، فالإجابة على مراده تعالى، و حينئذ فالذي ينبغي للإنسان أن يدعو اللّه تعالى، و يفوض له الأمر في الإجابة، و لذا ورد: «ما من رجل يدعو اللّه تعالى بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، و إما أن يؤخر له في الآخرة، و إما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل، قالوا: يا رسول اللّه و كيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت فما استجاب لي» و الدعاء من خصائص هذه الأمة، لما حكي عن كعب الأحبار قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثا، لم يعطهن أمة قبلهم إلا نبي، كان إذا أرسل نبي، قيل له: أنت شاهد على أمتك، و قال تعالى لهذه الأمة لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ‏ و كان يقال للنبي: ليس عليك في الدين من حرج، و قال تعالى لهذه الأمة وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏ و كان يقال للنبي: ادعني أستجب لك، و قال لهذه الأمة ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ و قد يطلق الدعاء على مطلق العبادة مجازا، من اطلاق الخاص و ارادة العام، و هما تفسيران للدعاء هنا مشى على المفسر على الثاني، و عبر عنها بالدعاء إشارة إلى أن المقصود من العبادة، الذل و الخضوع و الفقر و المسكنة، و الدعاء مشعر بذلك. قوله: (بقرينة ما بعده) أي و هو قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ الخ، فتحصل أن في الآية تفسيرين:

أحدهما حقيقة، و الثاني مجاز، اختار المفسر الثاني لوجود القرينة، و يصح ارادة الحقيقة لأنها الأصل. قوله:

(بفتح الياء و ضم الخاء) أي و القراءتان سبعيتان. قوله: (صاغرين) أي أذلاء، فمن أنف و استكبر في الدنيا، ألبس ثوب الذل في الآخرة، و من تواضع و تذلل في الدنيا، ألبس ثواب العز و الفخر في الآخرة، فباب الذل و الانكسار من أعظم الأبواب الموصلة إلى اللّه تعالى، لما حكي عن سيدي أحمد الرفاعي أنه قال: طرقت الأبواب الموصلة إلى اللّه تعالى فوجدتها مزدحمة، إلا باب الذل و الإنكسار، و ورد أن داود سأل ربه فقال: يا ربنا كيف الوصول إليك؟ قال: يا داود خلّ نفسك و تعال.

قوله: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ‏ الخ، هذا من جملة الأدلة على باهر قدرته تعالى كأنه قال: لا يليق منكم أن تتركوا عبادة من هذه أفعاله. قوله: (مجازي) أي عقلي من اسناد الفي‏ء إلى زمانه. قوله:

لَذُو فَضْلٍ‏ أي جود و إحسان. قوله: وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ‏ أي و هم الكفار، و كان حقا على الناس جميعهم أن يشكروا اللّه تعالى و يوحدوه.

قوله: ذلِكُمُ‏ الإشارة مبتدأ، و اللَّهُ‏ و رَبُّكُمْ‏ ، و خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ و لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أخبار أربعة له. قوله: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ من الأفك بفتح الهمزة و هو الصرف، و أما الإفك بالكسر فهو الكذب.

قوله: كَذلِكَ يُؤْفَكُ‏ الخ، هذا تسلية له صلّى اللّه عليه و سلّم، و المعنى لا تحزن يا محمد فلا خصوصية لأمتك، بل من قبلهم كذلك. قوله: (أفك) الَّذِينَ‏ بضم الهمزة فعل‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 394

الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً سقفا وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ‏ اعبدوه‏ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ من الشرك‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ‏ تعبدون‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ‏ دلائل التوحيد مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ بخلق أبيكم آدم منه‏ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ مني‏ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ دم غليظ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا بمعنى أطفالا ثُمَ‏ يبقيكم‏ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏ تكامل‏

ماض مبني للمجهول، و أشار بذلك إلى أن المضارع بمعنى الماضي، و أتى به مضارعا استحضارا للصورة الغريبة.

قوله: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً هذا من جملة أدلة توحيده، و قوله: قَراراً أي محل قرار، أي سكون مع كونها في غاية الثقل، لا ممسك لها إلا قدرة اللّه تعالى. فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ أي صوركم أحسن تصوير، حيث جعلكم منتصبي القامة، بادي البشرة، متناسبي الأعضاء، تمشون على رجلين، و جعل محل المواجهة من أعلى و محل الاقتذار من أسفل، فسبحان الحكيم العليم. قوله:

وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ أي المستلذات ملبسا و مطعما و مركبا. قوله: ذلِكُمُ‏ أي الفاعل لذلك كله، و اسم الإشارة مبتدأ، و اللَّهُ رَبُّكُمْ‏ خبران له.

قوله: هُوَ الْحَيُ‏ أي الحياة الذاتية التي لا فناء لها و لا انقضاء. قوله: (اعبدوه) تقدم أنه أحد تفسيرين، و يصح ارادة الآخر، و هو السؤال و التضرع، و المعنى إذا علمتم أن اللّه مالك الملك، المتصرف فيه دون غيره، فاسألوه في جميع ما تحتاجون، لأن خير الدنيا و الآخرة عنده دون غيره. قوله: مُخْلِصِينَ‏ حال، و قوله: الَّذِينَ‏ مفعول للمخلصين، و المعنى غير مشركين غيره، لا ظاهرا و لا باطنا.

قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ يحتمل أنه من كلام العباد، فهو مقول لقول محذوف حال، و المعنى قائلين ذلك لما ورد عن ابن عباس: من قال لا إله إلا اللّه فليقل على أثرها الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ فهو إشارة إلى أن العبد لا يؤجر على الحمد، و لا يعد به شكورا، إلا إذا كان موحدا، و أما الكافر فعمله يذهب هباء منثورا، و يحتمل أنه مستأنف من كلامه تعالى تعليما لعباده كيفية الحمد.

قوله: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ‏ الخ، أمر اللّه تعالى نبيه أن يخاطب قومه بذلك زجرا لهم، حيث استمروا على عبادة غير اللّه، بعد ظهور الأدلة العقلية و النقلية. قوله: لَمَّا جاءَنِي‏ أي حين جاءني. قوله:

(دلائل التوحيد) الأدلة العقلية و النقلية. قوله: وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ‏ الخ، إما من الإسلام بمعنى الانقياد، أو بمعنى الخلوص، و على كل فالمفعول محذوف تقديره على الأول أسلم أمري له، و على الثاني أخلص قلبي من عبادة غيره تعالى.

قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ الخ، لما ذكر فيما تقدم من جملة أدلة توحيده أربعة أشياء من دلائل الآفاق و هي: الليل و النهار و الأرض و السماء، و ثلاثة من دلائل الأنفس و هي: التصوير و حسن الصورة و رزق الطيبات، ذكر هنا كيفية خلق الأنفس ابتداء و انتهاء. قوله:

(بخلق أبيكم آدم) الخ، أي فالكلام على حذف مضاف، و يصح ابقاء الكلام على ظاهره، باعتبار أن أصل النطفة الغذاء، و هو ناشى‏ء من التراب. قوله: ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أي بعد مضي أربعين يوما.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 395

قوتكم من الثلاثين سنة إلى الأربعين‏ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً بضم الشين و كسرها وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ‏ أي قبل الأشد و الشيخوخة، فعل ذلك بكم لتعيشوا وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ وقتا محدودا وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ (67) دلائل التوحيد فتؤمنون‏ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ فَإِذا قَضى‏ أَمْراً أراد إيجاد شي‏ء فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ (68) بضم النون و فتحها بتقدير أن، أي يوجد عقب الإرادة التي هي معنى القول المذكور أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ‏ القرآن‏ أَنَّى‏ كيف‏ يُصْرَفُونَ‏ (69) عن الإيمان‏ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ‏ القرآن‏ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا من التوحيد و البعث و هم كفار مكة فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ (70) عقوبة تكذيبهم‏ إِذِ الْأَغْلالُ‏

قوله: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا أجمل هنا في المراتب، و فصلها في سورة المؤمنون في قوله: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ‏ الخ، أي فهنا حذف مرتبتين المضغة و العظم العاري عن اللحم.

قوله: (بمعنى أطفالا) إنما أوله بالجمع، لتحصل المطابقة بين الحال و صاحبها، فإن‏ طِفْلًا حال من الكاف في‏ يُخْرِجُكُمْ‏ فالحال مفردة لفظا جمع معنى، لأن لفظ الطفل يقع على المذكر و المؤنث، و المفرد و الجمع، و من ذلك قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا . قوله: ثُمَ‏ (يبقيكم) لِتَبْلُغُوا أشار بذلك إلى أن قوله: لِتَبْلُغُوا متعلق بمحذوف و هو معطوف على قوله: يُخْرِجُكُمْ‏ . قوله: ثُمَّ لِتَكُونُوا معطوف على‏ لِتَبْلُغُوا . قوله: (بضم الشين و كسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (فعل ذلك بكم لتعيشوا) قدره إشارة إلى أن قوله: وَ لِتَبْلُغُوا معطوف على محذوف و هما علتان، و المعلول ما تقدم من الأفعال الصادرة منه تعالى. قوله: (وقتا محدودا) أي و هو وقت الموت. قوله: وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ معطوف على قوله: لِتَبْلُغُوا و يصح أن يكون معطوفا على محذوف تقديره فعل ذلك لتتدبروا وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ .

قوله: هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ هذا نتيجة ما قبله، و قوله: فَإِذا قَضى‏ أَمْراً مرتب على ما تقدم، و المعنى: من ثبت أن هذه أفعاله، علم أنه لا يعسر عليه شي‏ء و لا يتوقف إلا على تعلق إرادته به.

قوله: (بضم النون) أي على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو يكون. قوله: (و فتحها) أي فهو منصوب بأن مضمرة وجوبا، بعد فاء السببية الواقعة في جواب الأمر، و القراءتان سبعيتان. قوله: (عقب الإرادة التي هي معنى القول المذكور) و الأوضح أن يقول و هذا القول المذكور، كناية عن سرعة الإيجاد، فالمعنى: أن المراد ايجاد شي‏ء وجد سريعا من غير توقف على شي‏ء، و إلا فكلام المفسر يقتضي أن معنى الآية: فإذا أراد إيجاد شي‏ء، فإنما يريد إيجاده فيوجد، و هذا لا معنى له.

قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ‏ الخ، هذا تعجب من أحوالهم الشنيعة، و بيان لعاقبة أمرهم.

قوله: الَّذِينَ كَذَّبُوا إما بدل من الموصول قبله فهو في محل جر، أو في محل نصب أو رفع على الذم. قوله: (من التوحيد) أي و سائر الكتب و الشرائع. قوله: (إذ بمعنى إذا) جواب عما يقال: إن سوف للاستقبال، و إِذِ للماضي؛ و حينئذ فلا يصح تعلق الماضي بالمستقبل، فأجاب: بأنها مستعملة في‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 396

فِي أَعْناقِهِمْ‏ إذ بمعنى إذا وَ السَّلاسِلُ‏ عطف على الأغلال فتكون في الأعناق، أو مبتدأ خبره محذوف أي في أرجلهم أو خبر يُسْحَبُونَ‏ (71) أي يجرّون بها فِي الْحَمِيمِ‏ أي جهنم‏ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ (72) يوقدون‏ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ‏ تبكيتا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ‏ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ معه و هي الأصنام‏ قالُوا ضَلُّوا غابوا عَنَّا فلا نراهم‏ بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً أنكروا عبادتهم إياها ثم أحضرت، قال تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ‏ أي وقودها كَذلِكَ‏ أي مثل إضلال هؤلاء المكذبين‏ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ (74) و يقال لهم أيضا ذلِكُمْ‏ العذاب‏ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ من الإشراك و إنكار البعث‏ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ (75) تتوسعون في الفرح‏ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى‏ مأوى‏ الْمُتَكَبِّرِينَ‏ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بعذابهم‏ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ‏ فيه إن الشرطية مدغمة،

الاستقبال مجازا، و المسوغ الإشارة إلى أن هذا الأمر محقق و واقع.

قوله: (عطف على الأغلال) أي و قوله:

فِي أَعْناقِهِمْ‏ خبر عنهما. قوله: (أو مبتدأ) الخ، أي و جملة يُسْحَبُونَ‏ حال من الضمير المستكن في الظرف، أو مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا حالهم؟ فقيل‏ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ‏ . قوله: (أو خبره) يُسْحَبُونَ‏ أي و عليه فالرابط محذوف قدره بقوله: (بها) فتحصل أن المعنى: الأغلال و السلاسل تكون في أعناقهم، و يسحبون في جهنم على وجوههم؛ و هذا على الاعرابين الأولين؛ و على الثالث فالمعنى: أن الأغلال في أعناقهم، و السلاسل في أرجلهم، و يسحبون في جهنم، و كل صحيح.

قوله: (أي جهنم) و قيل‏ الْحَمِيمِ‏ الماء الحار. قوله: يُسْجَرُونَ‏ أي يعذبون بأنواع العذاب.

قوله: ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ‏ التعبير بالماضي لتحقق الوقوع. قوله: أَيْنَ ما كُنْتُمْ‏ ترسم‏ أَيْنَ‏ مفصولة من‏ ما . قوله: (و هي الأصنام) تفسير لما.

قوله: بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً هذا في أول الأمر يتبرؤون من عبادة الأصنام لرجاء أنه ينفعهم، فهو إضراب عن قوله: ضَلُّوا عَنَّا و هذا قبل أن تقرن بهم آلهتهم. قوله: (ثم أحضرت) جواب عما يقال: إن حمل الآية على هذا الوجه؛ يخالف قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ‏ فأجاب: بأنهم أولا تضل عنهم آلهتهم و يتبرؤون؛ ثم تحضر و تقرن بهم. قوله: (و يقال لهم أيضا) أي توبيخا. قوله: (تتوسعون في المعاصي) أي تظهرون السرور في الدنيا؛ بالمعصية و كثرة المال و ضياعه في المحرمات، فالمرح شدة الفرح، و هو إن كان ذما في الكفار؛ يجر بذيله على كل من توسع في معاصي اللّه، فله من هذا الوعيد نصيب.

قوله: ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ‏ عطف على قوله: ذلِكُمْ‏ الخ، داخل في حيز القول المقدر.

قوله: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ لم يقل فبئس مدخل المتكبرين، لأن الدخول لا يدوم، و إنما يدوم المثوى، و لذا خصه بالذم.

قوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ هذا تسلية من اللّه لنبيه صلّى اللّه عليه و سلّم، و وعد حسن بالنصر له على أعدائه. قوله: (بعذابهم) أي و سمي وعدا، بالنظر لكونه نصرا للنبي، فهو في الحقيقة وعد و وعيد. قوله: (فيه) خبر مقدم و (إن الشرطية) مبتدأ مؤخر، و قوله: (مدغمة) حال من (إن) و لم يذكر

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏3، ص: 397

و ما زائدة تؤكد معنى الشرط أول الفعل، و النون تؤكد آخره‏ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ به من العذاب في حياتك، و جواب الشرط محذوف أي فذاك‏ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ‏ قبل تعذيبهم‏ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ‏ (77) فنعذبهم أشد العذاب، فالجواب المذكور للمعطوف فقط وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ‏ روي أنه تعالى بعث ثمانية آلاف نبي، أربعة آلاف من بني إسرائيل، و أربعة آلاف من سائر الناس‏ وَ ما كانَ لِرَسُولٍ‏ منهم‏ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ لأنهم عبيد مربوبون‏ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ‏ بنزول العذاب على الكفار قُضِيَ‏ بين الرسل و مكذبيهم‏ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ‏ (78) أي ظهر القضاء و الخسران‏

المدغم فيه و هو (ما) الزائدة، و قوله: (تؤكد معنى الشرط) أي التعليق، و قوله: (أول الفعل) حال من (ما) الزائدة، و المعنى: حال كونها واقعة في أول فعل الشرط، و قوله: (و النون تؤكد) أي تؤكد الفعل، فحذف المؤكد بالفتح، و قوله: (آخره) حال من النون، أي حال كونها واقعة في آخر الفعل فتحصل أن هنا مؤكدين بالكسر و هما: ما و النون، و مؤكدين بالفتح و هما: التعليق و فعل الشرط. قوله: بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ مفعول‏ نُرِيَنَّكَ‏ الثاني؛ و الكاف مفعول أول. قوله: (و جواب الشرط) أي الأول.

قوله: أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ‏ عطف على قوله: نُرِيَنَّكَ‏ . قوله: (فالجواب المذكور للمعطوف فقط) أي و لا يصح أن يكون جوابا عن الأول، لأن من المعلوم أن جواب الشرط مسبب عن فعله، و لا يحسن أن يكون انتقام اللّه منهم في الآخرة، مسببا عن رؤية النبي صلّى اللّه عليه و سلّم تعذبهم في الدنيا، و في الحقيقة قوله: فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ‏ دليل الجواب، و الجواب محذوف أيضا، و التقدير فلا يفوتهم.

قوله: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ‏ الخ، هذا تسلية له صلّى اللّه عليه و سلّم، كأن اللّه تعالى يقول له: إنا قد أرسلنا رسلا؛ و آتيناهم معجزات؛ و جادلهم قومهم، و صبروا على أذاهم، فتأسّ بهم، و قوله: رُسُلًا المراد بهم ما يشمل الأنبياء. قوله: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ‏ أي ذكرنا لك قصصهم و أخبارهم في القرآن، و هم خمسة و عشرون. قوله: وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ‏ أي لم نذكر لك قصصهم في القرآن، تخفيفا و رحمة بأمتك، لئلا يعجزوا عن حفظه، و بهذا التقدير اندفع ما قد يتوهم أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم مساو لأمته في عدم علم ما عدا الخمسة و العشرين، فتحصل أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لم يخرج من الدنيا، حتى علم جميع الأنبياء تفصيلا، كيف لا، و هم مخلوقون منه، و صلوا خلفه ليلة الإسراء في بيت المقدس؟ و لكنه من العلم المكتوم، و إنما ترك بيان قصصهم للأمة رحمة بهم، فلم يكلفهم إلا بما يطيقون. قوله: (روي) في عبارة غيره، قيل: و الصحيح ما روي عن أبي ذر قال: «قلت يا رسول اللّه، كم عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاثمائة و خمسة عشر جما غفيرا».

قوله: وَ ما كانَ لِرَسُولٍ‏ أي ما صح و ما استقام. قوله: إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ أب بإرادته. قوله:

صفحه بعد