کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين

المجلد الرابع

سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة ن سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة التساؤل سورة و النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الأنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة و التين سورة اقرأ(العلق) سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس سورة الفاتحة

الفهرس

تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس تفسير سورة الفاتحة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين


صفحه قبل

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 457

الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ‏ (6) بيان للشيطان الموسوس أنه جني و إنسي، كقوله تعالى: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِ‏ أو من الجنة بيان له، و الناس عطف على الوسواس، و على كل يشمل شر لبيد و بناته المذكورين، و اعترض الأول بأن الناس لا يوسوس في صدورهم الناس، إنما يوسوس في صدورهم الجن، و أجيب: بأن الناس يوسوسون أيضا بمعنى يليق بهم في الظاهر، ثم تصل وسوستهم إلى القلب و تثبت فيه بالطريق المؤدي إلى ذلك، و اللّه تعالى أعلم.

السلف: أن المؤمن يفني شيطانه، كما يفني الرجل بعيره في السفر. قال قتادة: الْخَنَّاسِ‏ له خرطوم كخرطوم الكلب، و قيل: كخرطوم الخنزير في صدر الإنسان، فإذا ذكر العبد ربه خنس، و يقال: رأسه كرأس الحية، واضع رأسه على ثمرة القلب يمسه و يحدثه، فإذا ذكر اللّه خنس و تأخر، و إذا غفل رجع، و هل المراد الحقيقة. أو خرطوم الكلب و الخنزير كناية عن قبحه و خبثه و نجاسته، و رأس الحية كناية عن شدة الأذية، و وضعه على الفؤاد كناية عن شدة التمكن؟ كل محتمل. قوله: (إذا غفلوا عن ذكر اللّه) أي بقلوبهم و لو كانوا ذاكرين بألسنتهم، و ذلك لأن الوسوسة حالة في القلب، فلا يطردها إلا الذكر في الحال في القطر، فمن كان من أهل الذكر، فلا تسلط للشيطان عليه، قال تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ،* و لا يترك الإنسان الذكر اللساني إذا وجد الغفلة و الوسواس في قلبه، بل يكثر الذكر و يديمه، فلعله يستيقظ قلبه و يتنور، قال العارفون: الذكر اللساني كقدح الزناد، فإذا تكرر أصاب، قال بعضهم في ذلك:

اطلب و لا تضجرن من مطلب‏

فآفة الطالب أن يضجرا

أما ترى الحبل لتكراره‏

في الصخرة الصماء قد أثرا

قوله: مِنَ الْجِنَّةِ اسم جنس جمعي، يفرق بينه و بين واحده بالياء، فيقال: جن و جني، كزنج و زنجي، و غالبا يفرق بالتاء كتمر و تمرة، و زيدت التاء في الجنة لتأنيث الجماعة، سموا بذلك لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون، و هم أجسام نارية هوائية، يتشكلون بالصور الشريفة و الخسيسة، و تحكم عليهم الصورة و تقدم ما فيهم. قوله: (بيان للشيطان الموسوس) أي المذكور بقوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ‏ ف مِنَ‏ بيانية مشوبة بتبعيض، أي بعض الجنة و بعض الناس. قوله: (كقوله تعالى) الخ، أي و يشهد له حديث: «تعوذوا باللّه من الشياطين الجن و الإنس». قوله: (و الناس) عطف على الوسواس، أي و لفظ شَرِّ مسلط عليه كأنه قال: من شر الوسواس الذي يوسوس و هو الجنة، و من شر الناس، و عليه فالناس لا يصدر منهم وسوسة. قوله: (و على كل) أي من الاحتمالين، و قوله: (يشمل) أي الشر المستعاذ منه شر لبيد الخ. قوله: (المذكورين) أي في السورة السابقة، و فيه تغليب المذكر و هو لبيد، على المؤنث و هو بناته. قوله: (و اعترض الأول) أي و هو أنه بيان للشيطان الموسوس. قوله: (لا يوسوس في صدورهم الناس) كذا في بعض النسخ، و المناسب كما في بعضها لا يوسوسون في صدور الناس. قوله:

(بمعنى يليق بهم) أي كالنميمة و يخنسون إذا زجروا. قوله: (المؤدي) أي الموصل إلى ثبوتها في القلب.

قوله: (و اللّه أعلم) أشار بذلك إلى تمام القرآن، و في ختم القرآن بهذه السورة إشارة حسنة كأنه قيل: ما

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 458

..........

أنزلناه كاف، ما فرطنا في الكتاب من شي‏ء، فلا تطلب بعده شيئا، بل اقتصر على العمل به، و استعذ باللّه من الشيطان و الحاسد، لأن العبد إذا تمت نعمة اللّه عليه، كثرت حساده إنسا و جنا، قيل: عده حروف هذه السورة غير المكرر ثلاث و عشرون حرفا، و كذا عدد الفاتحة بعدد السنين التي أنزل فيها القرآن، و هو سر بديع، و أول القرآن باء البسملة، و آخره سين و الناس، كأنه قال: بس أي تم و كمل، ثم اعلم أن الجلال المحلي رضي اللّه عنه، بعد أن ختم هذا النصف الأخير، و ابتداؤه من سورة الكهف، شرع في تفسير النصف الأول، و أوله سورة الفاتحة، فقال في شروعه: فيه سورة الفاتحة الخ، و لم يفتتحه بخطبة على عادة المؤلفين، مشتملة على حمد و صلاة على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و غير ذلك، قصدا للاختصار، و روما للاقتصار على محط الفائدة. ثم إنه لما فرغ من تفسير سورة الفاتحة، توفي إلى رحمة اللّه تعالى، فقيض اللّه تعالى تلميذه الجلال السيوطي لتتميم تفسيره، فابتدأ بأول سورة البقرة، و ختم بالإسراء، كما ذكر في خطبته، فسار تفسير الفاتحة في نسخ الجلال، مضموما لتفسير آخر القرآن لا أوله، ليكون تفسير المحلي مضموما بعضه لبعض، رضي اللّه عن الجميع و نفعنا بهم.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 459

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

سورة الفاتحة مكية و آياتها سبع‏

بسم اللّه الرحمن الرحيم‏

سورة الفاتحة

مكية و هو قول الأكثر، و قيل: مدنية، و جمع بعضهم بين القولين فقال: نزلت مرتين، مرة بمكة حين فرضت الصلاة، و مرة بالمدينة حين حولت القبلة، و لذلك سميت مثاني، و قيل: نزل نصفها بمكة و نصفها بالمدينة، و الأول هو الصحيح لقوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏ و الحجر مكية بإجماع، و أيضا فرض الصلاة كان بمكة، و لم يثبت أنه وقع في الإسلام صلاة بغيرها، يدل على هذا قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» بل هي من أوائل القرآن نزولا و سميت فاتحة لأنها مفتاح الكتاب العزيز، و هذا اسم من جملة عشرين اسما. ثانيها: فاتحة الكتاب. ثالثها: أم القرآن لأنه مفتتح بها فكأنها أصله و أساسه. رابعها: سورة الكنز لأنها نزلت من كنز تحت العرش. خامسها: الكافية. سادسها:

الوافية لأنها وافية كافية في صحة الصلاة عن غيرها عند القدرة عليها. سابعها: الشافية. ثامنها: الشفاء لما ورد: هي شفاء من كل داء. تاسعها: السبع المثاني لأنها سبع آيات على الصحيح، سواء قلنا إن البسملة منها أو لا. عاشرها: النور. الحادي عشر: الرقية. الثاني عشر: سورة الحمد و الشكر. الثالث عشر: الدعاء: الرابع عشر: تعليم المسألة لاشتمالها على ذلك. الخامس عشر: سورة المناجاة. السادس عشر: سورة التفويض. السابع عشر: سورة السؤال. الثامن عشر: سورة أم الكتاب. التاسع عشر:

فاتحة القرآن. العشرون: الصلاة لخبر قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين، فنصفها لي و نصفها لعبدي، و لعبدي: ما سأل، يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ يقول اللّه: حمدني عبدي. يقول العبد: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ يقول الرب: أثنى علي عبدي. يقول العبد: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ يقول اللّه: مجدني عبدي. يقول العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ يقول اللّه عز و جل: هذه الآية بيني و بين عبدي، و لعبدي ما سأل، يقول العبد: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ يقول اللّه: فهؤلاء لعبدي، و لعبدي ما سأل. و ورد في فضلها أحاديث كثيرة، منها ما هو مسلسل بالحلف باللّه العظيم، عن أبي العربي قال: إذا قرأت الفاتحة فصل بسم اللّه الرحمن الرحيم بالحمد للّه في نفس واحد من غير قطع، فإني أقول: باللّه العظيم لقد حدثني أبو الحسن علي‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 460

و هي سبع آيات بالبسملة إن كانت منها، و السابعة صِراطَ الَّذِينَ‏ إلى آخرها، و إن لم تكن منها فالسابعة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ‏ إلى آخرها، و يقدر في أولها قولوا ليكون ما قبل‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ مناسبا له، بكونها من مقول العباد.

أبو الفتح الطيب بمدينة الموصل سنة إحدى و ستمائة، و قال: باللّه العظيم لقد سمعت من أبي بكر من فمه و لفظه و هو أبو الفضل بن محمد الكاتب الهروي و قال: باللّه العظيم لقد حدثنا أبو بكر الشاشي الشافعي من لفظه و قال: باللّه العظيم لقد حدثني عبد اللّه المعروف بأبي نصر السرخسي و قال: باللّه العظيم لقد حدثنا محمد بن الفضل و قال: باللّه العظيم لقد حدثنا محمد بن يحيى الوراق الفقيه و قال: باللّه العظيم لقد حدثني محمد بن الحسن العلوي الزاهد و قال: باللّه العظيم لقد حدثني موسى بن عيسى و قال: باللّه العظيم لقد حدثني أبو بكر الراجعي و قال: باللّه العظيم لقد حدثني أنس بن مالك و قال: باللّه العظيم لقد حدثني محمد المصطفى و قال: باللّه العظيم لقد حدثني جبريل و قال: باللّه العظيم لقد حدثني إسرافيل و قال: قال تعالى: يا إسرافيل بعزتي و جلالي وجودي و كرمي من قرأ: بسم اللّه الرحمن الرحيم مرة بفاتحة الكتاب مرة واحدة، اشهدوا أني غفرت له، و قبلت منه الحسنات، و تجاوزت عنه السيئات، و لا أحرق لسانه في النار، و أجيره من عذاب القبر، و عذاب النار، و الفزع الأكبر، و يلقاني قبل الأنبياء و الأولياء أجمعين ا ه، من المناوى على الجامع الصغير. قوله: (إن كانت منها) الخ، هذا التعبير يوهم في بادى‏ء الأمر، أنها إن لم تكن منها فليست سبعا، مع أنه يخالف ما بعده، فالمناسب أن يقول: سبع آيات، فإن كانت البسملة منها فالسابعة صِراطَ الَّذِينَ‏ إلى آخرها، و أن لم تكن منها فالسابعة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ إلى آخرها، و بعضهم جعل البسملة منها، و جعل‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ الخ ثامنة، و بعضهم جعلها ست آيات، و البسملة ليست منها، و هذان القولان مرجوحان، و اعلم أنه اختلف في البسملة فقيل: ليست آية من الفاتحة، بل و لا من كل سورة سوى سورة النمل، و إنما يندب الابتداء بها كالاستعاذة، و عليه قراءة المدينة و البصرة و الشام و فقهاؤها و الأوزاعي و مالك، مستدلين بما روي عن أبي بكر و عمر و عثمان و علي، أنه كان يفتتح أحدهم بالفاتحة في صلاته إماما من غير أن يقول: بسم اللّه الرحمن الرحيم، و عمل أهل المدينة حجة، و قيل: آية من الفاتحة من كل سورة، و عليه قراء مكة و الكوفة و فقهاؤها و ابن المبارك و الشافعي مستدلين بما روي أنه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا قرأتم‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ فاقرؤوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ إنها أم القرآن و أم الكتاب و السبع المثاني، و بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ إحدى آياتها» و الحاصل: أن البسملة من كلام اللّه قطعا، فمن أنكرها كفر، و كونها آية من كل سورة أو لا، خلاف بين الأئمة. قوله:

(فالسابعة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ‏ الخ، إن قلت: إن لفظ؟ غَيْرِ صفة لما قبلها، و الصفة مع الموصوف كالشي‏ء الواحد، فكيف تكون آية مستقلة؟ أجيب: بأن‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ صفتان للّه؛ مع أنه مجمع على أنهما آيتان، فكذلك يقال هنا، و نوقش بأن لفظ غَيْرِ أشد افتقارا إلى ما قبله من غيره، لأنه لا يتم معناه إلا بما قبله، فكان معه كالشي‏ء الواحد، و أما الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و نحوه إذا أعرب نعتا، فليس بهذه المثابة، بدليل القراءة الشاذة برفعهما أو نصبهما، فإنهما يخرجان عن الارتباط.

أجيب: بأن الآية لا يشترط فيها عدم ارتباطها بما قبلها، و قد تخلص المفسر من هذا الإشكال بإعرابه بدلا كما يأتي. قوله: (و يقدر في أولها) أي الفاتحة قبل البسملة على القول بأنها منها أو بعدها، و قيل: الحمد له‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 461

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ جملة خبرية قصد بها الثناء على اللّه بمضمونها، من أنه تعالى مالك لجميع الحمد من الخلق، أو مستحق لأن يحمدوه، و اللّه علم على المعبود بحق‏

على القول بأنها ليست منها. قوله: (بكونها) الباء بمعنى في، أي في كون الفاتحة كلها من مقول العباد، و في نسخة بكونه و هي أوضح، و الضمير عائد على ما قبل‏ إِيَّاكَ‏ و محصله أن‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ لما كان من مقول العباد، احتيج إلى تقدير قولوا فيما قبله، ليكون ما قبله من مقول العباد أيضا، فتكون الفاتحة كلها من مقول العباد، و لو ترك هذا التقدير، لاحتمل أن قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ إلى آخر الآيات الأربع ثناء على اللّه، فيكون بعضها الأول من مقول اللّه، و بعضها الثاني من مقول العبد ثناء من اللّه على نفسه، فيكون من مقوله هو، و ذلك صحيح في حد ذاته، لكن التناسب ابلغ.

قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ لم يتكلم الجلال المحلي و لا تلميذ عليها، و لعلهما اتكلا على شهوته، و نتكلم على شي‏ء منها فنقول: ابتدأ كتابه تعالى بالبسملة، تعليما لعباده الاقتداء بذلك، و الإتيان بها في كل أمر ذي بال، إشعارا بأنها أم الفاتحة كما أن الفاتحة أم القرآن، كما أن القرآن أم الكتب السماوية، و اللّه علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، و الرحمن المنعم بجلائل النعم، كما و كيفا دنيا و أخرى، و الرحيم المنعم بدقائقها كذلك.

- فائدة- روى الشعبي و الأعمش أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يكتب: باسمك اللهم حتى نزل و قال:

اركبوا فيها بسم اللّه مجراها و مرساها كتب بسم اللّه، فلما نزلت‏ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ‏ كتب:

بسم اللّه الرحمن، فلما نزلت‏ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ كتبها، و عن عبد اللّه بن مسعود قال: من أراد أن ينجيه اللّه من الزبانية التسعة عشر فليقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» ليجعل اللّه له بكل حرف منها جنة من كل واحد، و قد فسرها بعض العارفين على مقتضى الحروف فقال: إن كل حرف منها مفتاح كل اسم من اسمائه تعالى، مبدوء بذلك الحرف، فالباء مفتاح اسمه تعالى: بصير و باقي و بر، و نحو ذلك، و السين مفتاح اسمه تعالى: سميع سلام، و الميم مفتاح اسمه ملك و نحوه، و الألف مفتاح اسمه تعالى و نحوه، و اللام مفتاح اسمه لطيف و نحوه، و الهاء مفتاح اسمه هادي و نحوه، و الراء مفتاح اسمه رزاق و نحوه، و الحاء مفتاح اسمه حليم و نحوه، و النون مفتاح اسمه نافع و نحوه، فكأن المفتتح بها مفتتح بجميع أسمائه تعالى. قوله: (جملة) أي مركبة من مبتدأ و خبر، و قوله: (خبرية) أي لفظا و هي إنشائية معنى بدليل قوله: (قصد الثناء) أي قصد بها إنشاء الثناء. قوله: (من أنه تعالى) الخ، بيان للمضمون، و في ذلك إشارة إلى أن أل في الحمد جنسية، و هو الأولى من جعلها استغراقية أو عهدية، أما الأول فلأنه ليس في طاقة العبيد حصر أفراد الحمد، و أما الثاني فلقصوره كذا قال النحويون، و اختار الصوفية أنها للعهد قائلين: إن اللّه تعالى لما علم عجز خلقه عن كنه حمده، حمد نفسه بنفسه أو وضعه لهم يحمدونه به، و هذا المعنى هو المناسب للحمد الواقع في القرآن فتدبر. قوله: (و مستحق) الخ، أشار بذلك إلى أن اللام في‏ لِلَّهِ‏ للملك أو للاستحقاق. قوله: (و اللّه علم على المعبود بحق) أي علم شخص عربي مرتجل جامد و هو الصحيح، و معنى كونه علم شخص، أنه علم على ذات معينة مستجمعة لصفات الكمال، و قال الزمخشري: إنه اسم جنس صار علما بالغلبة مشتق من أله كعبد وزنا و معنى أو من أله بمعنى سكت، أو من وله بمعنى تحير و دهش أو طرب، أو من لاه بمعنى احتجب، أو ارتفع أو استنار، و مجموع‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 462

رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (2) أي مالك جميع الخلق، من الإنس و الجن و الملائكة و الدواب و غيرهم، و كل منها يطلق عليه عالم، يقال: عالم الإنس و عالم الجن، إلى غير ذلك، و غلب في جمعه بالياء و النون أولو العلم على غيرهم و هو من العلامة، لأنه علامة على موجده‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ (3) أي ذي الرحمة و هي إرادة الخير لأهله‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ (4) أي الجزاء و هو يوم القيامة، و خص بالذكر

الأقاويل هو المعبود للخواص و العوام، المفزوع إليه في الأمور العظام، المرتفع عن الأوهام، المحتجب عن الأفهام، الظاهر بصفاته الفخام، الذي سكنت إلى عبادته الأجسام، و ولعت به نفوس الأنام، و طربت إليه قلوب الكرام.

قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ‏ الرب يطلق على السيد و المالك و المعبود و الثابت و المصلح، اقتصر المفسر على المالك لكونه المناسب للمقام، و جمع‏ الْعالَمِينَ‏ جمع قلة مع كثرتها جدا في الواقع تنبيها على أنهم و إن كثروا، فهم قليلون في جانب عظمته. تعالى. إن قلت: الجمع يقتضي اتفاق الأفراد في الحقيقة.

أجيب: بأنها متفقة من حيث إن كلا منها علامة على موجدها. قوله: (يقال عالم الإنس) الخ، الإضافة بيانية أي عالم هو الإنس. قوله: (و غلب في جمعه) الخ، و قيل: لا تغليب، بل هو اسم وضع لذوي العلم من الملائكة و الثقلين، و تناوله لغيرهم بطريق التبع. قوله: (أولو العلم) أي لشرفهم. قوله: (و هو) أي العالم، و هو ما سوى اللّه تعالى علامة على موجده لأنه حادث، و كل حادث يحتاج إلى محدث.

قوله:

(أي ذي الرحمة) أشار بذلك إلى أن‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ بنيا للمبالغة من رحم، و الرحمة في الأصل رقة في القلب، تقتضي التفضل و الإحسان، و هي بهذا المعنى مستحيلة في حقه تعالى، فتحمل على غايتها، لأن ما استحال على اللّه باعتبار مبدئه، و ورد، يطلق و يراد منه لازمه و غايته. قوله: (و هي إرادة الخير) الخ، أشار بذلك إلى أنهما صفتا ذات، و يصح أن يكونا صفتي فعل، أي المتفضل المحسن، و في الإتيان ب الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ عقب اتصافه ب رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ترغيب بعد ترهيب، فيكون أعون للعبد على الطاعة، و أمنع من المعصية.

قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ من الملك بضم الميم، هو عبارة عن السلطان القاهر، و الاستيلاء الباهر، و الغلبة التامة، و القدرة على التصرف الكلي بالأمر و النهي. قوله: (أي الجزاء) أي بالثواب للمؤمنين و العقاب للكافرين. قوله: (لا ملك ظاهرا فيه لأحد) أي و أما في الدنيا، ففيها الملك ظاهر لكثير من الناس، فتحصل أن الوصف بالملكية ثابت أزلا، و ظهوره يكون يوم القيامة، لإقرار جميع الخلق به. قوله: (لمن الملك اليوم) الجار و المجرور خبر مقدم و (الملك) مبتدأ مؤخر، و (اليوم) ظرف للمبتدأ، قوله: (للّه) جواب منه تعالى عن السؤال. قوله: (و من قرأ مالك) الخ، اعلم أن في لفظ ملك قراءتين سبعيتين، الأولى بحذف الألف و الوصف بها ظاهر، و الثانية: بإثباتها و فيها إشكال، و هو أن‏ (مالِكِ) اسم فاعل، و إضافته لفظية لا تفيده التعريف، فكيف توصف المعرفة بالنكرة؟ و أجاب المفسر: بأن محل كون إضافة اسم الفاعل لفظية إن لم يكن بمعنى الزمان المستمر، و إلا كانت إضافته حقيقية، و الحاصل: أن اسم الفاعل، إن قصد به الحال و الاستقبال فإضافته لفظية، و إن قصد به المضي أو الدوام، كما هو شأن أوصاف اللّه تعالى، فإضافته حقيقية، و التعويل على القرائن، و اختلف في أي القراءتين أبلغ، فقيل:

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 463

لأنه لا ملك ظاهرا فيه لأحد إلا اللّه تعالى بدليل لمن الملك اليوم للّه و من قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة، أي هو موصوف بذلك دائما كغافر الذنب، فصح وقوعه صفة للمعرفة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ (5) أي نخصك بالعبادة من توحيد و غيره، و نطلب المعونة على العبادة

ملك أعم و أبلغ من‏ (مالِكِ) إذ كل ملك مالك، و لا عكس، و لأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه، حتى لا يتصرف المالك إلا عن تدبير الملك، و قيل: (مالك) أبلغ لما فيه من زيادة البناء، فتدل على كثرة الثواب.

قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ إِيَّاكَ‏ مفعول مقدم ل نَعْبُدُ قدم لإفادة الحصر و الاختصاص، و وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ معطوف علي‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي لا نعبد إلا إياك، و لا نستعين إلا بك، لأنك الحقيق بتلك الصفات العظام، و المعنى: يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة و الاستعانة، فهذا ترقّ من البرهان إلى العيان، و الغيبة إلى الحضور، فهو تعليم من اللّه تعالى لعباده كيفية الترقي، فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد، و هو رب الأرباب، عن قلب حاضر، يجد ذلك العبد من نفسه محركا للإقبال عليه، و كلما أجرى على قلبه و لسانه صفة من تلك الصفات العظام، قوي ذلك المحرك، إلى أن يؤول ذلك الأمر لخاتمة تلك الصفات، فحينئذ يوجب ذلك المحرك لتناهيه في القوة، إقبال ذلك على العبد على ربه و خالقه المتصف بتلك الصفات، فانتقل من الغيبة لخطابه و التلذذ بمناجاته، فأول الكلام مبني على ما هو مبادي حال العارف من الذكر و الفكر و التأمل في أسمائه العظام، و النظر في آلائه و الاستدلال بصنعه على عظيم شأنه و باهر سلطانه، ثم بعد ذلك أتى بمنتهاه، و هو الخطاب و الحضور المشعر بكونه في حضرة الشهود، و إلى هذا المعنى أشار بعض العارفين بقوله:

تلك آثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا إلى الآثار

و هو مقام الإحسان المشار له بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «الإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه» و اعلم أن‏ إِيَّاكَ‏ واجب الانفصال، و اختلف فيه هل من قبيل الأسم الظاهر؟ و به قال الزجاج أو هو ضمير؟ و عليه الجمهور، و اختلف القائلون بأنه ضمير على أربعة أقوال، أحدها: أنه كله ضمير. الثاني أن إياه وحده ضمير، و ما بعده اسم مضاف إليه يفسر ما يراد به من تكلم و غيبة و خطاب. الثالث: أن إيا وحده ضمير، و ما بعده حروف تفسر ما يراد منه و هو المشهور. الرابع أن إيا عماد، و ما بعده ضمير، و الضمير المستكن في‏ نَعْبُدُ و نَسْتَعِينُ‏ للقارى‏ء و من معه من الحفظة و حاضري صلاة الجماعة، أو له و لسائر الموحدين، أدرج عبادته في عباداتهم، و خلط حاجته بحاجاتهم، لعل عبادته تقبل ببركة عباداتهم، و حاجته يجاب إليها ببركة حاجاتهم، و من هنا شرعت الجماعة في الصلوات، قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ و قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «يد اللّه مع الجماعة».

صفحه بعد