کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين

المجلد الرابع

سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة ن سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة التساؤل سورة و النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الأنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة و التين سورة اقرأ(العلق) سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس سورة الفاتحة

الفهرس

تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس تفسير سورة الفاتحة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين


صفحه قبل

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 462

رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (2) أي مالك جميع الخلق، من الإنس و الجن و الملائكة و الدواب و غيرهم، و كل منها يطلق عليه عالم، يقال: عالم الإنس و عالم الجن، إلى غير ذلك، و غلب في جمعه بالياء و النون أولو العلم على غيرهم و هو من العلامة، لأنه علامة على موجده‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ (3) أي ذي الرحمة و هي إرادة الخير لأهله‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ (4) أي الجزاء و هو يوم القيامة، و خص بالذكر

الأقاويل هو المعبود للخواص و العوام، المفزوع إليه في الأمور العظام، المرتفع عن الأوهام، المحتجب عن الأفهام، الظاهر بصفاته الفخام، الذي سكنت إلى عبادته الأجسام، و ولعت به نفوس الأنام، و طربت إليه قلوب الكرام.

قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ‏ الرب يطلق على السيد و المالك و المعبود و الثابت و المصلح، اقتصر المفسر على المالك لكونه المناسب للمقام، و جمع‏ الْعالَمِينَ‏ جمع قلة مع كثرتها جدا في الواقع تنبيها على أنهم و إن كثروا، فهم قليلون في جانب عظمته. تعالى. إن قلت: الجمع يقتضي اتفاق الأفراد في الحقيقة.

أجيب: بأنها متفقة من حيث إن كلا منها علامة على موجدها. قوله: (يقال عالم الإنس) الخ، الإضافة بيانية أي عالم هو الإنس. قوله: (و غلب في جمعه) الخ، و قيل: لا تغليب، بل هو اسم وضع لذوي العلم من الملائكة و الثقلين، و تناوله لغيرهم بطريق التبع. قوله: (أولو العلم) أي لشرفهم. قوله: (و هو) أي العالم، و هو ما سوى اللّه تعالى علامة على موجده لأنه حادث، و كل حادث يحتاج إلى محدث.

قوله:

(أي ذي الرحمة) أشار بذلك إلى أن‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ بنيا للمبالغة من رحم، و الرحمة في الأصل رقة في القلب، تقتضي التفضل و الإحسان، و هي بهذا المعنى مستحيلة في حقه تعالى، فتحمل على غايتها، لأن ما استحال على اللّه باعتبار مبدئه، و ورد، يطلق و يراد منه لازمه و غايته. قوله: (و هي إرادة الخير) الخ، أشار بذلك إلى أنهما صفتا ذات، و يصح أن يكونا صفتي فعل، أي المتفضل المحسن، و في الإتيان ب الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ عقب اتصافه ب رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ترغيب بعد ترهيب، فيكون أعون للعبد على الطاعة، و أمنع من المعصية.

قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ من الملك بضم الميم، هو عبارة عن السلطان القاهر، و الاستيلاء الباهر، و الغلبة التامة، و القدرة على التصرف الكلي بالأمر و النهي. قوله: (أي الجزاء) أي بالثواب للمؤمنين و العقاب للكافرين. قوله: (لا ملك ظاهرا فيه لأحد) أي و أما في الدنيا، ففيها الملك ظاهر لكثير من الناس، فتحصل أن الوصف بالملكية ثابت أزلا، و ظهوره يكون يوم القيامة، لإقرار جميع الخلق به. قوله: (لمن الملك اليوم) الجار و المجرور خبر مقدم و (الملك) مبتدأ مؤخر، و (اليوم) ظرف للمبتدأ، قوله: (للّه) جواب منه تعالى عن السؤال. قوله: (و من قرأ مالك) الخ، اعلم أن في لفظ ملك قراءتين سبعيتين، الأولى بحذف الألف و الوصف بها ظاهر، و الثانية: بإثباتها و فيها إشكال، و هو أن‏ (مالِكِ) اسم فاعل، و إضافته لفظية لا تفيده التعريف، فكيف توصف المعرفة بالنكرة؟ و أجاب المفسر: بأن محل كون إضافة اسم الفاعل لفظية إن لم يكن بمعنى الزمان المستمر، و إلا كانت إضافته حقيقية، و الحاصل: أن اسم الفاعل، إن قصد به الحال و الاستقبال فإضافته لفظية، و إن قصد به المضي أو الدوام، كما هو شأن أوصاف اللّه تعالى، فإضافته حقيقية، و التعويل على القرائن، و اختلف في أي القراءتين أبلغ، فقيل:

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 463

لأنه لا ملك ظاهرا فيه لأحد إلا اللّه تعالى بدليل لمن الملك اليوم للّه و من قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة، أي هو موصوف بذلك دائما كغافر الذنب، فصح وقوعه صفة للمعرفة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ (5) أي نخصك بالعبادة من توحيد و غيره، و نطلب المعونة على العبادة

ملك أعم و أبلغ من‏ (مالِكِ) إذ كل ملك مالك، و لا عكس، و لأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه، حتى لا يتصرف المالك إلا عن تدبير الملك، و قيل: (مالك) أبلغ لما فيه من زيادة البناء، فتدل على كثرة الثواب.

قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ إِيَّاكَ‏ مفعول مقدم ل نَعْبُدُ قدم لإفادة الحصر و الاختصاص، و وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ معطوف علي‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي لا نعبد إلا إياك، و لا نستعين إلا بك، لأنك الحقيق بتلك الصفات العظام، و المعنى: يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة و الاستعانة، فهذا ترقّ من البرهان إلى العيان، و الغيبة إلى الحضور، فهو تعليم من اللّه تعالى لعباده كيفية الترقي، فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد، و هو رب الأرباب، عن قلب حاضر، يجد ذلك العبد من نفسه محركا للإقبال عليه، و كلما أجرى على قلبه و لسانه صفة من تلك الصفات العظام، قوي ذلك المحرك، إلى أن يؤول ذلك الأمر لخاتمة تلك الصفات، فحينئذ يوجب ذلك المحرك لتناهيه في القوة، إقبال ذلك على العبد على ربه و خالقه المتصف بتلك الصفات، فانتقل من الغيبة لخطابه و التلذذ بمناجاته، فأول الكلام مبني على ما هو مبادي حال العارف من الذكر و الفكر و التأمل في أسمائه العظام، و النظر في آلائه و الاستدلال بصنعه على عظيم شأنه و باهر سلطانه، ثم بعد ذلك أتى بمنتهاه، و هو الخطاب و الحضور المشعر بكونه في حضرة الشهود، و إلى هذا المعنى أشار بعض العارفين بقوله:

تلك آثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا إلى الآثار

و هو مقام الإحسان المشار له بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «الإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه» و اعلم أن‏ إِيَّاكَ‏ واجب الانفصال، و اختلف فيه هل من قبيل الأسم الظاهر؟ و به قال الزجاج أو هو ضمير؟ و عليه الجمهور، و اختلف القائلون بأنه ضمير على أربعة أقوال، أحدها: أنه كله ضمير. الثاني أن إياه وحده ضمير، و ما بعده اسم مضاف إليه يفسر ما يراد به من تكلم و غيبة و خطاب. الثالث: أن إيا وحده ضمير، و ما بعده حروف تفسر ما يراد منه و هو المشهور. الرابع أن إيا عماد، و ما بعده ضمير، و الضمير المستكن في‏ نَعْبُدُ و نَسْتَعِينُ‏ للقارى‏ء و من معه من الحفظة و حاضري صلاة الجماعة، أو له و لسائر الموحدين، أدرج عبادته في عباداتهم، و خلط حاجته بحاجاتهم، لعل عبادته تقبل ببركة عباداتهم، و حاجته يجاب إليها ببركة حاجاتهم، و من هنا شرعت الجماعة في الصلوات، قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ و قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «يد اللّه مع الجماعة».

قوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ كرر الضمير للدلالة على تخصيصه تعالى بكل من العبادة و الاستعانة و التلذذ بالمناجاة و الخطاب، و قدم العبادة على الاستعانة لأنها وصلة لطلب الحاجة، فإذا أفرد العبد ربه بالعبادة أعانه، و حذف المعمول من كل ليؤذن بالعموم، فيتناول كل معبود به، و كل مستعان عليه، و أصل‏ نَسْتَعِينُ‏ نستعون، استثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى الساكن قبلها، فسكنت الواو بعد النقل،

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 464

و غيرها اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ (6) أي أرشدنا اليه و يبدل منه‏ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏

و انكسر ما قبلها فقلبت ياء، و القراءة السبعية بفتح النون، و قرى‏ء شذوذا نَسْتَعِينُ‏ بكسر حرف المضارعة، و هي لغة مطردة في حرف المضارعة، بشرط أن لا يكون ما بعد حرف المضارعة مضموما، فإن ضم كتقوم امتنع كسر حرف المضارعة، لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم، و بشرط أن يكون المضارع من ماض مكسور العين نحو علم، أو في أوله همزة وصل نحو استعان، أو تاء مطاوعة نحو تعلم. قوله:

(من توحيد) الخ، بيان للعبادة، و هو إشارة إلى العبادات الأصلية الاعتقادية، و قوله: (و غيره) إشارة إلى العبادات العملية، من صلاة و صوم و زكاة و نحو ذلك. قوله: (و بطلب المعونة) بالباء عطف على (بالعبادة) و لا يجوز أن يكون بالنون عطفا على (نخصك) لخروجه عن إفادة التخصيص. قوله: (و غيرها) أي من مهمات الدنيا و الآخرة.

قوله: اهْدِنَا أي زدنا هداية و أدمنا عليها، و الهداية تطلق على الدلالة و التبيين و إن لم يحصل وصول نحو وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ‏ أي بينا لهم، و تطلق عليهما مع الوصول للخير و هو المراد هنا، و مادة الهداية تتعدى لمفعولين: الأول بنفسها، و الثاني إما كذلك كما هنا، و إما باللام أو إلى، قال تعالى: يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏ وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

قوله: الصِّراطَ هو في الأصل الطريق الحسي، و المراد به هنا دين الإسلام، ففيه استعارة تصريحية أصلية، حيث شبه دين الإسلام بالطريق الحسي، بجامع أن كلا موصل للمقصود، و استعير اسم المشبه به للمشبه، و أصل صراط بالصاد سراط بالسين، و بها قرأ قنبل حيث ورد: أبدلت صادا لأجل حرف الاستعلاء، و قد تشم الصاد زايا و به قرأ خلف و كلها سبعي، لكن لم ترسم في المصحف إلا بالصاد و الصِّراطَ يذكر و يؤنث، فالتذكير لغة تميم، و التأنيث لغة الحجاز، و جمعه صرط ككتاب و كتب.

قوله: الْمُسْتَقِيمَ‏ اسم فاعل من استقام، أي استوى من غير اعوجاج، و أصله مستقوم أعل كإعلال‏ نَسْتَعِينُ. قوله: (و يبدل منه) أي بدل كل من كل، أتى به زيادة في مدح الصراط.

قوله: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ الإنعام إيصال الإحسان إلى الغير، بشرط أن يكون ذلك الغير من العقلاء، فلا يقال: أنعم فلان على فرسه، و لا على حماره. قوله: (بالهداية) أشار بذلك إلى أن المراد بالمنعم عليهم المؤمنون، و هو أحد أقوال للمفسرين، و قيل: هم المذكورون في قوله تعالى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ‏ و قيل: هم الأنبياء خاصة، و قيل:

المراد بهم أصل؟؟؟ فهدينا؟؟؟ موسى و عيسى قبل التحريف و النسخ، و حذف متعلق‏ أَنْعَمْتَ‏ ليؤذن بالعموم، فيشمل كل نعمة، و نعم اللّه تعالى لا تحصى باعتبار أفرادها، قال تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها و أما باعتبار جملتها فتحصى لأنها قسمان: دنيوية و أخروية. و الأول: إما وهبي أو كسبي، و الوهبي: إما روحاني كنفخ الروح و التزيين بالعقل و الفهم و الفكر و النطق، أو جسماني كتخلق البدن و القوى الحالة فيه و الصحة و كمال الأعضاء، و الكسبي كتزكية النفس و تخليتها عن الرذائل و تحليتها بالأخلاق السنية و الفضائل. و الثاني: و هو الأخروي، أنه يغفر ما فرط منه، و ينزله أعلى عليين مع الملائكة المقربين أبد الأبدين و دهر الداهرين. قوله: عَلَيْهِمْ‏ لفظ عَلَيْهِمْ‏ الأول في محل نصب على المفعولية، و الثاني في‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 465

بالهداية و يبدل من الذين بصلته‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ و هم اليهود وَ لَا و غير الضَّالِّينَ‏ (7) و هم النصارى، و نكتة البدل افادة أن المهتدين ليسوا يهودا و لا نصارى، و اللّه‏

محل رفع نائب‏ الْمَغْضُوبِ‏ و فيه عشر لغات، ست مرويات عن القراء الثلاثة، الأول منها سبعيات و هي: كسر الهاء و ضمها مع إسكان الميم فيهما، و كسر الهاء و ضم الميم بواو بعد الضمة، و كسر الهاء و الميم بياء بعد الكسرة للإشباع، و ضم الهاء و الميم بواو بعد الضمة و بدونها، و أربع لم يقرأ بها و هي: ضم الهاء مع كسر الميم و إدخال ياء بعدها، و ضم الهاء و كسر الميم من غير ياء، و كسر الهاء مع ضم الميم، و كسر الهاء و الميم من غير ياء. قوله: (و يبدل من الذين بصلته) أي بدل كل من كل، و لا يضر إبدال النكرة من المعرفة، و قيل: نعت ل الَّذِينَ. و استشكل بأنه يلزم نعت المعرفة بالنكرة و هو لا يصح، لأن‏ غَيْرِ متوغلة في الإبهام، لا تتعرف بالإضافة كمثل و شبه و شبيه. و أجيب بجوابين، الأول: أن‏ غَيْرِ إنما تكون نكرة إذا لم تقع بين ضدين، فأما إذا وقعت بين ضدين، فتتعرف حينئذ بالإضافة تقول: عليك بالحركة غير السكون، و الآية من هذا القبيل و الثاني: أن الموصول أشبه النكرات في الإبهام الذي فيه، فعومل معاملة النكرات، و غَيْرِ من الألفاظ الملازمة للإضافة لفظا أو تقديرا، فإدخال أل عليها خطأ، و قد يستثنى بها حملا على إلا، كما يوصف بإلا حملا عليها.

قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ‏ بكسر الراء بدل كما قال المفسر، أو نعت و تقدم ما فيه، و هذه قراءة العامة، و قرى‏ء شذوذا بالنصب على الحال أو الاستثناء، و الغضب ثوران دم القلب لإرادة الانتقام، و منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه و حمرة عينيه» فإذا وصف به اللّه تعالى، فالمراد به الانتقام أو إرادة الانتقام، فهو صفة فعل أو صفة ذات، و بنى الغضب للمجهول، و لم يقل: غير الذين غضبت عليهم، تعليما لعباده الأدب، حيث أسند الخبر لنفسه، و أبهم في الشر، نظير قوله تعالى: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها، فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما، وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ.

قوله: (و هم اليهود) أي لقوله تعالى فيهم‏ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ‏ الآية، و لحديث: «إن المغضوب عليهم هم اليهود، و إن الضالين النصارى». قوله: (غير) الضَّالِّينَ‏ أشار بذلك إلى أن‏ لَا بمعنى غير فهي صفة، ظهر إعرابها فيما بعدها، و يؤيدها قراءة عمر بن الخطاب و أبي بن كعب، و (غير) الضَّالِّينَ‏ بدل‏ لَا و أتى بلا ثانيا، لتأكيد معنى النفي المفهوم من‏ غَيْرِ و لئلا يتوهم عطف‏ الضَّالِّينَ‏ على‏ غَيْرِ فيكون من وصف‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ و الضلال يطلق على الخفاء و الغيبة، و منه قولهم: ضل الماء في اللبن، و الهلاك و منه قوله تعالى: أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ، و النسيان و منه قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى‏ و العدول عن الطريق المستقيم و هو المراد هنا، و في‏ الضَّالِّينَ‏ مدان: مد لازم على الألف بعد الضاد و قبل اللام المشددة، و عارض على الياء قبل النون للوقف. قوله: (و هم النصارى) أي لقوله تعالى‏ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ. قوله: (إفادة أن المهتدين) أي المذكورين بقوله: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ هو مصدوق‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ و (غير) الضَّالِّينَ‏ فمصدوق العبارات الثلاث هم المؤمنون، لكن استشكل بأن تفسير الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ بالفرق الأربعة المذكورة في سورة النساء، لا يشتمل بقية المؤمنين، و تفسير الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 466

أعلم بالصواب، و إليه المرجع و المآب، و صلّى اللّه على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا دائما أبدا، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

و الضَّالِّينَ‏ باليهود و النصارى، لا يشتمل بقية طوائف الكفار، فمقتضى ذلك، أن بقية المؤمنين ليسوا ممن أنعم اللّه عليهم، و سائر طوائف الكفار خارجون من وصف الغضب و الضلال، فالمبدل منه يخرجهم، و البدل يدخلهم في المبدل منه، و المخلص من هذا الإشكال، أن يفسر المنعم عليهم بجميع المؤمنين، كما درج عليه المفسر في قوله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ (بالهداية) و يراد من‏ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ و الضَّالِّينَ‏ عموم الكفار اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. إن قلت: ما فائدة الاتيان ب غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ الخ، بعد قوله: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ أجيب: بأن الإيمان إنما يكمل بالرجاء و الخوف، فقوله: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ يوجب الرجاء الكامل، و قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ الخ، يوجب الخوف الكامل، فيتقوى الإيمان بالرجاء و الخوف.

- فائدة- لفظ آمين ليس من الفاتحة، بل و لا من القرآن قطعا؛ بل يسن الإتيان بها لقارى‏ء الفاتحة، مفصولة منها بسكتة ليتميز ما هو قرآن، عما ليس بقرآن، و لكل داع، و هي اسم فعل على الصحيح بمعنى استجب، مبني على الفتح، و يجوز فيه مد الهمزة و قصرها، و قيل: هي اسم من أسماء اللّه تعالى، و التقدير: يا آمين. ورد بوجهين، الأول: أنه لو كان كذلك، لكان ينبغي أن يبنى على الضم، لأنه منادى مفرد معرفة. الثاني: أن أسماء اللّه تعالى توقيفية، و هو من خصوصيات هذه الأمة، لم يعط لأحد قبلهم، إلا ما كان من موسى و هارون، لما ورد في الحديث: «إن اللّه أعطى أمتي ثلاثا لم تعط أحدا قبلهم:

السّلام و هو تحية أهل الجنة، و صفوف الملائكة، و آمين، إلا ما كان من موسى و هارون» و معناه: أن موسى دعا على فرعون، و أمن هارون، فقال اللّه تعالى عند ما ذكر دعاء موسى: قد أجيبت دعوتكما، و لم يذكر مقالة هارون فسماه داعيا. و قال علي رضي اللّه عنه: آمين خاتم رب العالمين، ختم بها دعاء عباده. و في الخبر: أن آمين كالطابع الذي يطبع به على الكتاب. و في حديث آخر: «آمين درجة في الجنة». قال أبو بكر: إنه حرف يكتب به لقائله درجة في الجنة. و قال وهب بن منبه: آمين أربعة أحرف، يخلق اللّه من كل حرف ملكا يقول: اللهم أغفر لكل من قال آمين. قوله: (و اللّه أعلم بالصواب) الخ، هذه العبارة من وضع تلامذة المحلي، لما عرفت أنه قد شرع في تفسير النصف الأول فكمل الفاتحة، و ارتحل إلى رضوان اللّه تعالى، فيبعد أن يأتي بعبارة تشعر بالانتهاء، و الصواب ضد الخطأ و (المرجع) الرجوع، و (المآب) مرادف، و قوله: (و حسبنا اللّه) أي كافينا، و قوله: (و نعم الوكيل)، أي المفوض إليه الأمر.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 467

خاتمة نسأل اللّه حسنها في آداب تتعلق بالقرآن‏

منها: أن لا يمسه إلا طاهرا، قال تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏ و منها: أن التالي يتطيب له و يستاك، لقول يزيد بن أبي مالك: إن أفواهكم طريق من طرق القرآن، فطهروها و نظفوها ما استطعتم.

و منها: أن يستوي له قاعدا و لا يكون متكئا. و منها: أن يلبس ثياب التجمل، كما يلبسها للدخول على الملوك، لأنه مناج ربه. و منها: أن يستقبل القبلة لأنها أشرف المجالس. و منها: أنه إذا تثاءب يمسك عن القراءة حتى يذهب تثاؤبه، لأنه من الشيطان. و منها: أن يستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم عند ابتداء القراءة، و إن لم يكن في أول سورة، و يبسمل إن كان في أول سورة و إلا فيخير. و منها: إذا أخذ في القراءة لم يقطعها لمكالمة أحد من غير ضرورة، و منها: أن يقرأه على تؤدة و ترتيل و تدبر، حتى يعقل ما يخاطبه به ربه، فيرغب في الوعد، و يخاف عند الوعيد. و منها: إذا انتهت قراءته يقول: صدق اللّه العظيم، و بلغ رسوله الكريم، و أنا على ذلك من الشاهدين. و منها: أن يقرأ القرآن على الترتيب و لا ينكس. و منها: أن يضع المصحف على مكان طاهر مرتفع أو في حجره. و منها: أن لا يمحو القرآن من اللوح بالبصاق، و لكن يغسله بالماء، و يشرب الغسالة بقصد الاستشفاء، أو يدفنها في مكان طاهر بعيد عن ممر الأقدام. و منها:

أن لا يتخذ الصحيفة إذا بليت، بل يمحوها بالماء و يفعل بها ما تقدم. و منها: أن يعطي عينيه حقهما من النظر في المصحف، ففي الحديث قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «أعطوا أعينكم حظها من العبادة». قالوا: يا رسول اللّه و ما حظها من العبادة؟ قال: «النظر في المصحف و التفكر فيه و الاعتبار عند عجائبه». و قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن نظرا». و منها: أن لا يتأول القرآن بشي‏ء من أمور الدنيا يعرض له، كقول الرجل إذا جاءه أحد: جِئْتَ عَلى‏ قَدَرٍ يا مُوسى‏ و كقوله لضيوفه مثلا: كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ و منها: أن لا يقرأ القرآن بألحان الغناء، كلحون أهل الفسق. و منها: أن يجود خطه إذا كتبه.

و منها: أن لا يقرأ في الأسواق، أو في مواطن اللغط و مجمع السفهاء، و التعرض بتلاوته لسؤال الخلق.

و منها: أن لا يصغر المصحف، فإنه ورد النهي عن تصغير المسجد و المصحف. و منها: أن لا يكتب على الأرض و لا على حائط كما يفعل في المساجد، ففي الحديث: مر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بكتابة في أرض فقال لشاب من هذيل: ما هذا؟ قال: من كتاب اللّه كتبه يهودي، فقال: «لعن اللّه من فعل هذا، لا تضعوا كتاب اللّه إلا موضعه». و رأى عمر بن عبد العزيز ولده يكتب القرآن على حائط فضربه. و منها: أن يفتتحه كلما ختمه حتى لا يكون كهيئة المهجور، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا ختم القرآن، يقرأ من أوله قدر خمس آيات.

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم لرجل سأله عن أفضل العمل فقال: «عليك بالحال المرتحل، قال: و ما الحال المرتحل؟ قال:

صاحب القرآن يضرب من أوله حتى يبلغ آخره، ثم يضرب في أوله كلما حل ارتحل». و منها: إذا ختم القرآن، أن يجمع أهله و يدعو بخير الدارين، كما كان السلف الصالح يفعلونه لإجابة الدعاء عند ختمه، كما هو مذكور في الأحاديث الصحيحة. و منها: إذا كتبه و شربه ينوي به الشفاء من كل داء، و بلوغ الآمال‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 468

..........

من كل خير، فإن اللّه يؤتيه على قدر نيته. و منها: إذا كتبه حرزا، فليجعله في غمد يحفظه من كل أذى، كجلد محيط به و نحوه، انتهى ملخصا من القرطبي. و هذا آخر ما قدر اللّه تعالى من هذا التعليق الشريف، و لم يكن في ظني أن يجي‏ء على هذا المنوال المنيف، لقصور باعي، و فتور همتي، و ضعف ذهني، و لكن فضل اللّه حصل بواسطة حبيبه المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم و أشياخنا الكرام بنور الظلام، فجاء ذلك التعليق متضمنا في أصله وفائقا، صغير الحجم، سهل الألفاظ، رائقا كافيا للمقتصر عليه، شافيا للناظرين فيه بعين الرضا، وافيا بالمطالب كلها، معقولا و منقولا، شريعة و حقيقة، و الحمد للّه الذي بنعمته تتم الصالحات، و الصلاة و السّلام على سيد المخلوقات، و على آله و أصحابه السادات، و على أشياخنا و لا سيما أبو البركات.

صفحه بعد