کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 53
كل جزء منه و أما الأصوليون فاختاروا كونه عبارة عن الكلي المشترك بين الكل و بين كل جزء منه لأن الأول لا يلائم غرضهم و إن جوزوا إطلاقه عليه أيضا و تفصيل الكتاب و القرآن و بيان معناهما لغة و عرفا مشروح في التوضيح و التلويح قال الفاضل الشريف في حواشي الكشاف الاسم قد يوضع لذات مبهمة باعتبار معنى معين يقوم به فيتركب مدلوله من ذات مبهمة لم يلاحظ معها خصوصية أصلا و من معينة و يصح إطلاقه على كل متصف بتلك الصفة و ذلك المعنى المعتبر فيه يسمى مصححا للإطلاق كالمعبود مثلا و يلزم ذكر موصوفه معه لفظا أو تقديرا تعيينا للذات التي قام بها المعنى و قد يوضع لذات معينة و لا يلاحظ معها شيء من المعنى القائم بها فيكون اسما لا يشبه الصفة كفرس و إبل و قد يوضع لها و يلاحظ في الوضع معنى له نوع تعلق بها و ذلك على قسمين الأول أن يكون ذلك المعنى خارجا عن الموضوع له و سببا باعثا لتعيين الاسم بإزائه كأحمر إذا جعل علما لذات فيه حمرة الثاني أن يكون ذلك المعنى داخلا في المعنى الموضوع له فيتركب من ذات معينة و معنى مخصوص كأسماء الآلة و الزمان و المكان و هذان القسمان أيضا من الأسماء و المعتبر فيها مرجح للتسمية لا مصحح للإطلاق فلا يطردان كل ما يوجد فيه ذلك المعنى و لا يقعان صفة لشيء لكن ربما يشبهان بالصفة و القسم الأخير أشد التباسا بها لأن المعنى المعتبر في الوضع داخل في مفهوم كل منهما و معيار الفرق بينهما أنهما يوصفان لا يوصف بهما على عكس الصفات انتهى. فالكتاب اسم للمكتوب أي من الأسماء المشبهة بالصفات كالإمام و الإله و ليس بصفة فيوصف بشيء و لا يقع صفة لشيء.
قوله: (و تسمى أم القرآن) «1» عطف على سورة الفاتحة فيكون خبرا أيضا أي هذه سورة الفاتحة و تسمى أم القرآن حملا على معنى المعطوف عليه فإن سورة الفاتحة بمعنى هذه سورة تسمى فاتحة الكتاب قال المص في قوله تعالى: وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً [الأنعام: 96] عطف على فالق بمعنى خلق لكن هذا إن جعل من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم فهي مرجوحة لما مر و الأحسن أنه معطوف على هذه سورة فاتحة الكتاب فإنه يجوز عطف الجملة الفعلية على الاسمية و عكسه عند الجمهور و لا يمنع الحسن أيضا إذا كان لمانع و هذا أريد الإشارة إلى التفرقة بينهما بأن الأول ثبوتي و الثاني تجددي و لو ادعاء تنبيها على أصالة الأول و لم يقل و تسمى سورة أم القرآن تنبيها على أن السورة ليست بجزء علم هنا و فيما سبق و إنما قال و تسمى أم القرآن و لم يقل أم القرآن لما ذكرناه من أن فاتحة الكتاب أصل مشتهر «2» دون ذلك و قيل اختار المستقبل تنبيها على تأخر التسمية بأم القرآن انتهى. و إثبات التأخر مشكل جدا من أنبأك التأخر و اختار المضارع للاستمرار التجددي و لو عبر بالماضي لكان له «3» وجه و التعبير هنا بأم
(1) و قد وقع التعبير عن آيات محكمات في أوائل سورة آل عمران بأم الكتاب.
(2) بالنظر إلى المعنى اللقبي.
(3) و قال أبو بكر الرازي قيل تارة بأم القرآن و تارة أم الكتاب و قد رويت العبارة باللفظين عن النبي عليه السلام كذا في بعض المنهوات لمولانا منلا خسرو.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 54
القرآن و ما سبق بفاتحة الكتاب لا بد له من نكتة و القول بالتفنن يدفع عدم اختيار الكتاب أو القرآن في الموضعين دون احتمال العكس قال في الصحاح الأم الأصل و منه أم القرى و الوالدات انتهى.
فإطلاقه عليها على سبيل الاستعارة باعتبار المعنى الإضافي «1» و أما المعنى اللقبي فلا مجاز و المراد بالقرآن في أم القرآن ما سوى الفاتحة بالنظر إلى المعنى الإضافي و أما بالنظر إلى المعنى اللقبي فجزء منه لا يراد به معنى بخصوصه و أما فاتحة الكتاب فالمراد بالكتاب فيه مجموعه باعتبار المعنى الإضافي كما يظهر من وجه التسمية و أما في المعنى اللقبي فلا يراد به معنى مخصوص بل هو جزء منه أيضا و لو قيل المراد بالقرآن في أم القرآن المجموع و لا يلزم من كونها أصلا له كونها أصلا لكل جزء منه لا يبعد نظيره ما قاله المص في تصحيح سورة الم و نحوه اسماء السور و المسمى هو مجموع السورة و الاسم جزؤها فلا اتحاد انتهى. و هذا يؤيد ما ذكرنا تأمل.
قوله: (لأنها) أي الفاتحة (مفتتحة) علة للأول قوله (و مبدؤه) بيان للثاني بطريق اللف و النشر المرتب و المفتتح اسم مكان أو اسم مفعول أو مصدر ميمي و المعنى على الأول لأنها أي الفاتحة مكان افتتاح القرآن و محله و يرد عليه أن محل الافتتاح غير ما يتعلق به الفتح فيلزم أن لا يتعلق بها الفتح و هذا ينافي ما سبق من أن الفتح يتعلق بها أوّلا فهي المفتوح الأول و القول بأنه مفتوح بها في نفسها و محل افتتاح بالنسبة إلى ما سواها تكلف و لو اعتبر اسم المفعول فلا وجه له لأنها مفتتحة و إضافتها إلى سائر المفتتح لا يظهر حسنها إلا أن يقال إنها من قبيل إضافة الجزء إلى الكل على أن يكون الإضافة لامية و جعله مصدرا ميميا للمبالغة لا يدفع المحذور لأنه إما بمعنى اسم المكان أو بمعنى المفعول فيلزم ما لزم و المراد بالمبدئية المبدئية في كتابة المصاحف و التلاوة حين مراعاة الترتيب أو في الصلاة لأنها واجب تقديمها قراءة على قراءة سائرها أو في النزول بناء على أنها أول سورة نزلت بتمامها و أما سورة اقرأ فأول سورة نزلت بعض آياتها و يتلوها ما عداها في ذلك فجعلت أما و أصلا له بطريق التشبيه و التشبيه لا يقتضي مشاركة المشبه و المشبه به من كل وجه فقول البعض أن المبدأ يقال للجزء الأول و لما منه الشيء و الفاتحة مبدأ بالمعنى الأول و أم بالمعنى الثاني فجعل هذا وجها لتسميتها أما غير مرضي غير مرضي أما أولا فلأن جزء الشيء يصدق عليه ما منه الشيء و إن لم يكن العكس و أما ثانيا فلأن الإطلاق «2» على التشبيه لا لكونه جزءا و الاشتراك في مطلق المبدئية كاف فيه.
قوله: (فكأنها أصله و منشأوه) الظاهر أنه تفريع على كونها مبدأه أي فإذا كانت مبدأه قوله: فكأنها أصله و منشؤه هذا بيان لوجه تشبيه سورة الفاتحة بالأم المبنى عليه استعارة لفظ الأم لها.
- مطلب مهم في بيان كون رسم الشيء جزءا من مجموع المسمى أطال اللّه تعالى عمر أستاذنا المحقق و دام ظله حيث أوضح هذا المقام كما أوضح سائره.
(1) إلا إذا أريد به الإضافة بمعنى في فيجوز كون المراد جميع القرآن لكن الظاهر الإضافة بمعنى اللام.
(2) اسم إن و على التشبيه خبره.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 55
فكأنها أصله و منشأه و بهذه المشابهة شبهت بالأم قوله و تسمى أم القرآن و يحتمل أن يكون تفريعا على المجموع لفا و نشرا أي فإذا كانت مفتتحة فكأنها أصله و إذا كانت مبدأه فكأنها منشأوه و إليه مال مولانا ملا خسرو حيث قال ثم إن في كل من فاتحة الكتاب و أمه جهتين جهة النظر إلى أول الحال و جهة النظر إلى المآل و الجهة الأولى في الفاتحة تقتضي كونها مفتتحة «1» و الثانية كونها أصلا يتفرع عليه الباقي فلذا قال في الأول لأنها مفتتحة و في الثاني فكأنها أصله و كذا الجهة الأولى في الأم تقتضي كونها مبدأ للولد و الثانية كونها منشأ له فإن الولد إنما ينشأ و يترعرع «2» بعد الانفصال منها فلذا قال في الأول و مبدأه و في الثاني منشأه و خص كأن بالأصل «3» و المنشأ لأن كونها مفتتحة و مبدءا أمر تحقيقي بخلاف كونها أصله و منشأه انتهى. و فيه نوع تكلف لا يخفى و جوز البعض كون قوله مفتتحة و مبدأة ناظر إلى التسمية بفاتحة الكتاب و قوله فكأنها ناظر إلى التسمية بأم القرآن و اعتذر بأن إيثار الفاء على الواو مع أن الظاهر الواو ح فلتفرع مدخولها على ما قبله في التصور فلا يقدح في استقلال كل منها في العلية انتهى. و لا يعرف له نظير إذ لا وجه لتفريع مدخولها على ما قبله مع أنه علة لشيء غير ما الذي قبله علة له فالوجه الأول هو المعول قال بعض الفضلاء كون مبدأه عطف تفسير لقوله مفتتحة و هما علة لقوله أم القرآن و ترك تسميتها بالفاتحة وجه وجيه إلا أنه مخالف لما نقل عن المص رحمه اللّه تعالى في حواشيه من أن قوله لأنها مفتتحة تعليل لما تضمنه قوله سورة فاتحة الكتاب من الجملة الخبرية التي تقديرها تسمى فاتحة الكتاب و في هذا الوجه كون المنقول عنه المعنى العرفي أنسب كما أن الوجه الأول بالأصلي أنسب و إن جرى كل منهما في كل منهما.
قوله: (و لذلك تسمى أساسا) أي و لكونها أصلا تسمى أساسا «4» إذ الأساس كالقاعدة ما يبتني عليه الشيء ابتناء حسيا أو عقليا و لا مدخل لشبهها بالمنشأ في هذه التسمية كذا قيل.
قوله: (أو لأنها تشتمل على ما فيه) تعليل لتسميتها بأم القرآن فقط إذ الاشتمال على ما فيه مناسب لها دون التسمية بالفاتحة و المعنى أن الفاتحة تشتمل على ما فيه أي في القرآن أي أصوله و مقاصده فكأنها تشتمل على جميع ما فيه فلا يردان فيه القصص و المباحات «5» و غيرها و اليد الإشارة في كلام المصنف و هو قوله من الثناء الخ و بعد ظهور المراد لا وجه للإيراد فإن بيانه صريح في أن المراد الاشتمال على مقاصده دون مكملاته و متمماته.
قوله: (من الثناء على اللّه سبحانه و تعالى) بما هو أهله بإجراء الصفات العظام و هي من قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ إلى قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ.
قوله: أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء إلى آخره معنى الثناء مستفاد من إجراء الصفات الكمالية على اسم الذات من وصف الربوبية و الرحمة البالغة و الملكية بالأمور يوم الجزاء و معنى
(1) قوله مفتحة يؤيد كون الفاتحة مصدرا بمعنى المفعول و لم يقل مفتوحة لنكتة نأمل.
(2) أي يتحرك.
(3) أي و خص المص لفظ كان بالأصل.
(4) و التسمية بالأساس ليس بطريق التشبيه بل لكون معنى الأساس متحققا فيه.
(5) مثل المبايعات و المناكحات.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 56
قوله: (و التعبد بأمره و نهيه) المفهوم من إياك نعبد إذ لا معنى لعبادة العبد له إلا امتثال أوامره و اجتناب نواهيه فإن العبادة أقصى غاية الخضوع و هو لا يتحقق إلا بما ذكرنا فهي مشتملة على جميع العبادات اشتمالا إجماليا بحيث لا يشذ فرد منها و إما خصوص العبادة و تفصيلها ففي سائر السور فتشبه الأم فسميت أم القرآن قيل التعبد بمعنى التكليف و هو في الأصل جعل الشخص عبدا يقال عبدني فلان تعبيدا و اعبدني إعبادا و اعتبدني اعتبادا و تعبدني تعبدا و الكل بمعنى استعبدني و صيرني كالعبد و عدي بالباء لتضمنه معنى التكليف انتهى. فحينئذ يكون الأمر و النهي بمعنى المأمور به و المنهي عنه و أورد عليه أن قوله إياك نعبد يفيد التنسك الذي هو وصف العبد لا التكليف و أجيب بأنه بناء على لسان العباد تعليما لهم و طلبا لعبادتهم فهو تكليف ثم إن تفسير التعبد بالتكليف لا يساعده اللغة إلا أن يقال هو تفسير له بلازم معناه و حقيقته اتخذه عبدا أو لتضمينه معناه لتعديته بالباء كذا التعبد بالأمر و النهي من قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: 5] و يدخل تحته طلب الاستعانة و الهداية إلى الصراط المفاد بقوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 5] لأنه طلب العون على ما تعبد و تكلف من إتيان ما أمر به و الكف عما نهى عنه و يجوز أن يستفاد معنى التعبد من قوله الحمد للّه على أن يقدر بقل تعليما للعباد فيكون أمرا مشتملا للنهي فإن الأمر الإيجابي يتضمن النهي عن ضد ما أمر به و محتويا على الثناء و ذلك ظاهر و معنى الوعد و الوعيد من مالك يوم الدين فإن الدين هو الجزاء و هو إما بالثواب أو بالعقاب فوصف ذاته تعالى بأنه مالك متصرف بالجزاء يوم القيامة مشتمل على المجازاة بمقتضى الوعد بالثواب على المطيع و الوعيد بالعقاب على العاصي و من قوله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] فإن بيان الصراط المستقيم بصراط الذين أنعمت عليهم بإبداله منه في ضمنه إخبار بأن الإسلام سبب لاستجلاب النعم كلها و أجلها النعم الأخروية الموعودة على الإسلام المدلول عليه بالصراط المستقيم فإن حذف المفعول من أنعمت لإفادة الشمول و الإحاطة على ما قال صاحب الكشاف رحمه اللّه و أطلق الإنعام ليشمل كل إنعام لأن من أنعم اللّه عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته و اشتملت عليه ففيه وعد على الإسلام بالإنعام و في استثناء المغضوب عليهم و لا الضالين عن المنعم عليهم و عيد لدلالته على أنهم في حرمان مما منح به الذين أنعم عليهم بنعمة الإسلام و يمكن أن يقال في وجه تسمية الفاتحة بأم القرآن ما هو أبسط مما قالوا بأن نقول إن هذه السورة مشتملة عى أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين المشتمل عليها جميع القرآن النوع الأول علم أصول الكلام و معاقدة معرفة اللّه و صفاته و إليه الإشارة بقوله للّه رب العالمين الرحمن الرحيم و معرفة النبوات و هي المرادة بقوله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] و معرفة المعاد و هي المدلول عليها بقوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] و النوع الثاني علم الفروع و كيفية العبادات و هي المومي إليه بقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: 5] و العبادات بدنية و مالية و هما يتوقفان على أمور المعاش من المعاملات و المناكحات و لا بدّ الحفظ قوانينها من الحكومات فتمهدت الفروع على هذه الأصول و النوع الثالث علم ما به يحصل الكمال و هو علم الأخلاق و أجله الوصول إلى حضرة القدس و جناب الحق تعالى و السلوك لطريقه و الاستقامة عليها و إليه الإشارة بقوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 5، 6] و النوع الرابع علم القصص و الأخبار عن الأمم السالفة
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 57
قيل و لو حمل التعبد على التقرب بأنواع القربات و الباء في بالأمر على السببية على أن المراد بهما معناهما الحقيقي لكان أسلم من التكلف و ذكر الأمر و النهي للإشارة إلى أن القربات إنما يعتد بها إذا وافقت الشرع فعلم منه أن الامتثال بالأمر و النهي معتبر في كون العبادة عبادة معتدا بها سواء كان الامتثال المذكور لازما للعبادة أو جزءا من مفهومها كما هو الظاهر و يؤيده ما وقع في الكشف من قوله العبادة التحقق بالعبودية بارتسام ما أمر السيد أو نهى فإنه صريح في كون الارتسام المذكور قيدا للتحقق فتكون العبادة عبارة عن المجموع و أما قول المصنف فيما سيجيء أن العبادة غاية الخضوع و التذلل معناه غاية الخضوع مع امتثال ما أمر و نهى ألا يرى أن غاية الخضوع بدون الامتثال لا تزن عند اللّه جناح بعوضة إذ المراد بالعبادة عبادة المسلمين للّه تعالى المفهومة من إياك نعبد فيلزم من اشتمال الفاتحة على التعبد اشتمالها على الامتثال المذكور و أما قوله تعالى: وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ [يونس: 18] الآية فالعبادة فيه صورة عبادة لا حقيقة عبادة نعم إنها عبادة لغة و لا كلام فيه و إنما الكلام في العبادة الشرعية.
قوله: (و بيان وعده و وعيده) المفهومان من قوله أنعمت عليهم فإن المراد بالإنعام الإنعام في الآخرة و ما يتوسل به كما اختاره المص و إنعامه في الآخرة يشمل جميع ما وعد به عباده من اللذائذ الجسمانية و الروحانية و غضبه يندرج فيه و عيداته فإنها ثمرات الغضب فهذه السورة الكريمة لاشتمالها على تلك الأبعاض إجمالا و صيرورتها مفصلا في سائر السور تشبه الأم التي يندرج فيها الولد بلا ظهور تام و يظهر عند الانفصال منها و هذا الوجه مبني على أن نظم القرآن منقسم أصوله إلى الأقسام الثلاثة «1» و إن فاتحة الكتاب مشتملة عليها فإن الثناء و الأمر و النهي و الوعد و الوعيد من قبيل الألفاظ فالفاتحة عبارة عن تلك الألفاظ باعتبار الدلالة على المعاني فاشتمالها على ذلك من قبيل اشتمال الكل على أجزائه بخلاف الوجه الذي يتلوه فإنه بالنظر إلى معانيه كما سيعود عليك مفصلا و في بعض الحواشي إن ابن سيرين كره تسميتها أم القرآن و الحسن البصري كره تسميتها أم الكتاب ورد بثبوته في الصحيحين و غيرهما كحديث الحمد للّه أم القرآن و أم الكتاب كذا قيل و لعلهما لم يطلعا على ما في الصحيحين لكن ذلك بعيدا و مرادهما الكراهية لمن لا يفهم المراد منه أو تلك الرواية غير ثابتة عنهما.
و القرون الماضية السعداء منهم و الأشقياء و ما يتصل به من وعد محسنيهم و وعيد مسيئيهم و هو المراد بقوله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7].
(1) و وجه انحصار أصول مقاصده في هذه الثلاثة كما عرفت أنه أنزل لإرشاد العباد إلى معرفة المبدأ بالصفات الكمالية ليشتغلوا بما يقربهم إليه و يجتنبون عما يتضرروا به فيه و الاشتغال و الاجتناب لا يكونان إلا بالأمر و النهي و لا بد للأول من باعث و هو الوعد و للثاني من زاجر و هو الوعيد كذا في حواشي منلا خسرو.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 58
قوله: (أو على جملة معانيه) عطف على قوله على ما فيه و إنما أعاد كلمة على لطول العهد مع الالتباس و المراد بالجملة ههنا المجمل لا بمعنى الجميع و القرينة عليه كنار على علم و لو أريد بها المجموع و جعل قوله من الحكم الخ بيان له لم يبعد و المعنى أو لأنها تشتمل على مجمل معانيه دون تفاصيله و من ذلك تشبه بالأم.
قوله: (من الحكم النظرية و الأحكام العملية) شفاء لما في الصدور من الشكوك و سوء الاعتقاد و بهذا يظهر وجه تسميتها بالشافيد و الشفاء و الأحكام العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال و قبائحها و المرغبة في المحاسن و الزاجرة عن القبائح و بهذا يظهر وجه تسميتها بسورة الكنز و الوافية و الحكم جمع حكمة و هي إيقان العلم و اتقان العمل فهما معتبران في الحكمة فمن أيقن العلم و لم يعمل أو اتقن العمل بلا علم فلا يكون حكيما لكن المراد هنا بها إيقان العلم فقط بقرينه وصفها بالنظرية فالحكمة النظرية هي العلم بالأمور التي يقصد منها مجرد العلم دون العمل كمعرفتنا باللّه تعالى و صفاته العلية و النبوة و أمر المعاد و غير ذلك مما يتعلق بالإلهيات و الاعتقاديات و الحكمة العملية هي العلم بالأمور التي يقصد منها العمل دون العلم إذ العلم ذريعة إليه و عبر المص عنها بالأحكام العملية تنبيها على ذلك إذ الحكم الشرعي هو خطاب اللّه تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع و إنما قدم الحكمة النظرية مع أنه أخرها في سورة يونس في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [يونس: 57] الآية لأنها أساس و أصل بصحبة الأعمال الجارحة أو غيرها و أما تأخيرها هناك فلكون ما أشار إلى الحكمة العملية في النظم الجليل مذكورا أولا بخلاف ما ذكر هنا كما سينكشف عليك.
قوله: (التي هي سلوك الطريق المستقيم و الاطلاع على مراتب السعداء و منازل الأشقياء) صفة جملة معانيه إذ العطف على المضاف أولى مع أن جعله صفة للمعاني المبينة بالحكم و الأحكام راجع إلى ذلك و ليس صفة للأحكام وحدها كما يوهم ذكره عقيبها لعدم اختصاص السلوك و الاطلاع المذكورين بالأحكام و أما احتياجه إلى تقدير المضاف حينئذ أي أحكام سلوك فلا يكون وجها ضعيفا لأنه شائع ذائع لا سيما عند ظهور القرينة كما هنا قوله سلوك الطريق المستقيم مستفاد من قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:
6] و هو كما يكون بالنظر إلى الأفعال و الأخلاق يكون بالنظر إلى الاعتقاد فإن سلوك الطريق المستقيم و الاطلاع على مراتب السعداء إنما يتم بالذكر و الفكر و العبادة الخالصة له و تفويض الأمر إليه في جميع الأحوال و الأهوال و يتضمن جميع ذلك الحمد للّه إلى قوله و إياك نستعين فلا وجه للتخصيص بالأفعال بل هذا أحرى بالاعتقاد إذ المطلوب فيه دائما السداد و إن اعوجاجه يفسد الأعمال دون العكس في المآل و كذا الاطلاع المذكور المشار إليه بقوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ [الفاتحة: 7] الآية لا يختص بالحكمة النظرية كما أشار إليه المصنف بقوله و المراد القسم الأخير و ما يكون وصلة إلى نيله من القسم الأخير انتهى. فلا وجه للحمل على اللف و النشر لا سيما غير المرتب فإنه شرح كلام لا يرضي قائله لما عرفت من العموم الآتي و ما يكون وصلة الخ إلى الاعتقادات و الأعمال الصالحات لكن قيل نقل هنا
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 59