کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 71
و كراهة قراءتها في أول السورة عند ضمها بالفاتحة يؤيد الظن المذكور فالظن المذكور بملاحظة ما ذكرنا و مراده أن عدم النص له مدخل في ذلك لا أنه مستقل فيه فالفاء في فظن للسببية و حملها على التفريع خلاف مذاق الكلام قال المحقق في شرح التلخيص و أما قوله تعالى: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [إبراهيم: 31] فلأن الشرط لا يلزم أن يكون علة لحصول الجزاء بل يكفي في ذلك توقف الجزاء عليه و إن كان متوقفا على شيء آخر نحو إن توضأت صحت صلواتك انتهى و لا ريب في مدخلية عدم النص في ذلك الظن ألا يرى أنهم كثيرا ما ينفون الحكم بعدم النقل و يقولون لو كان كذا النقل إلينا لكن لم ينقل فلا يكون كذا و لعل هذا مراد من قال إن عدم تنصيصه بشيء منهما مع كونه من أهل الكوفة القائلين بكونها من الفاتحة سبب لهذا الظن انتهى و لأرباب الحواشي مقالات في حله يتعجب منه الناظرون و يتحير منه الماهرون فإن منهم من تمسك بمفهوم المخالفة بأنه مذهب المص و معتبر في عبارات المصنفين مع أنه مختص بالألفاظ و لا كلام من الإمام هنا قوله و لم ينص حكاية سكوته عن بيان حكمه و منهم من تصدى للشرح و الجرح و الإجماع السكوتي حاله كذا و منهم من جعل فظن مرفوعا خبرا عن أن في قوله إنها ليست من السورة و قد مر البيان أن عدم نص الإمام في كونها جزءا من الفاتحة و لا في سائر السور لا في قرآنيتها فلا إشكال أصلا بل لا نعرف وجه انكار قدماء الحنفية قرآنيتها مع قول الإمام محمد ما بين الدفتين كلام اللّه «1» .
قوله: (و سئل محمد بن الحسن عنها فقال ما بين الدفتين كلام اللّه تعالى) الدف و الدفة بفتح الدال المهملة و تشديد الفاء الجنب من كل شيء و دفتا المصحف جانبا جلده المشتمل عليه و المعنى ما بين دفتي المصحف على أن اللام للعهد لشهرته بين الأنام أو عوض عن المضاف إليه و المراد بالمصحف مصحف عثمان رضي اللّه تعالى عنه و هو المسمى بالأم و ما يستنسخ منه و المراد بكلام اللّه تعالى اللفظي المؤلف من السور و الآيات قال العلامة التفتازاني في شرح العقائد التحقيق أن كلام اللّه تعالى اسم مشترك بين الكلام النفسي القديم و معنى الإضافة كونه صفة للّه تعالى و بين اللفظي الحادث المؤلف من السور و الآيات و معنى الإضافة أنه مخلوق اللّه تعالى ليس من تأليفات المخلوقين انتهى و لما قال محمد هذا و فهم منه كونه قرآنا قيل له لم تسرّ بها و لم يجب إشارة إلى أنه أمر تعبدي لا ينبغي الخوض فيه كما قيل أو لقوة الشبهة في قرآنيتها في أوائل السورة أو ليعلم أنها ليست بآية من أول الفاتحة فإن المتعين في حق الإمام الجهر بالفاتحة و السورة في الأوليين دون الأخريين و ما سوى الفاتحة و السورة لم يجهر بها تفرقة بين ما ثبت قرآنيته قطعا و يكفر جاحده جزما و بين ما ثبت الشبهة القوية في قرآنيتها من الأئمة تأويلا و هذا أولى مما قيل إنها ألحقت بالأذكار و الأصل فيها استحباب الأسرار فإنه يورث دهشة لأولي الأبصار.
(1) و الإجماع يتوقف على مجتهد عصره فلو سلم اتفاق فقهاء الكوفة ما سوى الإمام فاختلاف قراء المدينة و البصرة و الشام و فقهاؤها مانع من الإجماع فالتصدي لهذا البحث ضعيف جدا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 72
قوله: (لنا أحاديث كثيرة) الأحاديث جمع حديث على خلاف القياس و قيل جمع أحدوثة و هنا المعنى على الأول فلا تكون جمع أحدوثة «1» قوله (منها ما روى أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه أنه عليه الصلاة و السلام قال فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن بسم اللّه الرحمن الرحيم) اعترض عليه بأنه موقوف على أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه كما روي عن أبي بكر الحنفي و للمصنف أن يجيب بأنه و إن صح الوقف لكنه قد تقررت مرفوعيته بطريق آخر كما نقله الإمام الواحدي و غيره من أهل الحديث أخبرنا أبو عبد اللّه إلى أن قال عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم الحديث و لو سلم موقوفيته لكنه في حكم المرفوع فإن ما لا يعرف بالرأي و يتوقف على السماع في حكم المرفوع كما ثبت في أصول الحديث و هنا كذلك و اعترض أيضا بأنه في سنده عبد الحميد بن جعفر و قد ضعفه سفيان فيكون الحديث ضعيفا و أجيب بأن هذا القدر من التضعيف لا يقدح في الحديث لجواز أن يكون لضعف حفظ الراوي مع كونه من أهل الصدق و الديانة و قد صرحوا بأن مثله إذا جاء من وجه آخر زال ذلك الضعف و قد انجبر هذا برواية الثعلبي بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما في قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر: 87] الآية قال هي فاتحة الكتاب قيل لابن عباس فأين السابعة قال بسم اللّه الرحمن الرحيم و اعترض أيضا بأنه معارض بما روي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «قال اللّه تعالى قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين و لعبدي ما سأل فإذا قال عبدي الحمد للّه رب العالمين قال اللّه تعالى حمدني عبدي» الحديث و أجيب أيضا بأن في سنده العلاء بن عبد الرحمن و قد ضعفه يحيى بن معين و غيره و نوقش أيضا بأنه خبر الواحد و المسألة مما يطلب به اليقين و هذه الشبهة قوية إذ القرآن إنما ثبت بالتواتر كما هو المشهور و في المرقاة و قال مالك و الشافعي لا يجوز العمل بالقراءة الشاذة مطلقا لأنه ليس بقرآن لعدم تواتره انتهى فمذهب الشافعي أن التواتر شرط في القرآنية و لو لم يتصد أئمتنا للاعتراضات المذكورة و اكتفوا به لكان أولى و أقل مؤنة و العجب من القرطبي أنه قال المسألة اجتهادية ظنية لا قطعية كما ظنه بعض الجهلة من المتفقهة و هذا اجتراء عظيم على من هو في منصب جسيم و أما الجواب بأن المتواتر كونه منزلا من عند اللّه للإعجاز بنوعه و قرآنيته و أما كونه جزءا منه في بعض معين فليس بمتواتر و إلا لم يسمع الاختلاف فيه و تحقيقه كما في تفسير السمين المسمى بالوجيز فضعيف جدا «2» إذ الإعجاز بنوعه إنما يتحقق لجزء معين قوله: لنا أحاديث و إنما قال لنا لأنه رحمه اللّه شافعي المذهب و هذه الأحاديث من أدلة الأئمة الشافعية في هذه المسألة.
(1) لأن الاحدوثة ما يتحدث به الناس و هذا ليس بمراد هنا.
(2) و في هذا البحث كلام يعرف بالتأمل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 73
مقدارا قصر سورة فإذا لم يشترط التواتر في جزء معين اشكل الأمر جدا فإنه يستلزم عدم كون نوعه متواترا إذ لا وجود له إلا في ضمن جزء معين و القول بأنه شرط في بعض معين دون بعض فمع عدم انفهامه من كلامه يلزمه منه الترجيح بلا مرجح و الجهالة في ذلك البعض و لا محيص عن هذه الشبهة إلا بأن يقال التواتر في كل جزء منه شرط ثم قال إن الأحاديث تدل على أن البسملة آية من الفاتحة و هي متعاضدة محصلة للظن القوي بكونه قرآنا و المطلوب هنا الظن لا القطع خلافا لأبي بكر الباقلاني حيث قال لا يكتفي هنا بالظن و شنع على الشافعية و قال كيف يثبت القرآن بالظن و أنكر عليه الغزالي و أقام الدليل على الاكتفاء بالظن فيما نحن فيه كحديث كان النبي عليه السلام لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم و القاضي معترف بهذا و يتأول على أنها كانت تنزل و لم تكن قرآنا و ليس كل منزل قرآنا قال الغزالي ما من منصف إلا و يستبرد هذا التأويل و يضعفه انتهى مراد القاضي أبي بكر أنها كانت تنزل و ثبت نزولها بخبر الآحاد و لم تكن قرآنا إذ القرآنية تثبت بالتواتر و هو لم يوجد في البسملة و ليس كل منزل قرآنا بل المنزل المتواتر قرآن و قوله لا يكتفي هنا بالظن قرينة كنار على علم على ما ذكرنا ما من منصف إلا و يستصوب هذا التأويل فإن هذا هو الأحرى بشأن أنوار التنزيل و أما قوله و إلا لم يسمع الاختلاف فيه فجوابه أن القراآت السبع منها ما يختلف به خطوط المصاحف و هو المسمى بجوهر اللفظ نحو مالك ملك و منها ما لا يختلف به و هو المسمى بالهيئة و قيل الإداء كالإمالة و تخفيف الهمزة و التفخيم و نحوها فقيل كلها متواترة و فصل بعضهم فقال ما هو من الجوهر متواترة و ما هو من قبيل الأداء لا يشترط فيه التواتر و أما الاختلاف الذي لم يبلغ مرتبة التواتر فلا يعطى له حكم القرآن و اختاره ابن الحاجب و أكثر المحققين كذا في المرآة و البسملة من قبيل الجوهر فالتواتر شرط فيها و قيل أقول هذه مسألة أصولية اختلف فيها و حاصلها أنه هل يكفي فيما نحن فيه الظن لأن التواتر إنما يشترط فيما يثبت قرآنا على سبيل القطع كغيرها من القرآن فأما ما يثبت قرآنا على سبيل الحكم فيكفي فيه الظن كما مر عن الغزالي و معنى كونه على سبيل الحكم أن له حكم القرآن من الكتابة بين الدفتين و وجوب القراءة و هو الأصح عند الشافعية و ذهب الحنفية إلى أن كل ما يسمى قرآنا لا بد فيه من القطع في نفسه و في محله كما في سورة النمل و ما بين السور ليس كذلك فحيث انتفى ذلك انتفى القرآنية و الشافعية يختلفون في هذه المسألة فمن ذهب إلى المنع على الأصح عندهم و من ذهب إلى التسليم شرع لثبوت موجبه لأن إثباتها في جميع المصاحف في معنى التواتر و إنما لم يتواتر تسميتها قرآنا و آية بالنقل عنه عليه السلام إذ لو تواتر كفر جاحدها و هو لا يكفر بالاتفاق و لا ضير فيه إذ لا يلزم من انتفاء تحققه انتفاؤه و هو المدعي لهم انتهى و فيه اضطراب أما أولا فلأنه ما معنى ما ثبت له قرآنا على سبيل الحكيم و لم يكن قرآنا على سبيل القطع و قد نقل عن الشافعي إن التواتر شرط في القرآن و تقسيم القرآن إلى قسمين مما يتحير فيه العقول و ينكره الفحول و إن صح عن الشافعي رحمه اللّه هذا التقسيم فهو محمول على اكفار جاحده كما في غير البسملة و عدم اكفاره كما في البسملة
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 74
سوى سورة النمل لا على كونه قطعيا و غير قطعي فإنه مخالف لما نقل عنه فإن عدم اكفار جاحده لا لكونه غير متواتر عنده بل لشبهة قوية للإمام مالك كما تقرر في الأصول و أما ثانيا بأن قوله و وجوب القراءة لا يلائم ذلك إذ وجوب القراءة ثبت بقوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: 20] فكيف يجب أن يفرض قراءة ما لم يثبت قرآنيته قطعا مع أن دليل الوجوب يقتضي قراءة ما ثبت قرآنيته بالتواتر و أما ثالثا فلأن الاختلاف المنقول من أئمة الشافعية أن البسملة في أوائل السورة هل هي من القرآن أو لا فيه قولان أو هل هي تكون في أول سورة آية برأسها أو بعض آية فيه قولان قال الإمام الغزالي حمل تردد الشافعي على الأول أصح كما قيل لا أنه هل يكفي فيما نحن فيه الظن و أما رابعا فلأن قوله و ذهب الحنفية إلى قوله فحيث انتفى ذلك انتفى القرآنية مذهب مرجوح عند علماءنا و المختار القرآنية اختارها ائمتنا المتأخرون.
قوله: (و قول أم سلمة رضي اللّه تعالى عنها) من امهات المؤمنين و سلمة بفتح السين المهملة و اللام المفتوحة و الميم (قرأ رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم الفاتحة و عد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ آية) قيل و حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أخرجه الطبراني و ابن مردويه و البيهقي و صحح الدار قطني ما يفيد معناه و حديث أم سلمة لم يثبت بهذا اللفظ و إنما الوارد في طرقه أنه عد البسملة آية و صحح البيهقي بعض طرقه و تفصيله في حاشية السيوطي و قد طعن الطحاوي فيه بأنه رواه ابن مليكة و لم يثبت سماعه منها مع أنه روى عنه ما يخالفه و اجيب بأن له حكم الاتصال بأنه تابعي أدركها و عدم السماع خلاف الأصل و قد روى الشيخان ما يعارضه من حديث كان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم يفتح القراءة بالحمد للّه رب العالمين و تأويله بأن معناه بفتح القراءة بهذه لأنه علم لها خلاف الظاهر و قد رووا أحاديث كثيرة تؤيده و قد حمل النفي الوارد على نفي السماع و الجهر و قيل إن عليا رضي اللّه تعالى عنه كان مبالغا في الجهر فشدد بنو أمية في المنع منه إبطالا لآثاره و اضطراب رواية أنس رضي اللّه تعالى عنه فيه لا يبعد أن يكون لخوف بني أمية و لا يخفى فساده لما فيه من سوء الظن بالسلف و قول الدار قطني لم يصح في الجهر حديث يستشهد على فساده و ما قيل من أن الخلاف في التسمية بنفي تواترها فلا بد من القول بعدم جزئيتها حتى يكون القرآن متواترا رد بما في النشر من أن هذا الاختلاف كاختلاف القراءة بالزيادة و النقص و لكنها عند الجمهور ليس لها حكم القراءة في جواز الترك احتياطا ليحصل الخروج من فرض الصلاة يقينا انتهى و قد مر الكلام فيه فتذكر ثم تدبر و البعض قال نصرة للحنفية أن مراد الطحاوي هو إن مقتضى حديث الليث «1» أنه كان مقصود أم سلمة بالإفادة كيفية قراءة النبي صلّى اللّه عليه و سلم لا كيفية مقروئيته فلا
(1) و المراد بحديث الليث ما خرّج الطحاوي في شرح معالي الآثار و هو ما رواه عن عبد اللّه بن مليكة عن يعلى أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقالت كان يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين فنعتت ذلك بقراءة مفسرة حرفا حرفا قالوا إن أم سلمة تعني بذلك وصف قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كسائر القرآن كيف كانت و ليس في ذلك دليل أن رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم كان يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 75
يتعلق بخصوصية الفاتحة و البسملة غرض حتى يكون دليلا فلا نسلم أن الظاهر حكاية تلاوة البسملة بخصوصها انتهى قد سبق منا أن مشايخنا لو اكتفوا بالرد بأنه خبر واحد لا يفيد القرآنية فضلا عن جزئية الفاتحة و إنما يفيد أن قراءتها فضيلة كسائر الأذكار لكان أولى فما الفائدة في اشتغال جرح راوي الحديث و الجواب عنه و إثبات العدالة له فتدبر فإن العقل يتحير.
قوله: (و من أجلهما) أي من أجل الروايتين أو الحديثين و في بعض النسخ (و من أجله) أي من أجل ما ذكر من الحديثين (اختلف) أي وقع الاختلاف بين الشافعية (في أنها آية برأسها) اختاره بعضها بناء على الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه (أم بما بعدها) كما اختاره بعض آخر منها بناء على حديث أم سلمة رضي اللّه تعالى عنها بعد اتفاقهم على أنها جزء من الفاتحة كما مر فعمل البعض بالحديث الأول و البعض الآخر بالحديث الثاني لمرجح لاح لهم فإن قيل الحديثان متعارضان فكيف يصح العمل بهما إذ لا يمكن الجمع بينهما و لا يجري فيه النسخ لجهالة التاريخ أجيب بأن أم سلمة فهمت كونها بعض آية من الوصل و الوقف على رب العالمين و هو لا يدل على ذلك مع أن حديث أم سلمة لم يصح بهذا اللفظ كما في الإتقان انتهى و ما فهم منه أن حديث أم سلمة رضي اللّه تعالى عنها يوافق حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه و يرد عليه أنه حينئذ لا وجه للاختلاف المذكور كما أن المجتهدين تمسكوا بالأحاديث يرى تعارضا بينها فرجح أحدهم بعضا منها و الآخر رجح بعض الآخر منها و الجواب ما أشرنا إليه من أن كل فريق ترجح عنده أحد الحديثين المذكورين فعمل به دون الآخر فلا تعارض حينئذ و لما ثبتت جزئية البسملة من سورة الفاتحة و الاختلاف فيها ثبت جزئيتها فيما عداها و الاختلاف فيها أيضا إذ الاختلاف فيما عداها متفرع على الاختلاف فيها كذا قيل و لا يخفى ما فيه إذا مر التفرع غير قوله: و من أجلهما اختلف أي و من أجل رواية أبي هريرة و قول أم سلمة وقع الاختلاف في أنها آية من الفاتحة برأسها أو بما بعدها فإن من قال إنها آية تامة من الفاتحة تمسك برواية أبي هريرة و من قال إنها آية بما بعدها أخذ قول أم سلمة و في هذه المسألة خلاف آخر لم يذكره المصنف رحمه اللّه لعدم اعتداده به و هو أنها بعد ما ثبت أنها من القرآن هل هي آية فردة أنزلت للفصل و التبرك و ليست جزءا من السور كما هو مذهب المتأخرين من الحنفية أم هي جزء منها و لا خلاف في أن ما في سورة النمل بعض آية منها أقول عندي في هذا المقام شبهة و هي أن البسملة في سورة النمل من القرآن اتفاقا و مع هذا الاتفاق ما معنى الاختلاف في أن ما في أوائل السور من القرآن أم لا فإن الآية من القرآن أو بعض الآية إذا كتبت في موضع آخر من المصحف أو قرئت لا تخرج عن كونها من القرآن فكذا هذا فلو قلت سورة الفاتحة متقدمة في النزول على سورة النمل.
قلت ما تقول فيما وقع في أوائل سور نزلت بعد سورة النمل فهذا كتكرر. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرحمن: 13] و كتكرر ألفاظ كلام من قصة واحدة في سورة بعد ذكرها بعينها في سورة أخرى فأقول الحق أن الخلاف إنما هو في كون البسملة آية من كل سورة لا في كونها من القرآن في أوائل السورة إذ لا خلاف فيه و من قال به فقد توهم كذا ذكره الفاضل مولانا عضد الدين في نبوات المواقف.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 76
مسلم إذ فيه أقوال كثيرة كما مر بيانه فالأولى أن يقال إن المص بين ما هو المختار عنده من الأقوال المنقولة عن الشافعي و هو أن البسملة جزء من الفاتحة و لم يتعرض فيما عداها لكثرة الاختلاف فيها و بيانه أنه يؤدي إلى طول الكلام و يكل عنده أي و يضعف الإفهام فلا يقال هنا لا قائل بالفصل فإذا ثبتت الجزئية و الاختلاف فيها ثبت ذلك فيما عداها.
قوله: (و الإجماع) أي لنا ثانيا في إثبات كونها من القرآن الإجماع القولي و الفعلي و إلى الأول أشار بقوله (على أن ما بين الدفتين كلام اللّه تعالى) و أشار إلى الثاني بقوله (و الوفاق على إثباتها) الخ و لما كان مطلوب المص إثبات جزئيتها من الفاتحة ورد مذهب المخالفين أعني عدم كونها من القرآن كما ذهب إليه مالك و قدماء الحنفية أثبت أولا جزئيتها ثم حاول رد المخالفين بقوله و لنا الإجماع «1» و قدم الأول لكونه مقصودا أصليا و الوجه الأول و إن استلزم إثبات قرآنيتها لكنه لم يكتف به إما للرد صريحا أو لإثبات قرآنيتها في أوائل السور جميعا و قيل و الدليل الأول و إن كان مستلزما لإثبات القرآنية إلا أن هذين الدليلين أقوى انتهى و لا يخفى أنه «2» مستلزم لإثبات القرآنية الكائنة في أول الفاتحة و أما بالنسبة إلى ما عداها فلا و المشهور من مذهبه القرآنية في أوائل كل سورة فالوجه ما قدمنا و الاعتراض بأن أسماء السور و كونها مكية أو مدنية و عدد الآي مما بين دفتي المصحف مع أنها ليست بقرآن مدفوع بأن المراد ما بين دفتي المصاحف المتقدمة في زمن الأصحاب و تلك الأشياء ليست موجودة فيها كذا قيل و فيه أن المصاحف المذكورة إن كانت المصاحف المتداولة فيما بيننا فالأولى ذكر تلك المصاحف و إلا فمن أين يعلم الإجماع على ذلك و لعل لهذا قال المجيب و لو سلم أن المراد المصاحف المتداولة فيما بيننا فالمراد بما بينهما ما فيه احتمال القرآنية و هذه خارجة بالاتفاق فإنها مع حدوثها في المصاحف الحديث كما ذكره القرطبي و غيره ليس فيه احتمال القرآنية و لا قائل به و لهذا ميزوها عنه في اللون أو الخط أو فيهما معا و قد كتبوا التسمية بحبر القرآن و خطه فالتفاوت نادر لا يعبأ به قيل قال النووي في شرح المهذب في البسملة و جهان أحدهما أن إثباته على وجه الظن و الثاني على وجه القطع لكن اعترض على الأول القاضي تاج الدين منهم بأنا لا ندعي تواترها الآن فإنا نحن لم نثبتها إنما المثبت لها إمامنا الشافعي فلعلها تواترت عنده دون المخالفين و رب متواتر عند قوم دون آخرين و في وقت دون آخر و إذا تمهد هذا ظهر أنه لا يصح القول بظنيتها مطلقا و إنما يصح بدعوى كونها قطعية عند الشافعي ثابتة بالدليل القطعي عنده فلا يصح الجواب لابتنائها على كفاية الدليل الظني و القول
(1) و للخصم أن يمنع تحقق هذا الإجماع إذ قد ذكر في المواقف أنه روي أن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه بقي مترددا في كون الفاتحة و المعوذتين من القرآن لكن الحق عدم صحة تلك الرواية عنه كيف و قد ذكر الفقهاء أن من أنكر قرآنية المعوذتين و الفاتحة يكفر كذا قيل في الخلاصة رجل قال المعوذتان ليستا من القرآن لا يكفر هكذا روي عن ابن مسعود و أبيّ بن كعب أنهما قالا ليستا من القرآن و قال بعض المتأخرين يكفر لانعقاد الإجماع بعد الصدر الأول على أنهما من القرآن و الصحيح القول الأول أنه لا يكفر لأن الإجماع المتأخر لا يرفع الاختلاف في الصدر الأول كذا في شرح المشكاة لعلي القاري.
(2) أي الدليل الأول و المنفهم من قوله القائل إنه مستلزم للإثبات في أوائل السور جميعا و ليس كذلك.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 77
بأنه مدفوع بإبراز دليل قاطع يدل على خلافه ليس بشيء فإنه مشترك الورود و هنا يمكن القول بذلك انتهى و فيه بحث أما أولا فلأن هذا يؤدي إلى مفسدة عظيمة لأن أحدا من أهل الإلحاد إذا ادعى تواترا على مذهبه الباطل و نقل ذلك التواتر عن إمامه فيماذا يجيب أهل الحق عنه و بأي شيء يتوسل إلى إلزامه و مثل هذا لا ينبغي أن يخطر بالبال فضلا عن أن يعتبر عنه بالمقال و إما ثانيا فلأنه يبعد عن الإمام الشافعي السكوت عن بيان ذلك التواتر لا سيما إذا كان قصده رد المخالفين بإبراز الدلائل و إما ثالثا فلأنه يبعد كل البعد التفرد بذلك التواتر مع توفر الناقلين و المنقول إليهم و فرط هممهم تتبع الأخبار و الآثار في الحضر و الأسفار و قوله و رب متواتر عند قوم دون آخرين إن أراد به في أمور الدين و بيان الحق المبين لا نسلم ذلك بل هذا أول المسألة فليبين واحدا من ذلك فمحال أن يفوز بما هنالك و إن أراد في أمر من أمور الدنيا فلأنه لو سلم ذلك فلا يضرنا ثم قال ثم إن الجواب الصواب من جانب المص هو أنه لا يقدح مخالفة مالك في ثبوت هذا التواتر لما عرفت من أنه يمكن أن يكون شيء متواترا عند قوم دون آخرين و الشاهد لذلك حال القراءات السبع «1» فإن كل واحدة منها متواترة عند صاحبها دون الآخر انتهى. هذا غير مطلوب البيان فإنه لو كان كذلك لا يكفر منكر من اختار إحدى القراءات السبع دون ما عداها و عدم جواز الصلاة بغير ما اختاره و لو سلم ذلك فلا يصح هنا إذ الإمام مالك يدعي التواتر على عدم قرآنيتها كما سيجيء الإشارة إليه فيلزم التواتر على المتناقضين مع أن القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة فضلا عن القواطع الدالة على المعاني المتناقضة إلا أن يقال «2» إن مالكا لا يدعي التواتر على عدم قرآنيتها بل يدعي عدم التواتر في قرآنيتها فالصواب أن كل واحدة من تلك القراءات السبعة متواترة عند كل قارىء من القراء السبعة لكن كل واحد اختاروا واحدة منها لكونها على لغته و يدل عليه قوله عليه الصلاة و السلام: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف» و قال ولده المحقق التاج في بعض فتاواه القراءات التي اقتصر عليها الشاطبي و الثلاثة التي هي قراءة أبي جعفر و قراءة يعقوب و قراءة خلف متواترة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل و ليس تواتر شيء منها مقصورا على من قرأها بالروايات بل هي متواترة عند كل مسلم يقول أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و لو كان مع ذلك عاميا جلفا لا يحفظ من القرآن حرفا قال و لهذا تقرير طويل و برهان عريض لا تسعه هذه الورقة و حظ كل مسلم و حقه أن يدين اللّه و تجزم نفسه بأن ما ذكرناه متواتر معلوم باليقين لا تتطرق الظنون و لا الارتياب إلى شيء منه انتهى كذا في الاتحاف في القراءات الأربعة عشر و قال الإمام عبد الوهاب السبكي قراءة العشرة متواترة
(1) و هذا الإشكال لا يرد على تواتر القراآت السبع لأن كل واحد مروي غايته أنه لم يصل إلى من يخالفه فحينئذ ينقل إليه أو وصل إليه لكن لم يحصل له تواتر و لا علم و أما ما ادعى هنا من أن التواتر لو حصل للإمام و لم ينقل إلينا فيؤدي إلى ما ذكرنا و لو صح هذا الباب لانسد الزام المخالفين على ذوي الألباب نعم يفيد مثل هذا في مقام التحقيق لا في الإلزام و لعل هذا مراد الشيخ.