کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 78
معلومة من الدين بالضرورة و ليس تواتر شيء منها مقصورا على من قرأ بالروايات بل هي متواترة عند كل مسلم كذا في شرح الدرة قيل إن التحقيق الذي لا محيد عنه هو أن التسمية متواترة القرآنية مع شبهة المخالف فيها بل مع جزمه بالخلاف فهي قطعية الإثبات و النفي معا لتواتر كل من إثباتها و نفيها و هي من قبيل الحروف التي اختلف فيها القراء السبعة فإنها قطعية الإثبات و النفي معا لتواتر كل واحدة من القراءات السبع مع شبهة المخالف فيها بل مع جزمه بالخلاف و لذلك قرأ بعض القراء بإثبات التسمية و بعضهم بإسقاطها كحمزة و ابن عامر و غيرهما صرح بذلك السيوطي في الشواهد قائلا أخبرني بعض الفضلاء أنه سمع الحافظ ابن حجر يقرر في درسه ذلك فاستحسن ذلك جدا ثم رأيت تلميذه الشيخ برهان الدين البقاعي حكى ذلك عنه في ترجمته في معجمه و رأيت خاتمة القراء الشيخ شمس الدين بن الجزري سبقه إلى ذلك في كتابه النشر انتهى و هذا التحقيق غاية لم يصل إليها فرسان هذا الميدان حتى قال الشيخ أكمل الدين القطع مع وجود الشبهة لا يجتمعان و وجه اجتماعهما ما حقق في الحواشي الحسنية للتلويح من أن المراد بالشبهة ههنا ما يشبه الدليل و ليس به و لو في اعتقاد الخصم و بقوتها خفاء فسادها بحيث لا يطلع عليها إلا بالإمعان و هذه الشبهة لا تورث شكا أو و هما للطرف الآخر أصلا و إنما تورثه لو لم يقدر ذلك الطرف على إزالتها فلما أزالها و لو بالإمعان لم يبق عنده معتبرا أصلا لكن لما احتاج إبطالها إلى الإمعان عد صاحبها الذي يتمسك بها معذورا حتى لا يكفر كما لا يكفر المتأول و بهذا يندفع ما يقال إن أدنى درجات الشبهة القوية أن تورث شكا أو وهما فلا يبقى الطرف الآخر قطعيا انتهى قوله لتواتر كل من إثباتها و نفيها ينادي على أن الإمام مالك يدعي التواتر على عدم قرآنيتها و المشهور في كتب الأصول أنه ينكر التواتر على قرآنيتها و هذا لا يستلزم ذلك فحينئذ يرد عليه الإيراد المذكور فيلزم انعقاد التواتر على المتناقضين قوله و هذا التحقيق غاية لم يصل بناء على قوله أولا و هو أن التسمية متواترة القرآنية مع شبهة المخالف فيها بل مع جزمه الخ. و لا ريب أن التواتر الذي ادعاه غير معلوم و القول بأنه معلوم عند الإمام الشافعي قد عرفت ما فيه و ما عليه و التنظير الذي ذكره من اختلاف القراءات السبع معلوم تواتر كل واحدة منها عند صاحبها و هذا مبني على تواتر موهوم مفروض تحققه غير معلوم وجوده فافترقا «1» و هذه الريبة في التحقيق الذي تبجح به و افتخر من سوانح الزمان و الأقرب منه ما قيل و التحقيق أن القرآن في كتب القوم يستعمل في المعنيين أحدهما ما هو المراد في العرف العام المحدود بما اعتبر فيه القيد المذكور يعني قيد بلا شبهة بعد قيد تواتر و هو المرادف للكتاب الذي هو أحد أركان الدين و لا مجال للاختلاف فيه لما ذكر آنفا أي لكونه مشروطا بقيد بلا شبهة و الثاني أعم منه و هو كلام اللّه تعالى المنزل على النبي صلى اللّه تعالى عليه و سلم و حيا متلوا غير منسوخ التلاوة و هذا يحتمل الاختلاف من السلف و الخلف و القرآن في عرف القراء و المفسرين بهذا المعنى انتهى و هذا المعنى الأخير بناء على أن قيد التواتر بلا شبهة لم يذكر في كتب بعض المتأخرين لئلا يتوهم الاحتراز عن التسمية كصاحب التنقيح على ما قيل و أما قدماء الحنفية
(1) فلا يصح التنظير.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 79
ذكروا هذا القيد احترازا عما اختص بمصحف أبي و غيره و مما نقل بطريق الآحاد و عما اختص بمصحف ابن مسعود مما نقل بطريق الشهرة و عن التسمية أيضا فإن الجصاص جعل المشهور أحد قسمي التواتر و على قول غيره يكون المتواتر احترازا عنهما و قوله بلا شبهة تأكيد قوله: (و الوفاق) أي الاتفاق (على إثباتها في) جميع (المصاحف) قديمها و حديثها بخطها و حبرها فلا نقض بما كتب في أوائل السور لثبوتها في المصاحف الحديثة فقط و مع تميزها بالخط (مع مبالغة) كل شخص (في تجريد القرآن) عما ليس منه في اعتقاد (حتى) منع قوم العجم و (لم يكتب آمين) فعلم قطعا أنها من القرآن بلا خلاف من أحد. كذا قيل و لعل مراده أن غرض المص بهذا الكلام ما ذكر و إلا فمن أين يعلم أنها من القرآن قطعا مع كثرة المخالفين لا سيما الإمام مالك رحمه اللّه تعالى قيل نقل من المص في الحاشية منوطا على قوله و الإجماع الخ. هذان الدليلان يدلان على أنها من القرآن لا على أنها من الفاتحة إلا أن ينضم إلى الدليل الأول في كل محل أثبت فيه و إلى الثاني عما ليس من القرآن في المحل و القيدان في محل المنع انتهى و هي إما اعتراض لعدم تمامية الدليلين بناء على ما ذهب إليه كثير من الأصوليين من أن التواتر شرط في ثبوت ما هو من القرآن بحسب أصله و ليس بشرط في محله و وصفه و ترتيبه بل يكثر منه نقل الآحاد لكن ذكر في الإتقان لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا في أصله و إضرابه و أما في وصفه «1» و ترتيبه فلا و ذلك عند محققي أهل السنة فالاعتراض ساقط على مذهب المحققين أو تحقيق للمرام بأن الدعوى مركب من أمرين كما حررنا لك كذا قيل و قد مر الكلام فيه.
قوله: (و الباء) أي باء بسم اللّه (متعلقة بمحذوف)، و إنما تعرض له مع ظهوره تمهيدا لبيان ما هو المختار عنده من المحذوف و لهذا قال: (تقديره بسم اللّه اقرأ) الظ «2» . أنه اختار أن الظرف مستقر لما أفاده السيد السند من أن تقدير الفعل الخاص عند ظهور القرينة أفيد و لا ينافيه كونه ظرفا مستقرا لانفهام معنى عامله منه و لو بمعونة القرينة و قول النحاة المستقر ما يكون عامله محذوفا و فعلا عاما لأنه يصح تقديره في كل موضع دون الفعل الخاص ما لم يدل عليه قرينة فإذا وجدت القرينة عليه فلا ينكرون كونه مستقرا و حاول بيان القرينة بقوله (لأن الذي يتلوه مقروء) الأولى لأن الذي يتلوه أي التسمية قراءة إذ الاستعانة قوله: لأن الذي يتلوه مقروء أي لأن الذي يتلو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 1] و يتبعه مقروء فهو قرينة حالية بل مقالية على أن المقدر اقرأ كما أن المسافر إذا نزل في أرض أو ارتحل عنها فقال حين نزوله أو ارتحاله بسم اللّه يكون المعنى بسم اللّه أنزل و بسم اللّه ارتحل و كذا الذابح إذا شرع في الذبح و قال بسم اللّه معناه بسم اللّه اذبح و الحاصل أن الأفعال المخصوصة
(1) كالإمالة و تخفيف الهمزة و التفخيم و نحو ذلك و في المرأة فقيل كلها متواترة لأنها لو لم تكن متواترة لزم أن يكون بعض القرآن غير متواتر و اللازم باطل و فصل بعضهم فقال ما هو من الجوهر متواتر و ما هو من قبيل الأداء لا يشترط فيه التواتر و اختاره ابن الحاجب و أكثر المحققين.
(2) وجه الظهور أن الفعل الخاص الذي هو اقرأ مثلا منفهم بالقرينة فيكون الظرف مستقرا و بهذا ظهر ما في بيان مولانا خسرو من أن الباء إذا كان للاستعانة فظرف لغو بالاتفاق.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 80
بها إنما هي للفعل دون المفعول به و القول بأن المراد بتلو المقروء و تلو القراءة لاستلزام إياه فذكر اللازم و أريد الملزوم ضعيف فإن المتبادر من تلو المقروء تلو ذات المقرء و إرادة تلو المقروء تلوه من حيث هو مقرو كما يدل عليه التعبير بالمشتق غير تام إذا المتبادر في مثل هذا ذات المقروء لا هو مع الصفة المتعلقة به إلا أن يقال إن المراد الحاصل بالمصدر أو المراد بالوجود الوجود في نفس الأمر لا الوجود الخارجي و العذر بأنه إنما ترك ذكره و دل عليه يتلو المقروء رعاية للمجانسة بين التالي و المتلو إذا أمكنت اشتغال بالمهم و ترك الأهم و يؤيده قوله قدس سره بعد هذا القول و إنما أمكنت الرعاية «1» لأن تسمية الذابح مثلا لا يتلوها إلا الذبح ليتبع وجوده ذكرها و أما المذبوح فلا يتبع ذكرها لا في الوجود و لا في الذكر فلا يستقيم أن يقال ما يتلو التسمية مذبوح انتهى. إذ الظاهر أن مراده بالمذبوح ما يتعلق بها الذبح لا من شأنه أن يذبح فاعتبر ذات المذبوح فاتضح ما ذكرناه من أن المراد ذات المقروء و إن أريد الحيثية المذكورة فلا فرق بينه و بين المذبوح فالفرق تحكم و أيضا تلو المقروء في الذكر و تلو القراءة في الوجود لا في الذكر فلا يحسن اعتبار الحيثية فإن تلو المقروء لكونه في الذكر ليس من حيث تلو القراءة لكونها في الوجود لكن قوله عليه السلام كل أمر ذي بال يقتضي ظاهره أن الاستعانة بها للمفعول كما سيجيء توضيحه و لعل لهذا قال لأن الذي يتلوه مقروء فإن قلت على تقدير كونها من القرآن أو السورة كيف يتأتى تقدير اقرأ فعل المتكلم و هي متقدمة على هذا القارىء بل على وجوده و كيف يتسنى أن يقال القراءة قرينة لهذا المقدر فينبغي أن يقدر اقرؤوا من أمر اللّه تعالى للعباد ليشمل قائل الملفوظ و المقدر و يكون على نسق ما نطق به التنزيل قلت الظاهر أنه على هذا يقدر اقرؤوا قبل قراءة كل قارىء و يكون إخبارا منه تعالى عما يصدر من عباده و ليس المراد باقرأ متكلم مخصوص بل من يصح منه التكلم على حد قوله تعالى: وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [الأنعام: 27] و بعد الوقوع ينوي كل بالضمير بنفسه كما في الاستفتاح بقوله تعالى: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ [الأنعام: 79] الخ. و من هنا تبين لك وجه جعل القرينة المقروء دون الحسية التي شرع فيها قرائن أحوال تدل على خصوصية الفعل المقدر و لذا قدر الفعل الخاص و إلا فالأصل في متعلقات الحروف تقدير الفعل العام و هذا هو وجه الأولوية المرادة بقوله و ذلك أولى من أن يضمر ابدأ ثم الظاهر أن يقال لأن الذي يتلوه قراءة إلا أنه عدل عنه رعاية للتجانس فإن البسملة مقروءة أيضا و في تلو المقروء تلو القراءة و بالعكس لاستلزام بينهما بخلاف فعل الذبح فإنه هو الذي يتبع بسم اللّه لا المذبوح فلا يصح أن يقال الذي يتلوا التسمية مذبوح لأن تلو الذبح لا يستلزم تلو المذبوح و الحاصل أن التالي في الأول القراءة و وجود المقروء معا و في الثاني الذبح لا وجود المذبوح فاختار لفظ مقروء لأن المراد بالبسملة لفظ بسم اللّه الرحمن الرحيم لا المعنى المصدري فكأنه قيل لأن الذي يتلو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: 1، 2].
(1) و ذلك لأن هذا اللفظ يتلوه شيئان أحدهما من جنسه و يتلو ذكره ذكره و هو المقروء أي الحمد للّه مثلا و الثاني من غير جنسه و يتلو وجوده ذكره و هو القراءة و تلو كل واحد منها يستلزم تلو الآخر لكن اختار الأول ليفهم الثاني مع رعاية التجانس هذا مراده قدس سره و قد عرفت ما فيه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 81
القراءة لأن ذلك المقدر اقتضى تقديره في الأزل يدل عليه المقروء قبل وجود القراءة فعبر به المصنف بناء على مذهبه و الزمخشري ليشمل المذاهب فلا حاجة لما ذكره قدس سره و لا للاعتذار بأن القرينة اللفظية أظهر كذا قيل سيجيء من المصنف هذا و ما بعده إلى آخر السورة مقول على ألسنة العباد الخ. مثل قوله تعالى: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [الأنعام:
104] قال المص هناك و هذا الكلام وارد على لسان الرسول فإذا ورد على لسان العباد كأنه تكلم به العباد فلا إشكال فيما نطقوا به و كذا لا إشكال فيما ورد على لسانهم فلذا لا يحتاج إلى تقدير قل في قوله تعالى: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [الأنعام: 104] لكونه مقولا على لسان الرسول عليه السلام و كذا لا يحتاج هنا إلى تقدير اقرؤوا و لو سلم ذلك فتقدير قولوا أولى كما ذهب إليه بعض لدفع الالتفات. في إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: 5] فإذا قدر قولوا لذلك فلا وجه لتقدير اقرؤوا على أن قوله لأن ذلك المقدر اقتضى تقديره في الأزل يوهم قدم الكلام اللفظي المؤلف من الحروف و الأصوات و الجمهور على خلافه نعم ذهب إليه صاحب المواقف و قال إن اللفظ قديم كالمعنى بمعنى أن اللفظ القائم بالذات ليس بمرتب الأجزاء في ذاته كالقائم بنفس الحافظ من غير ترتب الأجزاء لعدم تقدم البعض على البعض و الترتب إنما يحصل في التلفظ و القراءة لعدم مساعدة الآلة و هذا معنى قولهم المقروء و قديم و القراءة حادثة و أما القائم بذات اللّه تعالى فلا ترتب فيه حتى أن من سمع كلامه تعالى سمعه غير مرتب الأجزاء لعدم احتياجه تعالى إلى الآلة انتهى. و قد تكلموا عليه و زيفوه فالظاهر أنه بنى كلامه عليه و لا يخفى ما فيه و ما عليه ثم المراد باقرأ المقدر الإنشاء و المعنى أحدث القراءة بها لا الإخبار باستعانة القراءة بالمتلبس بها كما إن نويت «1» الصلاة و الصوم إنشاء لا إخبار و إلا يلزم أن لا توجد النية هنا و لا الاستعانة بالتسمية بل لا يبعد أن يقال إن بسم اللّه افعل كذا إنشاء التيمن و التبرك كما أشار إليه جم غفير من العلماء أن التسمية آية أنزلت للفصل «2» و التبرك كما أن جملة الحمد لإنشاء الثناء لا الإخبار بأن الحمد ثابت له تعالى فلا ينبغي الذهول عن إشارات العلماء و رموز الفضلاء و هذا مع وضوحه بحيث لا يخطر بالبال خلافه قال البعض و هنا بحث إذا قرأ إخبار فلا يلزم من تلبس الأخبار عنها بالتسمية تلبس القراءة بها و قيل: اعلم أن صاحب الآيات البينات نقل شبهة عن بعض شيوخه و هي أن هذه الجملة إما إخبارية فيرد عليه أن من شأن الخبر الصادق أن يتحقق مدلوله في نفس الأمر بدون الخبر و الحكاية عنه كما صرح به العلامة التفتازاني و غيره و ما نحن فيه ليس كذلك لأن كلا من مصاحبة الاسم و الاستعانة به من تتمة الخبر و هما لا يتحققان إلا بهذا اللفظ و إن كانت إنشائية فمن شأن الإنشاء أن يتحقق مدلوله به و أصل هذه الجملة لا يكون كذلك غالبا لأن نحو الأكل و الذبح و السفر مما ليس بقول لا يحصل
(1) و المتعارف في مثله صيغة المضي كما اختاره البعض لكن المص اختار صيغة المستقبل للدلالة على الاستمرار التجددي.
(2) يعني أنها كتبت في أثناء السور للفصل بينها و كتبت في أول الفاتحة للتبرك بابتداء كلام اللّه تعالى و إن لم يوجد فيها الفصل بين السور.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 82
بالبسملة فكيف يقدر مثلا اذبح أو أسافر بسم اللّه بقصد الإنشاء فإن جعلت لإنشاء المصاحبة أو الاستعانة لزم أن تكون الجملة إنشائية لإنشاء متعلقها و الأصل غيره مقصود و ذلك في غاية الندرة انتهى «1» . و الجواب عنه أن الهيئة التركيبية موضوعة للأخبار و كثيرا ما يراد بها لازمها كقول الشاعر:
هواي مع ركب اليمانين مصعد
فإن المراد به إظهار التحزن فكذا هنا «2» إذا قال الشارع في الفعل بسم اللّه اذبح مثلا يريد به إظهار استعانته باسمه تعالى حال الذبح أو مصاحبته به للذبح و لا ريب في أن تحقق مصاحبة الاسم و الاستعانة به إنما هو بهذا اللفظ المركب و لا يضره عدم تحقق نحو الأكل و السفر و الذبح بهذا اللفظ كما أن ذهاب المحبوب مع الركب اليماني ليس بمتحقق بهذا اللفظ و مع ذلك لا يضر كونه لإظهار التحزن فكذا هنا قول المعترض و إن كانت إنشائية فمن شأن الإنشاء أن يتحقق مدلوله به و أصل هذه الجملة لا يكون كذلك غالبا لأن نحو الأكل و السفر و الذبح مما ليس بقول لا يحصل بالبسملة فكيف يقدر مثلا اذبح أو أسافر باسم اللّه بقصد الإنشاء فهو فاحش منشأوه عدم التفرقة بين بعت و اشتريت مثلا إنشائيين و بين مثل قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى [آل عمران: 36] فإنه في الأول البيع و الشراء تحققه بهذا اللفظ و في الثاني تحقق الوضع ليس بهذا اللفظ بل إظهار التحسر و التحزن متحقق بهذا اللفظ و مدلوله و ما نحن فيه من قبيل الثاني لا الأول و استوضح بالآيات المسوقة للوعيد فإنها مسوقة لإنشاء التهديد عند بعض العلماء و هذا المدلول متحقق به مع أن مدلول مفرداته ليس بمتحقق في حق العصاة و أجاب بعض أرباب الحواشي «3» ، و قال أقول في حلها نختار الشق الأخير و ندعي أنه لا بأس بكون الأصل غير مقصود إذ لا يقصد الأصل ههنا إلا للتوسل به إلى الفرع فالمقصود الأصلي هو الفرع حقيقة و أيضا إذ أثبت بعض النظائر له فلا بأس بندوره و نظيره ما ذكره السيد السند في بحث الإنشاء من حواشي المطول من أن رب لإنشاء التقليل و كم الخبرية لإنشاء التكثير و لا ينافيه كون ما دخلا عليه كلاما محتملا للصدق و الكذب بحسب نسبة غير نسبة التقليل و التكثير (فإن قلت: كم رجل عندي فهو باعتبار نسبة الظرف إلى الرجل كلام خبري محتمل للصدق و الكذب و أما باعتبار استكثارهم إياهم فلا يحتملهما لأنك استكثرتهم و لم تخبر عن كثرتهم انتهى. و يفهم من كلامه أن بسم اللّه مع قطع النظر عن متعلقه مثل اذبح و أسافر إنشاء مع أنه كلام غير تام و الإنشاء كلام تام و أيضا يشعر كلامه أن اذبح و نحوه خبر) و يرد الإشكال المذكور على إرادة الخبر و مع ذلك فيه تسليم أن الإنشاء بالنسبة إلى مفردات الكلام
(1) و جوابه ما أشرنا إليه بقولنا بل لا يبعد أن يقال إن بسم اللّه الخ توضيحه أن المراد بالهيئة التركيبية لازمها فيكون مثل قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى فكما أن المراد به إظهار التحزن كذلك المراد هنا اظهار الاستعانة أو المصاحبة بالبسملة.
(2) أو نقول هذه الجملة مستعملة في لازم معناها فيكون مجازا مرسلا فإن الشارع إذا اخبر بأنه يذبح باسم اللّه تعالى مثلا يلزم عليه أن.
(3) هكذا وجد من هنا إلى قوله و اعلم ا ه في بعض النسخ.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 83
و قد عرفت أن الإنشاء بالنسبة إلى الهيئة التركيبية. اعلم أن مقدرات القرآن من مدلولات القرآن قال صاحب التوضيح في أواخر قوله و مما يتصل بذلك المحذوف اللفظ إما حقيقة و إما تقديرا و كل ما هو محذوف لكنه ثابت لغة فإنه في حكم الملفوظ فيكون اللفظ المنطوق دالا على اللفظ المحذوف ثم اللفظ المحذوف دال على معناه بإحدى هذه الأقسام الأربعة «1» . فالدلالة المنقسمة على الأربعة دلالة اللفظ على المعنى أما دلالة اللفظ على لفظ آخر فليس من باب دلالة اللفظ على المعنى انتهى فقوله فيكون اللفظ المنطوق دالا على اللفظ المحذوف صريح فيما ذكرنا من أن مقدرات القرآن من مدلولات القرآن لا من القرآن كما أن معاني القرآن ليست منه على الأصح بل القرآن عبارة عن النظم الدال على المعنى فالمعاني و المحذوفات كلاهما من مدلولات القرآن لا منه فلا تجوز الصلاة بقراءة المقدرات و إن كانت مقدار ما يجوز به الصلاة و لا يكفر من جحد كونها من القرآن لأنه كما عرفت عبارة عن النظم المنزل المنقول إلينا متواترا و المقدرات ليست كذلك و أما كونها مدلول القرآن فإنكاره بطريق الإطلاق يخشى عليه الأمر العظيم و أما إنكار المقدر المخصوص فلا يخاف عليه خوف المقدر المطلق و تجوز قراءته للجنب و الحائض «2» . قال في أوائل التوضيح لو قرأ الجنب و الحائض آية من القرآن بالفارسية يجوز لأنه ليس بقرآن لعدم النظم هذا ما سنح بخاطر الفقير و العلم عند اللّه الملك القدير و هذا أولى مما قيل و اعلم أن مقدرات القرآن ليست منه لأنها تذكر لإظهار المعاني، و مما قيل أيضا إن مقدرات القرآن هي من المعاني القرآنية لدلالة المنطوق عليها التزاما و أما ألفاظها فليست من القرآن انتهى فإن ذلك بناء على الذهول عن تحقيق المحقق صدر الشريعة.
قوله: (و كذلك يضمر) أي كإضمار البادي في القراءة بالتسمية اقرأ يضمر (كل فاعل) من المسافر و الذابح و المرتجل (ما يجعل التسمية مبدأ له) فيضمر الشارع في السفر أسافر و الذابح اذبح و المرتحل ارتحل أي كل فاعل يتصور ما هو بصدده من الأفعال و يقصد جعله تاليا لها يضمر و يقدر الفعل الاصطلاحي الذي يجعل التسمية مبدأ للفعل الحقيقي الذي هو بصدده و إن وقع كثير من الأفعال تاليا لها ككونه ملفوظا و محدثا و مؤلفا فيما نحن فيه و كونه ماشيا أو راكبا في نحو أسافر فمن لم يفهم مراد المص قال إن الذي يتلوه كما وقع القراءة وقع كثير من الأفعال ككونه ملفوظا و محدثا و مؤلفا فإن هذه الأفعال لم يقصد أن يجعل التسمية مبدأ لها و أراد المص به إن هذا ليس بمختص بهذا المقام بل هو قاعدة مطردة فذكرها تتميما للفائدة و تقريرا لما ذكر هنا و في كلامه تسامح فإن التسمية جعلت مبدأ للفعل الحقيقي كالقراءة و المضمر الفعل النحوي الدال عليه فتقدير كلامه «3» . مبدأ لمعناه التضمني
(1) و هي الدلالة بالعبارة أو بالإشارة أو بالدلالة أو بالاقتضاء فهذه الأقسام الأربعة متحققة في اللفظ المحذوف.
(2) و قد عرفت أن اللفظ المحذوف مدلول اللفظ المنطوق فهو من معانيه كسائر المعاني التي ليست بلفظ فإذا قرأ الجنب و الحائض معاني القرآن بلفظ الفارسي لا يأثم فكذا لا يأثم بقراءة مقدرات القرآن لأنها من معانيه أيضا.
(3) أي تقدير كلام المص و مآله أحد الأمرين كأنه قال و كذلك يضمر كل فاعل ما يجعل مبدأ لمعناه التضمني أو يضمر كل فاعل لفظ ما يجعل التسمية مبدأ له.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 84
كما هو المختار أو لفظ ما يجعل التسمية الخ. و فيه خلاف الظاهر أما أولا فلأنه اعتبار الحذف قبل مسيس الحاجة إليه و أما ثانيا فلأن المتبادر من اللفظ ما يدل على المعنى مطابقة و هنا اللفظ المقدر يدل على المعنى تضمنا و له وجه ثالث و هو أن يراد بما اللفظ و بضمير المعنى بطريق الاستخدام بلا تقدير مضاف و لا يخفى ما فيه من التكلف و التعسف «1» . اعلم أن المتلفظ بالتسمية في أفعاله لا يقصد به قرآنيته بل يريد به التيمن و التبرك حتى تجوز تلاوته للمحدث كقوله الحمد للّه رب العالمين و الألفاظ الأدعية الشبيهة بالقرآن فالإشكال في مثل هذا من طغيان الوهم و سوء الفهم و أما القول بأن المراد بالإضمار الإخفاء في النفس فالمعنى كل فاعل يبدأ في فعله باسم اللّه كان مضمرا في نفسه ذلك الفعل فيناسب أن يقدر في الكلام لفظ يدل على ذلك المضمر فسخيف جدا أما أولا فلأنه لا يلائم التشبيه و أما ثانيا فلأن الإضمار في قول المص أن يضمر ابدأ و لزيادة الإضمار إضمار بمعنى التقدير فكذا هنا رعاية للالتئام و أما ثالثا فلأن فيه احتياجا إلى تقديرات كثيرة كما قرره و أما رابعا فلأن قوله دال على ذلك المضمر أي دلالة عقلية و هذا خلاف المتبادر و أما خامسا فلأن قوله مبدأ له يحتاج إلى التأويل فإن قلت على تقدير كون البسملة جزءا من السور يلزم أحد الأمرين أما الشروع في قراءتها بلا جعل التسمية مبدأ لها أو جعل الشيء آلة لنفسه قلنا نختار الشق الأول قوله لأن الذي يتلوه مقروء قرينة عليه و لا محذور فيه إذ المراد اقرؤوا القرآن الذي يليه لا اقرؤوا جميع القرآن و الأمر الذي هو ذو بال في الخبر الشريف مستثنى منه أمور و البسملة منها و يمكن اختيار الشق الثاني قوله جعل الشيء آلة لنفسه مدفوع بملاحظة الاعتبارين أي من حيث إنه تسمية بخصوصها آلة لنفسها من حيث إنه مقروء جزء من القرآن فيتحقق وقوع التسمية مع الفعل المبدأ به فحينئذ لا يكون التسمية من جملة المستثنى منه و يدفع محذور التسلسل بأن البسملة الواحدة تكفي في غيرها و في شأن نفسه فلا تحتاج إلى بسملة أخرى فيظهر حسن كلمة في المفيدة للجزئية في الحديث الشريف هذا على تقدير كون الباء للاستعانة و أما على تقدير الملابسة فالأمر بين و اعتبار الجزئية هين و إذا لم تجعل التسمية جزءا من السور كما هو مذهبنا فالأمر سهل على من له أهل و إفادة في الجزئية ليست بكلي.
قوله: (و ذلك أولى من أن يضمر ابدأ) كما ذهب إليه بعض النحاة مستدلا بأن الأعم أولى بالتقدير ألا يرى أنهم يقدرون متعلق الظرف المستقر فعلا عاما كالكون و الحصول بأنه مستقل بما قصد بالتسمية من وقوعها مبدأ له فتقديره أوقع في المعنى و كل منهما ضعيف أما الأول فلأنه إذا وجدت قرينة الخصوص و فهم ذلك الفعل المخصوص فتقدير الفعل المخصوص أولى و أفيد كما نقلناه عن السيد السند كما إذا قيل زيد على الفرس فتقدير