کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 176
الاستعمال لا سيما في المصادر الجنس أو بناء على أن اللام لا يفيد إلا التعريف «1» في مدخوله عند عدم القرينة على العهد الخارجي و الاسم لا يدل إلا على مسماه فلا مقتضى للحمل على الاستغراق فإذن ترجح الحمل على الإشارة إلى الماهية المذكورة و تعيينها و لذا اكتفى صاحب الكشاف بهذا لأن مؤدى الاستغراق حاصل في الجنس لأن اختصاص الجنس يستلزم اختصاص جميع المحامد بطريق برهاني فإن فردا من أفراد الحمد إذا لم يختص به تعالى فالجنس متحقق في ذلك الفرد فيلزم عدم اختصاص الجنس لكن المصنف بعد الإشارة إلى رجحانه لما ذكرنا جوز الاستغراق فقال أو للاستغراق و في نسخة و قيل للاستغراق تنبيها على ضعفه.
قوله: (أو للاستغراق) أي اللام لتعريف الجنس لكن لا من حيث هي هي بل من حيث تحققها في ضمن جميع الافراد بقرينة خارجية و هي أن ملاحظة شمول الافراد و استغراقها صريحا في مقام تخصيص الحمد به تعالى أدخل في التعظيم و أقوى في التفخيم فحينئذ لم يكن اللفظ مستعملا في المطلقة بل في المخلوطة فيكون مجازا كما نقل عن صاحب كشف الكشاف و غيره من المحققين و لذا قال صاحب الكشاف و الاستغراق الذي توهمه كثير من الناس و هم إذ مدلول لام التعريف و معناه الحقيقي هو المسمى و المفهوم و لا قرينة صارفة عنه إلى الاستغراق الذي هو المعنى المجازي لا لأن الاستغراق ينافي مذهبه لأنهم و إن كانوا قائلين بأن العبد خالق لأفعاله لكنهم يعترفون بأن الإقدار و التمكين منه تعالى فيصح حصر جميع المحامد و اختصاصه به تعالى عندهم و قد صرح به صاحب الكشاف في سورة التغابن و تمام البحث في أوائل المطول و حواشيه له قدس سره و لكون الاستغراق مجازا متعارفا في المقامات الخطابية جوز المصنف مخالفا للكشاف مع الإشارة إلى ضعفه لما ذكرنا و لضعفه وجه آخر و هو أن اللام الموضوعة لتعريف الحقيقة يلزم أن تكون موضوعة لغير التعريف و ذلك لأن الاستغراق معنى مغاير للتعريف لوجوده حيث لا يتوهم هناك تعريف نحو كل رجل و كل رجال و لا رجل و لا رجال و أيضا يلزم من الجمع بين لام الحقيقة و لفظ المفرد الجمع بين المتنافيين لدلالة اللام على الكثرة و لفظ المفرد على الوحدة عند من يقول إن اسم الجنس المفرد موضوع للماهية مع الوحدة لا بعينها و إن لم يلزم ذلك عند من اختار كونه موضوعا للماهية من حيث هي هي و أجيب عن الأخير بأن اللام إنما تدخل عليه مجردا عن معنى الوحدة أو يراد به كل فرد فرد لا مجموع الافراد كما في شرح المفتاح له قدس سره و جواب الأول أن الاسم موضوع للماهية بلا شرط شيء و هي تتحقق في ضمن الماهية المخلوطة فالمستعمل فيه ليس إلا الماهية لا بشرط شيء و استغراق الافراد إنما فهم من القرينة و من معونة المقام لا سيما في المقام الخطابي و الماهية المأخوذة بلا شرط شيء معهودة أشير إلى حضورها و تعيينها في الذهن باللام و لا
(1) قيل نقل عن المص في حواشيه أن اللام لا تفيد سوى التعريف و الإشارة إلى حضوره و الاسم لا يدل إلا على مسماه انتهى.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 177
يضره وجود الاستغراق في مثل كل رجل إذ الماهية المأخوذة فيه لا يعتبر عهديتها و حضورها في الذهن و إن كانت معهودة في نفس الأمر و بهذا ينكشف الجواب عن كونه مجازا كما اختاره صاحب الكشاف و رضي به منلاخسرو وجه الانكشاف أن اللفظ ح مستعمل في معناه الموضوع له و هو الماهية بلا شرط شيء و الافراد مستفادة من القرينة و قد سبق أن الفرق بين ما يقصد باللفظ من الإطلاق و الاستعمال و بين ما يقع عليه باعتبار الخارج واضح.
قوله: (إذ الحمد «1» في الحقيقة كله له) و معنى الحقيقة هنا و في أمثاله نفس الأمر لا قوله: إذ الحمد في الحقيقة كله له و إنما لم يذكر علة كون التعريف فيه للجنس و ذكر علة إفادته للاستغراق لأن إفادة لام التعريف لمعنى الجنس بالوضع لا يحتاج في إفادتها له إلى التعليل بخلاف إفادتها للاستغراق فإنها لا بالوضع بل بقرينة خارجة عن الوضع فلا بد في إفادتها للاستغراق من دلالة الحال أو المقال فعلل إفادتها ههنا للاستغراق بدلالة الحال قال صاحب الكشاف و الاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس و هم منهم قال صاحب اللباب إن اللام لا يفيد شيئا سوى التعريف و الاسم لا يدل إلا على نفس الماهية المعبر عنها بالجنسية فإذن لا يكون ثمة استغراق و قال الطيبي رحمه اللّه ما أدري كيف ذهل هذا الفاضل عن كلام صاحب المفتاح من أن الحقيقة من حيث هي هي صالحة للتوحد و التكثر لاجتماعها مع كل واحد منهما فإذا اجتمعت في المفرد و الجمع في المقام الخطابي حملت على الاستغراق و الحق إن الحمل على الجنس أو على الاستغراق إنما يظهر بحسب المقام ثم إن هذا المقام آت من الاستغراق لأن اختصاص حقيقة الحمدية به تعالى أبلغ من اختصاص افرادها جمعا و فرادى لاستلزام الأول الثاني و سلوك طريقة البرهان أفضى لحق البلاغة و أيضا أصل الكلام نحمد اللّه حمدا فيكون المراد بالحمد حمدنا و حمدنا بعض الحمد لأكله و في اختصاص الجنس إشعار بأن حمد كل حامد لكل محمود حمد للّه على الحقيقة لأنه إنما حمده على الصفة الكمالية المفاضة عليه من الفياض الحق جل و علا فهو فعله على الحقيقة و الحمد على الفعل الجميل و هذا و إن لم يكن مذهب صاحب الكشاف لأنه يجعل العبد مستقلا موجدا لفعله الاختياري جميلا كان أو قبيحا لكن لا يمنع أن الأقدار و التمكين من اللّه تعالى فمن ذلك الوجه يمكنه أن يعمم الحمد و يحمله على الاستغراق في بعض المقامات المقتضية له و قد صرح بهذا المعنى في أول التغابن فقال قدم الطرفين ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك و الحمد باللّه ثم قال و أما حمد غيره فاعتداد بأن نعمة اللّه جرت على يده و بما ذكرنا سقط اعتراض صاحب الفرائد بأنه قال أراد بقوله و هم منهم إن ليس بعض الحمد للّه بناء على مذهبه و ليس كذلك فإنه لا حمد إلا للّه تم كلامه و وجه آخر على أصله رحمه اللّه هو أن الحمد المستغرق لا يجوز أن يختص به تعالى بل الحمد الحقيقي الكامل الذي يقتضيه إجراء هذه الصفات فاللام للحقيقة و يراد أكمل أنواعها فهو من باب ذلك الكتاب و حاتم الجواد لأنه الذي يحق أن يطلق عليه الحقيقة كأنه كل الحقيقة لا لأنها للاستغراق في المقام الخطابي.
(1) إذ الحمد في الحقيقة الخ تعليل للاستغراق و الجنس فإن مؤدي الجنس مؤدي الاستغراق و كونه أصلا لا ينافي ذلك إذ التعليل لبيان صحة مؤداه لا لبيان صحة حمله على الجنس فإنه أصل مستغن عن البيان.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 178
مقابل المجاز إذ الحمد و إن كان بحسب الظاهر منسوبا إلى غيره تعالى كسبا لكنه في الحقيقة له تعالى لأنه خالق الأشياء كلها فالحمد على الكاسب راجع إلى خالقه إذ الخلق غالب على الكسب إذ الإيجاد و إعطاء الوجود يصح انفراد القادر به دون الكسب فإنه لا يصح انفراد القادر به فلا يعبأ به بالنسبة إلى الخلق فلا إشكال بأن من صلى و صام و قام يحمد عليه بالفعل الجميل الاختياري فيكون حمدا فلا يصح اختصاص الحمد به تعالى سواء كان بلام الجنس كما هو المختار أو بلام الاستغراق كما هو الملتفت إليه مرجوحا وجه الاندفاع ظاهر مما قررناه و استفادة اختصاص جميع المحامد به تعالى من لام الاستغراق ظاهرة و أما من لام الجنس فلأن المبتدأ إذا كان محلى باللام يفيد قصره على الخبر فيفيد أن جنس الحمد مقصور على الاتصاف بكونه له تعالى فيكون القصر إضافيا لما بيناه سابقا لكن لما كان هذا الاختصاص مستلزما لاختصاص الحمد به تعالى ذهبوا إلى أن اختصاص الحمد به تعالى حقيقي و إنه من قبيل قصر الصفة على الموصوف و القول بأنه من قبيل قصر المتعلق على المتعلق إما راجع إلى قصر الصفة على الموصوف أو إلى عكسه إذ القصر لا يخلو عن هذين القسمين كما بين في فن المعاني فالمراد بالحمد إما مبني للفاعل أو مبني للمفعول أو الحاصل بالحمد أي الحامدية و المحمودية فالأخير أي المحمودية هو المناسب للمقام إذ العهد الخارجي مع عدم تعرض الشيخين له بعيد عن المرام إذ قد مرّ أن هذا اللفظ ليس بحمد بل هو محمود به و لا يحصل إلا بإخبار أن كل حمد أو جنسه من كل شخص مخصوص به تعالى و إخبار أن حمدا معهودا مقصور عليه و إن حصل به الحمد لكنه ليس بمرتبة الإخبار المذكور قيل و يرد على ما قاله المصنف إن حمد العبد بصفة جميلة على الجميل الاختياري القائم به ليس حمدا للّه تعالى لامتناع وصفه بصفات العباد و إن خلقها و المتبادر من كون الحمد للّه تعالى أنه المستحق له أو أنه محمود له انتهى. قد عرفت وجه اندفاعه بأن المراد المحمودية و هو وصف له تعالى و معنى كونه مستحقا له أنه تعالى مستحق لكونه محمودا أو متعلقا للحمد لا أنه مستحق للقيام به و إن مثل هذا الكلام في غاية السقوط و لا يصدر مثله عن مثل المص فلا يليق عزوه إليه إذ أركان الحمد حامد و محمود و محمود به و محمود عليه فالحمد القائم بالعباد متعلق برب العباد و كون المراد بالحمد المحمدة بناء على أن كل محمدة له تعالى إما لكونه صفة له أو صادرة منه تعالى مخالف لما سبق من قوله و هو من المصادر الخ و التعريف للجنس و معناه الخ فإنه ظاهر في أن المراد ماهية بالثناء و الوصف بالجميل و قوله إذ ما من خير الخ بيان أن سبب الحمد و هو العطاء و الكرم و النعماء ليس إلا منه تعالى فالحمد جنسه أو جميع افراده مختص به تعالى و تنزيل غير ذلك منزلة العدم فإنه تطويل للمسافة مع قصرها و في اللطائف القشيرية اللام في الحمد للجنس و مقتضاها الاستغراق بجميع المحامد للّه تعالى إما وصفا و إما خلقا فله الحمد لظهور سلطانه و له الشكر لوفور إحسانه و من أراد الإطناب فعليه بمطالعة تفسير الإمام في سورة الأنعام.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 179
أيضا فلا دلالة فيه على أن المراد المحمدة قوله (إذ ما من خير) أي نفع «1» فيه للعباد (إلا و هو) تعالى (موليه) معطيه.
قوله: (بوسط) «2» و هو ما لاختيار العبد مدخل فيه كالعلم و سائر المعارف من مكسوبات العبد (أو بغير وسط) و هو ما لا مدخل فيه لاختيار العبد أصلا كالحسن و الشجاعة و القوى المدركة و المحركة و تناسب الأعضاء و غير ذلك من النعم الموهبية كما فصل في تفسير أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ و إلى هذا أشار بقوله (كما قال اللّه تعالى: وَ ما بِكُمْ «3» مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: 53] الآية و كون النعم الموهبية مما يحمد عليه قد مرّ بيانه فإن قيل إذا كان بوسط فذلك الوسط يستحق أيضا الحمد فلا يكون كله له تعالى قلنا قد سبق جوابه من أن الكسب بالنسبة إلى الخلق لا يعبأ به و إن كان في ذاته مدار الثواب و العقاب و هذا مراد من قال إن ذلك راجع إليه تعالى باعتبار كون الأقدار و التمكين منه تعالى و إليه أشار المصنف بقوله في الحقيقة و لما كان الشر مقضيا بالعرض و أنه متضمن للخير لم يقل ما من خير و شر مع أن مقام الحمد يقتضي تخصيصه بالخير فلا مفهوم و إن كان القائل ممن يقول به قوله تعالى: وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: 53] فإنه يدل على أن المؤثر في النعم كلها هو اللّه تعالى فإن معنى كونها من اللّه صدورها منه تعالى و هذه الآية برهان ساطع على أن الحمد لغيره تعالى ليس بحمد بل بحسب الظاهر فما فهم من إثبات الحمد لغيره تعالى مثل قوله ذما للكافرين و يجوز أن يحمدوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران: 188] الآية فإنه يدل بمفهومه «4» على أنهم إن أحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الأفعال الحسنة استحقوا هذا الذم فهو محمول على ظاهر الحال.
قوله: (و فيه إشعار بأنه تعالى حي قادر مريد عالم) أي في إثبات الحمد له تعالى لأن الحمد يقتضي أن يكون المحمود عليه اختياريا بخلاف المدح و الفعل الاختياري لا يصدر إلا من الموصوف بتلك الصفات و عن هذا قال (إذ الحمد لا يستحقه إلا من كان هذا شأنه) و فيه إشارة إلى أن الحمد بمعنى الوصف بالجميل لا بمعنى المحمدة فمن حمل الحمد عليه هنا فقد غفل عن إشارته في مواضع عديدة من كتابه و لا إشعار في المدح و لذا اختير الحمد و لعل الأولى ترك هذا البيان «5» و اللّه المستعان و الحياة حقيقة في القوة الحساسة أو ما يقتضيها و إذا وصف بها الباري تعالى أريد بها صحة اتصافه بالعلم و القدرة اللازمة
(1) و ظاهر هذا الكلام لا يتناول الحمد على صفاته تعالى إلا أن يقال إنها لكونها مبدأ للأفعال الجميلة و المنافع الجزيلة في حكم خير.
(2) أما بوسط كالنعم الواصلة إلينا من يد غيرنا فما ذكر أولا هو الأولى.
(3) و في هذه الآية إشكال سيأتي دفعه من المصنف فالاشتغال بتوضيحه هنا خارج عن المقام.
(4) أو على أن المؤمنين إن أحبوا أن يحمدوا بما فعلوا من الإيمان و الإحسان لم يستحقوا الذم و هذا أولى مما ذكر أولا.
(5) إذ الحمد لا يكون إلا بعد العلم بأنه حي قادر مريد عالم فلو علم ذلك بالحمد لزم شائبة الدور و الجواب باللمية و الأنية لا يدفع ظاهر المحذور.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 180
و القدرة صفة أزلية تؤثر في المقدورات عند تعلقها بها و قال المص هي التمكن من إيجاد الشيء و قيل قدرة اللّه عبارة عن نفي العجز عنه و القادر هو الذي إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل و القدير الفعال لما شاء على ما يشاء و لذلك فلما يوصف به غير الباري تعالى كذا قاله في سورة البقرة فالأولى هنا حي قدير و الإرادة و المشيئة عندنا عبارتان عن صفة في الحي توجب تخصيص أحد المقدورين في أحد الأوقات «1» و العلم صفة أزلية تنكشف المعلومات عند تعلقه بها و لو قال حي عالم قدير مريد لكان أحسن سبكا و أبهى نظما.
قوله: (و قرىء الحمد للّه) بكسر الدال (ب) سبب (اتباع الدال اللام) فيكون إعرابه تقديريا كما صرح به الدماميني قارئه الحسن «2» البصري رح قوله (و بالعكس) أي و قرأ إبراهيم بن أبي عبلة الحمد للّه بضم اللام لاتباعها الدال قال صاحب الكشاف و الذي جرهما على ذلك و الاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر «3» الجبل و مغيره تنزل الكلمتان منزلة كلمة واحدة لكثرة استعمالهما مقترنتان و المصنف أشار إلى هذا بقوله (تنزيلا لهما من حيث إنهما يستعملان معا منزلة كلمة واحدة) ثم قال و أشف القراءتين أي أفضلهما قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى بخلاف قراءة الحسن انتهى فلو قدمها المص على قراءة الحسن لكان تنبيها على قوتها و رجحانها قيل و عدل عنه المص لما فيه من الإشارة إلى أن القراءة تكون بالرأي و سيأتي رده مع أن ما ذكره قد رد بأن الأكثر في اللغة جعل الثاني متبوعان «4» غير اللازمة تابعة أولى من عكسه و كون الحركة الإعرابية أقوى غير مسلم و الاتباع يتعدى إلى مفعول واحد و إلى اثنين و اختلفوا في أن ما كان فاعلا له قبل الهمزة هل يكون مفعولا أولا أو ثانيا فيحتمل كون الدال تابعا و عكسه تدبر انتهى و لا يخفى عليك أنه لا إشعار في كلام الكشاف إلى أن القراءة تكون بالرأي و أنه رجح قوله: و قرىء الحمد للّه بالكسر و هي قراءة الحسن و قراءة إبراهيم بن أبي عبلة الحمد للّه بضم اللام لإتباعها الدال و في الكشاف و الذي جسرهما على ذلك و الاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل و مغيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالها مقترنتين و أشف قراءة قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للاعرابية التي هي أقوى بخلاف قراءة الحسن ثم كلامه و قوله أشف القراءتين أي أفضلهما و إنما كانت تلك القراءة أفضل مع كون الحركة البنائية أثبت و ألزم من الإعرابية لأن الإخلال بالإعراب المجتلب لتمييز المعاني المقتضية له يؤدي إلى اللبس المنافي للغرض من وضع الإعراب و هو الإفادة و الإبانة عما في الضمير و في لفظ جسر إشعار بأن هاتين القراءتين إنما هما محض متابعة اللغة بلا روايات و قراءة السلف مأخوذة بخصوصيات عن روايات وصلت إليهم و قول المص رحمه اللّه تنزيلا لهما الخ بيان لعلة جسارتهما على تينك القراءتين.
(1) بالوقوع مع استواء القدرة إلى الكل.
(2) و القراءة المنسوبة إلى إبراهيم و الحسن شاذة.
(3) الانحدار الانهباط منحدر بفتح الدال و جاء الضم للاتباع و مغيره بكسر الميم اتباعا للغين.
(4) ثم جعل الحركة متبوعة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 181
إحدى القراءتين المرويتين على الأخرى بالبيان و منع كون الحركة الإعرابية أقوى ضعيف «1» .
قوله: (الرب في الأصل) أي في أصل اللغة إما (مصدر) أطلق على الفاعل للمبالغة اطلاقا مجازيا كقول الخنساء و إنما هي إقبال و إدبار بلا تأويل باسم الفاعل و لا تقدير لأنه يفوت المبالغة و يكون الكلام كالشيء المغسول و كلام عامي مرذول و معنى تقدير المضاف في هذا أنه لو كان الكلام قد جيء به على ظاهره و لم يقصد به المبالغة المذكورة لكان حقه أن يجاء بلفظ المضاف لا أنه مراد كذا في المطول نقلا عن الشيخ صاحب دلائل الإعجاز و كذا الكلام في تأويله بالمشتقات أي معنى تأويله باسم الفاعل و نحوه عين ما ذكر في معنى تقدير المضاف و إنما خص الشيخ الكلام في تقدير المضاف لأنه في حل معنى إقبال و إدبار.
قوله: (بمعنى التربية) أي الرب و التربية «2» مترادفان كما هو الظاهر من تعريف اللفظي و إن كان ذلك التعريف يجوز أن يكون بالأعم و الأخص «3» على قلة و أما القول بأن زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى فليس بكلي بل أكثري كما سبق في الرحمن (و هي) أي التربية «4» (تبليغ الشيء إلى كماله) أي كماله الذاتي و العرضي و الكمال ما يتم به النوع في ذاته أو في صفاته و الكمال في ذاته كهيئة السرير فإنها كمال للخشب السريري إذ لا يتم السرير في حد ذاته إلا بها و الكمال في صفات الشيء كالبياض فإنه كمال للجسم الأبيض لا يتم في صفته إلا به، و كالعلم و سائر المعارف للإنسان فهو تعالى مكمل جميع ما سواه من الموجودات ذاتا و صفة.
قوله: الرب في الأصل بمعنى التربية يريد أن الرب في الأصل مصدر من ربه يربه ربا ثم وصف به للمبالغة مثل رجل صوم و رجل عدل و قيل هو نعت من ربه يربه أي قيل إنه صفة مشبهة من فعل متعد إلا أنه أخذ منه بعد جعله لازما بالنقل إلى فعل بالضم إلحاقا له بالغرائز التي منها يؤخذ أمثال هذه الصيغة و لما كان مجيء الصفة المشبهة على فعل من فعل يفعل بفتح العين في الماضي و ضمها في المستقبل نادرا غريبا استشهد له بمثال فقال ثم الحديث ينمه بالضم و الكسر.
في المضارع فهو نم و لا بد فيه من النقل إلى فعل أيضا لأنه متعد مثل ربه قدم صاحب الكشاف هذا الوجه أي كونه صفة مشبهة على الوجه الأول نظرا إلى كثرة استعماله نعتا حتى كاد في الندرة أن لا يوجد رب في الاستعمال بمعنى المصدر و حين ما وجد يحمل ذلك أيضا في الأكثر على الوصف مبالغة و المص رحمه اللّه قدم كونه بمعنى المصدر و لو نادرا على كونه صفة مشبهة نظرا إلى شدة المبالغة في الوصف بالمصدر حتى كأنه عين التربية لا شيء ذو تربية.
(1) لأنها علم لمعاني مقصودة يتميز بها بعضها عن بعض و لو لا الإعراب لاختل المقصود و لا يفهم الاحكام على وجوه الاحكام و ما ذكروه ط في ترجيح البنائية لا يقاومه.
ط من قولهم جعل الحركة اللازمة متبوعة و غير اللازمة تابعة أولى من العكس.
(2) و الياء مقلوبة من الباء أصله ربيب فقلبت الباء الثالثة ياء مثل تقضي البازي و أصل التربية ترببة بوزن تذكرة فقلبت ياء فصار تربية.
(3) كقولهم سعدان نبت.
(4) فهي من الصفات الفعلية.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 182
قوله: (شيئا فشيئا) أي تبليغا تدريجيا كتبليغ النطفة إلى مرتبة الإنسانية تدريجا في أطوار الخلق قال اللّه تعالى: وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً [نوح: 14] و يفهم منه أن تبليغه الموجود إلى كماله دفعيا لا تدريجيا لا يكون تربية و فيه إشكال لأنه رب العالمين و منهم من خلق دفعيا تاما كاملا كمن ليس له حالة منتظرة كالملائكة عليهم السلام قوله شيئا فشيئا حال إذ المعنى متدرجا مترتبا و الظاهر من كلام المصنف أن التدريج معتبر في مفهوم التربية سواء عبر بالتفعيل الدال على التدريج كالتربية أولا كالرب و ما قيل و فيه إشارة إلى أن التفعيل يدل على التدريج ضعيف فإنه لا ينتظم في لفظ الرب بل قيل الضمير في و هو تبليغ الشيء على ما في بعض النسخ راجع إلى الرب و التعريف له و على هذا فإضافته معنوية يصح أن يقع صفة.
قوله: (ثم وصف به للمبالغة) أي ثم وصف المربي به للمبالغة في اتصافه بالتربية حتى كأنه عين التربية فيكون مجازا عقليا أسند إلى غير ما هو له و قد مر توضيحه آنفا و إنما قال ثم وصف به لأن استعماله محمول على الذات بعد استعماله «1» مصدرا غير محمول على الذات للمبالغة (ك) ما أن استعمال (الصوم و العدل) محمولان على رجل بعد استعمالها بمعنى الحدث غير محمولين على الذات للمبالغة و الظاهر أنه وصف مسند إلى ضمير مسند إليه تعالى و الإسناد إلى الجار و المجرور مرجوح.
قوله: (و قيل هو نعت) قائله صاحب الكشاف و هو قائل بالأول أيضا لكنه آخره و المصنف قدمه و رجحه و نسب إليه ضعفه لاحتياجه إلى النقل من المتعدي إلى اللازم كما فعل في الرحمن إذ الظاهر أن مراده الصفة المشبهة مع فوات المبالغة المذكورة الراجحة لدى أرباب البلاغة و لا يعدل عنها ما أمكنت المساغة ثم الأولى و قيل هو صفة و القول بأنه من شأنه أن ينعت به يشعر بضعفه و لم يصرح بكونه صفة مشبهة و إن ذهب إليه شراح الكشاف لأن شارح التسهيل منع كونه صفة مشبهة و قال الظاهر إنه من مبالغة اسم الفاعل أو اسم فاعل و أصله راب فخفف بحذف الألف فصار ربا و عدم تعيينه للإشارة إلى ذلك الاحتمال.
قوله: (من ربه يربه فهو رب) أي من المتعدي ذكر ذلك للتنبيه على تعديته و لو لم يذكر مضارعه لكفي في ذلك و القول بأنه للإشارة إلى بابه أي باب فعل يفعل بفتح العين و الماضي و ضمها في المضارع غير تام لعدم التصريح بذلك و لكون مجيء الصفة المشبهة من هذا الباب نادرا استشهد له فقال (كقوله نم ينم فهو نم) و النميمة رفع الحديث على وجه الإفساد أي نم الحديث ينمه بالضم كما هو الظاهر من الاستشهاد و يحتمل الكسر و لا بد فيه من النقل «2» . أيضا و في ترك المفعول إشارة إليه كذا قاله قدس سره و لا يخفى أن الأول أحرى بالإشارة إليه فالأولى من رب يرب و الاستشهاد إنما يتم إذا كان ذلك الكلام
(1) بعد استعماله خبر إن قوله غير محمول حال و المعنى لأن استعماله حال كونه محمولا على الذات كائن بعد استعماله حال كونه مصدرا و ليس بمحمول على الذات للمبالغة فكلمة ثم للتراخي في الزمان.