کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 254
يكن مقصودا بالنسبة يكون ذكره لذلك بخلاف التأكيد لكن ما وقع في المفتاح من أن البدل فائدته التقرير لا يلائم ذلك و التنصيص الخ إشارة إلى الفائدة الخاصة بمعنى أنه لا يجري في جميع صوره لا أنه مختص بهذه الصورة فإنها مطردة في كل موصوف أبدل من صفته يعني في الإبدال المذكور حيث أبدلت الذات من الصفات فإن المنظور إليه في المبدل منه هو الوصف و في البدل الذات تنصيص على أن طريق المسلمين مقصور عليه كونه مشهودا عليه بالاستقامة و علما فيه و ذلك لأن التفسير بيان المعنى المبهم بلفظ أشهر و أظهر في الدلالة عليه فإذا حصل الموصوف المذكور بيانا و إيضاحا للصفة المذكورة فلا بدّ أن يكون اتصافه بالاستقامة معلوما كيلا يلزم تفسير المبهم بالمبهم و أن يكون وصف الاستقامة منحصرا فيه لأن الأصل في التفسير المساواة و هذا معنى قوله فكأنه من البين الذي الخ حيث جعل اتصاف صراط المسلمين بوصف الاستقامة ظاهرا و حصره فيه و إنما أورده كاف التشبيه في الموضعين لأنه ليس بتفسير حقيقة ليكون الاشعار اتصافه بالاستقامة بيانه لأنه إنما يكون إذا جعل عطف بيان فإنه لمجرد الإيضاح بخلاف البدل فإنه المقصود بالنسبة إلا أنه لرفعه الإبهام عن المبدل منه يكون كالتفسير و البيان كذا قيل و مجموع هذين الفائدتين لا يحصل إلا بالبدل و لهذا اختار كونه بدلا دون عطف البيان على ما اختاره الجمهور كما مر بيانه من أن البدل لكونه في تكرير العامل حكما يحصل به توكيد النسبة دون عطف البيان و أما الفائدة الثانية فإن البدل قد يقصد به تفسير المتبوع و توضيحه معا إلا أن ذلك لا يكون مقصودا أصليا منه كما في عطف البيان و عن هذا قال المصنف لأنه جعل كالتفسير و البيان له و لم يقل لأنه جعل تفسيرا و بيانا له هذا مقتضى كلام المصنف و ما فهم من الكشاف فهو كونه تفسيرا و بيانا له و كذا في شرح التلخيص للمحقق التفتازاني و في شرح المفتاح للشريف الجرجاني ذكرا تفسيرا و بيانا بلا تشبيه و وجه التوفيق أن البيان ليس مقصودا أصليا و غرضا للمتكلم و إن حصل منه البيان و التفسير و بالنظر إلى عدم كونه مقصودا يحسن التعبير بالتشبيه و بالنظر إلى حصوله يناسب ترك التشبيه.
قوله: (هو المشهود عليه بالاستقامة) المفهومة من الصراط المستقيم فلو اكتفى بالبدل لفات هذه النكتة الجليلة فظهر وجه العدول عن الاختصار إلى التكرار و في هذا الكلام إشارة إلى أن المبدل منه ليس في حكم السقوط بل هو مقصود فلا يحسن الإسقاط كما لا يصح إسقاط المبدل في قوله تعالى: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ [الأنعام: 100] عداه بعلى لتضمنه معنى المحكوم أو المجمع و عدل عن التعدية باللام كما وقع في الكشاف للمبالغة في الظهور كأن الشهادة مستعلية عليه استعلاء الراكب على المطايا و قريب من هذا ما قيل إن تعدية شهادة بعلى لتضمنه معنى الاجتماع و قيل لأنها إذا استعملت باللام يكون بمعنى الإخبار و حقيقته منتفية هنا فلا بدّ من الحمل على المجاز بخلاف المستعملة بعلى فإنها بمعنى الدلالة و هنا متحققة فلا يحتاج إلى المجاز انتهى. و غرابته لا يخفى لأنه جعل كالتفسير فإنه ذكر طريق المستقيم أولا مهملا و مجملا حيث ذكره بلفظ عام ثم ذكر ثانيا تفصيلا و بلفظ مخصوص به و هذا أوقع في النفوس و الثاني يوضحه لأن التفسير و ما يشبه
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 255
يجب أن يكون أجلى من المفسر و ما في حكمه و قد سبق وجه تفسيره بالتشبيه مع أن الزمخشري أطلق البيان عليه بلا تشبيه و في الكشاف فائدة البدل التوكيد لما فيه من التثنية و التكرير و الإشعار بأن طريق المستقيم بيانه و تفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه و آكده كما تقول هل أدلك على أكرم الناس و أفضلهم فلان فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالفضل و الكرم من قولك هل أدلك فلان الأكرم الأفضل لأنك ثنيت ذكره مجملا أولا و مفصلا ثانيا و أوقعت فلانا تفسيرا و إيضاحا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم فكأنك قلت من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان فهو الشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع و لا منازع انتهى فما قيل إن الأولى أن يقال على أن طريق المسلمين هو المستقيم لأن البدل لا يدل على كونه مشهودا عليه بالاستقامة بل على استقامته فقط لا يعرف له وجه و لهذا قال صاحب الكشاف ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة فقول الكشاف فجعلته علما في الكرم يناسبه أن يقال هنا إن صراط المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة فجعله علما في الاستقامة فكأنه قيل من رام صراطا موصوفا بالاستقامة فعليه بطريق المسلمين فهو الشخص المعين لاجتماع الاستقامة فيه غير مدافع و لا منازع فإن المدافع و المزاحم في ذلك كلا منازع و لا مدافع لمتانة ما يدفعه و قوة ما يزيحه و لما كان الغرض قصر الصفة على الموصوف قال إن طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة إذ ضمير الفصل يفيد حصر المسند على المسند إليه و المعنى أن مفهوم المشهود عليه بالاستقامة مقصور على طريق المسلمين لا يتجاوز إلى غيره فكأنه علم فيه و لو قال بالعكس لاختل الغرض و المقصود من وجهين «1» و له توجيه آخر أبلغ من هذا المذكور و هو دعوى اتحادهما لا القصر المزبور كأنه قيل هل سمعت بالمشهود عليه بالاستقامة و هل حصلت مفهوم هذه الصفة و كيف ينبغي أن يكون الطريق حتى يستحق أن يقال له ذلك فإن كنت تصورته حق تصوره فعليك بطريق المسلمين فإنه لا حقيقة له وراء ذلك فطريق المسلمين هو هو بعينه نظيره زيد هو البطل المحامي و إلى هذا المعنى و الوجه أشار صاحب الكشاف في قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157] و قد حقق ذلك المحقق التفتازاني في شرح التلخيص في بحث قوله و أما الفصل فلتخصيصه بالمسند و لا يبعد أن يقال إن قول المصنف أن الطريق المستقيم ما يكون طريق المؤمنين إشارة إلى ما ذكرنا.
قوله: (على آكد وجه و أبلغه) نبه به على أن الاشعار و التنصيص المذكور يحصل بدون ذلك لكن لا يكون على آكد وجه و أبلغه و فيه تأمل (لأنه جعل كالتفسير و البيان له).
قوله: (فكأنه من البين الذي لا خفاء فيه أن الطريق المستقيم ما يكون طريق المؤمنين) تقدم وجهه مشروحا و حاصله أنه إذا تقرر كون طريق المؤمنين كالعلم المتعين في
(1) كون طريق المسلمين مقصورا على صفة المشهود عليه مع أن له صفات أخر و كون المشهود عليه بالاستقامة شاملا له و لغيره.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 256
الاستقامة مع ادعائه أن هذه العلمية و التعين مشهود عليه معلوم عند كل أحد فلا ريب في كونه مثل البديهي الذي لا سترة فيه فمن توقف فيه لم يتصور الطرفين حق التصور و عبر أولا بالمسلمين ثم بالمؤمنين تنبيها على أن تساوي الإيمان و الإسلام و إن تغايرا مفهوما و لذا قال في شرح المصابيح الإسلام و الإيمان متباينان إذا لظ إن مشايخنا أرادوا باتحادهما التساوي لا الترادف كما أوضحه المحقق التفتازاني في شرح العقائد فلا منافاة بين كلامه هنا و كلامه في شرح المصابيح و إنما قال فكأنه من البين الذي اه لأن كون الصراط المستقيم طريق المؤمنين نظري في نفسه لكنه لوضوح برهانه و سطوع دليله جعل كالبديهي الذي لا يحتاج إلى نظر أصلا تنبيها على أقومية حجته.
قوله: (و قيل الذين أنعمت عليهم الأنبياء) عليهم السلام بقرينة أن المطلق ينصرف إلى الكمال و أكمل النعم النبوة فحينئذ المراد بصراطهم ما اتفقوا عليه من التوحيد و سائر أصول الدين و من الفروع ما اتفق عليه جميع الشرائع مرضه لأن العموم هو المتبادر بدليل قوله تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ [النساء: 69] الآية فإنه ظاهر في العموم و هم عليهم السلام يدخلون فيه دخولا أوليا و إن الظاهر من صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] الصراط المنعم به و قد عرفت أنه إذا كان المراد الأنبياء عليهم السلام يكون المراد بالصراط غير ما أنعم عليهم و أما إذا كان المؤمنين مطلقا فيكون المراد طريق الحق كما اختاره المصنف فيعم الكل على أن كون المراد الأنبياء عليهم السلام لا يلائم كون المراد ملة الإسلام و أما العموم فينتظم كلا الاحتمالين و هذا المذكور يكون وجه ضعف القول الأخير و هذا القول نسبه الواحدي إلى السدي و قتادة.
قوله: (و قيل أصحاب موسى و عيسى عليهما السلام) و نسبه الواحدي و السجاوندي إلى ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما وجه التخصيص لشهرة أمرهما و كثرتهما في عصر نبينا عليه السلام كذا قيل و ضعفه ظاهر لأن أكثر ما وجد في عصره عليه السلام المغضوب عليهم و الضالون و لا يلائم أيضا قوله قبل التحريف و النسخ و قيل بقرينة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] فإنهما فسراهما بعد التحريف و النسخ و ضعفه مستغن عن الجواب عنه و أيضا ضعفه لأنه لا يليق لمسلم طلب صراط أصحاب موسى و عيسى قوله: و قيل الذين أنعمت عليهم الأنبياء يدل عليه قوله: تعالى أولئك مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ [مريم: 58] و قال ابن عباس رضي اللّه عنهما هم أصحاب موسى قبل أن يغيروا التورية مطلقا و إنما صرف معنى المضيء في أنعمت على من مضي قبل أمة محمد صلّى اللّه عليه و سلم و لم يعممه على من مضى و قيل هم المؤمنون مطلقا و هذا الوجه أولى لأنه عام لكل من آمن باللّه من الأنبياء و غيرهم و مطابق لألفاظ السورة و يؤيده قول صاحب الكشاف الذين أنعمت عليهم لا توقت فيه ممن أنعم اللّه عليهم بنعمة الإسلام قبل و بعد لأن السورة كما ذكر نزلت لتعليم المسألة لأمة الدعوة كافة في زمن محمد صلوات اللّه عليه و سلامه فهي مقولة على السنة هذه الأمة فإذا قال هذه الأمة اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم يكون المطلوب صراط الذين مضوا قبلهم.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 257
عليهما السلام و لو قيل النسخ و التحريف لعدم جواز العمل لنا كذا قيل و فيه إذ المراد أصول التوحيد و الشرائع المتفقة عليهما كما مر و لظهور ضعف القول الأخير أخره المص و عدل عما في الكشاف من تقديم هذا القول على القول بأنهم الأنبياء عليهم السلام فإن قلت على التوجيه المختار و هو كون المراد المؤمنين مطلقا مؤمني الأمم السالفة و مؤمني هذه الأمة يلزم طلب النبي صلّى اللّه عليه و سلم طريق آحاد الأمة قلت النبي عليه السلام يطلب لنفسه طريق الأنبياء عليهم السلام لأنه كما عرفت أن الأنبياء عليهم السلام يدخلون في الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] دخولا أوليا و معلوم بالبداهة أن النبي عليه السلام لا يطلب صراط آحاد الأمة من حيث كونه صراطهم و تدينهم به.
قوله: (قبل التحريف و النسخ) متعلق بكل منهما لأن التوراة و الإنجيل حرفهما الرهبان و الأحبار الأشرار و التوراة منسوخ بالإنجيل على قول أو هو و الإنجيل منسوخان بالقرآن أما الإنجيل فبالاتفاق و أما التوراة فعلى قول آخر قيل «1» . و اعلم أن التوراة و الإنجيل اللذين عند اليهود و النصارى الآن اختلف فيهما هل هما مبدلان و محرفان لفظا أو تأويلا فأما التوراة فأفرط فيها قوم و قالوا كلها أو جلها مبدل حتى جوزوا الاستنجاء بها فليست المنزلة على موسى عليه السلام و ذهبت طائفة من الفقهاء و المحدثين إلى أن ذلك إنما وقع في التأويل فقط كما صرح به البخاري و اختاره الفخر الرازي و غيره لقوله تعالى:
قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [آل عمران: 93] و هو أمر للنبي صلّى اللّه عليه و سلم بالاحتجاج بها و المبدل لا يحتج به و لما اختلفوا في الرجم لم يمكنهم تغيير أية منها و توسطت طائفة و هو الحق فقالوا أبدل بعض منها و حرف لفظه و أول بعض منها بغير المراد منه و أنه لم يعط منها موسى عليه السلام لبني إسرائيل غير سورة واحدة و جعل ما عداها لأولاد هارون عليه السلام فلم تزل عندهم حتى قتلوا عن آخرهم في وقعة بخت نصر و بعض «2» ذلك جمع عزيز بعضا منها ممن حفظها فهو الذي عندهم اليوم و ليس أصلها و فيه زيادة و نقص و اختلاف ترجمة و تأويل و أما الإنجيل ففيه تبديل و تحريف في بعض ألفاظه و معانيه و هو مختلف «3» النسخ و الأناجيل أربعة كما فصله بعضهم في كتاب عقد له سماه المفيد في التوحيد انتهى.
قوله: (و قرىء) قارئه ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه على ما في الكشاف أو عمر بن الخطاب أو ابن الزبير رضي اللّه تعالى عنهما على ما في القرطبي و السجاوندي و لذا قال و قرىء بصيغة المجهول.
قوله: (صراط من أنعمت عليهم) بلفظ من الموصول بدل الذي قيل فيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة كمن على اللّه تعالى كما ورد في الحديث المشهور يا من بيده
(1) شهاب.
(2) صوابه و بعد ذلك يدل و بعض ذلك كذا قيل.
(3) فيه خلل فتأمل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 258
الخير و نحوه فلا يغرنك ما نقله الحفيد عن صاحب المتوسط من منعه انتهى و لا يخفى أن المراد بمن هنا من يراد بالذين من عموم المؤمنين أو الأنبياء عليهم السلام أو غير ذلك و لا يراد به الخالق تعالى حتى يكون فيه دليل على ذلك نعم جواز ذلك مختار نطق به القرآن كقوله تعالى: أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ [الملك: 16] الآية. أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ [الملك: 16] الآية.
قوله: (و الإنعام إيصال النعمة) لا بمعنى جعل الشخص قرير العين قال في القاموس أنعمها اللّه تعالى عليه و أنعم بها و نعيم اللّه تعالى عطيته و أنعم اللّه بك عينا أي أقر بك عين من تحبه انتهى و المعنى إيصال النعمة إلى العقلاء كما قاله الراغب فلا يقال أنعم على فرسه و لظهور المراد ترك هذا القيد و أشار إليه في تعداد النعم المختصة بذوي العقول و همزة الإنعام للتعدية و مقتضاها جعل العقلاء منعما عليهم و الإيصال حاصل معناه و لما كان المراد إيصال النعمة فحقها تعديته بإلى لكنه عدي بعلى إشارة إلى علو مرتبة المنعم و استعلائه على المنعم و استقراره عليه ففيه تمثيل له من اعتلى الشيء و ركبه و سيجيء التفصيل في قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: 5] الآية و فيه مبالغة عظيمة في استقرار النعمة عليهم و عدم زوالها و لو باعتبار أنواعها و لو عدي بإلى لفاتت هذه المبالغة لكن الظاهر تعلقها بأنعمت بهذا المعنى لاعتبار تضمين معنى الاستعلاء.
قوله: (و هي) أي النعمة (في الأصل) أي في أصل اللغة (الحالة التي يستلذها الإنسان) أي بعدها لذيذة إذ سين الاستفعال قد يجيء للعد كاستحقر أو يجدها لذيذة قال الراغب النعمة الحالة الحسنة لأن بناء الفعلة بالكسر للهيئة كالجلسة و المصنف عبر بالحالة و لم يقل الهيئة التي يستلذها بدل الحسنة إذ الهيئة متعارفة في المحسوس و جميع النعم ليست كذلك و الاستلذاذ واضح في الدلالة على المق بخلاف الحسنة و قوله: الإنسان إشارة إلى ما مر من الاختصاص بالعقلاء و اللام فيه للجنس مؤمنا كان أو كافرا و إن كان المراد هنا مختصا بالمؤمنين الكاملين كما سيجيء في آخر الدرس و القول بأن الكافر ليس بمنعم عليه ضعيف. قوله: (فأطلقت لما يستلذه) الأولى ثم أطلقت كما هو الشائع في مثل ذلك أي نقلت في العرف العام إلى ما يستلذه من قبيل نقل اسم المسبب إلى السبب و عدي الإطلاق باللام و هو معدى بعلى لكونه بمعنى الاستعمال و لعل وجهه الإشعار بالاختصاص و المنفعة و لذا لم يتعد أن الاستعمال يعدى بفي و الأحسن أن الإطلاق هنا بمعنى الوضع أي ثم وضعت في العرف لما يستلذه.
قوله: (من النعمة) خبر ثان لقوله و هي أي و النعمة بكسر النون مأخوذ من النعمة بفتح النون لما بين أولا معنى النعمة حاول بيان اشتقاقها و مأخذها إظهارا للمناسبة ثم بين قوله: و هي في الأصل الحالة التي يستلذها الإنسان فأطلقت لما يستلذه الإنسان من نعمة الإسلام لم يبق نعمة إلا أصابته قال الإمام النعمة عبارة عن المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 259
وجه المناسبة بقوله: (و هي) أي النعمة بفتح النون (اللين) أي الملائمة ضد الخشونة صوريا كما في الثوب الحرير و البدن الناعم أو معنويا كطيب العيش و الصحة و غير ذلك من نعم بضم العين أي صار ناعما أي لينا و منها النعومة و التنعم يقال كم ذي نعمة لا نعمة له بالفتح على الجناس المحرف أي لا تنعم له و المناسبة بين المأخوذ و المأخوذ منه جلية قيل و في بعض النسخ و هي الدين فكأنه تصحيف اللين و في بعضها من نعمة الإسلام و هي الدين انتهى و هذه النسخة الأخيرة و إن لم تكن تصحيفا لكن لا يلائم قوله و نعم اللّه تعالى إلا أن يقال إن من فاز بنعمة الإسلام فقد فاز بحذافيرها لاشتمالها على سعادة الدارين و استلزامها النجاة عن و خامة الكونين ثم على هذه النسخة قوله من النعمة بيان لما في قوله يستلذه الإنسان فيكون بكسر النون لا بفتحها فيفوت بيان الاشتقاق فالنسخة الأولى هي الأولى.
قوله: (و نعم اللّه تعالى) إضافتها إليه للتشريف و للتنبيه على أن النعم كلها من عنده و لو ظهرت من يد غيره و لتقبيح من عزاها إلى ما سواه (و إن كانت لا تحصى) أي لا تضبط بعدد (كما قال) أي اللّه تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم: 34]. الآية و المعنى أن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها و لا تطيقوا عد أنواعها فضلا عن إفرادها فإنها غير متناهية فعلم أن قوله و إن كانت لا تحصى معناه لا يحصى نوعها قيل في بيانه: لأن ما يتوقف عليه وجود الشيء الذي هو أشرف النعم و إن وجب كون ما هو من الأمور الوجودية متناهية لوجوب تناهي ما دخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التي لها دخل في وجوده ليست كذلك و إنما الاستحالة في دخولها تحت الوجود فارتفاع تلك الموانع التي لا تتناهى أعني بقاءه على العدم مع إمكان وجودها في نفسها في كل آن من آنات وجوده نعم غير متناهية حقيقة لا ادعاء و كذا الحال في وجودات علله و شرائطه القريبة و البعيدة ابتداء و بقاء و كذا في كمالاته التابعة لوجوده فاتضح أنه تعالى يفيض عليه كل آن نعما لا تتناهى من وجوه شتى انتهى فعلى هذا يكون المراد بالغير المتناهي الغير المتناهي بالفعل و هو غير قوله: و نعم اللّه و إن كانت لا تحصى الخ و في التأويلات النجمية النعم إما ظاهرة كإرسال الرسل و إنزال الكتب و توفيق قبول دعوة الرسل و اتباع السنة و اجتناب البدعة و انقياد النفس للأوامر و النواهي و الثبات على قدم الصدق و لزوم العبودية و إما باطنة و هي ما أنعم اللّه على أرواحهم في بداية الفطرة بإصابة رشاش نوره كما قال عليه الصلاة و السلام: «إن اللّه خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصاب ذلك النور فقد اهتدى و من أخطأ فقد ضل و أول الغيث رش ثم ينسكب» و أقول فعلى هذا كان المصنف رحمه اللّه أن يقول في التقسيم هكذا دنيوي و أخروي فالأول قسمان موهبي و كسبي الخ و الثاني قسمان ظاهري و باطني ليكون التقسيم حاصرا لجميع أقسام النعم و هذا القسمان أعني القسم الظاهري و الباطني المذكور في التفسير النجمي و إن كانا مما أولى في الدنيا لكن كونهما نعمة إنما هو بالنسبة إلى ثمرتهما في الآخرة و تأديتهما إلى النعم الأخروية فهما بهذا الاعتبار من النعم الأخروية إلا أن المصنف رحمه اللّه جعلهما من النعم الدنيوية حيث قال و الموهبي قسمان الخ نظرا إلى أنهما من النعم من الموهوبة في الدنيا حالا و إن كانا من الأخروية مآلا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 260
محال لاعتبار عدم التناهي في المعدومات التي هي نعم حقيقة كما أوضحه و لا يخفى ما فيه أما أولا فلأن النعمة عبارة عما يستلذ به و لا ريب في أن الإعدام لا يصدق عليها ما يستلذ به و أما ثانيا فلأن الإعدام و ارتفاع الموانع عدها من جملة ما يتوقف عليه الوجود تكلم عليه صاحب المواقف و قال إنه من المسامحات و لكونه كاشفا عن الوجود عد عدم المانع من جملة ما يتوقف عليه الوجود انتهى. فالموقوف عليه في الحقيقة هو الموجود الكاشف عنه عدم المانع و لو سلم ذلك فلا تمايز للمعدومات عندنا فكيف تعد أنواعا مع أنها يستدعي تمايز بعضها عن بعض و لو سلم ذلك فلا نسلم كونها نعمة كما مر فالحق الذي لا محيد عنه أن المراد بالغير المتناهي بمعنى لا تقف عند حد كمقدورات اللّه تعالى فإنها غير متناهية بالقوة «1» و ما يدخل تحت الوجود من الأنواع و الأفراد متناهية بالفعل.
قوله: (تنحصر في جنسين) أي انحصارا عقليا (دنيوي) أي جنس حاصل في الدنيا (و أخروي) أي جنس حاصل في الآخرة و لكون الموصوف جنسا ذكرهما و بملاحظة القسم الأخير تكون النعم غير متناهية بالقوة و الإيمان من النعم الدنيوية الكسبية و لذا وقع التكليف به و ليس من النعم الأخروية إذ لا تكليف فيها فقول البعض فمعرفة اللّه تعالى و إن كانت نعمة واحدة في الدارين إلا أنها نعمة دنيوية حدوثا و أخروية بقاء لا يعرف له وجه فإن النعمة ما هو أثره المترتب عليها من المغفرة و الرضاء و الإسكان في الجنة الأعلى و اللقاء كما صرح به المص فلا يلزم تداخل القسمين و إن أمكن الاعتذار بأن التقسيم ليس لانفصال حقيقي و لا مانع جمع بل المراد أن النعمة لا تخلو عن هذين القسمين و ذلك لا ينافي اجتماع القسمين في نعمة واحدة بالاعتبارين نقول البعض دنيوي أي فقط و لو من جهة واحدة و كذا الأخروي فما يكون دنيويا و أخرويا من جهتين كمعرفة اللّه تعالى و نفخ الروح و إعطاء العقل و ما يتبعه من القوى داخل فيهما من جهتين و التقسيم الاعتباري يكفي فيه امتياز الأقسام بالاعتبار فلا يرد ما يتوهم أن ههنا قسما ثالثا كمعرفة اللّه تعالى على أن التقسيم الاعتباري لا يلزم فيه انحصار الأقسام بناء على أن معرفة اللّه من النعم الأخروية و قد بان أنه كسبي وقع التكليف بها و الآخرة لا تكليف فيه لكن قوله و الثاني أن يغفر ما فرط منه الخ. ظاهره ما قلنا من كون التقسيم لانفصال حقيقي (و الأول قسمان).
قوله: (موهبي) أي ما لا دخل لكسب العبد فيه أصلا و الكسبي بخلافه فلا ينافي كونه من المواهب الإلهية إذ ما من نعمة إلا و هي من اللّه تعالى و من فضله و لذا قال فيما سبق و نعم اللّه تعالى الخ. (و كسبي و الموهبي قسمان):
قوله: (روحاني) أي منسوب إلى الروح إن أراد بالروح النفس الناطقة المجردة (كنفخ الروح) فنفخه (فيه) أي في البدن جعله متعلقا بالبدن مجازا قال في سورة الحجر في تفسير قوله تعالى: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: 29] حتى جرى آثاره في تجاويف