کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 292
يضر الأصالة إذ شهرة المد لغرض صحيح و هو رفع الصوت لا يفيد الأصالة إذ لم يوجد له نظير و لا وزن في كلام العرب العرباء و قد يشدد الميم الممدود و روي عن الحسن و جعفر الصادق جواز تشديد الميم مع المد صونا لصلاة العامة عن الفساد لأن معناه القصد لأنه حينئذ جمع آم بالمد اسم فاعل من آم بمعنى قصد كما في قوله تعالى: آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ [المائدة: 2] الآية بمعنى قاصدي فيكون نصبه حينئذ على الحال من مفعول اهْدِنَا [الفاتحة: 6] أي نطلب منك الهداية قاصدي إجابتك كذا قيل «1» .
قوله: (قال) أي المجنون العامري المشهور بحب ليلى روي أنه لما أمره أبوه حين قدم مكة أن يتشبث بأستار الكعبة و اسأل اللّه تعالى الخلاص من حب ليلى أخذ بحلقة الباب فقال اللهم منّ «2» عليّ بليلى فضربه أبوه فبكى قائلا:
( يا رب لا تسلبني حبها أبدا
و يرحم اللّه عبدا قال آمينا )
بمد الألف و روي أنه لما أنشد هذا البيت بكى أبوه و قال آمينا فخلاه و سبيله و لم يمنعه عن حبها بعد و هذا البيت شاهد على المد ثم قال مستشهد المجيء قصر ألفه (و قال) آخر غير الأول قيل قائله جبر بن الأضبط أو له تباعد عنى فحطل إذ دعوته (آمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا) فحطل بفتح الفاء و سكون الحاء المهملة و فتح الطاء كجعفر اسم رجل و المعنى تباعد عنى هذا الرجل المسمى بفحطل إذ دعوته و حق آمين أن يؤخر عن الدعاء و هو قوله فزاد اللّه لأن طلب الاستجابة إنما يكون بعده لكنه قدم اهتماما بالإجابة أو لمحافظة الوزن و هو الظاهر و قيل الرواية فيه المد أيضا و ما «3» هنا محرف و هو هكذا تباعد عنى فحطل و ابن أمه فأمين زاد اللّه ما بيننا بعد أو لم يلتفت إليه المصنف إذ ما اختاره هو المشهور.
قوله: قال و يرحم اللّه عبدا قال آمينا المصراع للمجنون العامري و هذا مصراع أخير من أبيات ثلاثة هي قوله:
يا رب إنك ذو من و مغفرة
بيت بعافية ليل المحبينا
الذاكرين الهوى من بعد ما رقدوا
و النائمين على الأيدي مكبينا
يا رب لا تسلبني حبها أبدا
و يرحم عبدا قال آمينا
حكي أن أباه عيره على حب امرأة من العرب و لامه بافتضاحه به بين الناس و نصحه بأن يزور بيت اللّه و يحج و يتوب عن حب ليلى فلما وصل الكعبة أخذ حلقة الباب فأنشد هذه الأبيات.
قوله: و قال آمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا أوله تباعد عني فطحل إذ سألته قال الجوهر فطحل بفتح الفاء علم رجل و نقل الطيبي رحمه اللّه عن الزجاج إذ لقيته بدل إذ سألته و حق آمين التأخير عن قوله فزاد اللّه لأنه دعا و طلب الاستجابة يكون بعده إلا أنه قدم للاهتمام و المبالغة و المحافظة للوزن و آمين بعد تمام هذه السورة لطلب استجابة الدعاء لأن القارىء داع بإهدنا و عن الحسن أنه لا يقول الإمام آمين بل يقوله المأموم.
(1) ابن صدر الدين.
(2) من أمر من من يمن كمد يمد.
(3) أي ما ذكر هنا نسخه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 293
قوله: (و ليس من القرآن وفاقا) و كتبه في المصحف بدعة لا يرخص به بل يؤدب كاتبه و ما نقل في بعض الكتب لا ينبغي نقله كما في التيسير إنها من السورة عند مجاهد و لعدم اعتداد المصنف به قال وفاقا فلا حاجة إلى ما قيل إنه محمول على اجماع من بعد عصر مجاهد بل لا وجه له لأنه يشعر بعدم الإجماع قبل عصر مجاهد و هو خلاف ما قيل من أن عدم قرآنيته مما اتفق عليه الأمة و صار مجمعا عليه حتى حكم بارتداد من قال بقرآنيته لأنه لم يكتب في الإمام و لم ينقل أحد من نقله القرآن من الصحابة و التابعين أنه قرآن فعلى هذا قول مجاهد يشبه خرق الإجماع فكيف يقال إنه محمول على إجماع من بعد عصر مجاهد.
قوله: (لكن يسن ختم السورة) أي سورة الفاتحة (به) فاللام فيها للعهد الخارجي لكن للاستدراك فإنه لما نفى كونه قرآنا أوهم ذلك أن لا يحسن ختم السورة به و هذا خلاف ما تعارف من السلف دفعه بقوله لكن يسن.
قوله: (لقوله عليه السلام علمني جبرائيل عليه السلام آمين) أي أن أقوله فالتعليم لقوله لا لنفسه و في الكشاف موافقا لكتب الحديث لقنني به بدل علمني و هذا الحديث رواه البيهقي و غيره و النقل بالمعنى لا يساعد إذا كان لفظ الحديث الشريف مضبوطا معلوما و هنا كذلك قوله لقوله تعليل لكونه سنة و يجوز أن يكون تعليلا أيضا لكونه ليس من القرآن لقوله (عند فراغي من قراءة الفاتحة) فإنه صريح في أنه ليس منها و إذا لم يكن من سورة الفاتحة فلا يتوهم من غيرها لأن ختم السور به غير سورة الفاتحة غير مشروع فلا يتوهم كونه جزءا من غير الفاتحة و فيه دليل على جواز إطلاق الفاتحة على سورة الفاتحة (و قال) أي جبرائيل عليه السلام (أنه) أي آمين (كالختم على الكتاب) أي المكتوب وجه الشبه هو أنه يمنع الدعاء من فساد الخيبة كما أن الختم يمنع الكتاب من فساد التغيير و ظهور ما فيه لغير أهله و بعبارة أخرى أنه لا يعتد بالدعاء بدونه كما أن الكتاب لا يعتد به إذا لم يختم هذا أي كون ضمير قال لجبرائيل هو المناسب للسوق و قيل إنه للنبي عليه السلام لأنه معطوف بحسب المعنى على قوله لقوله عليه السلام فإن معناه لأنه قال عليه السلام فحاصل المعنى لأنه قال النبي عليه السلام: «علمني جبرائيل» الحديث و قال أيضا عليه السلام في حديث آخر: «أنه كالختم» الخ قيل «1» و قال الشيخ المحدث ذكره السيوطي في تخريجه أي قال النبي عليه السلام في حديث آخر ثم قال روى الخبر الأول البيهقي و غيره و الثاني أبو داود في سننه قوله: أنه كالختم على الكتاب قال الطيبي رحمه اللّه روينا عن أبي زهير النميري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لرجل الخ. في المسألة أوجب إن ختم فقيل بأي شيء قال بآمين قال أبو زهير آمين مثل الطابع على الصحيفة أخرجه أبو داود كما أن الختم على الكتاب يمنع من ظهور ما فيه على غير المكتوب إليه و هو فساده كذلك الختم في الدعاء يمنعه من الفساد الذي هو الخيبة.
(1) سيالكوتي.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 294
انتهى. فعلى هذا ضمير قال متعين للنبي عليه السلام و قد رجح هذا القائل كونه لجبرائيل فحينئذ في رواية المص نوع تعقيد إذا لظ و لقوله عليه السلام قال مولانا خسرو و قال الزيلعي لم أجده هكذا و في الدعاء لابن أبي شيبة من رواية أبي ميسرة أحد كبار التابعين قال جبرائيل اقرأ النبي عليه السلام فاتحة الكتاب فلما قال: وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] قال له قل آمين و روى أبو داود عن أبي زهير قال آمين مثل الطابع على الصحيفة و روى ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا آمين خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين انتهى. فعلى هذا إسناد المصنف هذا إلى علي رضي اللّه تعالى عنه دون النبي عليه السلام فيه خلل ظاهر إلا أن يقال هذه رواية و ما ساقه المصنف رواية أخرى و اللّه تعالى اعلم بما هو الصواب و الأحرى.
قوله: (و في معناه قول علي رضي اللّه تعالى عنه آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عبده) و قد سبق أن ابن مردويه روى هذا عن أبي هريرة مرفوعا فلا حاجة إلى ما قيل هذا الموقوف في حكم المرفوع و إنما قال في معناه لأن بينهما فرقا من وجه و هو أن هذا يدل على أن الختم من جانب رب العالمين على دعاء عباده المؤمنين و ذلك يدل بظاهره على أن الختم من جانب العبد «1» الداعين و إن احتمل كونه من قبل اللّه المجيب للمضطرين و أيضا أن آمين شبه في هذا بالخاتم و في ذلك شبه بالختم نفسه وجه الشبه حينئذ أنه كما أن من أعظم شأنه إذا وقع كتاب أحد عنده من صك أو محضر و وضع عليه خاتمه يصير ذلك سببا لنفاذه و قبوله كذلك آمين إذا قاله العبد بعد الدعاء كأنه وضع عند رب العالمين و ختم على كتاب دعاء عباده الراجين و لا قبول فوقه و لا سرور فيما سواه و وجه الشبه بين آمين و بين الختم من جانب العبد قد مر توضيحه و لما كان الفرق بهذا الوجه ظاهرا قال و في معناه و وجه كونه في معناه إنه كالختم على كلا التقديرين سواء كان من جهة العبد أو من جانب الرب.
قوله: (يقوله الإمام) أي في كل صلاة (و يجهر به في الجهرية) هذا مذهب الشافعي و تخصيص الذكر بالإمام لقوله و يجهر به و إلا فالإمام و المأموم و المنفرد سواء في قول ذلك و اختار المصنف أن الجهر لا يسن للمقتدي في الجهرية و هو قول الشافعي في الجديد و في قوله القديم يؤمن المقتدي جهرا أيضا و عن مالك في أحد قوليه إنه لا يسن التأمين للمصلي أصلا كذا نقله البعض «2» عن العلماء و في شرح الوجيز أنه يستحب لكل من قرأ الفاتحة خارج الصلاة أو فيها أن يقول عقيبها آمين بعد سكتة لطيفة ليتميز القرآن عن غيره و يستوي في استحبابها الإمام و المأموم و المنفرد و يجهر بها الإمام و المنفرد في الجهرية تبعا للقراءة لحديث وائل المذكور انتهى فحينئذ تخصيص الذكر بالإمام ليس في محله إلا أن يقال إنه
(1) شهاب.
(2) و ما روي أن النبي عليه السلام قال لرجل قد ألحّ في سؤاله أوجب إن ختم فقيل بأي شيء قال بآمين و كذا ما روي في حديث آخر إذا دعا أحدكم بدعاء فليختمه بآمين فإن آمين في الدعاء مثل الطابع في الصحيفة فهو يدل على أن الختم من جانب العبد و إن الداعي ينبغي أن يؤمن من دعاء نفسه كما يؤمن دعاء غيره فإنه من جملة أسباب الإجابة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 295
رواية عن الشافعي و عندنا يؤمن الإمام و المأموم سرا في الجهرية و كذا يسن للمنفرد سرا و التفصيل في كتب الفقه.
قوله: (لما روي عن وائل بن حجر أنه عليه السلام كان إذا قرأ وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] قال آمين و رفع بها صوته) هذا الحديث أخرجه أبو داود و الترمذي و الدارقطني و صححه ابن حبان و وائل بهمزة بعد الألف يليها لام و هو وائل بن حجر بضم الحاء المهملة و سكون الجيم المعجمة ابن ربيعة الحضرمي من الصحابة كان أبوه من أقيال اليمن أي ملوكها فإن الملك عندهم يسمى قيلا و وفد على النبي عليه السلام و استقطعه أرضا فأقطعه إياها و قال عليه السلام هذا سيد الإقبال و له مع معاوية قصة و لما صار خليفة قدم عليه فاستقبله و أكرمه و توفي في عهده و أجاب أصحابنا عما ذهبوا إليه بأنه عليه السلام جهر بها للتعليم ثم خافته.
قوله: (و عن أبي حنيفة أنه لا يقوله) هذه الرواية وجهها أنه هو الداعي و لأن قوله عليه السلام إذا قال الإمام وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] فقولوا آمين قسمة فينافي الشركة و إليه ذهب الإمام مالك لكن هذه الرواية عن إمامنا غير مشهورة (و المشهور أنه يقوله لكن يخفيه كما رواه عبد اللّه بن مغفل) لأنه ذكر فيستحب الإخفاء كسائر الأذكار و الدليل ما رواه «1» عبد اللّه بن مغفل بضم الميم و فتح الغين المعجمة و الفاء المشددة اسم مفعول من التفعيل ابن غنم من مشاهر الصحابة توفي بالبصرة سنة ستين (و أنس بن مالك) رضي اللّه تعالى عنهما لكن الزيلعي قال لم أجده عن واحد منهما (و المأموم يؤمن معه).
قوله: (لقوله عليه السلام) هذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه (إذا قال الإمام وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7]) أي في الصلاة الجهرية (فقولوا) أي المأمور كما هو الظاهر أو أي الإمام و المأموم (آمين) الأمر هنا للندب فإنه لو كان للوجوب لكان علينا لا لنا كما قيل في قوله تعالى: فَاصْطادُوا [المائدة: 2].
قوله: (فإن الملائكة تقول آمين فمن رافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) دليل على مجموع الدعوى من أن المأموم يؤمن مع الإمام إما على تأمين المأموم فبعبارة النص و إما على تأمين الإمام فبدلالة النص إذ الإمام بالمغفرة المذكورة بموافقة تأمينه تأمين الملائكة أحق و بإحراز تلك الفضيلة أليق و يؤيده ما اتفق عليه الشيخان البخاري و مسلم أنه صلى اللّه تعالى عليه و سلم قال: «إذا أمن الإمام فآمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» أي من الصغائر ما سوى حقوق العباد و قيل المخاطب بقوله عليه السلام قولوا آمين الإمام و المأموم جميعا و لا يخفى إنه تكلف و قيل و يمكن أن يقال إن تأمين الإمام قد علم مما سبق و هذا ضعيف إذ الدليل المسوق لإثبات المدعي هذا الخبر الشريف فلا بدّ من دلالته على تأمين الإمام و طريق دلالته عليه ما ذكرناه على ما ثبت في الأصول و تلقاه العقول و روى محيي السنة في تفسيره الحديث الشريف هكذا إذا قال الإمام وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] قولوا آمين
(1) أي الإخفاء عن النبي عليه السلام بالتأمين.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 296
فإن الملائكة تقول آمين و إن الإمام يقول آمين فمن وافق تأمينه الحديث فحينئذ لا إشكال أصلا لكن المص اختار ما أخرجه الشيخان لقوته و لرجحانه فلا جرم أنه لا بدّ من تطبيقه على المدعي بالتأويل المذكور و المراد بالملائكة العموم «1» حفظة كانت أو غيرها من الملائكة الذين مع المصلي و قيل الحفظة فقط و لا شك أنه تخصيص بلا مخصص بل مع ما ينافي التخصيص و قيل المراد بالملائكة غير ذلك من صفوف أهل السماء ثم الظاهر أن المراد بالموافقة اتحاد وقت تأمينهما و قيل في الإخلاص و قيل في الإجابة و قيل في مدارها و هو الاعتقاد الصحيح و العمل الصالح و لا يخفى أن هذه المعاني و إن كانت جيدة في أنفسها لكن لا يلائم مذاق الحديث الشريف حيث قيل إذا قال الإمام و لا الضالين قولوا آمين فإن من وافق الحديث الخ قوله فإن من وافق تعليل للأمر بالقول المذكور و لا ريب في أنه يلائمه اتحاد وقت تأمينهما قيل و إذا انضم الاعتقاد و العمل الصالح كمال الإطاعة و هو التسليم و الرضاء بكل ما أراد اللّه تعالى تحصل سرعة الإجابة كما يشير إليه قوله عليه السلام لعمه أبي طالب حين قال له ما اطوعك ربك يا محمد و أنت يا عم إذا أطعته أطاعك.
قوله: (و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه) صحابي مشهور من أصحاب الصفة و في اسمه الشريف اختلاف كثير يبلغ ثلاثين قولا و الأصح أنه عبد الرحمن و أبو هريرة كنيته وجه تسميته به و قصته مشهورة و قد بينها علي القاري في أوائل شرح المشكاة (أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال لأبي ألا أخبرك بسورة لم تنزل في التوراة و الإنجيل و القرآن مثلها قلت بلى يا رسول اللّه قال فاتحة الكتاب إنها السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته) و هذا الحديث قوله: ألا أخبرك الخ، قال محيي الدين النواوي صاحب الروضة و من الموضوع الحديث المروي عن أبي بن كعب في فصل القرآن سورة سورة و قد أخطأ من ذكره من المفسرين و زاد الصغاني صنعه رجل من أهل عبادان و قال لما رأيت الناس اشتغلوا بالأشعار وفقه أبي حنيفة و غير ذلك و نبذوا القرآن وراء ظهورهم أردت أن أصنع لكل سورة فضيلة أرغب الناس بها في قراءة القرآن و قل تفسير خلا من ذكر هذه الفضائل إلا من عصمه اللّه تعالى قال مولانا سعد الدين رحمه اللّه تعالى و ما اشتهر من أئمة الحديث أن الأحاديث الواردة في فضائل السور موضوعة يعنون أكثرها إذ قد صح هذا الحديث و قال الطيبي رحمه اللّه و في معناه روينا عن الدارمي عن ثابت بن عجلان الأنصاري أن اللّه تعالى ليريد العذاب بأهل الأرض فإذا سمع تعليم الصبيان بالحكمة صرف ذلك عنهم يريد بالحكمة القرآن.
(1) و يؤيد العموم ما روي أنه عليه السلام قال: فإن من وافق قوله قول أهل السماء كذا نقله ابن ملك في شرح المشارق في شرح حديث إذا امن الإمام الحديث.
هذا خطأ عظيم و ذنب جسيم إذ تعمد الكذب على النبي عليه السلام أعظم الكبائر بعد الكفر باللّه حتى ذهب محمد الجويني إلى كفره تغليظا و تهديدا فكيف يطلب به القربة و يرجى منه المثوبة و تأويلهم بأنه كذب له لا عليه فلا يتناول حديث: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» تأويل بارد و عذر فاسد إذ الكذب هنا بمعنى الافتراء و هو يتعدى بعلى فقط لا باللام و دلالة على على المضرة فيما استعمل الفعل به و باللام كلفظ الدعاء و ما إذا استعمل الفعل بها فقط فلا دلالة عليها كلفظ الصلاة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 297
صحيح و ليس بموضوع كما توهم و إن أكثر الأحاديث المروية عن أبيّ في فضائل السور موضوعة وضعها رجل من عبادان من الكرامية و هم يرون جواز وضع الحديث للترغيب للجهالة و الغواية و قال رأيت رغبة الناس عن حفظ القرآن و تلاوته فوضعتها قيل لأبي عصمة من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما في فضائل القرآن سورة سورة و ليس عند أصحاب عكرمة هذا فقال إني رأيت الناس قد اعرضوا عن القرآن و اشتغلوا بفقه أبي حنيفة و مغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه حسبة و هم أعظم أصناف من وضعوا ضررا على أنفسهم و على غيرهم لأنهم يرونه قربة و يرجون عليه المثوبة فلا يمكن تركهم لذلك و الناس يعتمدون عليه لزهدهم و صلاحهم ظاهرا قال العراقي في شرح الألفية كل من أودع من تلك تفسيره كالواحدي و الثعلبي و الزمخشري مخطىء في ذلك و لكن من أبرز إسناده منهم كالثعلبي و الواحدي فهو أبسط لعذره إذا حال ناظره على الكشف عن سنده و إن كان لا يجوز السكوت عليه من غير بيانه و أما من لم يبرز سنده و أورده بصيغه الجزم فخطأه أفحش انتهى. لعل من لم يبرز سنده إنما لم يبرزه اعتمادا على ذكر المتقدمين لا لجزمه به فكلهم سواء في الخطأ و سببه التقليد و عدم التفحص و المراجعة إلى بيان الأئمة الثقات في بيان الموضوعات قال العسقلاني في النخبة و اتفقوا على تحريم الموضوع أي إذا علم أنه موضوع إلا مقرونا ببيان كونه موضوعا انتهى و أعجب العجائب أن فخر الروم أبو السعود المرحوم قد قلدهم و ساق الأحاديث الموضوعة في أواخر السور و العقل من ذلك يتحير قد أوضحنا هذا المرام و إن لم يكن محل التوضيح هذا المقام تبعا لكبار المحشين من الفهام قوله ألا أخبرك أي مثل هذا الاستفهام لإرادة الاستحضار و توجيه الذهن إلى ما صدر عن سيد الأخيار و هذا كثير في الأحاديث و الأخبار قوله لم تنزل في التوراة و الإنجيل و القرآن أي الترتيب للنظر إلى التقدم في النزول مثلها فاعل لم تنزل و التأنيث لاكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه كقوله تعالى: وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها [النساء: 40] الآية قوله قلت بلى يا رسول اللّه قال مولانا خسرو و الذي يقتضيه سياق الكلام أن يقول قال بدل قلت أي قال أبي في جوابه بلى فاحتيج إلى تقدير أي و عن أبي أنه قال قلت بلى انتهى. و هذا لا يلائم صدر الحديث إذ ظاهره أن أبا هريرة أراد حكاية ما وقع في مجلس النبي عليه السلام من المكالمة بينه و بين أبي و أبو هريرة حاضر في المجلس فلا معنى حينئذ و روي عن أبي أنه قال قلت بلى و إن لم يكن حاضرا في المجلس فالتقدير لا بدّ في صدر الحديث أيضا كأن يقال و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أنه قال روي أن رسول اللّه عليه السلام قال لأبي كذا و روي عن أبي أنه قال قلت بلى الحديث و التزامه تكلف و أحسن ما قيل هناك إن قائل قلت أبو هريرة فإنه لما خاطب عليه السلام أبيا بادر أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه إلى جواب السؤال إما شوقا لبيانه أو حرصا لعلمه أو لسكوت أبي عن الجواب مهابة عن أفضل من أوتي فصل الخطاب و في بعض نسخ المصنف وقع قال بدل قلت و المشهور هو الثاني حتى قيل إن الأولى من تصرف النساخ ثم إن قوله بلى مخالف لما اتفق عليه النحاة من أن بلى إنما يجاب بها النفي لكنه وقع في كثير من الأحاديث ما
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 298
يخالفه كما ورد في مسلم أنت الذي لقيتني بمكة فقال بلى فلا يلتفت لما خالفه و إن اعترض عليه في المغني كذا قيل و لا يخفى ما فيه لأن هذا الحديث مثل قوله تعالى:
أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: 172] قال العارف الجامي في شرح قول ابن الحاجب و بلى مختصة بإيجاب النفي يعني ينقض النفي المتقدم و يجعله إيجابا سواء كان ذلك النفي مجردا عن الاستفهام أو مقرونا به كقوله تعالى: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: 172] انتهى مختصرا و الحديث الشريف من هذا القبيل و ليس فيه مخالفة لما اتفق عليه النحاة و بلى هنا ينقض النفي الذي بعد الاستفهام أي أخبرت أو تخبر أو أخبر يا رسول اللّه ذلك نعم ما وقع في مسلم مخالف له فإنه قد يجيء لتصديق الإيجاب مثل نعم على سبيل الشذوذ فمثل هذا في حكم الاستثناء من تلك القاعدة فلا ينافي الفصاحة قيل و لم يذكر الزبور لأنه يفهم بطريق دلالة النص أن مثلها إذا لم تنزل فيهما فالأولى أن لا تنزل فيه لظهور كونهما أشرف منه و فيه ما فيه إذ لا مانع من نزول سورة مثلها فيه دونها مع كونها أشرف كما أن بعض الخصال الشريفة يوجد في المفضول دون الفاضل و استوضح بما أوتي سليمان عليه السلام مع أنه مفضول و نبينا عليه السلام أشرف و أفضل و قيل لأنه حينئذ لم يكن متلوا كتلاوة الثلاثة أو لأنه تابع للتوراة انتهى. وضعفه لا يخفى و وجهه أن الزبور ليس بمشتمل على الأحكام بل هو متضمن للعبر و الأمثال و المواعظ و النصائح و سورة الفاتحة مشتملة على أحكام كثيرة كما ستعرفه و الإنجيل الأصح أنه مشتمل على الأحكام و أنه ناسخ لبعض أحكام التوراة صرح به المص «1» في أوائل سورة آل عمران قوله قال فاتحة الكتاب إنها السبع المثاني لأنها سبع آيات بالاتفاق و تثنى في الصلاة أو الإنزال إن صح إنها نزلت بمكة مرة ثم نزلت في المدينة مرة أخرى قوله: وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87] عطف على خبر أن أي سورة الفاتحة هي القرآن العظيم سمي بعض القرآن قرآنا لأنه في الأصل اسم الجنس يقع على الكل و البعض و صار علما للكل بالغلبة كذا قاله المص في أوائل سورة يوسف و لا يختص هذا بالفاتحة حتى يطلب له نكتة فلا حاجة إلى قول البعض أن تسميتها بالقرآن لتضمنها جميع علوم القرآن و مذاق المصنف أن سورة يوسف و سورة الحجر و نحو ذلك يطلق عليها القرآن لما ذكر لا لتضمن جميع علوم القرآن فإن التزامه في كل ما يطلق عليه بعيد جدا و القول بأن وجه التسمية لا يلزم اطرادها لا يفيد
(1) حتى قالوا إنه عدل المص عن عبارة الكشاف و صرح باسم الراوي حيث قال و عن أبي هريرة للإفادة أن المجيب هو أبو هريرة فلا يرد عليه ما أورد على عبارة الكشاف و أما القول بأنه مستلزم لسوء الأدب فهو عين سوء الأدب إذ الخطاب شامل لكل أولي الألباب و تخصيص أبيّ بالذكر في الخطاب لكونه اقرأهم فلما هابه عليه السلام بادر قبله أبو هريرة إلى الجواب أو لحرصه إلى البيان بادر الخ غاية الأمر أنه ح يحتاج إلى تقدير قال أي قال الراوي أبو هريرة قلت و هذا أهون من تقدير و عن أبيّ أنه قال قلت و لعل لهذا قال البعض أقول فعلى ما زعموا لا يكون لعدول المص عن عبارة الكشاف فائدة بل زيادة نغمة طنبور الإيراد لأنه يرد عليه ما لا يندفع بما ذكره قدس سره أيضا انتهى و أنت تعلم أن نغمة طنبور الإيراد يكون أهون فيه.