کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 30
تقديرا كما اتفق النحاة عليه سخيف جدا فإن النحاة كما اتفقوا على ذلك اتفقوا أيضا كما نقلناه عن سيبويه من إنه قال أجري هذا على حرف النداء أي الاختصاص أجري على حرفه كما أن التسوية أجرت ما ليس باستخبار و لا استفهام قال السيرافي في شرح الكتاب يعني بحرف النداء أيتها الخ قال صاحب التلخيص و قد يستعمل صيغة النداء في غير معناه كالاختصاص في قولهم أنا أفعل كذا أيها الرجل أي متخصصا من بين الرجال و أوضحه النحرير التفتازاني بحيث لا مساغ فيه للإشكال فالوجه في التوفيق أن صيغة النداء المرموز إليها يا أيتها المختصة بالنداء مستعملة في الاختصاص مجازا نظيره لفظ المشبه به المرموز إليه بذكر دوافعه مستعمل في غير معناه.
قوله: لمجرد التخصيص أي تخصيص مدلوله من بين أمثاله بما نسب إليه و هو إما في معرض التفاخر نحو أنا أكرم الضيف أيها الرجل أي مختصا من بين الرجال بإكرام الضيف أو التصاغر نحو أنا المسكين أيها الرجل و غير ذلك مما ينسب المقام و ما نحن فيه للاستعطاف أو لبيان كمال الاحتياج إلى المغفرة من بين العصابة ففيه اعتراف بمزيد الجناية و هو سبب لنزول كمال الرحمة ثم المراد بالتخصيص و الاختصاص التخصيص في الإثبات و الذكر لا الحصر على أنه لا مانع من إرادة الحصر ادعاء بمعونة المقام كما فيما نحن فيه فإن الداعي ادعى حصر المغفرة له لانحصار اقتراف السيئة و اجتراح الخطيئة له و هذا حسن في مقام التضرعات و الخطابيات ثم إن على في سواء عليهم بمعنى عند و لذا قال صاحب اللباب مستو عندهم و القول بأن على هنا للمضرة ليس بقوي لأن الضرر لا يجيء من منطوق الكلام و إنما المقصود بيان الاستواء عندهم.
قوله: (و الإنذار التخويف) أي المراد بالإنذار في عرف الشرع (أريد به التخويف من عقاب اللّه تعالى) نقل إليه من مطلق التخويف و استعماله في الإبلاغ قليل فقول المصنف من عقاب اللّه إشارة إلى أن المفعول الثاني محذوف هنا أي أأنذرتهم من العذاب أم لم تنذرهم منه.
قوله: (و إنما اقتصر عليه) أي لم يذكر البشارة على تقدير الإيمان و كون الكفار أهلا للإنذار (دون البشارة) لا ينافي ذكر البشارة كما أن عدم كونهم أهلا للاستغفار لا ينافي ذكره في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ [المنافقون: 6] الآية فعدم التعرض لها صريحا و لو فهم بدلالة النص لما ذكره المصنف (لأنه أوقع في القلب و أشد تأثيرا في النفس من حيث إن دفع الضرر أهم من جلب النفع).
قوله: (فإذا لم ينفع فيهم كانت البشارة) بكسر الباء (بعدم النفع) متعلق (بأولى) ظاهر عبارته أنه اقتصر على الإنذار و لم يذكر معه البشارة لا أنه لم يقتصر على البشارة وحدها قوله: و إنما اقتصر عليه الخ يعني لم يقل أَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6] أم بشرتهم لأن الإنذار الذي هو التخويف من عذاب اللّه أوقع في القلب و أبلغ تأثيرا في النفوس.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 31
و قد اختار البعض ذلك و لا وجه له إذ عادة القرآن ذكرهما معا و الاقتصار على الإنذار في الأكثر و لما كان الجمع بينهما ظاهرا و الاقتصار على الإنذار خلاف الظاهر حاول بيان وجهه و الاقتصار على البشارة وحدها هنا مما لا يخطر بالبال.
قوله: (و قرىء أَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6] بتحقيق الهمزتين) التحقيق بالقافين المراد تحقيقهما من غير توسيط الألف بينهما و كذا المراد (و بتخفيف الثانية) تخفيفها من غير توسيط الألف بينهما ثم القارىء بالتحقيق هو ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي و القارىء بتخفيف الثانية و هي همزة الأفعال مع تحقيق الهمزة الأولى ابن كثير و نافع و أبي عمرو و هشام و لما كان تخفيف الهمزة على ثلاثة أوجه أشار إلى الوجه الأول بقوله (بين بين) أي بين الألف و الهمزة بين بين ظرف مكان مبهم و هما اسمان ركبا و بنيا على الفتح كخمسة عشر و جعلا اسما واحدا بتقدير بين التحقيق و الإبدال و بين الهمزة و الهاء و إلى الوجه الثاني من تخفيف الهمزة أشار بقوله (و قلبها) أي الهمزة الثانية (ألفا و هو لحن) أي خروج عن كلام العرب من وجهين الأول ما أشار إليه بقوله (لأن المتحركة) المفتوح ما قبلها (لا تقلب) ألفا و إنما هو تخفيفها بجعلها بين بين إذ القلب حال الهمزة الساكنة و الوجه الثاني ما أشار إليه بقوله (و لأنه يؤدي إلى جمع الساكنين على غير حدة) و تبع فيه الزمخشري لكنه لم يصب لأنه طعن في القراءة المتواترة كذا قيل و هذا بناء على أن معنى لحن خروج عن كلام العرب و أما إذا كان معناه خروجا عن أفصحية كلام العرب كما هو الظاهر فلا إشكال قال المصنف في سورة هود في قوله تعالى: وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ [هود: 81] و الأولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله و لا يلتفت مثله في قوله تعالى: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ [النساء: 66] و لا بدع في أن يكون أكثر «1» القراء على غير الأفصح انتهى. و كذا قوله: و قلبها ألفا لحن أي قلب الهمزة الثانية ألفا لحن أي في خروج من كلام العرب خروجين الأول أن قلب المتحرك الفا أخطأ في طريق تخفيف الهمزة المتحركة المفتوح ما قبلها فإن طريق تخفيفها جعلها بين بين و أما قلبها ألفا فهو طريق تخفيف الهمزة الساكنة المفتوح ما قبلها كهمزة رأس و الثاني الإقدام على جمع المساكين على غير حدة قال الطيبي فإن قلت هذا طعن فيما هو من القراءة السبعة الثابتة بالتواتر و هو كفر قلت ليس بكفر لأن التواتر ما نقل بين دفتي مصحف الإمام و هذا من قبيل الأداء و نحوه المد و الإمالة و تخفيف الهمزة بين بين قال صاحب الكواشي و في زعمه نظر لأن من قلب الهمزة ألفا يشبع الألف إشباعا زائدا على مقدار الألف الخارجة عادة ليكون الإشباع فاصلا بين الساكنين و هما الألف المقلوبة و النون و ذكر ابن الحاجب في وجه من قرأ محياي وصلا هذا المعنى الذي هو الإشباع الزائد الخارج عن العادة و قيل طريق التخفيف بالقلب ليس بخطأ لوقوعه في كلام البلغاء مثل لا هناك المرقع و سالت هذيل و الشاذ ليس بخارج عن كلامهم.
(1) و أجاب بعضهم بأن هذه القراءة من قبيل الأداء و رواية المصريين عن ورش و أهل بغداد يروون عنه التسهيل بين بين كما هو القياس فلا يكون الطعن فيها طعنا فيما هو من السبع المتواترة بل سلم كونه طعنا في السبع المتواترة فلا نسلم كونه ممنوعا على الإطلاق بناء على ما ذكره الشيخ ابن الجزري حيث-
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 32
الكلام هنا و قد سبق تحقيق ذلك البحث في سورة الفاتحة و الجواب عن الأول بأن المتحركة قد تقلب ألفا كما نقل عن القراء السبعة و ثبت في كلام الفصحاء كما في منسأته أنه قرىء منسأته بقلب همزة منسأته ألفا و كقول حسان رضي اللّه تعالى عنه. «سألت هذيل رسول اللّه فاحشة» «1» «ضلت هذيل بما قالت و لم تصب» لا يضر المصنف لأنه غير مشهور في ألسنة العرب و هذا معنى غير الأفصحية ألا يرى أن المصنف قال في أواخر سورة الإسراء في قوله تعالى: فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ [الإسراء: 101] و يؤيده قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فسأل على لفظ الماضي بغير همزة و هو لغة قريش انتهى. و لم يتعرض لكونه غير فصيح و لم يكن غافلا عن ذلك القلب لكنه أراد التنبيه على أن القراءة بعضها أفصح و بعضها فصيح و قد اعترف بذلك أئمة البلاغة في نفس النظم المعجز و الفصيح بالقياس إلى غير الفصيح يعد لحنا و ضعيفا و إن كان في نفسه فصيحا فاحفظ هذا البيان و ذر الذين يقولون ما لا يفهمون و كذا الجواب عن الثاني بأن من يقلبها ألفا يشبع الألف إشباعا زائدا على مقدار الألف ليكون فاصلا بين الساكنين و يقوم مقام الحركة كما في محياي بإسكان الياء و صلا لا يدفع الضعف بل يفيد جواز النطق أو سهولته بالساكنين و لا كلام فيه و إنما الكلام في عدم شهرته و لا يدفعه ذلك الجواب و لذهولهم عن مرام المصنف و تصريحه بمقصوده في بعض المواضع أجابوا عن ذلك بما هو بعيد بمراحل عما هنالك و ابعد جوابهم ما قيل بأن كل فرد من أفراد القراءة السبعة ليست بمتواترة انتهى «2» . فيلزم أن لا قوله: و قرىء بتحقيق الهمزتين الخ و في الكشاف و قرىء أَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6] بتحقيق الهمزتين و التخفيف أعرب و أكثر و بتخفيف الثانية بين بين.
قوله: أعرب أي دخل في العربية و المراد بالتخفيف في قوله و التخفيف أعرب إسقاط همزة الاستفهام و حذفها رأسا و في قوله و بتخفيف الثانية ما دون الإسقاط رأسا و هو جعلها بين بين قال شراح الكشاف قوله و التخفيف أعرب و أكثر اعتراض وقع بين المعطوف و المعطوف عليه قدم للاهتمام أقول المفهوم من كلامهم هذا أن مرتبة هذه الجملة المعترضة التأخر عن المعطوف لكن قدمت عليه للاهتمام و هذا ذهاب منهم إلى أن معنى قوله و التخفيف أعرب التخفيف بجعل الثانية بين بين أعرب و هذا ليس مراد صاحب الكشاف بل مراده و التخفيف بإسقاط إحديهما أعرب و أكثر في الاستعمال فرتبة هذا الاعتراض عقيب قوله بتحقيق الهمزتين لا ما بعد المعطوف يشهد بصدق ما ذكرنا دون من له وقوف تام على أخذ المعنى من أساليب الكلام.
- قال كل قراءة وافقت العربية و لو بوجه و وافقت المصاحف العثمانية و لو احتمالا و صح سندها و إن كان بغير التواتر فهي الأحرف السبعة التي نزل القرآن بها سواء كانت عن الأئمة السبعة أو عن غيرهم و قد يتوهم بعض الناس أن معنى الأحرف السبعة قراءة هؤلاء السبعة و ليس كذلك و قد قال بأن كل فرد من أفراد القراءات السبع ليست بمتواترة انتهى.
(1) قال أبو سعيد سألت هذيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يبيح لهم الزنى.
(2) اعلم أن القراءة السبع منها ما يختلف به خطوط المصاحف و هو المسمى بجوهر اللفظ نحو مالك و منها ما لا-
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 33
يكون الصلاة صحيحة بقراءة كل فرد من أفرادها و هو خلاف ما عليه الفقهاء و قد أشبعت الكلام في تحقيق هذا المرام بعون اللّه الملك العلام في سورة الفاتحة.
قوله: (و بتوسيط الألف بينهما) عطف على قوله بتحقيق الهمزة قوله (محققتين) حال أي حال كون الهمزتين محققتين معا لا الأول فقط و هذه قراءة قالون و هشام (و بتوسيطها) أي و قرىء بتوسط الألف بينهما حال كون الهمزة (و الثانية) فقط (بين بين) مع تحقيق الأولى (و بحذف الاستفهامية) أي و قرىء بحذف الهمزة الاستفهامية مع حركتها كما دل قوله: و بحذف الاستفهامية و بحذفها و إلقاء حركتها على الساكن قبلها و هو الميم في عليهم و في الكشاف و تحذف حروف الاستفهام و بحذفه و إلقاء حركته على الساكن قبله قال القطب أي قرىء بحذف حرف الاستفهام و إلقاء حركة الهمزة الأخرى على الساكن قبله فيقال عليهم أَ أَنْذَرْتَهُمْ كما قيل: قَدْ أَفْلَحَ [الأعلى: 14] و ليس معناه إلقاء حركة همزة الاستفهام على الساكن قبله حتى يقال عليهم ءانذرتهم لأنه ما قرأه أحد فالضمير في إلقاء حركته لا يرجع إلى حرف الاستفهام بل إلى الحرف الأخير فإن قلت لعل الآية حذف منها همزة الفعل أجيب بأن حذف همزة الماضي ليس يثبت بخلاف همزة الاستفهام أقول هذا التركيب على أي وجه يأول لا يخلو عن اضطراب فإنه إن رجع الضمائر في قوله و بحذفه و إلقاء حركته و قبله إلى حرف الاستفهام فإن ثبت همزة الفعل حينئذ يلزم الثقل مع أن هذه القراءة لم توجد من القراء و إن لم تثبت بأن كانت القراءة على حذفها فحذفت همزة الاستفهام و ألقيت حركتها إلى الساكن قبلها فهذا ليس بثبت فإنه قد ثبت جواز حذف همزة الاستفهام و أما حذف همزة الفعل في الماضي فبعيد إذ لم يثبت ذلك في لغة العرب و إن رجع الضمائر إلى الحرف الأخير على ما ذهب إليه القطب ففيه تفكيك النظم و الإضمار قبل الذكر و الارتكاب لما لا دلالة عليه من اللفظ فأقول الضمائر كلها إلى حرفي الاستفهام فح يكون عليهم اانذرتهم ثم وصل الميم المفتوحة إلى نون انذرتهم بحذف الف القطع مع فتحها و هو همزة أفعل و هذا جائز عند القراء كحذف همزة أنعمت عليهم عند الوصل بعد نون صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] مع أن النون مفتوحة من الأصل لا ينقل همزة أنعمت إليها و شراح الكشاف توهموا من تمثيله بقد افلح أن همزة ميم عليهم هي التي نقلت من همزة افعل و هي همزة انذرتهم فوقعوا في الحيرة و الأمر مشكوك قال ابن جني حذف الهمزة قراءة ابن محيصن و هو للتخفيف كراهة اجتماع الهمزة و القرينة مجيء أم و قد تحذف في غير موضع منه بيت الكتاب:
لعمري ما أدري و إن كنت داريا
بسبع رمين الجمر أم بثمان
أي ابسبع فالقراءة بتحقيق الهمزتين لابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي و بتخفيف الثانية بين بين لابن كثير و نافع و أبي عمرو و هشام و ورش يبدلها ألفا و القياس أن تكون بين بين و ابن كثير لا
- تختلف به و هو المسمى بالهيئة و قبيل الأداء كالإمالة و تخفيف الهمزة و التفخيم و نحوها فقيل كلها متواترة لأنها لو لم تكن متواترة لزم أن يكون بعض القرآن غير متواتر و اللازم باطل كذا في المرآة و في شرح مختصر الأصول القراءات السبع منها ما هو من قبيل الهيئة كالمد و اللين و الإمالة و تخفيف الهمزة و نحوها و ذلك لا يجب تواتره انتهى و لا يخفى ضعفه إذ لو لم يجب تواتره فبأي طريق ارتقى عدده إلى السبع و القول بأن ذلك يتحقق باختلاف جوهر اللفظ نحو مالك و ملك و هذا متواتر بعيد إذ بمجرد ذلك لا يرتقي إلى السبع فالصواب ما نقلناه أولا و الجواب الذي ذكرناه من قبل المص مغن عن مثل هذا القول الواهي.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 34
عليه قوله (و بحذفها و إلقاء حركتها على الساكن قبلها) الضمير المجرور في حذفها و حركتها راجع إلى الهمزة الاستفهامية لأنها المذكورة فيما سبق و لأن همزة الأفعال لم يثبت حذفها في الماضي فيكون ميم عليهم مفتوحة و أنذرتهم بفتح همزة الأفعال ذكر الإمام أبو شامة في شرح الشاطبية نقلا عن الإمام ابن مهران أن الهمزة الواقعة بعد ميم الجمع فيها ثلاثة مذاهب نقل حركة الهمزة إليها مطلقا فتضم تارة و تفتح أخرى و تكسر تارة و إنها تضم مطلقا لأنها حركته الأصلية و إن حركة الهمزة إن كانت ضمة أو كسرة تنقل إلى الميم قبلها دون الفتحة لئلا يشتبه اللفظ بالتثنية و به يندفع قول شراح الكشاف أنه غير مروية عن أحد غايته أن هذه القراءة من الشواذ قال قدس سره هذه القراءة و التي بعدها من الشواذ و الباقية متواترة و إنما جعل المحذوف همزة الاستفهام لكثرة حذفها انتهى. و أراد بالباقية قراءات الخمس من السبع و هي تحقيق الهمزتين بتوسيط ألف بينهما و بغير توسيطها و تخفيف الثانية بتوسيط الألف و بغير توسيطها و قلب الثانية ألفا و هي لورش في رواية المصريين و أصحابه البغداديون رووا عنه تسهيلها بين بين بلا إدخال ألف الفصل بينهما أي بين الهمزتين في كلتا الروايتين هكذا محرر لبعض أرباب الحواشي.
قوله: (جملة مفسرة) و هي الفضلة الكاشفة لحقيقة ما تليه كما في المغني أو جملة مبينة لجملة سابقة أو لبعض مفرداتها و هذا توضيح ما في المغني (لإجمال ما قبلها) ظرف مستقر تعليل لصحة كونها مفسرة بل علة موجبة لكونها مفسرة أن ثم إجمالية ما قبلها لكن فيه نظر ظاهر يعرف من توضيح ما سبق لأن كفرهم و عدم نفع الإنذار على الدوام لكون الماضي بمعنى المضارع عدل عنه إليه لتحقق و قوعه كما أشار إليه المصنف بقوله لما فيه من إيهام التجدد الذي هو من أحوال المستقبل فالحكم عليهم باستواء الأمرين عندهم ليس بمجمل (فيما) حق (فيه الاستواء) بل واضح إن ما فيه الاستواء عدم إيمانهم و إصرارهم على الكفر و الاعتذار بأن هذا بالنظر إلى مفهوم اللفظ نفسه مع قطع النظر عن كونه في مقام الإخبار عن الكفار فإنه إذا لوحظ لا يبقى الإجمال ليس بشيء لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة: 6] الآية كيف يقطع النظر عن المصرح به و كذا القول بأن كفرهم و عدم الإنذار في الماضي بحسب الظاهر مسكوت فيه عن الاستمرار و الدوام ضعيف لما عرفت من أن الماضي بمعنى المضارع على ما فهم من كلامه و احتمال الظاهر هنا غير مفيد إذ حمل المص على خلافه و أيضا الماضي الواقع صلة منسلخ عن الماضوية فكون كفرهم في الماضي ممنوعا على أن عدم نفع الإنذار في الماضي إخباره هنا ليس له كثير فائدة بل عار عنها و من هذا سكت عن كون هذه الجملة مفسرة صاحب الكشاف و جوز أن يكون لإجمال يدخل بينهما ألفا و قالون و هشام يدخلالها و القراءة بحذف حرف الاستفهام و بحذفه و إلقاء حركته على الساكن قبله قراءتان شاذتان.
قوله: جملة مفسرة لإجمال ما قبلها فإن التسجيل عليهم بأنه لا ينفعهم الدعوة و الحكم عليهم بأنهم لا يؤمنون بشيء واحد و الفرق بالإجمال و التبيين.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 35
متعلقا بمفسرة و لا ضير فيه لأن فيه إشعارا بالعلية أيضا و الإجمال لغة الإتيان مجملة غير مفصلة و قد يستعمل في الفعل الجميل.
قوله: (فلا محل لها) من الإعراب لأنها عدت من الجمل السبع التي جعلها النحاة مما لا محل لها من الإعراب نقل عن السيد قدس سره أنه قال لها محل من الإعراب إذا جعلت بيانا للجملة و أجريت مجرى التوابع انتهى. أشار إلى أن لها محلا من الإعراب إذا أجريت مجرى التوابع بجعلها كعطف البيان و إلا فلا محل لها فلا عجب في كلا الاعتبارين.
قوله: (أو حال مؤكدة) للجملة التي قبلها و هو الاحتمال الذي اختاره الزمخشري إذ ما قبلها هو الإخبار عن الكفار بعدم نفع الإنذار لهم و هو عين معنى لا يؤمنون فإن لا يؤمنون لدوام النفي لا لنفي الدوام فتكون مقررة لما قبلها و قد اشترط النحاة فيها الوقوع بعد جملة اسمية طرفاها معرفتان جامدان و عاملها محذوف أبدا و قد يراد بها ما يؤكد شيئا ما قبله و هو المراد هنا إن أريد بالجملة الجملة الكبرى و إلا فهو مؤكد للجملة الصغرى نفسها و ذو الحال ضمير عليهم أو أنذرتهم و هو الظاهر من وجهين.
قوله: (أو بدل منه) أي بدل الكل من الكل فحينئذ لا يكون ما قبلها مقصودا بالنسبة و هو بعيد و لذا لم يتعرض له صاحب الكشاف إلا أن يقال كون المبدل منه في حكم السقوط ليس بكلي فحينئذ يكون مآله معنى التأكيد و التغيير في العبارة فقط.
قوله: (أو خبر إن) أي خبر إن الذين كفروا و فائدة الخبر بما ذكرناه من أن المراد بلا قوله: أو حال مؤكدة فذو الحال الضمير المجرور في عليهم المعنى مستو عليهم انذارك و عدم انذارك حال كونهم غير مؤمنين بالكتاب الذي انذرتهم به و جعله حالا مؤكدة لما أن مضموني الجملتين أمر واحد مآلا لورود الثانية على طريقة عطوفا في قولك زيد أبوك عطوفا فإن الحكم على زيد بأبوة المخاطب و وصفه بعطوفا كلاهما من واد واحد في المعنى و مضمون الحال صفة لصاحبها بمعنى أنه معنى قائم به.
قوله: أو خبر أن و الجملة قبلها اعتراض و في الكشاف لا يؤمنون إما أن يكون جملة مؤكدة للجملة قبلها أو خبرا لأن و الجملة قبلها اعتراض و الاعتراض أن يؤتى في أثناء كلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب للتأكيد كما في قوله تعالى: وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ [النحل: 57] و قول الشاعر:
إن الثمانين و بلغتها
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
قال الشريف الجرجاني رحمه اللّه جعل لا يُؤْمِنُونَ تأكيدا أو بيانا للاستواء في عدم الاجداء أولى من أن يجعل خبرا و ما قبله اعتراضا لأن ما تقدم أقوى و أظهر منه في إفادة ما سيق له الكلام فالحري أن تكون عمدة فيه لا معترضة ليستغني عنها أقول في قوله لأن ما قدمه أقوى و أظهر منه في إفادة ما سيق له الكلام نظر لأنه إن أراد بما سيق له الكلام وصف الكتاب و أن من شأنه كيت و كيت فكما أن في الحكم على المصممين على الكفر ادماجا لوصف الكتاب بأنه لا يجدي عليهم كذلك جملة لا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6] حاكمة عليهم بأنهم ينكرون الكتاب غير
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 36
يؤمنون دوام النفي فلا وجه للإشكال بأن المعنى حينئذ إن الذين كفروا كافرون فيكون المعنى إن الذين كفروا لا يؤمنون أبدا على أن المراد بالموصول إما المعهودون أو المصرون على الكفر منهم إن أريد به الجنس (و الجملة قبلها اعتراض) و هي قوله تعالى:
سَواءٌ عَلَيْهِمْ الآية أشار إلى رجحان كونه جملة و إن أخره هناك أو إلى صحة كونه اعتراضا فإن الاعتراض أن يؤتى في أثناء كلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لنكتة سوى دفع الإبهام هذا عند الجمهور و بعضهم جوز كونه مفردا فينتظم الوجه الأول في سَواءٌ عَلَيْهِمْ [البقرة: 6] أيضا قوله (بما هو علة الحكم) بيان نكتة الاعتراض المراد بالعلة علة غائية و ختم اللّه تعالى علة لمية و الحكم عدم إيمانهم على الاستمرار فحينئذ يثبت الحكم من أول الأمر معللا فيكون له في النفس استقرار تام فبهذا الاعتبار ينبغي أن يكون راجحا لكن أخره لأن جملة سواء أقوى من هذه الجملة في إفادة ما سيق له الكلام فبالحري أن تكون عمدة فيه لا معترضة مستغنى عنها كذا نقل عنه قدس سره و أنت خبير بأن الكلام محمول على دوام النفي كما ذكر آنفا فهذه الجملة أصرح في إفادة ما سيق له الكلام و القول بأن الأولى تفيد كون عدم إيمانهم بالكتاب ناشئا من قصور في أنفسهم و هو استواء الإنذار و عدمه عليهم و قساوة قلوبهم لا من قصور في الكتاب بخلاف الثانية فإنها تفيد عدم إيمانهم فقط فتكون الجملة الأولى أقوى ضعيف لأن حال العلة مع الحكم كذلك في كل موضع فيلزم أن تكون العلة أقوى من الحكم مطلقا و لم يتعرض المصنف لكونه خبرا بعد خبر لأنه مما اختلف فيه بلا عطف فالوجوه على ما ذكره أربعة و أحسنها التأكيد ثم الخبرية و قد ظهر وجهه فيما سبق و من هذا اكتفى الزمخشري بها.