کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 140
لدفع ضرر فهو عين ما قاله القيل و ما نقله عن الغزالي و النووي يؤيد ذلك بل مصرح في موضعه إن الكذب حرام في جميع الأديان غايته أنه قد يكون جائزا لضرورة كأكل الميتة و لحم الخنزير فإنه جائز لوقت الاضطرار فهل يمكن لأحد أن يقول أكل الميتة مثلا قد يكون حراما و قد يكون جائزا حتى يكون واجبا من حيث ذاته فما معنى قوله إن هذا القول وهم على وهم مع أنه در على حرير و هذا أمر يتحير منه العاقل النحرير و أيضا قوله مبني على الاعتزال خروج عن الاعتدال لأن المصنف و جميع أهل السنة يحكمون على قبح الكذب بحكم الشرع و المعتزلة يحكمونه بالعقل فمن أين يعرف من حكمه بقبحه و حرمته أنه بني على مذهب المعتزلة و لا أعرف خلافا فيما ذكرناه من أن الكذب حرام من حيث ذاته بلا عارض مبيح له و جائز عند مساس الحاجة كبعض سائر المحرمات و قوله و ما روي أن إبراهيم عليه السّلام الخ فيه إشارة إلى أن المعاريض حين أبيح الكذب أولى من صريح الكذب و من ههنا قيل إن المعاريض لمندوحة عن الكذب مع التنبيه على جواز الكذب وقت الضرورة.
قوله: (لأنه علل به استحقاق العذاب حيث رتب عليه) و هذا إشارة إلى اختيار كون الباء في بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة: 10] للسببية إذ انفهام التعليل من كونها للبدلية مشكل و هذا ظاهر على قراءة عاصم و حمزة و الكسائي و أما على قراءة الباقين بناء على أنهم كاذبون في تكذيبهم هذا إذ لولاه لما علل استحقاق العذاب بالكذب و أما الحال في كثرة كذبهم فخال عن الإشكال و أما ترددهم في الدين و تحيرهم فراجع إلى التكذيب كما لا يخفى على اللبيب و هذا إشارة إلى ما ذكره صاحب الكشاف و تخييل أن العذاب لا حق بهم من أجل كذبهم و نحوه قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا [نوح: 25] الآية الخ و فيه تحريض للمؤمنين على ما هم عليه من الصدق و التصديق بسبب أن ترتب العذاب على الكذب دون النفاق الذي هو أخبث الكفر تغليظ اسم الكذب و بيان كمال سماجته و فيه مبالغة في الزجر عنه و ترغيب إلى الانزجار و ضمير رتب عليه راجع إلى الكذب المذكور و هو كذب الرسول عليه السّلام و هو أعظم أنواع الكذب قبحا بعد الكذب على اللّه تعالى و على رسوله عليه السّلام و فهم قبح سائر الكذب ما لم تمس الحاجة إليه و لهذا قال المصنف و هو حرام كله مع أن ترتب العذاب على كذبهم على الرسول عليه السّلام و نفاقهم و المراد بترتبه عليه أنه مسبب عنه.
قوله: (و ما روي أن إبراهيم عليه السّلام) جواب سؤال مقدر بأن الكذب لو كان قوله: علل به استحقاق العذاب لم يقل ثبوت العذاب مع أن معنى قوله: وَ لَهُمْ عَذابٌ [البقرة: 7] بثبوت العذاب لهم لأن العذاب الأليم ليس ثابتا لهم وقت الإخبار به بل ذلك في الآخرة و إنما لهم في هذه النشأة الأولى استحقاق العذاب و هذا هو المعنى بقوله في تفسير وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 10] وعيد و بيان لما يستحقونه.
قوله: و ما روي أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات الخ هذا جواب لما عسى يسأل و يقال إذا كان الكذب كله حراما فكيف كذب إبراهيم كذبات ثلاثة الأولى قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89]
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 141
حراما كله لما صدر عن إبراهيم عليه السّلام الكذب لكنه صدر عنه لقوله عليه السّلام إن إبراهيم عليه السّلام «1» الخ فلا يكون حراما كله فأجاب بأن ما صدر منه لا نسلم كونه كذبا بل المراد التعريض و هو أن يشار في الكلام إلى جانب و الغرض منه الجانب الآخر و لما كاد أن يعترض عليه بأنه لو كان التعريض لما أطلق عليه الرسول عليه السّلام الكذب أجاب بأنه لما شابه الكذب في الصورة سمي به استعارة.
قوله: (كذب ثلث كذبات فالمراد التعريض) و هي قوله في الكوكب هذا رَبِّي [الأنعام: 76] و قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: 63] و قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] وجه التعريض في الأول هو أن قوله: هذا رَبِّي [الأنعام: 76] على سبيل الوضع فإن المستدل على فساد قول يحكيه على ما يقوله الخصم ثم يكر عليه و ثانيها قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: 63] و ثالثها قوله لملك الشام حين سأل عن سارة هذه أختي و قيل الكذبات الثلاث قوله في ثلاث مواضع هذا رَبِّي [الأنعام: 76] و تقرير الجواب أنها و إن كانت في صورة الكذب لكنها ليست كذبات في الحقيقة و إنما هي تعاريض فسمي التعريض باسم الكذب مجازا مستعارا من حيث إن علاقته بين المعنى الحقيقي و المجازي التشبيه و أما قوله:
إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] فلأنه أوهمهم بأمارة على النجوم أنه سيسقم ليتركوه عن الذهاب معهم إلى عيد لهم حتى يخلوا سبيله فيكسر أصنامهم أو أنه سيسقم لما يجد من الغيظ و الحنق باتخاذهم النجوم آلهة و أما قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: 63] فلأن هذا الكلام على الفرض و التقدير على سبيل الإلزام كأنه قال لو كان الها معبودا وجب أن يكون قادرا على أن يفعله فإذا لم يكن قادرا عليه يكون عاجزا و العاجز بمعزل عن الألوهية و استحقاق العبادة فكيف حالكم في العكوف عليه و أما قوله (هذه أختي) فلأن المراد منه الأخوة في الدين يريد أنها أختي في الدين و غرضه منه تخليصها من يد الظالم لأن من دين ذلك الملك الذي يتدين به في الأحكام المتعلقة بالسياسة أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج لأن من دينه أن المرأة إذا اختارت الزوج فالسلطان أحق بها من زوجها و أما اللاتي لا أزواج لهن فلا سبيل له عليهن إلا إذا رضين و أما قوله: هذا رَبِّي [الأنعام: 76] فلأنه من باب الاستدراج و هو إرخاء العنان مع الخصم في المجاورات و هو نوع من التعريض لأن الغرض منه حكاية قولهم و التعريض مشتق من العرض بالضم بمعنى الجانب و في مقامات التعريض المصطلح عليه إمالة الكلام إلى جانب آخر غير الجانب المتبادر من حاق الكلام و أقول في تسمية مثل هذه الكذبات باسم التعريض نظر لأن قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] مجاز مرسل كلفظ الخمر المستعمل في العصير باعتبار أن مآل العصير إلى الخمر عادة و التعريض من أقسام الكناية و المجاز ينافي الكناية فإن المجاز ينافي إرادة الحقيقة و الكناية لا تنافيها و قوله (هذه أختي) ايهام و تشبيه بليغ مثل زيد أسد فالوجه أن يراد بالتعريض هنا التعريض اللغوي معناه بالفارسية توشيدة كفتن و هو معنى عام متناول للمجاز و الإيهام و التشبيه البليغ.
(1) إشارة إلى ما روي في الصحيحين و غيرهما و روى الترمذي في حديث الشفاعة أنهم يأتون إبراهيم عليه السّلام فيقولون له اشفع لنا فيقول ليست لنا إني كذبت ثلث كذبات ثم قال عليه السّلام في رواية جادل بها عن دين اللّه تعالى.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 142
بالإفساد كذا بينه المصنف هناك و الحاصل أنه عليه السّلام تكلم على زعم الخصماء المشركين لبيان فساد اعتقادهم بالبراهين لكن ظاهره أنه تكلم من قبله فيكون تعريضا على صورة الكذب لما عرفت من أن التعريض أن يشار في الكلام الخ و هنا كذلك و وجه التعريض في قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: 63] هو أنه أسند الفعل إليه تجوزا لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له سبب لمباشرته له أو تقرير لنفسه عليه السّلام مع الاستهزاء و التبكيت على أسلوب تعريضي كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق أأنت كتبت فقلت بل كتبته كذا قاله المصنف في تفسير هذه الآية فيكون كناية تعريضية و وجه التعريض في قوله إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] أنه أراد به إني سقيم القلب لكفركم أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا قل من يخلو عنه فهو كما قبله تعريض في صورة الكذب لكن في الأخير التعريض لغوي أعني ما يقابل التصريح و التصريح أن يكون اللفظ نصا في معناه لا يحتمل معنى آخر احتمالا معتدا به و التعريض خلافه و هو أن يكون اللفظ محتملا لمعنيين سواء كانا حقيقيين كما في إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] على احتمال إرادة خارج المزاج عن الاعتدال في الجملة أولا و البعض يدعي أن المراد بالتعريض هنا المعنى اللغوي لكن الأولى الإطلاق لغويا كان أو اصطلاحيا كما ظهر لك مما قررناه فإن قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: 63] كناية تعريضية على الوجه الثاني من الوجهين المذكورين هنا و في بعض قوله عليه السّلام للملك في جواب سؤاله عن امرأته سارة رضي اللّه تعالى عنها هي أختي حين أراد غصبها لفرط جمالها و كان من طريق السياسة التعرض لذوات الأزواج دون غيرهن بدون رضاهن وجه التعريض حينئذ هو أنه أراد أنها أختي في الدين و هو تعرض لغوي في صورة الكذب و الحديث بطوله مذكور في كتب الحديث.
قوله: (و لكن لما شابه الكذب في صورته سمي به) مشابهتها لكذب من حيث كونها في الظاهر إخبارا غير مطابق للواقع و في الحقيقة أخبار «1» مطابق للواقع كما فصلناه آنفا فقول الخليل عليه السّلام يوم القيامة إني كذبت أستحي من أن أقوم شافعا لأن هذه الكذبات الثلاث و لو كانت معاريض لكنها لما كانت في صورة الكذب عد ذلك ذنبا لعلو مقامه و قربه إلى اللّه تعالى و من هنا قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين الأحرار فاللائق بعلو منصبه أن يحترز عما هو ظاهره يرى كذبا و إن ترتب عليه ضرر بالنسبة إلى آحاد الأمة ثقة بعصمة اللّه تعالى و حمايته فالمناسب مبارزة أعدائه بالمكروه بذلا لنفسه في سبيل اللّه
(1) فعلم منه أن الظاهر المعتبر في كون الخبر صادقا أو كاذبا ما قصده المتكلم قصدا جاريا على قانون التكلم لا ما ظهر من كلامه و لذلك لا تعد المعاريض كذبا لما ورد في أن المعاريض لمندوحة عن الكذب قيل فحينئذ لا بد فيها من قرينة على المراد و إن كانت خفية لأنها الفارقة بين الكذب كما صرح به السكاكي إلا أن قول الزمخشري في سورة الصافات أن الكذب حرام إلا إذا عرض ظاهر في أنه من الكذب المستثنى إلا أن يجعل منقطعا انتهى قوله لا بد فيها من قرينة الخ أن أراد بذلك أنه لا بد منها بالنسبة إلى كل شخص فتفوت فائدة التعريض في بعض المواضع بل في كل موضع و إن أراد بذلك بالنسبة إلى شخص لم يكن التعريض لأجله فغير مفيد و الظاهر من كلامهم أن القرينة لا تنصب في المعاريض كالأكاذيب فتدبر.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 143
تعالى أو دخولا في حفظ حصن اللّه تعالى قال المص في سورة البقرة في قصة آدم عليه السّلام و عوتب آدم عليه السّلام بترك التحفظ عن أسباب النسيان و لعله و إن حط النسيان عن الأمة لم يحط عن الأنبياء عليهم السّلام لعظم قدرهم كما قال عليه السّلام أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل انتهى فانكشف منه جواب آخر و هو أن المعاريض و إن حطت عن الأمة لم تحط عن الأنبياء عليهم السّلام لكنها ليست منافية للعصمة لعدم كونها كذبا في الحقيقة و لهذا قال إبراهيم عليه السّلام إني كذبت ثلاث كذبات يعني أنه صدر مني ثلاثة معاريض هي في شأننا كالكذب الحقيقي في حق الأمة فاستحى إن لقوم شافعا في فصل القضاء و عيسى روح اللّه يستحي من أن يقوم شافعا بالشفاعة المذكورة من قول النصارى إنه ابن اللّه و قول الآخرين منهم إن اللّه هو المسيح ابن مريم فمن تأمل فيه يعرف أن الأنبياء عليهم السّلام لهم خشية إجلال من الملك المتعال خشية عظيمة لأجل وقوع أمور حقيرة بل جائزة لكل آحاد من الأمة.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 11]
وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
قوله: (عطف على يَكْذِبُونَ [البقرة: 10]) فيكون منصوب المحل لعطفها على قوله: عطف على يَكْذِبُونَ [البقرة: 10] أو يقول فعلى الأول يكون المعنى و لهم عذاب أليم بسبب تخصيصهم أنفسهم بالاصلاح وقت نهيهم عن الإفساد في الأرض مع أنهم بمعزل من الصلاح فكيف عن الاصلاح فضلا عن أن يكونوا مقصورين على الاصلاح المدلول عليه بقولهم إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة: 11] فإنه لو قلت لهم عذاب أليم بما كانوا إذا قيل لهم: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ [البقرة: 11] قالوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة: 11] كان المعنى صحيحا و على الثاني و من الناس من إذا قيل لهم لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ [البقرة: 11] الآية قال صاحب الكشاف و الأول أي عطفه على يَكْذِبُونَ [البقرة: 10] أوجه قال صاحب التقريب إنما كان أوجه لأنه أقرب و ليفيد تسببه للعذاب و قال الطيبي و ليؤذن أن صفة الفساد يحترز منها لقبحها كما يتحرز عن الكذب و أقول المقابل للمعطوف عليه من جانب المعطوف ليس مضمون متعلق الشرط بل مضمون الجملة الشرطية و هو قولهم: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة: 11] حين ما نهوا عن الإفساد بلا تفسدوا فيكون القبيح المحترز عنه قولهم ذلك وقت النهي لأنه هو الواقع في معرض السبب للعذاب لا الإفساد ثم قال الطيبي و يمكن أن ينصر القول الثاني بأن يقال إن في العطف على يَقُولُ آمَنَّا [البقرة: 8] تصييرا للآيات على سنن تعديد قبائحهم كما ذكر صاحب الكشاف نعى عليهم فيها خبثهم و نكرهم و لا شك أن قوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة: 10] الآية متعلق بقوله: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ [البقرة: 9] على سبيل التعليل فإذا عطف على يَكْذِبُونَ [البقرة: 10] يكون تابعا للتابع فإذا عطف على يَقُولُ [البقرة: 8] كان مستقلا مثله مذيلا بقوله: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة: 12] كما ذيلت الآيات السابقة.
و اللاحقة و من ثمة فضل قول المتنبي:
إذا كان مدحا فالنسيب المقدم
أكل فصيح قال شعرا متيم
على قوله:
مغاني الشعب طيبا في المغاني
بمنزلة الربيع من الزمان
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 144
خبر كان و قد عرفت إن لفظة ما في بِما كانُوا [البقرة: 10] المصدرية لا الموصولة لما مر و اعترض عليه أبو حيان بأنه على الموصولية خطأ لعدم العائد على ما مر في تلك الجملة فيصير التقدير و لهم عذاب أليم بالذي كانوا وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ الآية و هو كلام غير منتظم و كذا على المصدرية على القول باسميتها و اما على مذهب الجمهور فهو سائغ و قيل عليه إن لزوم الضمير غير مسلم و إن النحاة لم يذكروا وصل ما المصدرية بالجملة الشرطية فتأمل كذا نقله البعض قال المص في قوله إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32] و قيل أنت تأكيد للكاف كما في قولك مررت بك أنت و إن لم يجز مررت بانت إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع و لذلك جازيا هذا الرجل و لم يجزيا الرجل انتهى فعدم العائد و إن لم يجز في المتبوع لكنه يجوز في التابع و لعل هذا مراد من قال إن لزوم الضمير هنا غير مسلم و أيضا يندفع به إشكال إن النحاة لم يذكروا وصل ما المصدرية بالجملة الشرطية على إن عدم الذكر لا يدل على العدم مع أن الاستقراء التام مشكل و الاستقراء الناقص غير مفيد و لعل لهذا قال فتأمل و كفى شاهدا بقول الزمخشري فإنه من الأئمة العربية و إذا خلصت الماضي للاستقبال فلذا حسن عطف الماضي على المضارع لكونه بمعنى المستقبل.
قوله: (أو يقول) أي أو عطف على يقول فحينئذ لا محل لهذه الجملة لعطفها على الصلة و المعنى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا الآية وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا الآية و ما بينهما جملة معترضة و نكتتها تعداد منشأ قبائحهم معطوف عليه «1» و من ههنا لم يقبح طول الفصل بين المتعاطفين و تأخير هذا الاحتمال يشعر بأن الأول أرجح و قد صرح في الكشاف أن الوجه الأوّل أوجه وجه الأرجحية قربه إما لفظا فظاهر و إما معنى فلإفادته تسبب الفساد للعذاب أو بدله «2» لا سيما مع انضمام دعوى الإصلاح ورد الناصح على وجه الحصر فإنه كذب آخر غير الكذب المذكور على ما اختاره المصنف إذ تصوير الإفساد بالإصلاح إفك عظيم و لخلوه عن تخلل البيان أو الاستئناف و ما يتعلق به بين أجزاء الصلة أو الصفة و إن لم يكن أجنبيا مخلا بالفصاحة كما أشرنا من أنه من تتمة المعطوف عليه لكن متى ساغ احتمال آخر خال عن ذلك بحسن الميل إليه و وجه إفادته لتسبب الفساد للعذاب إنه ح داخل في حيز لأن المصراع الأول في البيت الأول مستقل بجنسه بخلافه في الثاني و أيضا إذا ترتب إيجاب العذاب على الكذب وحده ليكون سببا مستقلا و استوجب هذا القول عذابا آخر افظع منه لاطلاقه كان أبسط الكلام و أشرح سيما المقام يقتضي الاطناب.
قوله: لأن الآية الخ متعلقة بأراد تعليلا له فإنه لو لا أول بهذا التأويل و حملت الرواية على ظاهرها لخالفت رجوع الضمير المجرور في لَهُمْ للمنافقين المذكورين في الآيات السابقة فإن رجوعه إليهم يدل دلالة ظاهرة على أن أهل هذه الآية قد اتوا.
(1) فيدل على قبح الفساد الذي يعم كل ضار و يجب الاحتراز عنه فيدخل فيه الكذب دخولا أوليا.
(2) و الأول ناظر إلى كون الباء للسببية و الثاني إلى البدلية.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 145
صلة الموصول الواقع سبب أو بدلا «1» إذ المعنى في قولهم إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ادعاء أن ما صدر منا صلاح لا فساد و هذا الادعاء إنما يكون مذموما مؤديا إلى العذاب حين ادعوا ذلك إذا افسدوا ففي الحقيقة سبب العذاب الفساد ألا يرى أن هذا القول: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ليس قبيحا في نفسه إذا وافق الواقع و هنا ليس كذلك كما عرفت «2» فلا وجه لما قاله مولانا خسرو من أن العطف على يكذبون يقتضي أن يكون المعنى و لهم عذاب أليم بقوله تعالى إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ و إذا قيل لهم: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ فيفيد تسبب هذا القول للعذاب لا تسبب الفساد له و لا وجه أيضا لما قيل إنه لا دلالة له على تسبب الفساد بل على تسبب الكذب و هو قوله تعالى: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ انتهى فإنه لما كان قوله لهم: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ كاذبا علم أنهم أهل فساد فيكون حينئذ دالا على تسبب الفساد و لا يعتبر كون هذا القول سببا للعذاب لأجل كذبه فإن سببية الكذب مستفادة من المعطوف عليه و التخصيص بكذب الرسول عليه السّلام من مقتضيات المقام و أيضا اعتبار كونه كذبا و أنه سبب العذاب يقتضي كونه تأكيدا لا يليق عطفه و عطف التفسير بالواو في الجمل خلاف الظاهر و قد يرجح الثاني بكون الآيات حينئذ على نمط تعداد قبائحهم و إفادتها اتصافهم بكل من تلك الأوصاف استقلالا و قصدا و دلالتها على لحوق العذاب الأليم بسبب كذبهم الذي هو أدنى أحوالهم في كفرهم و نفاقهم فما ظنك بسائرها و الاعتراض عليه بأن هذا مناف لما قدم قبله من قوله إنه جعل عذابهم مسببا لكذبهم رمزا إلى قبح الكذب حيث خص بالذكر من بين جهات استحقاقهم إياه مع كثرتهم و فيه تخييل إن لحوق العذاب بهم إنما كان لأجل كذبهم نظرا إلى ظاهر العبارة المقتصرة على ذكره مدفوع بأن للكذب جهتين الأولى إن الكذب من حيث كونه خبرا غير مطابق للواقع فهو أدنى أحوالهم و من حيث كونه كذبا للرسول عليه السّلام بقولهم أو إذا خلوا إلى شياطينهم فهو عين النفاق فهو أشنع أحوالهم و أقبح جهات استحقاقهم العذاب من المخادعة و إذاعة أسرار المؤمنين إلى منابذيهم إلى غير ذلك من الأغراض الفاسدة فنظر إلى ظاهر النظم و هو مطلق الكذب فأطلق عليه أنه أدنى أوصافهم و نظر إلى المراد و أطلق عليه أنه أشنع أحوالهم و ساق بعض «3» الشارحين نكتة لرجحانية الثاني بأن قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا [البقرة: 13] الآية و قوله تعالى:
وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 14] الآية معطوف على قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا [البقرة: 11] الآية فلو عطف على يَكْذِبُونَ [البقرة: 10] كانا أيضا معطوفين عليه فيدخلان في سبب العذاب فتنفي فائدة اختصاص الكذب بالذكر المبني عليه و قد
(1) أن حمل الباء على السببية إن حملت الباء على البدل.
(2) و بهذا التقرير يندفع إشكال آخر و هو أنه إذا عطف و إذا قيل لهم لا تفسدوا اعلى يكذبون كان قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا [البقرة: 13] و قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ [البقرة: 14] الآية داخلان في سبب العذاب لكونهما معطوفين على و إذا قيل لهم لا تفسدوا فينتفي فائدة اختصاص الكذب بالذكر المبني عليه على ما مر.
(3) و هو الرازي من شراح الكشاف كذا قيل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 146
عرفت مما ذكرناه اندفاع ذلك بأن قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا [البقرة: 13] الآية و قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 14] و إن كانا كذبا «1» أيضا لكن لا التفات إلى كونهما كذبا بمعونة العطف بل المعتبر فيهما الإفساد في الأولى و استهزاء عظماء المسلمين في الثانية و ستجيء الإشارة من المصنف إلى ما ذكرناه على أن الكذب المختص بالذكر أعظم الكذب فردا و هو كذب الرسول عليه السّلام إما بقلوبهم فقط أو بألسنتهم أيضا في الخلوة مع نظرائهم و شياطينهم و الكذب المستفاد من هذين القولين نوع آخر منه غير الكذب المختص بالذكر فلا تنتفي فائدة الاختصاص.
قوله: (و ما روي عن سلمان أن أهل هذه الآية لم يأتوا) جواب سؤال مقدر بأن المص حمل الكذب على كذب المنافقين في زمن الرسول عليه السّلام فأهل هذه الآية هم الحاضرون مع أن ما روي عن سلمان خلافه و المراد به سلمان الفارسي صحابي مشهور كما أخرجه الجريري و كذا تأويله الذي ذكره المصنف كما قيل قوله (بعد) مبني على الضم و المراد بأهل هذه الآية من وصف بالمذكور في هذه الآية فالإضافة لأدنى ملابسة مجازا.
قوله: (فلعله أراد به أن أهله ليس الذين كانوا فقط بل و سيكون من بعد من حاله حالهم لأن الآية متصلة بما قبلها بالضمير الذي فيها) عبر به لعدم جزمه بذلك كما قيل إن عادة المصنف أن يعبر بلعل عما لم يجزم به لا لما هو من نتائج قريحته كما يريد غيره بهذه العبارة أو عبر به فإن من عادة العظماء و الملوك عدم الجزم مع أن المقام مقام الجزم و تفسير بعد بأنه بعد هؤلاء أو بعد زمانه عليه السّلام ضعيف إذ مثل المنافقين الذين هم في زمانه عليه السّلام غير منقطع إلى يوم الدين بل المعنى لم يأتوا بعد أي إلى الآن و هذا الاستعمال شائع في المحاورات و لما لم يختص بمنافقي عصره عليه السّلام أو منافقي المدينة و إن نزلت فيهم لأن خصوص السبب لا ينافي عموم الحكم في النظم فالآية شاملة لمن بعدهم من المنافقين أيضا و هذا مراد سلمان رضي اللّه تعالى عنه و إلا فلا يحسن عطفه على يكذبون أو يقول فيختل ارتباط النظم بما قبله إذ الضمير في لهم عائد إلى من هو مذكور قبله فملاحظة الاتصال بما قبله واجب و هذا قرينة واضحة على أن مراد سلمان ما ذكره المصنف و إلى ذلك أشار بقوله لأن الآية متصلة الخ و المعنى على توجبه المصنف إن أهل هذه الآية و ما صدق عليه هذه الآية لم يأتوا جميعا بحيث لا يشذ منها فرد بل أتى شرذمة قليلة منهم و من سيجيء بعدهم أكثر من أن يحصى فقوله لم يأتوا رفع للإيجاب الكلي لا سلب كلي فلا إشكال «2» أصلا.
(1) فيه رد على من قال قولهم آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 8] و قولهم أَ نُؤْمِنُ [البقرة: 13] إنشاء لا يلحقه الكذب أما قولهم آمنا فظاهره أنه إخبار و قولهم أَ نُؤْمِنُ [البقرة: 13] و إن كان إنشاء بالاستفهام لكنه كان متضمنا للأخبار لعدم الإيمان إذ الاستفهام للانكار الوقوعي.