کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 346
ضمير الفصل قد يفيد قصر المسند على المسند إليه نحو زيد أفضل من عمرو و قد يكون لمجرد التأكيد إذا كان التخصيص حاصلا بدونه بأن يكون في الكلام ما يفيد القصر كما في المطول فليكن الأمر هنا كذلك فالأولى أن يقال فإن إدخال يا عليه متعذر لئلا يلزم اجتماع حرفي التعريف في الصورة و هو مستكره أيضا و لعله هذا مراد النحاة بقولهم إنهم استكرهوا اجتماع آلتي التعريف فحاولوا أن يفصلوا بينهما باسم مبهم يحتاج إلى ما يزيل إبهامه و حينئذ يندفع ما أورده الرضي بقوله و فيه نظر لأن اجتماع حرفين في أحدهما من الفائدة ما في الآخر و زيادة لا يستنكر كما في لقد و إلا أن على ما يجيء في موضعيهما و لا يحتاج إلى الجواب بأن يا إنما تفيد تعيين الشخص و تعريفه و اللام إنما تفيد مجرد تعريفه أيضا لا تعريفه و زيادة كما في لقد و إلا أن فيكون قياسا مع الفارق و قيل إنما لم يكونا مثلين لأنهما عبارتان عن الموجودين المتحدين في الحقيقة كما تقرر في موضعه لكنهما شبيهان لهما في أن إحديهما يسد مسد الآخر و يغني عنه انتهى قوله يسد مسد الآخر ضعيف فإنه يقال يا زيد و لا يقال ازيد بلا تأويل و أيضا يقال يا رجلا و لا يقال الرجلا بل الرجل و ما ذكره أيضا لا يكون وجه الشبه بينهما لعدم الاختصاص إذ سد أحد الأمرين مسد الآخر لا يكون له مزيد اختصاص للمثلين فالوجه ما قدمناه إذ التماثل يجري في الأمور الموجودة في نفس الأمر و إن لم تكن موجودة في الخارج و استوضح بالحرفين المتماثلين قيل إن تعريفه بالقصد و الإقبال عليه كما ذهب إليه ابن مالك و ذهب ابن الحاجب إلى أنه بأل مقدرة فأصل يا رجل يا أيها الرجل قوله (و أعطي حكم المنادى) أي أعطي أي فالضمير المستتر فيه راجع إلى أي على أنه نائب الفاعل و المراد بالحكم هنا الأثر المرتب عليه أي البناء على الضم و ايلاؤه حرف البناء.
قوله: (و أجري عليه المقصود بالنداء وصفا موضحا له) و الصفة التي ترفع الاحتمال تسمى موضحة لأن أيا اسم مبهم احتيج بعده إلى تعريف و توضيح فأتى الاسم المعرف لتوضيحه ليطابق الموصوف لأنها و إن كانت اسما نكرة كانت معرفة بالنداء لأن يقصد به التعيين و إنما كانت مبهمة مع أنها معرفة كالموصول و اسم الإشارة لأنه يراد بها فرد من المتعدد و هو مبهم أزيل إبهامه بالوصف كاسم الإشارة بقي الكلام في كونها موصوفة بالجمع و اسمه في مثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ الآية مع أن المراد بها فرد من المتعدد كما مر و هنا أريد المتعدد جميعا و هذا يخالف قولهم إن أيا يراد بها واحد لا على التعيين.
قوله: (و التزم رفعه) قال صاحب الامتحان إن الرفع في العاقل في مثل يا زيد العاقل قوله: و أعطي أي حكم المنادى أي و أعطي إلى حكم المنادى في الحركة و الاعراب فإنه مبني على الضم في النداء إذا لم يضف إلى شيء كالمنادى المفرد المعرفة نحو يا زيد و أجري عليه المقصود بالنداء و هو اسم جنس كالناس ههنا و كالرجل في يا أيها الرجل.
قوله: و التزم رفعه يعني كان القياس في صفة المنادى المضموم جواز الوجهين الرفع حملا
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 347
ليس بإعراب و لا بناء كالجر الجواري انتهى. و بهذا البيان اندفع «1» الإشكال بأن الرفع في صفة المنادى ليس له موجب لأن إعراب موصوفه النصب محلا حتى نقل عن الدماميني أن هذا الإشكال لا جواب له و الحاصل أن الرفع هنا حركة اتباع و مناسبة لضمة المنادى ككسرة غلامي فتسميته رفعا مجاز فحينئذ إعراب هذا الوصف تقديري كما صرح به الدماميني في قراءة الحمد للّه بكسر الدال حيث قال فيكون إعرابه تقديريا انتهى. فيكون إعراب هذا الوصف تقديريا في المنادى المعرف و غيره مثل يا زيد العاقل و فيه رد على المازني حيث أجاز نصه فإن الزجاج قال و لم يتقدمه و لا تابعه عليه أحد لمخالفته لما سمع من العرب.
قوله: (إشعارا بأنه المقصود) وجه الإشعار أن للرفع مشابهة قوية للضم فجعل لفظه موافقا للفظ المنادى فكأنه دخل عليه حرف النداء بخلاف سائر التوابع للمنادى المفرد المعرفة فإنه يجوز فيه الرفع و النصب فهذا بمنزلة المستثنى من سائر التوابع.
قوله: (و أقحمت بينهما هاء التنبيه تأكيدا و تعويضا) فإن النداء أيضا تنبيه الإقحام إدخال شيء في شيء بشدة و عنف فاستعمله في مثل هنا لا يظهر وجهه وجه التعويض أن أيا لما كانت لازمة الإضافة عوض عنها هاء التنبيه و لا يضره عدم استعمالها مضافة هنا قوله (عما يستحقه من المضاف إليه) إشارة إليه و أيضا لما تعذر إضافة أي إلى المفرد المعرفة أدخل هاء التنبيه «2» بينهما حذرا عن صورة الإضافة فكما يجب الاحتراز عن الإضافة يجب أيضا عن صورة الإضافة و أدخلت في غير المفرد المعرفة اطرادا للباب.
قوله: (و إنما كثر النداء على هذه الطريقة في القرآن لاستقلاله بأوجه من التأكيد) على لفظ المنادى و النصب حملا على محله لكن التزم رفعه و لم يجز النصب إشعارا بأنه المقصود بالنداء و أي جيء لمجرد الوصلة إلى ذكره فكان بمنزلة زيد في يا زيد.
قوله: و إنما كثر النداء على هذه الطريقة و هي طريقة أن يجعل حرف النداء لفظ يا الموضوعة لنداء البعيد و أن يجعل المنادى بها موصوفا باسم جنس كشفا و بيانا له و أن يقحم هاء التنبيه زيادة إيقاظ للمنادي لاستقلال النداء على هذه الطريقة بأوجه ثلاثة من التأكيد الأول ما افاده كلمة يا حيث استعملت في القريب تنزيلا للقريب الغافل منزلة البعيد لغفلته فإذا كان المراد بالناس معنى عاما متناولا للمؤمن و الكافر و المذبذب يكون استعمال كلمة يا في ندائهم على طريقة المجاز في المرتبة الثانية فإن الناس من حيث كونهم عقلا متفطنون بما يرد بعد النداء من وجوب العبادة لمنعهم لكونهم نودوا بيا و إن كانوا متفطنين للخطاب إبرازا لهم في معرض الغافلين حيث إن
(1) هذا الاشكال إنما يرد على غير الأخفش القائل بأنها موصولة حذف صدر صلتها فليس نعتا عنده بل خبر مبتدأ مقدر كذا قيل فحينئذ لا يجوز نصبه عنده تقديرا و محلا.
(2) و في بعض شروح الكافية ثم من حق أي أن يكون مضافا على اللزوم فكان من حقه أن يقال يا أي الرجل بالإضافة لكن إضافته إلى المفرد المعرفة ممتنعة لو طالعت المفصل عثرت على ذلك فعدل عن الإضافة إلى الوصف لأن كلا منهما للبيان و التوضيح ثم ادخل الهاء جبرا لما ذهب عنه من صورة الإضافة و ينكشف منه وجه آخر لإدخال هاء التنبيه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 348
احتراز عن نداء العلم مثل يا نوح و يا إبراهيم و غير ذلك المراد بالطريقة المنادى الموصوف بذي اللام و المراد بأوجه من التأكيد تكرار الذكر إذ المراد بأي هو ما يراد بالصفة و الإيضاح أي بالصفة بعد الإبهام بأي لأنها تدل على مبهم و التعيين إما بالإضافة أو بالصفة و اختيار صيغة البعد وجه كونه تأكيدا ما أشار إليه بقوله و كل ما نادى اللّه تعالى الخ. و إيراد حرف التنبيه فإنه يؤكد معنى النداء كما سلف.
قوله: (و كل ما نادى اللّه له عباده) و لم يقل أكثر ما نادى اللّه لصحة عمومه هنا دون النداء.
قوله: (من حيث إنها أمور عظام من حقها أن يتفطنوا لها) لكون أكثرها بل كلها و لو مآلا التكاليف الآبية عن تحملها السموات و الأرض و الجبال (و يقبلوا بقلوبهم عليها) حتى يتهيؤوا لأدائها و لو مع التعب أولا و الشوق و الذوق ثانيا.
قوله: (و أكثرهم عنها غافلون) أي من شأنهم أن يغفلوا عنها لا الغفلة بالفعل إذ وقت العبادة أمر معتنى بها مهمة لهم و كان الواجب أن يقيموا على وظائفها بلا أمر و تهديد فحيث لم يأتوا جعلوا كالغافلين فنودوا بيا تنبيها على ذلك و استعمال يا في القريب الغافل مجاز في الدرجة الأولى و في القريب العاقل المتفطن في الدرجة الثانية و الثاني ما افادة الهاء المتصلة بها للتنبيه و زيادة الايقاظ للمنادى و الثالث التفصيل بعد الإجمال المستفاد من وصف المبهم على سبيل الكشف و الإيضاح قال الطيبي يا موضوعة لنداء البعيد حقيقة و إذا استعملت في القريب على المجاز فلا يخلو أن يراد بالبعد البعد بحسب المنزلة و المرتبة أما من جهة المتكلم كقوله تعالى:
يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي [هود: 44] إظهار لعظمته و كبريائه و ابداء لشأن عزته و تهاونا بالمنادى و تبعيدا له و أما من جهة المخاطب كما تقول يا رب و يا اللّه هضما للنفس و استبعادا لها من مظان الزلفى أو البعد بسبب الغفلة و البلادة كما يقال يا هذا إن البغاث بأرضنا يستنسر أو بحسب التفطن فإن الخطاب بمكان بعيد عن الفكرة لما فيه من المعاني الدقيقة أو أنه معتنى بها جدا كما نحن بصدده فينزل لذلك المخاطب منزلة الغافل تهييجا و إلهابا ليتلقاه بشراشره و مجامع قلبه و إنما احتاجوا في نداء المعرف باللام إلى الوصلة بالمبهم لأنهم استكرهوا اجتماع التي التعريف فحاولوا أن يفصلوا بينهما باسم مبهم يحتاج إلى ما يزيل إبهامه فيصير المنادي في الظاهر ذلك المبهم و في الحقيقة ذلك المخصص الذي يزيل الابهام و يعين الماهية فيصير المنادى متميز الماهية معلوم الذات فوجدوا ذلك الاسم المبهم ايا إذا قطع عن الإضافة و اسم الإشارة حيث وضعا مبهمين مشروطا إزالة إبهامهما إلا أن اسم الإشارة قد يزال ابهامه بالإشارة الحسية فلا يحتاج إلى الوصف الكاشف بخلاف أي فإنه أدخل في الإبهام فلذا جاز يا هذا و لم ليجزيا أي بل لزم أن يردف بما يزيل ابهامه و ذلك اسم الجنس لأنه الدال على تعيين الماهية قال ابن الحاجب في وصف أي باسم جنس لأنه مبهم الذات فكان وصفه بما يدل على ذاتياته أولا و هو الوجه لأن الوصف بالمعاني الخارجة فرع على معرفة الذات و لذلك كان المبهم مستبدا بصحة الوصفية بأسماء الاجناس دون غيره لما فيه من الابهام.
قوله: و كل ما نادى اللّه مبتدأ خبره حقيق و الجملة بيان لاقتضاء المقام مزيد تأكيد بهذه الأوجه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 349
النداء وقت التكليف فيما فيه تكليف فلا معنى للغفلة عنها بالفعل و قيد الأكثر احتراز عن المستعدين لقبولها و الإتيان بموجبها لذوقهم لذة المناجاة و أشرب في قلوبهم حب الطاعات عدل عن قول الزمخشري و هم عنها غافلون لما ذكرنا و لعل مراده و هم أي العباد برمتهم غافلون عنها لعدم نزولها من قبل هذا النداء فمعنى الغفلة حينئذ عدم المعرفة و هذا حاصل لجميعهم و إن أريد بها عدم الإجابة بأسرع الإجابة فلا بد من قيد الأكثر و لكل وجهة (حقيق بأن ينادى له بالآكد الأبلغ).
قوله: (و الجموع و أسماء الجموع المحلات باللام) و غرضه بيان عموم الناس و هو اسم جمع إذ لم يثبت فعال في أبنية الجمع كما سلف و تعرض للجمع تطفلا أو أشار إلى مذهب الأخفش من أن جميع أسماء الجموع التي لها آحاد من تركيبها كركب جمع بخلاف نحو إبل و غنم فإنه ليس بجمع بالاتفاق إذ لا واحد له من لفظه و الفرق بين الجمع و اسم الجمع مع أن المراد بهما ما فوق الاثنين أن اسم الجمع اشترط فيه أن يكون على صيغة تغلب في المفردات سواء كان له واحد أو لا كما هو المختار عند سيبويه بخلاف الجمع و المحلات بضم الميم و تشديد اللام بمعنى الداخلة عليها اللام و لإفادته التعريف و اتصاله بأول الكلمة جعلت حلية و زينة بطريق الاستعارة و اعتبر مدخولها محلاة و مزينة (للعموم) أي لإفادة العموم بالوضع النوعي كما تقرر في الأصول قوله (من حيث لا عهد) إشارة إلى أن الأصل في الجمع المحلى العهد الخارجي لا يعدل عنه لأنه حقيقة التعيين و أكمل التمييز لكن إذا لم توجد القرينة على العهد فالراجح الاستغراق لأن الحكم على نفس الحقيقة بلا اعتبار الافراد قليل الاستعمال جدا إذ الأحكام الشرعية إنما هي على الافراد و العهد الذهني موقوف على وجود قرينة البعضية المبهمة فالاستغراق هو المفهوم عند الإطلاق و عدم القرينة على العهد دون الجنس و تعيين الحقيقة و معنى من حيث لا عهد من حيث إنه لا قرينة على العهد الخارجي أو الذهني على أن لفظ حيث تعليل أو تقييد هذا على اصطلاح الأصوليين و اختاره المصنف هنا فإن المراد ههنا الحكم و الحكم على الافراد لا على الماهية و أما عند أرباب البلاغة فالأصل الراجح عند الإطلاق الجنس كما اختاره الزمخشري في الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة: 2] و رجحه المصنف هناك.
قوله: (و يدل عليه) دلالة أنية (صحة الاستثناء) من الجموع و أسماؤها المحلات باللام فإن الاستثناء لا يكون إلا من العام فيتوقف صحة الاستثناء (منها) على العموم بحسب نفس الأمر و صحة الاستثناء تفيد العلم بأنها عامة فلا دور و أما الإشكال بأن الاستثناء قد يكون من الخاص نحو على عشرة إلا ثلاثة و كضربت زيدا إلا رأسه و غير ذلك فمدفوع بأنه عام تأويلا بتقدير جمع معرف بالإضافة كأجزاء عشرة و أعضاء زيد و نحوه قوله: و الجموع اسماؤها المحلاة باللام للعموم حيث لا عهد و أما إذا أريد بها المعهود كما إذا أريد بالناس مشركو مكة لا يفيد العموم و الناس من أسماء الجمع.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 350
(و التأكيد بما يفيد العموم كقوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر: 30]) وجه دلالة التوكيد على العموم هو أنه لو لم يكن تأكيدا لكان ذلك العام تأسيسا و إجماع النحاة على تأكيديته (و استدلال الصحابة بعمومها شائعا و ذائعا) هذا إثبات المدعي بالإجماع و في التوضيح و لتمسكهم بقوله عليه السّلام الأئمة من قريش لما وقع الاختلاف بعد رسول اللّه عليه السّلام في الخلافة و قال الأنصار منا أمير و منكم أمير تمسك أبو بكر رضي اللّه تعالى عنه بقوله عليه السّلام الأئمة من قريش و لم ينكره أحد انتهى. فكان إجماعا على ذلك.
قوله: (فالناس) تفريع لما قرره من اسم الجمع المعرف باللام للعموم حيث لا عهد و المعنى فالناس في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] لكونه اسم جمع محلى باللام و لا قرينة على العهد مطلقا (يعم الموجودين وقت النزول لفظا) تمييز عن النسبة في قوله يعمه أي يعم لفظه جميع الموجودين و جميعهم يكونون مأمورين بالعبادة و لا كلام في العموم و إنما الكلام في عموم الغائبين عن مهبط الوحي فالظاهر أنه تغليب في الخطاب.
قوله: (و من سيوجد) أي يعم الناس من سيوجد أيضا لكن لا لفظا بل (لما تواتر من دينه عليه الصلاة و السّلام أن مقتضى خطابه و أحكامه شامل للقبيلين ثابت إلى قيام الساعة) أي عموم الناس للمعدومين الذين سيوجدون ليس لفظا بل لدليل و هو ما تواتر الخ. و لم يرد المصنف أن شمول الخطاب للمعدومين بعبارة النص و هو ظاهر حيث جعله مقابلا لقوله لفظا و لا بطريق دلالة النص لقوله لما تواتر الخ. فلا وجه للاعتراض بأنه مخالف لما تقرر في أصولنا و أصول الشافعية من أن ما وضع لخطاب المشافهة نحو يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] ليس خطابا لمن بعدهم و إنما يثبت حكمه بدليل آخر من إجماع أو نص أو قياس و إما بمجرد الصيغة فلا فالقول بعموم الخطاب للمعدومين عبارة أو دلالة ليس مذهبنا و مذهب الشافعي و إن ما تواتر من دينه عليه السّلام من شمول مقتضى خطابه و أحكامه لهم لا يدل على ذلك اعلم أن الإيجاب قديم و هو حكمه تعالى في الأزل أنه إذا بلغ زيد يجب عليه ذا كذا في التوضيح فخطاب المعدوم واقع و تكليفه مقرر عند الأشاعرة لا بمعنى أن التكليف و الطلب وقت الإيجاب بل بمعنى أنه طلب وقت وجود المأمور فلا ريب في كونه ممكنا ألا يرى أن خطاب التكوين بالكلام الأزلي القائم بذاته تعالى تعلقه بالمعدوم قد اختاره بعض أئمة الأصول منهم الإمام فخر الإسلام فما المانع من جوازه في الخطاب التكليفي ثم الأوامر اللفظية الدالة على وجوب الأداء فالظاهر أنها تعم الموجودين و المعدومين إما حقيقة كما ذهب إليه البعض حيث قال و الظاهر أنه حقيقة و ألا يكون جميع ما في القرآن من الخطاب مجازا و لا يخفى بعده عن ساحة التنزيل انتهى. أو مجاز كما هو الحق إذ لفظ الخطاب موضوع لمعين فضلا لموجود كما صرحوا به في عامة كتبهم فاستعماله في الغير المعين مجاز فما ظنك في استعماله في المعدوم الصرف و لا بعد في اعتباره في ساحة التنزيل لمحافظة قواعد العربية التي نزل القرآن عليها ألا يرى أن الاستفهام
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 351
و غيره مما يستحيل في شأنه تعالى محمول على المجاز في عامة المواضع إذا لم يحك عن غيره تعالى للمحافظة المذكورة و القول بأنه ليس خطابا لمن بعدهم و إنما يثبت حكمه بدليل آخر من إجماع أو نص أو قياس لا يخلو عن كدر أما أولا فلأنه يلزم منه أن لا يكفر جاحد الوجوب مثلا على المعدومين لعدم القاطع أما في القياس فظاهر و أما في الإجماع فشرطية كونه قطعيا في كل موضع إثباته مشكل و كذا المراد بالنص و لا محيص عن هذا الريب إلا بالقول بالعموم إما عبارة أو بدلالة النص و أما ثانيا فلأنه يوهم أن الرسول عليه السّلام لم يكن مرسلا إليهم و إن أمكن دفعه بأن التبليغ لا يتعين أن يكون مشافهة فيكفي أن يحصل للبعض شفاها و لمن بعدهم بأدلة تدل على أن حكمهم حكمهم لكنه تكلف و يؤيد ما ذكرنا قول المحقق التفتازاني القول بعموم الشفاهي و إن نسب إلى الحنابلة ليس ببعيد و نقل عن الشارح العلامة الشيرازي أنه المشهور حتى قالوا إن الحق أن العموم علم بالضرورة من الدين المحمدي و هو الأقرب و قول العضد إن إنكار عدم قول يا أيها الناس للمعدومين مكابرة حق لو كان الخطاب للمعدومين خاصة أما إذا كان للموجودين و المعدومين على طريق التغليب فلا و مثله فصيح شائع و كل ما استدل به على خلافه ضعيف انتهى. و يرد على العضدية أنه لو تم ما ذكره لكان إنكار عدم قول يا أيها الناس للغائبين من الموجودين مكابرة و لم يقل به أحد بل اتفقوا على عموم يا أيها الناس للغائبين تغليبا فما المانع من عمومه للمعدومين على التغليب و لو قيل إنهم لم يصلحوا أن يطلبوا بطلب أشياء منهم لعدم فهم الخطاب أجبنا بما مر توضيحه من أن الطلب وقت وجوده لا وقت التكليف و قد صرح في المواقف كون المعدوم مأمورا بالكلام الأزلي فبين كلاميه منافاة ظاهرة و الحق ما في المواقف و إن ناقش فيه قدس سره في شرح المواقف و قد أجبنا عنها بعونه تعالى في بعض تعليقاتنا فعلم مما ذكرنا أن الخطاب للمعدوم الصرف جائز بل واقع بلا تغليب فضلا بالتغليب قوله و لما تواتر بكسر اللام و تخفيف الميم الموصولة أو الموصوفة قوله إن مقتضى خطابه بيان لما بتقدير الجار قوله من دينه متعلقا بتواتر و الظاهر أنه بمعنى في.
قوله: (إلا ما خصه الدليل) كالصبي و المجنون فإنهما لم يصلحا لمثل هذا الخطاب الآمر بالعبادة و أما صلاحية المعدوم للخطاب لاعتبار البلوغ و العقل كما أشار إليه صاحب التوضيح فالقول بأن الصبي و المجنون لما لم يصلحا لمثل هذا الخطاب فالمعدوم أولى ضعيف.
قوله: (و ما روي عن علقمة و الحسن) مبتدأ خبره جملة إن صح رفعه و الواو استئناف إشارة إلى سؤال يرد على قوله فالناس يعم الخ أو إلى سؤال يرد على الاستثناء كما قيل (إن كل شيء) أي إن كل حكم و خطاب بقرينة أن الكلام في الأحكام فيخصص الشيء العام بالخطاب و الأحكام (نزل فيه يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] فمكي و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 104] فمدني) «1» قوله (إن صح رفعه) أي لاءم رفعه إلى النبي عليه السّلام فلا
(1) قيل أخرج الحاكم في مستدركه و البيهقي في دلائله و البزار في مسنده من طريق الأعمش عن إبراهيم عن-
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 352
يقوم قول التابعي حجة علينا و لو سلم رفعه إلى النبي عليه السّلام غايته أنهما لم يسندا إليه عليه السّلام إما لحسن الظن بهما أو لأن ذلك المروي مما يعلم بالوحي و لا يتعلق بالرأي فلظهور الرفع إليه عليه السّلام لم يتعرضا له (فلا يوجب تخصيصه بالكفار) بل يعمهم و المؤمنين فإن أهل مكة ليسوا كلهم كافرين حينئذ فلا ينافي هذه الرواية قولنا فالناس يعم الخ أو الاستثناء (و لا أمرهم) عطف على تخصيصه أي و لا يوجب أيضا أمر الكفار (بالعبادة) حال كفرهم إذ عنوان الكفار يدل على ذلك حتى يقال إنه باطل بالاتفاق لأنه لا قضاء عليهم بعد الإيمان و إنما يؤاخذون بترك اعتقاد فرضيته و وجوبه و إنما الخلاف في أنهم هل يعذبون بترك الفروع كما يعذبون بترك الأصول أم لا فذهب مشايخنا العراقيون «1» و الأئمة الشافعية إلى أن أداء العبادات واجب عليهم بشرط تقديم الإيمان و يعاقبون بتركها و عند أكثر مشايخنا لا يجب عليهم أداء الفروع و التفصيل في علم الأصول و في قوله فلا يوجب تخصيصه الخ. رد على الكشاف حيث قال مفرعا على ما نقله عن علقمة و الحسن فقوله يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] اعبدوا خطاب لمشركي مكة انتهى. فاستدل بهذا المروي على اختصاص هذه الآية بالكفار فدفعه المصنف بما ذكره قيل و المراد بالرفع في قوله إن صح رفعه اتصال سنده بمن ذكره لأن الناقل لا يلزمه غير تصحيح نقله فالرفع بمعناه اللغوي أو تجوز انتهى. و المعنى الاصطلاحي هو المراد هنا لما بينا من أن ذلك المروي مما يعلم بالوحي الخ نقل عن القرطبي ما حاصله أن المكي ما وقع خطابه لأهل مكة و إن قوله: إن صح رفعه أي رفعه إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فلا يوجب تخصيصه أي تخصيص الناس بالكفار لأن كونه مكيا لا يوجب كون الخطاب موجها إلى من في مكة من الناس دون غيرهم و إن سلم فلا يوجب التخصيص أيضا لأن منهم من هو مؤمن خالص و لا يوجب أيضا أمر الكفار بالعبادة لأن المأمور به أي الذي أمر به ليس إحداث العبادة فقط بل هو أمر عام لزيادتها و إدامتها فإن اعبدوا على ما مر أمر للكفار بإحداث العبادة ابتداء و للمؤمن أمر بالمحافظة و الدوام عليها أو ازديادها و للمنافق بالاخلاص في الإيمان فمعنى خطاب الكفار باعبدوا آمنوا و اعبدوا فإن الأمر بالشيء يتضمن الأمر بما يتوقف هو عليه أيضا كما إذا أمر المحدث بالصلاة كان في ضمنه أمر بالتوضي أيضا و لعل كلامه هذا جواب عما يرد على ظاهر الآية من أنه يلزم منه أن يكون الكفار مكلفين بالفروع و هو خلاف المذهب الأصح و هذه مسألة أصولية و هي أن وجوب الشيء مطلقا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به و كان مقدورا قيل فيه خلاف فمن قال المعارف ضرورية قال الأمر بالعبادة للكافر جائز و من قال إنها غير ضرورية قال الأمر للكافر بالعبادة أمر بما هو متمماتها فيستلزم الأمر بالمعرفة فاسترجح المص رحمه اللّه القول الثاني و أشار إليه بقوله فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم إلا به.
- علقمة عن عبد اللّه قال ما كان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 104] أنزل بالمدينة و ما كان يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] أنزل بمكة أخرجه أبو عبيد في الفضائل عن علقمة مرسلا كذا في الاتقان.