کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 353
كان نفسه نازلا بالمدينة و المدني بالعكس و هذا أحسن ما قيل هنا و قيل هذا الكلام أكثري لا كلي و هو تكلف فيندفع الإشكال بأن هذه السورة مدنية و فيها يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 20] و سورة الحج مكية و فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ [البقرة: 104] و من السور ما فيه يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 104] و ادعاء تكرير النزول تعسف و لعل لهذا الاضطراب من ذوي الألباب لم يرض المصنف بهذه الرواية أولا ثم أشار إلى أنه إن صح ذلك فمحمول على تأويل مثل ما قرره القرطبي لا أن المراد بالمكي ما هو المشهور في اصطلاحهم و كذا المدني فلا تغفل «1» .
قوله: (فإن المأمور به هو المشترك بين بدء العبادة و الزيادة فيها) على العبادة عبادة أيضا فما وجه المقابلة و لعل وجهه أن مفهوم الزيادة داخل في المعنى المستعمل فيه مثلا صلاة اليوم عبادة مع ملاحظة كونها زائدة على صلاة الأمس و إلا فهي صلاة على حالها و كذا الصوم اللاحق و الزكاة اللاحقة فإنهما مفهوم الزيادة داخل فيهما فح يكون استعمال العبادة فيها مجازا فيلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز و هو جائز عند المص و إن لم يعتبر مفهوم الزيادة داخلا فيها فهي حقيقة لما بينا من أنها عبادة على حيالها و هذا الاعتبار هو المناسب للأئمة الحنفية «2» و لعل اعتبار المص الزيادة ليحسن التقابل بينه و بين قوله بدء العبادة أي لإنشاء العبادة غير مسبوقة بعبادة أخرى كما في الكفار و أما في المؤمنين فالمطلوب الثبات و الزيادة على عبادة تعبد بها قبل هذه العبادة مع أنها عبادة أخرى حسب تكرر أسبابها و قد تقدم في سورة الفاتحة في قوله اهْدِنَا [الفاتحة: 6] مزيد تفصيل لهذا المرام بعون اللّه الملك العلام فإذا تقرر ذلك ظهر أن السؤال بأن توجيه الخطاب إلى المؤمنين العابدين غير صحيح لما فيه من تحصيل الحاصل سخيف جدا و أغرب منه ما قيل في جوابه من أنه المطلوب من المؤمنين ليس إيقاع أصل العبادة في المستقبل بل ازديادها و ثباتها إذ قد عرفت أن العبادات تتكرر بتكرر أسبابها فالمطلوب إيقاع العبادات في كل حين بتكرر الأسباب غايتها أنها زائدة على العبادات المتقدمة و قيل و ليس شيء من مفهوم الابتداء و الزيادة و المواظبة داخلا في مفهوم اعبدوا بل خارج يفهم من القرائن فلا جمع بين الحقيقة و المجاز بل اللفظ مستعمل في القدر المشترك انتهى. و يرده تعرض المصنف
(1) أحدها أن ما نزل قبل الهجرة فمكية و ما نزل بعدها فمدنية و ثانيها أن ما نزل بمكة فمكية و ما نزل بمدينة فمدنية و حينئذ يثبت الواسطة بينهما و ثالثها ما هو خطاب لأهل مكة فمكية و ما هو خطاب لأهل مدينة فمدني كذا قيل و عدم تمشي الأولين ظاهر الثالث فلأن الحكم أيضا ليس بمختص لأنه يحمل على أنه جل المقصود به أهل مكة في الأول و أهل المدينة في الثاني ط.
ط قيل إن للمكي و المدني ثلاثة معان و لا يتمشى واحد منها هنا انتهى و جوابه ما ذكر في أصل الحاشية و قال هشام بن عروة عن أبيه كل سورة فيها قصص الأنبياء عليهم السّلام و الأمم الخالية و العذاب فهي مكية و كل سورة فيها فريضة أوحد مدنية انتهى و الظاهر أنه مأول و إلا فعدم اطراده ظاهر.
(2) فيه تعريض لمولانا أبي السعود حيث تعرض للزيادة مع أنه من الأئمة الحنفية المنكرين جواز الجمع بين الحقيقة و المجاز.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 354
للزيادة فيها و المتبادر كون مفهوم الزيادة داخلا فيكون مجازا نعم لما ذكره وجه في الجملة كما أوضحناه قوله في القدر المشترك إشارة إلى أن العبادة و هي غاية الخشوع و التذلل مشترك بينهما اشتراكا معنويا لا لفظيا و هو كذلك لكن إذا اعتبر في مفهومها الزيادة داخلا كان مجازا.
قوله: (و المواظبة) أي الثبات (عليها) و الثبات على الشيء زيادة عليه في كل ساعة من جهة الاعداد كما صرح به الفاضل الخيالي في تحقيق زيادة الإيمان فيكون عطف تفسير لكن الزيادة لا تستلزم الثبات «1» و لو عكس في العطف لكان أشمل.
قوله: (فالمطلوب من الكفار هو الشروع فيها) تفريع على كون المأمور به مشتركا بينهما هو الشروع فيها أي في العبادات و هو الذي أراد بقوله بدء العبادة قوله (بعد الإتيان بما يجب تقديمه) تنبيه على أن المراد بالعبادة المأمور بها أعمال الجوارح بنية التقرب و الداعي لهذا التخصيص هو أن الإيمان ثبت وجوبه بالأوامر الواردة في حق الإيمان خاصة فالأولى حمل مثل اعبدوا على الأمر بأعمال الجوارح و في كلامه بما يجب تقديمه من المعرفة إشارة إليه فإنه يومي إلى أن الأمر بالإيمان مقدم على الأمر بالعبادات لأنه في نفسه يجب تقديمه عليها قوله فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب الخ. لم يرد به أن وجوب الإيمان ثبت في ضمن وجوب الفرع بل أراد ما ذكرناه من أن وجوب الإيمان ثابت بالأوامر الواردة فيه فلا يراد أن الإيمان أصل العبادات فكيف يثبت تبعا لوجوب الفرع و في التلويح إشارة إلى بعض ما ذكرناه و قول الشريف قدس سره في جواب اعتراض بأن الإيمان أصل العبادات كلها فلو وجب بوجوبها لا نقلب الأصل تبعا أن الأصالة بحسب الصحة لا تنافي التبعية في الوجوب على أنه قد أوجب أيضا استقلالا بدلائل أخر و الجمع بينهما آكد في إيجابه ليس بشيء إذ التبعية في الوجوب يقتضي أن لا يجب استقلالا و إلا فما معنى التبعية في وجوب ما يجب أصالة و استقلالا و التأكيد حاصل بدلائل مستقلة فلا وجه للجمع بينهما للتأكيد و أيضا يوهم كلامه أن الفروع تجب أولا ثم الإيمان ثانيا كما هو مقتضى التبعية و لم يقل به أحد بل أول ما يجب المعرفة أو النظر كما هو مقرر في محله فالصواب ما ذكره في حيز العبادة مع إسقاط قوله و الجمع بينما آكد و لم يتعرض لذكر المنافقين صريحا لأن الكفار إذا ذكرت بدون مقابلة المنافقين تعم المنافقين في استعمال الشرع.
قوله: (من المعرفة و الإقرار بالصانع) أي التصديق اليقيني المعبر عنه بكر و يدن فلا يفيد مطلق المعرفة بدون إذعان و لا يفيد أيضا إذا قارنت أمارة الإنكار و الإقرار بالصانع و المختار عند المص كون الإقرار باللسان ركنا من الإيمان كما أفاده في قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: 3] الآية. و عن هذا تعرضه قوله بالصانع متعلق بالمعرفة و الإقرار تنازعا و التخصيص لأنه أصل المؤمن به فيدخل فيه سائر المؤمن به جميعا فإن تلك المعرفة و ذلك
(1) مثلا الحج زيادة على العبادة للأغنياء و لا يلزم الثبات.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 355
الإقرار إنما يعتد بهما حين تحقق التصديق بسائره لأن من آمن ببعض و كفر ببعض فهو كافر حقا فلا وجه لاعتراضه قدس سره بأن مجرد معرفة اللّه تعالى و الإقرار به ليس كافيا في صحة العبادة (فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم الآية).
قوله: (و كما أن الحدث) و لو أكبر غير الحيض و النفاس (لا يمنع وجوب الصلاة) بل يمنع صحة أدائها (فالكفر) مطلقا و لو منافقا (لا يمنع وجوب العبادة) بل يمنع نفس العبادة و أراد المص بهذا نقضا على من ذهب إلى أن الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع من بعض الحنفية بأنه لا فرق بين المحدث و الكافر فكما أن الحدث الذي يمنع صحة الأداء لا ينافي وجوب أدائه لأنه مشروط بإزالته فكذا الكفر يجب أن لا يمنع وجوب أدائها بشرط إزالته و جوابهم في الفرق بينهما بأن الإيمان أصل و أساس فكيف يثبت شرطا و تبعا لغيره ليس بشيء لأنك قد عرفت أن الإيمان ثبت وجوبه بدليل آخر استقلالا و ثمرة هذا النزاع في حق المؤاخذة في الآخرة فالشافعية يقولون إنهم مؤاخذون بترك العبادات كما يؤاخذون بترك اعتقاد وجوبها و نحن نقول إنهم يعاقبون على ترك اعتقاد وجوبها دون ترك أدائها و أما في الدنيا فيظهر في الزكاة فإنها تجب على غنى أسلم و قد حال عليه الحول بعد مضي الحول و كذا الحج على من استطاع إليه سبيلا ثم أسلم عاجزا عند الفريق الأول دون الثاني كذا قاله البعض من محشيي الأصول (بل يجب رفعه).
قوله: (و الاشتغال بها عقيبه) أي بالعبادات المطلقة لا العبادات الواجبة حال الكفر لما مر مرارا من أنه لا يجب عليهم قضاء العبادات بعد الإيمان بالاتفاق فلو كان المراد العبادات الواجبة حال الكفر لكان القضاء واجبا عليهم و لم يقل به أحد و بعد ظهور المراد المناقشة في العبارة ليس من شأن العلماء المنصفين.
قوله: (و من المؤمنين) أي المطلوب من المؤمنين عطف على الكفار (ازديادهم و ثباتهم عليها) فيه تأييد لما ذكرنا من أن مفهوم الزيادة معتبر في العبادات الواجبة على قوله: و من المؤمنين عطف على من الكفار أي و المطلوب من المؤمنين ازديادها و ثباتهم عليها قال صاحب الكشاف المراد بعبادة المؤمنين ازديادهم منها و اقبالهم عليها و أما عبادة الكفار فمشروط فيها ما لا بد لها منه و هو الإقرار كما يشترط على المأمور بالصلاة شرائطها من الوضوء و النية و غيرهما و ما لا بد منه و هو الاقرار كما يشترط على المأمور بالصلاة الخ للفعل منه فهو مندرج تحت الأمر و إن لم يذكر حيث لم ينفعل إلا به و كان من لوازمه على أن مشركي مكة كانوا يعرفون اللّه و يعترفون به وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف: 87] ثم قال فإن قلت فقد جعلت قوله اعبدوا متناولا شيئين معا الأمر بالعبادة و الأمر بازديادها قلت الازدياد من العبادة عبادة و ليس شيئا آخر قال الطيبي و ههنا بحث و هو أن اللفظ إذا أطلق و هو محتمل المعنيين فلا يخلوا إما أن يطلق على حقيقتين مختلفتين كاللفظ المشترك أو على إفراد حقيقة واحدة كالجنس أو على حقيقة و مجاز أما في القسم الأول و الثالث فلا يجوز إرادتهما معا فبقي الثاني و هو المراد بقوله الازدياد من العبادة عبادة و ليس شيئا آخر لأن تلك الزيادة أيضا عبادة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 356
المؤمنين كما أوضحناه آنفا فإن قيل المؤمن غير متلبس بجميع العبادات فيصح منه طلب العبادات في الجملة قلنا إن المص أشار إلى أن العبادة المأمور بها العبادة التي أمر المكلف بها بخصوصها كالصلاة و الصوم و الزكاة فإنها وجبت بأمر مستقل على التعيين مثل قوله تعالى: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ [البقرة: 43] الآية و قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] الآية فأمر اللّه تعالى في هذه الآية على الإجمال بأداء العبادات المعينة المفروضة قبل نزول هذه الآية تقريرا و تأكيدا لها فالمطلوب من المؤمنين أداء ما وجب عليهم و هم متلبسون به فيكون ذلك الأداء زيادة على ما تعبدوا به قبله و إن كان عبادة على حالها كما عرفت و أما ما لم يتلبس المؤمن به بعد فلا يشمل هذا النظم الجليل فإن العبادة بخصوصها ليست بواجبة بهذا النظم الشريف لعدم التصريح به و لو قيل إنها واجبة به لكان تكليفا بالمحال فالعبادة إنما تجب بأمر متعلق بها بخصوصها فالتي لم تجب بعد لا يتناوله هذا النظم الكريم فلا يصح طلبه منهم بهذا النظم الجليل و بهذا البيان اتضح أن هذه الآية لا تدل على فرع و حكم مخصوص يعينه و لا على وجوبه فضلا عن وجوب الإيمان تبعا له و بهذا التحقيق لم يتعرض أرباب الحواشي برمتهم لما عرفت و إنما أخر المؤمنين و قدم الكافرين لأن الأهم بدء العبادة و الكفار غافلون عنها و المؤمنون عارفون بها و هم بالأمر و التأديب أحق من المؤمنين.
قوله: (و إنما قال ربكم تنبيها على أن الموجب للعبادة) الموجب لها إيجاب اللّه تعالى حقيقة و النعم المتوافرة (هي الريبة) و هي المراد بالتربية من الأسباب الظاهرة لوجوبها فالمعنى أن الموجب بحسب الظاهر للعبادة هي الربوبية وجه التنبيه هو أن ترتب الحكم على المشتق يشعر عليه مأخذ الاشتقاق إذا الربوبية بضم الراء مصدر كالخصوصية و في بعض المواضع رتبت العبادة على الخلق قال تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ [الأنعام: 102] الآية و هو متقارب للربوبية فإنه عبارة عن تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا و هو الخلق غايته أن الخلق أعم مفهوما و في بعض المواضع اعْبُدُوا اللَّهَ [المائدة: 72] تنبيها على استحقاقه تعالى له بحسب ذاته كاستحقاقه بحسب أوصافه كما أشير إلى ذلك جميعا في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: 2] و كذا في قوله تعالى: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ [المائدة: 72] الآية فقوله هي الربوبية بضمير الفصل المفيد للقصر أو المؤكد للقصر المستفاد من اللام إما محمول على الظاهر إذ الحصر بالنسبة إلى السبب الظاهري أي الموجب للعبادة بحسب الظاهر مقصور على صفة الربوبية الشاملة للخالقية إذ المسند إليه إذا كان معرفا بلام الجنس يفيد قصره على المسند قوله: و إنما قال ربكم تنبيها على أن الموجب للإنعام هي الربوبية فإن التربية عين الإنعام و هي أثر الربوبية و معنى التنبيه مستفاد من ترتيب الحكم على الوصف المناسب فإن العبادة شكر الإنعام و الإنعام أثر الربوبية و مقتضاه فكأنه قيل اشكروا منعمكم الذي منحكم نعمة الوجود بعد أن لم تكونوا شيئا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 357
سواء كان الخبر معرفا باللام أو لا و سواء كان معرفة أو نكرة فح ضمير الفصل يكون لمجرد تأكيد ذلك الحصر و أما كونه لقصر المسند إليه على المسند بنفسه فقد أبطل في المطول فإنه يجيء لقصر المسند على المسند إليه إذا لم يكن في الكلام ما يفيد القصر و إن وجد ذلك في الكلام فضمير الفصل يؤكد ذلك سواء كان قصر المسند إليه على المسند أو العكس و من هذا البيان ظهر ما في بعض الحواشي «1» من الخلل أو القصر ليس بمراد بل الغرض لمجرد التقوية إذ إفادة لام الجنس أكثري لا كلي كما في قول الخنساء:
إذا قبح البكاء على قتيل
رأيت بكاءك الحسن الجميلا
كذا في المطول.
قوله: (صفة جرت عليه تعالى للتعظيم و التعليل) أي فائدة هذه الصفة التعظيم و المدح لا للتقييد على الظاهر فإن الخطاب كما عرفت شامل للمؤمنين و الكافرين مطلقا و المراد رب الجميع و هو معلوم عند الكل فالصفة مادحة و مفيدة للتعظيم لا للتقييد إذ لا قوله: صفة جرت عليه للتعظيم و التقليل هذا إذا كان الخطاب عاما لجميع الناس و قوله و يحتمل التقييد و التوضيح على أن يكون خاصا بالمشركين و معنى التعليل مستفاد من ترتيب الحكم على الوصف المناسب و في الكشاف فإن قلت ربكم ما المراد به اسم قلت كان المشركون معتقدين ربوبيتين ربوبية اللّه و ربوبية آلهتهم فإن خصوا بالخطاب فالمراد به اسم يشترك فيه رب السموات و الأرض و الآلهة التي كانوا يسمونها أربابا و كان قوله: الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة: 21] صفة موضحة مميزة و إن كان الخطاب للفرق جميعا فالمراد به رَبَّكُمُ [البقرة: 21] على الحقيقة هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ صفة جرت عليه على طريق المدح و التعظيم و لا يمتنع هذا الوجه في خطاب الكفرة خاصة إلا أن الأول أوضح و أصح و حاصل كلامهما أن الخطاب إن كان عاما يكون المراد بالرب معنى خاصا و الصفة مادحة و إن كان خاصا يكون معنى الرب عاما و الصفة موضحة و الفرق أن الرب في تخصيص الخطاب بالمشركين متعدد المعنى و المربوب واحد أي طائفة واحدة فلذلك يجيء اللبس و يحتاج في إزالته إلى الإيضاح و الكشف و في تعميم الخطاب بالناس جميعا يكون الأمر بالعكس أي الرب واحد و المربوب متعدد أي طوائف مختلفة فلا لبس حينئذ في الرب حتى يحتاج إلى التوضيح بصفة فلذا يحمل الوصف حينئذ على المدح و التعظيم و إنما تعين و تخصص معنى الرب بالرب الحقيقي في جعل الخطاب عاما لأنه إذا خوطب به جميع الناس لا يتبادر ذهن أحد إلى غير اللّه تعالى فكأنه قيل يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي اتفقتم على ربوبيته بخلاف توجيه الخطاب إلى المشركين خاصة فإن الحاصل في ذهنهم عند سماعهم لفظ الرب معنى عام متناول للرب الحقيقي و لآلهتهم أقول في حمل معنى الصفة عند جعل معنى الرب عاما على التوضيح نظر لأن الصفة الموضحة عند علماء المعاني هي الصفة الكاشفة و هي بمنزلة المعرف بالنسبة إلى المعرف فيقتضي حملها على الموضحة مساواتها للموصوف و معنى الصفة هنا على ذلك التقدير اخص من معنى الموصوف فلعل الشيخين أرادا بالتوضيح المعنى اللغوي الحاصل في التقييد و التخصيص يدل عليه عطف التوضيح على التقييد على سبيل التفسير في كلام القاضي حيث قال و يحتمل التقييد و التوضيح.
(1) كازروني.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 358
وجه له و أما كونها للتعليل فبناء على أن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية و لهذا لم يعد أئمة البلاغة كون الوصف للتعليل من فوائد الوصف و قد عرفت أن الربوبية شاملة للخالقية و افراد الخلق و ذكره بعده للتأكيد و للإشعار بأنه أصل الأصول لكونه أول نعمة موجبة يجب الشكر عليه أولا و الظاهر أنه عام من الربوبية كما عرفت حيث لم يعتبر في مفهومه تبليغ الشيء إلى كماله كما في الرب فذكره بعده مع أن المشهور عكسه للتنبيه على تقدمه على التربية في الوجود كما أفاد مثل ذلك في قوله تعالى: وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم: 51] من سورة مريم.
قوله: (و يحتمل) احتمالا مرجوحا (التقييد و التوضيح) و الاحتراز عن الآلهة التي يسمونها أربابا زيف هذا الاحتمال إذ الاحتمال الأول راجح إذ كون الخطاب عاما للمؤمنين و الكافرين هو الصواب عنده و هو في نفس الأمر كذلك حيث بين عمومه و شيد أركانه حتى ذهب إلى أن ما روي عن علقمة لاءم صحة رفعه إلى النبي عليه السّلام و لو سلم صحته لا يوجب التخصيص و هذا الاحتمال بناء على التخصيص كما قال (إن اختص الخطاب بالمشركين) بناء على ظاهر ما روي عن علقمة و ما بني على المرجوح مرجوح فلا وجه لما قيل إن الأوضح هذا الاحتمال و التقييد معناه التخصيص أي تقليل الاشتراك الناشىء من إطلاق الرب على الآلهة التي يسمونها الخ. أيضا بخلاف الخالقية فإنها مخصوصة عندهم به تعالى: قال وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:
25] الآية. و الصفة التي تقلل الاشتراك تسمى مخصصة و لو في المعرفة و التي ترفع الاحتمال تسمى موضحة و لو في النكرة في اصطلاح المعاني و تخصيص التخصيص قوله: و لا يمتنع هذا الوجه أي أن تكون الصفة جارية على المدح في خطاب الكفرة لأنهم يقولون الرب الحقيقي هو اللّه تعالى و آلهتنا شفعاؤنا عنده فإذا سمعوه من جانب الرب تعالى لم يشتبه عليهم أنه هو الرب الحقيقي إلا أن الوجه الأول و هو جعل الصفة مادحة و الخطاب عام أوضح و أصح من جعلها مادحة و الخطاب خاص لأنه اظهر و النظم له ادعى لما سبق من قوله لما عدد اللّه تعالى فرق المكلفين إلى قوله اقبل عليهم بالخطاب و لما سيأتي من أن وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 25] عطف على وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة: 23] و كلاهما تفصيل لقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] قال الرازي في بيان معنى قوله إلا أن الأول أوضح و أصح أما أنه أوضح فلأن حال الكفرة يوجب أن يكون ربكم أعم و أما أنه أصح فلأن الأغلب في الصفة معنى التخصيص و التوضيح و حمل الكلام على الأغلب اصح و قد اقتفى بعض المحشيين في حل هذا التركيب أثر الرازي أقول أخذ الرازي من لفظ الأول في قوله إلا أن الأول أوضح و أصح ما ذكره أولا من أن الخطاب للمشركين و معنى الرب عام و الصفة مخصصة و نحن أخذنا منه أنه الوجه الأول من وجهي كون الصفة مادحة فإن مراده من قوله هذا الوجه في قوله و لا يمتنع هذا الوجه هو وجه كونه الصفة مادحة و الخطاب خاص بالمشركين و قد ذكر قبل هذا الوجه وجه كونها مادحة و الخطاب عام فينبغي أن يكون المراد من قوله هذا الوجه ثاني ذلك الوجه و ذلك الوجه هو الأول لا ما ذكره الرازي و يشهد به الاستثناء من لا يمتنع هذا الوجه فليتدبر.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 359
بالنكرة و التوضيح بالمعرفة اصطلاح النحاة و من هذا البيان ظهر ما في بعض الحواشي من القصور.
قوله: (و أريد بالرب أعم من الرب الحقيقي و الآلهة التي يسمونها أربابا) لما تعورف بينهم من إطلاق الرب على غيره تعالى كما في قوله تعالى حكاية: أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف: 39] فحينئذ يكون الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة: 21] احترازا عن تلك الأرباب ففي قوله من الرب الحقيقي إشارة إلى أن إطلاق الرب على آلهتهم مجاز و ليس هذا بمعنى إطلاق الرب عليه تعالى عندهم فحينئذ إطلاق الرب و أريد بهما متناولهما أيضا لا يخلو عن اختلال أما أولا فلأنه يلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز و أما ثانيا فلأنه واقع في كلامه تعالى بلا حكاية فتعميم الرب في كلامه تعالى إلى آلهتهم في غاية الضعف و محتاج إلى القول بأن هذا الإطلاق بناء على زعم المخاطب مع كون الإطلاق عليه تعالى بحسب نفس الأمر فالجمع بينهما و بينه تعالى في إطلاق واحد مشكل على أن إطلاق الرب مفردا على آلهتهم غير متعارف عندهم و إنما المتعارف الإطلاق جمعا كقوله تعالى حكاية:
أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ [يوسف: 39] الآية. قال قدس سره في حواشي سورة الفاتحة و أما الجمع فلما لم يطلق عليه تعالى صح إطلاقه على غيره إما بالإضافة نحو رب الأرباب أو بدون الإضافة نحو قوله تعالى: أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ [يوسف: 39] الآية انتهى. و بالجملة لو لم يتعرض لهذا الاحتمال لكان أصوب و قد أوضحنا هذا البحث في حاشية سورة الفاتحة.
قوله: (و الخلق) في العرف العام بقرينة قوله و أصله (إيجاد الشيء) أي إعطاء الوجود للشيء بالمعنى اللغوي الشامل للمعدوم فلا يتناول خلق العدم مع أن المصنف صرح في أوائل سورة الأنعام بأنه العدم المضاف إلى الملكة كالعمى ليس صرف العدم حتى لا يتعلق به الجعل أي الخلق إلا أن يقال اكتفى بالإيجاد عن الإعدام أو اختار هنا عدم تعلق الخلق بالعدم كما اختاره الجمهور (على تقدير) و هو تعيين المقدار (و استواء) عطف تفسير له إذ هو افتعال من المساواة و هي المعادلة المعتبرة بالذراع و الوزن و الكيل و هو عين تعيين المقدار لكن هذا لا يتناول ما لا مقدار له كالجزء الذي لا يتجزأ إلا أن يقال هذا بيان إفراده المشهورة على أن إيجاد الجزء الذي لا يتجزأ منفردا مما يمكن أن يناقش فيه و المعنى إيجاد الشيء على تقدير مشتملا على تعيين قدر فيما من شأنه التعيين كان ذلك التعيين قبل «1» الإيجاد كما هو مقتضى أصل معناه و قيل يحتمل أن يراد بالاستواء ما أبرز في الوجود على طبق ما قرر في العلم فحينئذ يكون تأسيسا لكن الأول هو المناسب لمعناه اللغوي و أيضا هذا المعنى مخالف لما نقل عن الراغب و هي المعادلة المعتبرة بالذراع الخ. كما سلف.
قوله: (و أصله) أي معناه اللغوي (التقدير) أي التعيين (يقال خلق النعل إذا قدرها و سواها بالقياس) ثم نقل في العرف العام لا سيما في اصطلاح الشرع إلى الإيجاد المذكور