کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج7، ص: 527
قوله تعالى:
[سورة المائدة (5): آية 72]
قوله: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة: 72] و هم اليعقوبية و في التعرض كونه ابن مريم إشارة جلية إلى كمال حمقهم.
قوله: (أي أني عبد مربوب مثلكم فاعبدوا خالقي و خالقكم) مثلكم أي في كونه مخلوقا مربوبا و إن من اللّه تعالى بالرسالة عليه و فضله على كثير من عباده.
قوله: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [المائدة: 72] أي في عبادته أو فيما يخص به من الصفات و الأفعال) إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [المائدة: 72] علة للمفهوم من الكلام حصر العبادة في اللّه لانحصار الخالقية و الربوبية فيه تعالى و المعنى أنه أي الشأن من يشرك باللّه فضلا عن اعتقاد الاتحاد بينه تعالى و بين أحد من مخلوقه.
قوله: (يمنع من دخولها) قدر الدخول إبرازا للحاصل لا إشارة إلى تقدير المضاف إذ المنع من العين أبلغ من المنع من الفعل كما حقق في محله و إن كان المآل المنع من الفعل لكن هذا مذهب الحنفية و التقرير لا يلائم مذهب الشافعي فلا بعد في القول بالإشارة إلى تقدير المضاف.
قوله: (كما يمنع المحرم عليه من المحرم فإنها دار الموحدين) إشارة إلى أن حرم هنا استعارة تبعية إذ الحرمة الشرعية مرتفعة في دار الجزاء و لا بعد في حمل التحريم على المعنى اللغوي بلا اعتبار التشبيه و الاستعارة.
قوله: (فإنها المعدة للمشركين) المعدة بالذات للمشركين و أما للعصاة فبالعرض.
قوله: (أي و ما لهم أحد ينصرهم من النار فوضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا على أنهم ظلموا بالإشراك و عدلوا عن طريق الحق) ينصرهم كما لم يكن لهم شفيع و لا مجازي للفعل المقدم كما في أكلوني البراغيث يصح تقديم الخبر على المبتدأ و المانع في المثال المذكور صيغة الجمع فإن الفعل إذا أسند إلى الظاهر لا يجمع فلو كان البراغيث فاعلا لكان ينبغي أن يقال أكلني البراغيث.
قوله: يمنع من دخولها كما يمنع المحرم عليه من المحرم جعل التحريم مجازا مستعارا للمنع من دخول الجنة تشبيها له به في عدم حصول ما يشتهيه النفس بالحظر عنه و إنما أخرجه عن ظاهره لأن دخول الجنة إنما يكون في الدار الآخرة و تلك الدار ليست بدار تكليف فلا يكون هناك تحريم و إنما هو في هذه الدار.
قوله: فوضع الظاهر موضع المضمر يعني مقتضى الأسلوب أن يقال و ما لهم من أنصار لسبق ذكرهم و لكن وضع لفظ الظالمين موضع ضميرهم للنكتة التي ذكرها.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج7، ص: 528
بالفداء و غيره إذ المراد كما سينبه عليه المشركون و أما قول المص في أواخر سورة آل عمران من أنه لا يلزم من نفي النصرة نفي الشفاعة لأن النصرة دفع بقهر فبناء على أن المراد بالظالمين هناك العصاة أو العام منها و من المشركين ثم الدوام المستفاد من الجملة الاسمية لدوام النفي لا لنفي الدوام و في قوله و ما لهم أحد إشارة إلى أن المراد بالجمع هنا الجنس و النفي مسلط عليه و إلا فنفي تعدد الأنصار لا يستلزم نفي ناصر أو ناصرين كما صح أن يقال لا رجال في الدار إذا كان فيها رجل أو رجلان دون لا رجل في الدار و يؤيده ما نقل العلامة التفتازاني عن الزمخشري أنه وضع الأنصار في مقام نفي الناصر بناء على زعمهم أي لهم أنصار كثيرة انتهى استفدنا من قوله وضع الأنصار موضع نفي الناصر أن الغرض نفي الجنس لا نفي التعدد.
قوله: (و هو يحتمل أن يكون من تمام كلام عيسى عليه السّلام و أن يكون من كلام اللّه تعالى) من تمام كلام عيسى فح الظاهر أن يقال و ما لكم أحد ينصركم كما قال في الكشاف و لا ينصركم أحد لكن المصنف نظر إلى قوله إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [المائدة: 72] فإنه يقتضي ما ذكره المص و التنبيه إلى هؤلاء القائلين و غيرهم فيدخلون فيه دخولا أوليا.
قوله: (نبه به على أنهم قالوا ذلك تعظيما لعيسى و تقربا إليه و هو معاديهم بذلك) أي عيسى عليه السّلام.
قوله: (و مخاصمهم فيه) في ذلك القول فهم ظلموا و عدلوا عن الحق السوي فيما يقولون و عن هذا لم يساعدهم عيسى عليه السّلام مع أنهم كانوا معظمين بذلك.
قوله: (فما ظنك) في كونهم ظالمين.
قوله: (بغيره) أي بغير ذلك القول من افترائهم و قولهم إنه لغير رشدة فإن كونهم ظالمين أولى و أحرى من كونهم ظالمين في ترفيعهم بالألوهية.
قوله: و هو يحتمل أي قوله عز و جل: وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ [المائدة: 72] يحتمل أن يكون من تمام كلام عيسى داخلا مع ما قبله في حيز القول في قال المسيح فهو تذييل لكلامه السابق تقرير المعنى التبري المستفاد منه يعني إني بريء مما يقولون و لا يصح لي أن أساعدكم و أنصركم مع هذا الظلم لأن الفارق العالم لا يساعد أحدا على الظلم الفاحش و الباطل البين بطلانه.
قوله: و أن يكون من كلام اللّه استحسن بعض الفحول من شراح الكشاف هذا الوجه قال إن اللّه تعالى لما نعى على النصارى قولهم إن اللّه هو المسيح ابن مريم في أنه كلمة شقاء و قائلها كافر مبالغ في وضع الشيء غير موضعه أتى بقول عيسى عليه السّلام بيانا لتبريه عنهم و خذلانه إياهم ردا لزعمهم أن اللّه هو المسيح ابن مريم و علله بقوله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [المائدة: 72] فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النَّارُ [المائدة: 72] زيادة للتبري عنهم و ذيله بقوله: وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ [المائدة: 72] مزيدا للتقرير فعلى هذا يكون قوله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ [آل عمران: 72] الخ من كلام اللّه تعالى أيضا لا من مقول قول عيسى عليه السّلام.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج7، ص: 529
قوله تعالى:
[سورة المائدة (5): آية 73]
قوله: (أي أحد ثلاثة) هذا معنى آخر غير المعنيين المشهورين.
قوله: (و هو حكاية عما قاله النسطورية و الملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة) و هي الوجود و العلم و الحياة و سموها الأب و الابن و روح القدس و زعموا أن أقنوم العلم قد انتقل إلى بدن عيسى عليه السّلام فجوزوا الانفكاك و الانتقال فكانت ذوات متغايرة من غاية حمقهم جعلوا الذات الواحدة نفس ثلاث صفات و قالوا إنه تعالى جوهر واحد له ثلاثة أقانيم و أرادوا بالجوهر القائم بنفسه و بالأقنوم الصفة و لما قالوا الانتقال لزمهم إثبات قدماء مستقلة بذواتها و لذا قال تعالى حكاية عنهم لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة: 73] و بينه المصنف بأن اللّه تعالى واحد من المتعدد على ما لزم من كلامهم.
قوله: (و ما سبق قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد) أي بطريق الحلول.
قوله: (و ما في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث إنه مبدأ جميع الموجودات) معنى أصل الكلام و ما معبود بالحق موجود و المصنف أشار إلى توضيح معنى الخبر المحذوف و هو الموجود بوجود واجب مقتضى الذات و ما سواه يستند وجوده إليه و لهذا يستحق العبادة لا غير فما في الوجود ذات شأنه هذا إلا إله موصوف بالوحدانية.
قوله: (إلا إله موصوف بالوحدانية متعال) منزه مقدس.
قوله: (عن قبول الشركة) فضلا عن الاتحاد فبهذا يرد قول اليعقوبية أيضا أي كما يرد التثليث.
قوله: أي أحد ثلاثة أي أحد ثلاثة آلهة ففي الآية إضمار إلا أنه حذف ذكر الآلهة لأن ذلك معلوم من مذهبهم قال الواحدي لا يكفر من يقول إن اللّه ثالث ثلاثة إذا لم يرد به ثالث ثلاثة آلهة فإنه ما من اثنين إلا و اللّه ثالثهما بالعلم كقوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ [المجادلة: 7].
قوله: القائلون بالأقانيم الثلاثة المتكلمون حكوا عن النصارى أنهم يقولون جوهر واحد ثلاثة أقانيم أب و ابن و روح القدس و هذه الثلاثة إله واحد كما أن اسم الشمس يتناول القرص و الشعاع و الحرارة و عنوا بالأب الذات و بالابن الكلمة و بالروح القدس الحياة فأثبتوا الذات و الكلمة و الحياة و قالوا إن الكلمة التي هي كلام اللّه اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر و اختلاط الماء باللبن و زعموا أن الأب إله و الابن إله و الروح إله و الكل إله واحد و هذا معلوم البطلان بديهية العقل فإن الثلاثة لا يكون واحدا و الواحد لا يكون ثلاثة لا مقالة أشد فسادا و أظهر بطلانا من مقالة النصارى.
قوله: و ما سبق قول اليعقوبية أي و ما سبق و هو قولهم: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: 72] هو قول اليعقوبية و ذلك أنهم قالوا إن اللّه و مريم و عيسى آلهة ثلاثة و الذي يؤكد هذا قوله تعالى للمسيح: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة: 116].
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج7، ص: 530
قوله: (و من مزيدة للاستغراق) أو للتنصيص على الاستغراق فهذا أبلغ من لا إله إلا هو.
قوله: (و لم يوحدوا) توحيدا بلا حلول و اتحاد.
قوله: (أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر) أي المراد ليس إحداث الكفر بل بقائه عليه إذ الكلام في القائلين بالتثليث فحينئذ كلمة من للتبعيض.
قوله: (أو ليمسن الذين كفروا من النصارى) فمن ح للبيان.
قوله: و من مزيدة للاستغراق أي ما إله في الوجود قط إلا إله واحد قال صاحب الإقليد إن إفادة من الاستغراقية الاستغراق لأنها تدخل لابتداء الجنس إلى انتهائه فقولك هل من رجل تقديره هل من واحد إلى أقصاه إلا أنه اكتفى بذكر من عن ذكر إلى لدلالة أحد الغايتين على الأخرى و إنما قيل إن مثل لا رجل متضمن لمعنى من الاستغراقية لأن لا رجل في الدار بالفتح أبلغ في النفي من لا رجل في الدار بالرفع و هو ليس رجل في الدار و لا يمكن تقدير ما يكون به كذلك إلا بحرف يفيد الاستغراق فوجب تقدير من و لو كانت لا مفيدة للاستغراق لذاتها لما جاز قولهم لا رجل في الدار بل رجلان برفع رجل قال الإمام في تفسير لا إله إلا هو قدر النحويون لا إله في الوجود و ذلك غير مطابق للتوحيد الحق لأن هذا نفي لوجود الإله الثاني و لو لم يضمر هذا لكان لا إله نفيا لماهية الإله الثاني و معلوم أن نفي الماهية أقوى بالتوحيد الصرف من نفي الوجود فعلى هذا لو ترك التقدير بقوله في الوجود ليبقى مطلقا فيتناول الوجود و الإمكان و ما يجري مجراهما لكان أولى.
قوله: أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر هذا على أن يحمل من في منهم على التبعيض و قوله: أو لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة: 73] من النصارى على أن يصرف من إلى معنى البيان أقول يفهم من صرف من إلى التبعيض أن بعضا ممن لم ينتهوا عما يقولون لا يمسهم العذاب لأن الذين كفروا مظهر موضوع موضع المضمر و المقام مقام أن يقال ليمسنهم و ضمير المفعول في ليمسنهم لمن ذكروا في الشرط و هم الذين لم ينتهوا عن قولهم ذلك و كذا ما وضع موضع ذلك الضمير عبارة عنهم جميعا فيصير المعنى و إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن بعض هؤلاء عذاب اليم و صرف كفروا إلى معنى بقوا على الكفر خلاف الظاهر و أي ضرورة الجأت إلى الخروج عن الظاهر مع حمل من على البيان الواضح المعنى قال الزمخشري فإن قلت فهلا قيل ليمسنهم عذاب أليم قلت في إقامة المظهر مقام المضمر فائدة و هي تكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا [المائدة: 73] و في البيان فائدة أخرى و هي الإعلام في تفسير الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ [الأنعام: 1] أنهم بمكان من الكفر و المعنى ليمسن الذين كفروا من النصارى خاصة عذاب أليم أي نوع شديد الألم من العذاب كما يقول أعطني عشرين من الثياب تريد من الثياب خاصة لا من غيرها من الأجناس التي يجوز أن يتناولها عشرون تم كلامه ثم فسر الذين كفروا بهم في قولهم منهم لأن من للبيان تنبيها على أنهم بلغوا في الكفر بحيث صاروا أعلاما للكفر مشاهير فيه حتى أمكن أن يعرف الكفر بهم هذا كما قال الزمخشري في تفسير الفاتحة في بيان إبدال صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] قولك هلى أدلك على أكرم الناس و أفضلهم فلان أبلغ من فلان الأفضل لأنك ثنيت ذكره مجملا أولا و مفصلا ثانيا و أوقعت فلانا تفسيرا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم و الفضل قال الطيبي و يمكن أن يقال إنه من باب رأيت منك أسدا أي من باب التجريد جرد من نفس النصارى الذين كفروا مبالغة لكمال الكفر فيهم.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج7، ص: 531
قوله: (وضعه موضع ليمسنهم) بيان على الاحتمال الأخير إذ الاحتمال الأول ليس من وضع الظاهر موضع المضمر لكون المراد بعضهم الباقي على الكفر اخره لفوت الإشارة إلى أن من تاب منهم لا يمسهم العذاب بخلاف الأول.
قوله: (تكريرا للشهادة على كفرهم) أي الاخبار حيث أخبر أولا بقوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ [المائدة: 73].
قوله: (و تنبيها على أن العذاب على من دام على الكفر و لم يقلع عنه فلذلك عقبه بقوله: أَ فَلا يَتُوبُونَ [المائدة: 74] الآية) و تنبيها ناظر إلى الاحتمال الأول و كون من للتبعيض يوهم هذا أنه على تقدير الأول من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر و ليس كذلك فالأولى ذكره قبل قوله أو ليمسن من النصارى الخ لكن أخره لإرادة ربطه بقوله:
أَ فَلا يَتُوبُونَ [المائدة: 74] الآية كما أشار إليه.
قوله تعالى:
[سورة المائدة (5): آية 74]
أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَهُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)
قوله: (أي أَ فَلا يَتُوبُونَ بالانتهاء عن تلك العقائد الباطلة و الأقوال الزائغة) و هي اعتقاد الاتحاد و تعدد الالهة الخ و الأقوال الناشئة عن تلك العقائد فلو اكتفى بأحدهما لكفي.
قوله: (و يستغفرونه بالتوحيد) و الندم على التثليث كما في الفريق الثاني.
قوله: (و التنزيه عن الاتحاد و الحلول) إشارة إلى طريق الاتحاد كما في الفريق الأول.
قوله: (بعد هذا التقرير و التهديد) إشارة إلى معنى الفاء و تعقيب قوله: أَ فَلا يَتُوبُونَ [المائدة: 74] على الاحتمالين المذكورين في لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة: 73] أما على الأول فظاهر إذ عدم التوبة يقتضي التعجب إذا خص العذاب بمن دام على الكفر و أما على الثاني فوجه التعقيب أنه بعد هذا التقرير و التهديد على كفرهم ينبغي أن يتوبوا لئلا يكون من أهل دار الأشرار.
قوله: (يغفر لهم و يمنحهم من فضله إن تابوا) تنبيه على معنى رحيم و إن المراد الأنعام تفضيلا.
قوله: و تنبيها على أن العذاب على من دام على الكفر هذا المعنى مستفاد من الذين كفروا فإنه لم يصح حمله على المعنى الذين أحدثوا الكفر لأنهم كافرون بالفعل متصفون بالكفر فوجب المصير إلى معنى الدوام و الثبات على الكفر فهذا كقولك للقائم قم فإن معناه دم على قيامك.
قوله: و لذلك عقبه بقوله: أَ فَلا يَتُوبُونَ [المائدة: 74] أي و لأن الآية السابقة و هي لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [المائدة: 73] منبها على أن العذاب على من داوم على الكفر عقبها بقوله عز و جل: أَ فَلا يَتُوبُونَ [المائدة: 74] وجه تعليل تعقيب هذه الآية بما سبق أن الاستفهام فيه دال على التعجيب من إصرارهم على الكفر فإن المعنى أَ فَلا يَتُوبُونَ [المائدة:
74] بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر و هذا الوعيد الشديد عما هم عليه فإن فيه كما يرى تعجيبا من تصميمهم و تصلبهم على الكفر و تحضيضا على التوبة و لذا قالوا إن الفاء في أَ فَلا يَتُوبُونَ [المائدة: 74] عاطفه قد عطفته على محذوف أي أيصرون فلا يتوبون.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج7، ص: 532
قوله: (و في هذا الاستفهام تعجيب من إصرارهم) أي هذا الاستفهام للإنكار و التعجيب و قد صرح المص بهما في غير واحد من المواضع.
قوله تعالى:
[سورة المائدة (5): آية 75]
قوله: ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة: 75] لما أبطل سبحانه و تعالى قول من قال بالاتحاد و الحلول و التثليث أكد بطلانه بالبرهان.
قوله: (ما هو إلا رسول) قصر الموصوف على الصفة قصر افراد.
قوله: (كالرسل قبله خصه اللّه بآيات كما خصهم بها) فكما أنهم لم يترقوا من مرتبة العبودية بما أوفوا به من أغرب المعجزات إلى مرتبة الألوهية فكذلك عيسى عليه السّلام.
قوله: (فإن أحيى الموتى على يده فقد أحيى العصا و جعلها حية تسعى على يد موسى عليه السّلام و هو أعجب) إذ لم يتصف بحياة قبل قط بخلاف الموتى فإنهم كانوا متصفين بالحياة و أيضا مثل العصا ليس من شأنه الحياة بخلاف الموتى.
قوله: (و إن خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب و أم و هو أغرب) فإنه خلق من التراب بلا أب و أم فإن الإنشاء من أصل ليس من جنسه أغرب من إيجاد شيء يجانسه و لو من طرف واحد كحواء رضي اللّه تعالى عنها فإنها أنشأت من ذكر وحده و كعيسى عليه السّلام فإنه خلق من أنثى وحدها فلو كان مثل هذا ينافي العبودية و يقتضي الألوهية لكان الحال فيهم كذلك بل أولى و أحرى لكن الثاني منتف و اعترفتم به فالمقدم مثله.
قوله: (كسائر النساء اللاتي) أشار إلى أن ما في المعطوف عليه من القيد و التشبيه معتبر في المعطوف بمعونة المقام إذ المرام إبطال مقال الكفار في حقها أيضا.
قوله: (يلازمن الصدق) أي أن الصديقة مبالغة الصدق لبناء المبالغة.
قوله: (أو يصدقن الأنبياء) أي الصديقة مبالغة التصديق تبعه صاحب الكشاف و إن كان الفعيل من المزيد غير مشهور لكن الظاهر أنه محذوف الزوائد فما منزلتها كعيسى عليه السّلام كصاحبي آخر فمن أين اشتبه عليكم أيها النصارى أمرها حتى و صفتموها بما لم يوصف صحابية أخرى.
قوله: فإنه أحيى الموتى على يده يعني إن كان دليلكم في اعتقادكم أن عيسى إله إحياء اللّه تعالى الموتى على يده فإن في موسى عليه السّلام ما هو أعجب و أغرب منه و هو إحياء اللّه تعالى خشبة جامدة على يده و جعلها حية تسعى و الحال أنه لا أحد من أمته اعتقد أن موسى إله و إن استدللتم على ذلك بأنه مخلوق من غير أب فآدم مخلوق من غير أب و أم و هو أغرب من ذلك و الحال أن لا أحد يعتقد أنه إله و أن تلك الخواص ظهرت في عيسى إنما هي صنع اللّه و فعله الذي أظهره فيه و هو محل ظهور تلك الآثار التي أظهرها اللّه فيه و ليس له في ذلك فعل مستقل حتى يتوهم أنه إله.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج7، ص: 533
قوله: (و مفتقران إليه افتقار الحيوانات) لحفظ الحياة و البنية بطريق جري العادة قيد الافتقار إما مستفاد من صيغة الاستمرار أو من فحوى الكلام بمعونة المقام بل من عبارة الكلام إذ هو مسوق لبيان افتقارهما و البعد عما نسب إليهما و مثل هذا ثابت بعبارة النص و إن كان لازم المعنى الموضوع له.
قوله: (بين أولا أقصى ما لهما من الكمالات) اللائقة بهما فلا يقتضي اتحاد الكمال فيهما.
قوله: (و دل على أنه لا يوجب لهما الوهية لأن كثيرا من الناس يشاركهما في مثله) أي في الغرابة نفسها و إن كان في البعض أغرب و أعجب فما كان علة للألوهية لا يتفاوت في المحال ثم نبه على نقصهما و في ذكر التنبيه إشارة إلى فرط حماقة الكفرة.
قوله: (ثم نبه على نقصهما و ذكر ما ينافي الألوهية و يقتضي أن يكونا من عداد المركبات الكائنة الفاسدة) و ذكر ما ينافي الألوهية هذا من باب الترقي إذ بين أولا أن عدم علية ما لهما من الكمال بتحقق ذلك الكمال أو مثله في محل مع انتفاء الألوهية فيه كما اعترفوا به ثم بين تحقق علة توجب انتفاء الألوهية.
قوله: (ثم عجب ممن يدعي الربوبية لهما مع أمثال هذه الأدلة الظاهرة فقال انْظُرْ كَيْفَ [المائدة: 75] الآية) إشارة إلى أن ما ذكر هنا شيء من الأدلة سواء كانت تلك الأدلة أنية أو لمية مثل الثاني.
قوله: (كيف يصرفون عن استماع الحق و تأمله) أي أنى بمعنى كيف لا بمعنى من أين.
قوله: (و ثم لتفاوت ما بين العجبين أي أن بياننا للآيات عجب و إعراضهم عنها أعجب) و ثم لتفاوت أي ليس للتراخي في الزمان بل للتراخي الرتبي.
قوله تعالى:
[سورة المائدة (5): آية 76]
قوله: (يعني أن عيسى و إن ملك ذلك بتمليك اللّه إياه لا يملكه من ذاته و لا يملك مثل ما يضر اللّه تعالى به من البلايا و المصائب و ما ينفع به من الصحة و السعة و إنما قال ما) لا يملكه من ذاته أي النفي راجع إلى هذا القيد لا إلى أصل الفعل و إنما قال ما أي في موضع من إذ المراد به من يعقل.