کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج8، ص: 104
وجه وصف ما أتاهم ليلا ببغتة أي فجأة من غير إشعار بحلوله بل يجوز خلافه فيه و فيما أتاهم نهارا يجوز إتيانه بغتة كما يجوز خلافه و لعل لهذا مرضه.
قوله: (و قرىء بغتة و جهرة) بفتح الغين و الهاء على أنهما مصدران بوزن غلبة و في القراءة الأولى اسمان لما وقع من غير مقدمة و ما وقع بتقدم امارة كما مر فيهما حالان في الأولى و مفعول مطلق في الثانية بالتقدير أي إتيانا بغتة أو جهرة قيل و مذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثاني لكونه حرفا حلقيا قياسا مطردا كالبحر و البحر و ما أرى الحق إلا معهم انتهى. و الظاهر منه أن معناهما واحد و قد صرح ذلك القائل بأنهما مصدران في القراءة الشاذة.
قوله: (أي ما يهلك به) أشار به إلى أن الاستفهام للإنكار الوقوعي فيرجع إلى معنى النفي و هذا أبلغ من أيهلك و ليس مراده أن هل للنفي حقيقة لما مر من أن أ رأيت الذي بمعنى أخبرني يلزم بعده الاستفهام و لو مجازا.
قوله: (هلاك سخط و تعذيب) تصحيح للحصر الذي هو قصر الصفة إذ تأويله مفهوم الكون مهلكا أو هالكا مقصور على القوم الظالمين مع أن هذا المفهوم متحقق في غيرهم من الصالحين لرفع درجاتهم و تكفير سيئاتهم فصحة الحصر المذكور بهذا القيد المفهوم من السوق.
قوله: (و لذلك) أي و لكون الاستفهام راجعا إلى النفي (صح الاستثناء المفرغ منه) لأنه لا يقع في الإثبات إلا أن يستقيم المعنى و هنا ليس كذلك و أما قوله تعالى: وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة: 32] فمأوول بالنفي أي لم يرض اللّه إلا أن يتم نوره و ليس المعنى و لذلك أي و لأن المراد هلاك سخط صح الاستثناء المفيد للحصر لأنه غير مختص بالاستثناء المفرغ و أيضا ما ذكرناه لازم في الاستثناء المفرغ قيل و المسألة نحوية لأنه في الاستثناء المفرغ يقدر العموم بما يقدر في الإثبات بالنفي و فيما لم يقدر و يجوز في الإثبات نحو قرأت إلا يوم الجمعة إذ يصح قرأت كل يوم إلا يوم الجمعة و هنا يصح هلاك ما عدا الظالمين إلا أن المعنى هنا على النفي لا أنه لولاه لم يصح الاستثناء المفرغ انتهى. و ظاهره سهو إذ لا يصح يهلك كل قوم هلاك سخط إلا القوم الظالمون و لا يصح أيضا يهلك كل قوم إلا الظالمون كما يصح قرأت كل يوم إلا يوم الجمعة و إن أراد به الإمكان الذاتي لا الإمكان المجامع مع الفعل فهو مع كونه خلاف الظاهر فيرد عليه أن أكثر الإثبات كذلك و يختل قول النحاة و الاستثناء المفرغ لا يقع في الإثبات إلا أن يستقيم المعنى و كون مراده الاحتمال الثاني ضعيف أما أولا فلما ذكرناه و أما ثانيا فلأن كون معنى و لذلك أي و لأن قوله: هلاك سخط و تعذيب جواب لما يقال إن العذاب إذا نزل لم يميز بين الظالمين و غيرهم فكيف خصص الهلاك بهم و الجواب أن الهلاك و إن أعم الأبرار و الأشرار إلا أن أهل الاشرار من جهته تعذيبهم و سخط اللّه عليهم و هلاك الأبرار ليس من تلك الجهة بل يستوجبوا أن يسبب نزول ذلك البلايا بهم مثوبات عظيمة و درجات رفيعة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج8، ص: 105
المراد هلاك سخط صح الاستثناء المفرغ فاسد لأنه غير مختص بالاستثناء المفرغ لأنه لو قيل و ما يهلك أحد إلا القوم الظالمون يجب كون المراد هلاك سخط و إلا لما صح الاستثناء المفيد للحصر مع أنه ليس بمفرغ.
قوله: (و قرىء يهلك بفتح الياء) معلوم من الثلاثي و في القراءة الأولى من المبالغة ما لا يخفى.
قوله تعالى:
[سورة الأنعام (6): آية 48]
قوله: (و ما نرسل المرسلين) الظاهر أن صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية و المراد بالمرسلين النبيون و قيل لبيان أن ذلك أمر مستمر جرت عليه عادة إلهية.
قوله: (المؤمنين بالجنة) هذا بناء على التبادر لأن التنجيز هو الظاهر المتعارف فإنه إذا عمم الكافرين يحتاج إلى التعليق بأن يقال لهم إن لكم جنات إن آمنتم و شكرتم و هو خلاف الظاهر و كذا الكلام في الإنذار و ما بعده يناسب التخصيص و هو قوله تعالى: فَمَنْ آمَنَ وَ أَصْلَحَ [الأنعام: 48] الآية وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا [الأنعام: 49] الآية و أيضا تخصيص التبشير بالجنة مع كونه أهم و أتم مذكور في النظم الجليل في مواضع عديدة و كذلك الإنذار فلا يرد أنه لا اختصاص للتبشير بالجنة و للإنذار بالنار بل يعم الدنيوي أيضا.
قوله: (الكافرين بالنار).
قوله: (و لم نرسلهم ليقترح عليهم) إشارة إلى أن القصر إضافي كما في قوله تعالى:
إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى: 48] و التعبير باللام التعليلية للتنبيه على أن مبشرين و منذرين حالان في قوة التعليل أي و ما نرسل المرسلين إلا للتبشير و الإنذار لا للاقتراح عليهم أي طلب الآية الدالة على الرسالة عنادا و تعصبا لظهور الآيات و المعجزات كنار على الأعلام الراسيات و فيه إشارة إلى ارتباطه بقوله: وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ [العنكبوت: 50] الآية و ما بينهما من تتماته.
قوله: (و يتلهى بهم) أي يستهزىء بهم و يسخر منهم (ليقترح عليهم) قيل فيه إشارة إلى أن الحال يعني مبشرين في معنى العلة يعني علة الإرسال التبشير و الإنذار لا الاقتراح و الوجه ما أسلفناه فمن آمن تفريع على الإرسال كأنه قيل فكان الناس بعد إرسالهم فرقتان فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ الآية و من كفر فيمسهم العذاب لكن غير الأسلوب في الثاني حيث عبر بالذين و التكذيب بآياتنا تنبيها على أن تكذيبهم الرسل تكذيب آياتنا كما قال تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَ قوله: و لم نرسلهم ليقترح عليهم و يتلهى بهم الاقتراح عليهم كقولهم قالوا لو لا أنزل عليه ملك هو استهزاؤهم بالرسل المدلول عليه بقول و لقد استهزىء برسل من قبلك.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج8، ص: 106
الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: 33] و قدم الأول لشرافتهم فعلم منه أن هذا الكلام الكريم الشريف فيه اختصار لطيف.
قوله: (ما يجب إصلاحه على ما شرع لهم) لا على قضية العقل فإن العقل لا يحكم بالحسن و القبح و حاصله فمن آمن باللّه و صفاته و سائر ما يجب الإيمان به و أصلح و عمل عملا صالحا.
قوله: (من العذاب) و إن كان لهم خشية إجلال.
قوله: (بفوات الثواب) و إن كان لهم حزن بفوات كثير الثواب كما ورد في الأخبار و الآثار وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا [الأنعام: 49] عطف على من آمن الخ قسيم له كأنه قيل فمن لم يؤمن و لم يصلح بل كذبوا بآياتنا جنانا و لسانا أو جنانا فقط.
قوله تعالى:
[سورة الأنعام (6): آية 49]
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49)
قوله: (جعل العذاب ماسا لهم) مع أن المتبادر كون الماس ذا قصد مع أن العذاب ليس كذلك.
قوله: (كأنه الطالب للوصول إليهم) إشارة إلى أن الكلام فيه استعارة تبعية أو استعارة مكنية و تخييلية شبه العذاب بالحي المريد و إسناد المس إليه تخييلية و هذا موافق لتقرير المص حيث قال كأنه أي العذاب كالطالب و لا وجه لكونه استعارة تبعية إلا أن يقال إن يمس مستعار للإصابة و هو لا يوافق بيان المص و قال المحشي الفاضل إن المس ليس من خواص الاحياء حتى يلزم ما ذكروه و إنما هو تلاقي الجسمين من غير حائل بينهما و الجواب أن تلاقي الجسمين ليس بفعلهما في غير الاحياء و إنما هو بفعل الاحياء فإن أريد بتلاقي الجسمين التلاقي بفعل أنفسهما فلا بد من التوجيه الذي ذكره المص أو نحوه و إن أريد به التلاقي بفعل غيرهما فلا يضرنا و بالجملة اقتضاء المس الحقيقي القصد و الإرادة من أجلى البديهيات و كلام الزمخشري يشعر بأن المس صفة للحي و يعينه قولهم إن القوة اللمسية و المسية من قوى الحيوانية و يخدشه أنه يجوز للنار و العذاب إذ البينة ليست بشرط عندنا كما صرح به في سورة الفرقان في قوله تعالى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [الفرقان: 25] الآية و في الحواشي السعدية هناك تفصيل فليراجع إليه ثم الظاهر أن أحوال عصاة الموحدين لم يتعرض لها هنا كما هو كذلك في أكثر المواضع من تقسيم المكلف إلى قسمين مؤمن مطيع و كافر فاسق و لم يتعرض لمؤمن فاسق.
قوله: (و استغنى بتعريفه عن التوصيف) يعني لم يجىء العذاب الأليم أو العظيم لما ذكر إذ التعريف لكونه للعهد يفيد ما أفاده الوصف و ذكر الوصف في بعض المواضع لمزيد التهويل.
قوله: (بسبب خروجهم عن التصديق) أي الباء للسببية أو للبدلية و ما مصدرية و التعرض له هنا دون الفريق الأول للإشعار بأن فلاحهم و دخولهم الجنة لمزيد التفضل لا بالعمل فإنهم كأجير أخذ الأجرة قبل العمل و ذكره في بعض المواضع لوعده تعالى: و أما
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج8، ص: 107
يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ فبسبب جرمهم كأنه داء ساقيهم إلى النار قوله (و الطاعة) بناء على أنهم مكلفون بالفروع.
قوله تعالى:
[سورة الأنعام (6): آية 50]
قوله: (مقدوراته) أي الخزائن التي تحفظ الأشياء النفيسة فيها مجاز عن المقدورات و استعارة لها وجه المشابهة الحفظ مطلقا أو في تعذر الوصول أو في الفخامة لأنها محفوظة في القدرة كما أن الأشياء النفيسة محفوظة في الخزائن ثم أطلق الخزائن على المخزونات إطلاقا لاسم المحل أو الحال.
قوله: (أو خزائن رزقه) أي بتقدير المضاف و هو الظاهر بخلوه عن التكلف الذي في الوجه الأول فح لا استعارة فيها و على هذا يكون إشارة إلى جواب قولهم: أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ [الفرقان: 8] الآية كما أن الأول إشارة إلى جواب قوله: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ [الأنعام: 37] الآية.
قوله: (ما لم يوح إلى) عطف بيان للغيب و الحال أن المراد بالغيب ما لم يوح إليه فإنه يعلم الغيب الذي أوحي إليه (و) أيضا المراد به ما (لم ينصب عليه دليل) فإن الغيب الذي نصب عليه دليل يعلمه عليه السّلام و غيره كالباري تعالى و صفاته العلية و القيامة و أحوالها فالمراد الغيب الذي لا يدركه الحس و لا يقتضيه بديهة العقل و لم ينصب عليه دليل بالقرينة القوية على ذلك و هذا هو المعنى بقوله تعالى: وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ [الأنعام: 59] كما صرح به المص في أوائل البقرة و ليس في كلامه إشارة إلى اجتهاد الأنبياء عليهم السّلام لأن ما نصب عليه دليل يعلمه غير المجتهد أيضا يرشدك إليه تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: 3]
قوله: (و هو من جملة المقول) أي مقول لا أقول لكم لا مقول قل فكلمة لا في لا أعلم زائدة مؤكدة لنفي لا أقول و لم يجعل من مقول قل كما جعله في سورة هود على أحد الاحتمالين لأن المقصور هنا نفي دعوى مالكيته الخزائن و نفي دعوى علم الغيب ليكونا شاهدين على نفي دعوى الألوهية بخلافه هناك وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ.
قوله: (إني من جنس الملائكة) حتى تقولوا أنت إلا بشر مثلنا أو يقولوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق أقدر ما يقدرون عليه فح يكون قوله: إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام: 50] تشبيه بليغ آخره لأن الأول هو الظاهر المتبادر و إنما أعيد و لا أقول لأن مقوله مغاير للمقول الأول بخلاف الغيب فإنه مناسب لقوله: عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ [الأنعام: 50] لأنه باطلاع الغيب و لذا لم يعد لفظ لا أقول لكن أورد عليه أنه يلزم من كلامه كون التقدير هكذا و لا أقول لكم لا أعلم الغيب و لا صحة له و الجواب أن لا في لا أعلم زائدة تذكرة للنفي في لا أقول كقوله: وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] و له نظائر كثيرة
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج8، ص: 108
و المعنى لا أقول لكم أعلم الغيب حتى تقولون إن كنت رسولا فأخبرنا بما يقع في المستقبل لنستعده و إنما أخبرتكم بما يقع في المستقبل بالوحي و لذا قال: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ [الأنعام: 50] فظهر من هذا الكلام أن مراد المص بقوله و هو من جملة المقول إنه من جملة مقول لا أقول عطفا على عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ [الأنعام: 50] لا من جملة مقول قل لأن المقصود نفي دعوى مالكية خزائن اللّه و نفي دعوى علم الغيب الذي لم ينصب عليه دليل و لم يوح إليه بعد ليكونا شاهدين على نفي دعوى الإلهية على ما اعتبره المص كما سيأتي و لأن المقصود نفي ادعاء علمه الغيب كما نفي ادعاء مالكية خزائن اللّه لا نفيها لأنهما معلومان عند الناس كما قيل و يرد عليه أن قوله تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا [الأعراف: 188] الآية مسوق لنفي مالكية النفع و الضر لنفسه مع أنه معلوم للناس أيضا فما هو جوابكم فهو جوابنا فالظاهر الوجه المتقدم ألا يرى أن النحرير التفتازاني اختار أنه من مقول القول و المص قال و من جملة المقول و لم يقيد بلا أقول فيحتمل كلامه أمرين بل لا يبعد أن يقال إن مآلهما واحد لأن نفي علم الغيب عن نفسه مستلزم لنفي دعوى علم الغيب دعوى مطابقة للواقع و كذا الكلام في غيره و لذا ورد في التنزيل الكريم كلا المسلكين كما في قوله تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ [الأعراف: 188] الخ حيث لم يجىء قل لا أقول أَمْلِكُ لِنَفْسِي [الأعراف: 188] الآية مع أنه مستقيم أيضا و نظائره كثيرة.
قوله: (أو أقدر على ما يقدرون عليه) فيه إشارة إلى رد ما قيل إن هذه الآية تدل على أفضلية الملائكة إذ المراد به نفي قدرته على ما لا يقدر عليه الملائكة و لو سلم ذلك فلا يضرنا لأن المراد الأفضلية من جهة التجرد و عدم الاحتياج إلى الأكل و الشرب و غيرهما بقرينة أن هذا الكلام مسوق لرد قولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي الخ. و نحن معاشر أهل السنة لا ننكره إذ مرادنا بأفضلية البشر من جهة الثواب.
قوله: (تبرأ من دعوى الألوهية و الملكية) كأنه جعل قوله: لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ [الأنعام: 50] عبارة عن نفي دعوى الألوهية و كذا نفي علم الغيب أيهما لأن قسمة الأرزاق بين المرزوقين و علم الغيب مخصوصان به تعالى و لذا كرر لفظ أقول و يرد عليه أن أحدا لم يدع أن محمدا يدعي الألوهية حتى أجاب عليه السّلام بهذه الكناية بل متضمن للجواب عن قولهم و اقتراحهم أن يوسع عليهم خزائن الدنيا و أرزاقهم و للجواب عن قولهم أو يكون لك بيت من زخرف أو يكون لك جنة يأكل منها و للجواب عن قولهم إن كنت رسولا فأخبرنا بما يقع في المستقبل لنستعد له كما مر مع أن الإضافة خزائن إلى اللّه تعالى يأبى عن الكناية عن نفي الألوهية و لا يعرف وجهه هذا المقال و العلم عند اللّه الملك المتعال قال في آخر سورة الأعراف في قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي [الأعراف: 203] لست بمختلق للآيات أو لست بمقترح لها و هذا أحسن مما ذكره هنا من وجوه شتى.
قوله: (و ادعى النبوة) أي أن أتبع إلا ما يوحى إلي ادعاء النبوة و الرسالة عبر عنه به
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج8، ص: 109
و لم يصرح للمغالبة في رد دعوى الألوهية و قيل للتواضع و المعنى أن أتبع شيئا من الأشياء و من جملة ما اقترحتموه من إنزال الآيات و إنزال العذاب و علم الغيب و لا أتوجه إلى نحو تحصيله و لا أقصد حصوله إلا ما يوحى إلي مقصور على أي مفهوم الكون متبعا لي بفتح الباء مقصور على الموحى إلي لا يتجاوز إلى ما اقترحتموه و هذا واضح لا خلل فيه و قيل ليس الاتباع مقصورا على الوحي بل المعنى ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي على أن المقصور هو الفعل المنفهم من الاتباع لا نفس الاتباع و لا يظهر وجهه.
قوله: (التي هي من كمالات) الأولى التي هي أكمل كمالات (البشر).
قوله: (ردا لاستبعادهم دعواه) وجه الرد ان دعوى النبوة مقرونة بالبرهان و الحجة و حاصل الرد أني لا أدعي إلا النبوة و لا أدعي الألوهية على ما اختاره المص و هذه الدعوى مع معاضدتها بالآيات و المعجزات لا ينكر أحد من العقلاء و لا ينبغي إنكاره و إنما المستبعد دعوى النبوة بدون المعجزات أو دعوى الملكية كما هو الصواب أو إنما المستبعد دعوى الألوهية على ما ذهب إليه المص هنا و إنما المستبعد اختلاق الآيات من تلقاء نفسه و الحصر الذي يفيده النفي و الاستثناء يشعر بجميع ما ذكرناه إذ معناه مفهوم الكون متبعا لي مقصور على ما يوحى إلي سواء كان وحيا جليا أو خفيا فيعم الاجتهاد أيضا لا يتجاوز إلى غير ما يوحى فيكون من قبيل قصر الصفة على الموصوف.
قوله: (و جزمهم على فساد مدعاه) لزعمهم أن البشرية تنافي النبوة و الرسالة أو لزعمهم أن الرسالة منصب جسيم لا يليق إلا بعظيم بزينة الزخارف الدنيوية و لم يعلموا أنها رتبة روحانية تستدعي عظم النفس بالفضائل القدسية.
قوله: (مثل للضال و المهتدي) (أو الجاهل و العالم أو مدعي المستحيل كالألوهية و الملكية و مدعي المستقيم كالنبوة) قدمه لأنه عام لمدعي الألوهية أو الملكية الخ و إلا لفات الارتباط بما قبله و كذا في الجاهل و العالم بل الظاهر أن المراد بهما الضال و المهتدي فالتردد في العبارة و الملكية هذا بناء على مذهب من قال إن الجواهر الفردة التي يتركب منها الأجسام متخالفة الماهية فلا تقبل الصورة البشرية الصورة الملكية و أما على مذهب من قال إن الجواهر متماثلة يجوز أن يقوم بكلها ما يقوم ببعضها فتفيد إمكان أن يصير البشر ملكا دون أن يكون ملكا لتمايزهما بالعوارض المتنافية لكن الظاهر أن مذاق المص هو القول الأول و لك أن تقول المستحيل في كلام المص يعم المستحيل بالذات و هو الألوهية و المستحيل بالغير و هو الملكية فلا إشكال أصلا قوله المستقيم يؤيد ذلك قيل قابل المستقيم بالمستحيل كما قابله بالمحال سيبويه و هو استعمال العرب لأن أصل المحال من أحاله من وجهه و صرفه عنه و هو في المحسوسات عين الاعوجاج انتهى هذا إن أريد بالمستقيم معناه الحقيقي و هنا المراد معناه المجازي و هو الممكن المجامع للفعل قال الإمام البصيري بأن دينهم المعوج لم يقم أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50] أي أتغفلون فلا تتفكرون.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج8، ص: 110
قوله: (فتهتدوا) ناظر إلى الأول في تفسير الأعمى و البصير فتهتدوا منصوب لأنه جواب الاستفهام بالفاء و لو لم يكن الفاء لكن مجزوما و كذا (الكلام في أو فتميزوا بين ادعاء الحق و الباطل) ناظر إلى التفسير الثاني لكن العالم عبر بالحق و الجاهل بالباطل قوله (أو فتعلموا أن اتباع الوحي مما لا محيص عنه) ناظر إلى المعنى الثالث و فيه نوع إشارة إلى ما قلنا من أن المراد بالجاهل الضال و بالعالم المهتدي.
قوله تعالى:
[سورة الأنعام (6): آية 51]
قوله: (الضمير إلى يوحى إلي).
قوله: (هم المؤمنون المفرطون في العمل) قيد به إذ الإنذار على المعاصي و إن لم يكن كفرا و لذا قال لعلهم يتقون و إذا أنذر به من آمن بالحشر و الخوف عما وقع فإنذار من لم يؤمن به يعلم بالأولوية و بدلالة النص قوله: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال: 74] ففي الآية تعريض لهؤلاء الكفرة المقترحون الآيات بعد مشاهدة المعجزات الساطعات و الآيات الباهرات بأنهم كالبهائم لا تغن الآيات و النذر فخص الإنذار بمن يتوقع منهم التأثر في الجملة فبين المص ما للاحتمالين قوله المفرطون من التفريط أي المقصرون.
قوله: (أو المجوزون للحشر) من غير تقييد بالإيمان و لا عدمه فصح التقابل (مؤمنا كان أو كافرا).
قوله: (مقرا به) تفصيل للكافر لكن الأولى معتقدا به أو مترددا فيه.
قوله: (أو مترددا فيه) لأنه كافر أيضا و يخاف أيضا.
قوله: (فإن الإنذار ينجع فيهم) بيان وجه التخصيص بهم منطوقا و إن فهم منه إنذار الغير دلالة كما عرفته و ينجع مضارع نجع كنفع لفظا و معنى.
قوله: (دون الفارغين) و لذا لم يذكروا هنا صريحا و هذا تعليل بعد الوقوع و إلا فالإنذار بما يوحى إليه مطلق الكافرين كثير شائع و المص قيد في عموم قوله تعالى:
مُبَشِّراً وَ نَذِيراً [الإسراء: 105] بقوله للكافرين.
قوله: (عنه) أي عن تداركه (الجازمين باستحالته) صفة الفارغين كذا قيل فح يبقى قوله: فتهتدوا أو فتميزوا بين ادعاء الحق و الباطل هذا ناظر إلى أن يكون أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50] متعلقا بقوله: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ [الأنعام: 50].