کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 446
قوله: (و ذلك بأن القى اللّه تعالى في قلب بهمن بن اسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف شفقت عليهم فرد اسراءهم إلى الشام و ملك وانيال عليهم فاستولوا على من كان فيها من اتباع بخت نصر) مع أنهم قتلوا من كبارهم أربعين ألفا من بني إسرائيل و هذا ناظر إلى القول بكون المبعوث إليهم بخت نصر.
قوله: (أو بأن سلط داود عليه السّلام على جالوت فقتله) هذا ناظر إلى القول بكون المبعوث جالوت قدم الأول لاختياره قيل و يرده قوله: وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ [الإسراء: 7] الخ فإن المسجد الأقصى هو المراد به و أول من بناه داود عليه السّلام ثم أكمله سليمان فلم يكن قبل داود مسجدا حتى يدخلوا أول مرة إلى أن يرتكب المجاز و دفع في شرح الكشاف بأن المبعوثين في المرة الأخرى لا يتعين كونهم المبعوثين أولا و حاصله حمل الضمير في دخلوه على الاستخدام و امددناكم أي زنادكم.
قوله: (مما كنتم) مفضل عليه لا بالنسبة إلى غيرهم فلا إشكال.
قوله: (و النفير من ينفر مع الرجل من قومه) أي يذهب مع الرجل فهو مفرد و قد عرفت أن فعيلا يستوي فيه الواحد و الجمع و المراد الجمع.
قوله: (و قيل جمع نفر و هم المجتمعون للذهاب إلى العدو) و قيل جمع نفر بسكون الفاء و كون فعيل جمعا «1» و إن ذهب إليه كثيرون لكن كونه اسم جمع أولى و لعل لهذا مرضه قوله و هم المجتمعون للذهاب إلى العدو فيكون أخص من الأول و كون المخاطبين نفيرا بهذا المعنى غير ظاهر بل المراد الامتنان عليهم بجعل اللّه تعالى إياكم كثيرا بعد كونهم قليلا بسبب قتل المستولي عليهم و لذا مرضه.
قوله تعالى:
[سورة الإسراء (17): آية 7]
قوله: (لأن ثوابه لها) أي ثواب الإحسان للأنفس أي اللام للنفع كما في لها ما كسبت.
قوله: (فإن وبالها عليها و إنما ذكر باللام ازدواجا) فإن وبالها أي ضرها عليها و لما قال عليها أشار إلى وجه إتيان اللام الدال على المنفعة بأن اللام إنما ذكرت للمشاكلة للازدواج و المناسبة لانفسكم و المراد بالمشاكلة ما ذكرناه لا المشاكلة في اصطلاح البديع و هذا أولى من القول بأنها بمعنى إلى أي إساءتها راجعة إليها و قيل للتهكم فاللام على هذا لا يكون للمشاكلة بل يكون استعارة تبعية و كلمة «2» الشك بالنظر إلى نوع الإحسان و الإساءة في نفس الأمر لا بالنظر إلى المتكلم و تقديم الإحسان و تكريره للترغيب فيه و في
(1) كعبيد في جمع عبد و الأولى كونه اسم جمع.
(2) إشارة إلى إشكال جواب بأنه تعالى علام الغيوب فلم جيء بأن المفيد للشك فأجاب بما ترى.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 447
تكراره مع شرافته في نفسه و التنبيه على التأخر عن الإساءة و التجنب عنها و المراد بالإحسان و الإساءة الإحسان في العمل إما كما أو كيفا و الإساءة في العمل بتركه رأسا أو العمل بترك ما يحسنه و الإحسان أي أنعام الغير مطلقا بالمال أو الإعانة أو غير ذلك و الإساءة ضده و لا دلالة في الكلام على الاختصاص بل اللام إما للنفع فيهما بناء على التهكم في الثاني أو للاستحقاق فيهما كما في قوله تعالى: وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 10] لكن ذهب الزمخشري إلى أن اللام للاختصاص و وجهه أن المراد الثواب و العقاب الآخرويين و هما مختصان بعاملهما أما العقاب فظاهر لقوله تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الإسراء: 15] و المراد في قوله عليه السّلام و من سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها و وزر من عمل بها الحديث وزر سببيته فهو عمل نفسه و أما الثواب فلأن الانتفاع بعمل غيره الانتفاع بعمل نفسه لكونه سببا له كالصدقة الجارية و بالجملة الجزاء بعمل غيره ليس بمتحقق و الجزاء المذكور في البابين جزاء سببية لا جزاء عمل الغير إلا أن يهب العامل ثواب عمله فحينئذ ينتفع به لكونه مالكا له بالهبة (وعد عقوبة المرة الآخرة).
قوله: (أي بعثناهم ليسوءوا وجوهكم أي ليجعلوها بادية آثار المساءة فيها) أي بعثناهم أي عبادا لنا أولى بأس شديد قوي بادية أي ظاهرة منون و آثار المساءة فاعلها على طريق صفة جرت على غير ما هي له و لما كان آثار الحزن و الكرب ظاهرة في الوجوه كآثار السرور قيل ليسؤوا وجوهكم و لم يجىء ليسؤكم مع أنه اخصر و أيضا لو قيل هكذا لم يفهم فرط مسائتهم إذ ظهور آثارها في الوجوه إنما هو على وجه الشدة و المبالغة فالوجوه على حقيقتها و احتمال كونها مجازا عن ذواتهم بعيد غير محتاج إليه و لا داعي له و أبعد منه جواز كون المراد بها ساداتهم إذ المساءة عامة و القول بأن مساءة ضعفائهم تفهم بطريق الأولوية ضعيف قال تعالى حكاية: قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً [النمل: 34] الآية.
قوله: (فحذف لدلالة ذكره أولا عليه) فحذف أي بعثنا جواب إذ الدلالة ذكره الخ أي بالدلالة العقلية حتى لو ذكر لكان اطنابا.
قوله: (و قرأ ابن عامر و حمزة و أبو بكر ليسوء على التوحيد و الضمير فيه للوعد أو البعث أو للّه و يعضده قراءة الكسائي بالنون) و الضمير للوعد فالإسناد ح مجاز و كذا الكلام في كونه للبعث فإسناده إليه أيضا مجاز و البعث المرجع هو المدلول عليه بالجواب المحذوف أو للّه تعالى فالإسناد أيضا مجازا إذ إسناد الفعل إلى الخالق مجاز و إلى الكاسب حقيقة و إلا فالإسناد في يسؤوا بكون مجازا و فساده واضح و يعضده الخ هذا سبب تأخير قوله: أي بعثناهم ليسوؤا وجوهكم ضمير المفعول في بعثناهم المقدر ههنا راجع إلى العباد في بعثنا عليكم عبادا لنا باعتبار الجنس لا باعتبار الاشخاص لأن العباد المبعوثين هنا غير العباد هناك ذواتا لكن متحدون بهم جنسا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 448
الوجه الأخير مع أنه أحرى بالتقديم قيل و أما على قراءة النون فاللام لام الأمر دخلت على المتكلم «1» كما في قوله تعالى: وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ [العنكبوت: 12] و جواب إذا هو الجملة الإنشائية على تقدير الفاء و كذا إذا كان بالياء و قيل اللام على هذه القراءة يجوز أن يكون لام الأمر.
قوله: (و قرىء لنسوأن ليسوأن بالنون و الياء و النون المخففة و المثقلة و لنسوأن بفتح اللام على الأوجه الأربعة على أنه جواب إذا) على الأوجه الأربعة أي النون و الياء في أوله مع النون المخففة و المثقلة على أنه جواب إذا و الفاء محذوفة لأن الجمل الإنشائية لا تقع جوابا بدون الفاء كما صرح به «2» النحاة قيل يعني معنى و إلا فهو جواب قسم لفظا لأن اللام المفتوحة قسمية و جواب القسم ساد مساد جواب إذا كما صرح به المصنف في مواضع عديدة قال في قوله تعالى: ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ [البقرة: 145] جواب القسم المضمر الساد مسد جواب الشرط و لم يعكس لأن القسم أحرى بالجواب المذكور.
قوله: (و اللام في قوله: وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ [الإسراء: 7]) أي على هذا الاحتمال الأخير قيل و على احتمال كسر اللام مع نون التوكيد «3» يجوز هذا لكن الأولى العطف على ليسؤوا فيما عدا الاحتمال الأخير و التقدير و بعثناهم ليدخلوا فيكون عطف جملة على جملة و في اللباب من جعل الأولى لام كي كانت هذه أيضا لام كي عنده معطوفة عليها عطف علة على أخرى و من جعلها لام أمر كابي أو لام قسم كعلي رضي اللّه تعالى عنهما فاللام في ليدخلوا يحتمل الوجهين (متعلق بمحذوف هو بعثناهم ليهلكوا).
قوله: (ما غلبوه و استولوا عليه) أشار إلى أن ما موصولة و العائد محذوف و هو مفعول و أما كونه مجرورا فيحتاج إلى التكلف الذي ذكره المصنف في قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ [البقرة: 48] الآية.
قوله: (أو مدة علوهم) أي أو الماء مصدرية حينية ظرفية أي و ليتبروا و يهلكوهم ما داموا غالبين عليهم فيكون مفعول ليتبروا محذوفا «4» و اسماء الملوك المذكورين لم يعرف قوله: ما غلبوا أي ليهلكوا كل شيء غلبوا عليه و استولوا فما موصوفة بمعنى شيء و الجار الذي اتصل به ضمير محذوف تقديره ما علوا عليه.
قوله: أو مدة علوهم مبني على صرف ما على المصدرية و حذف زمان مضاف إلى مصدر علوا فالمعنى ليتبروا زمان علوهم أي ما داموا عالمين.
(1) و لا يجيء من الأمر المعلوم الأمر عند بعضهم.
(2) حيث قالوا و إن كان الجزاء جملة إنشائية كالأمرية و النهيئة و الدعائية و الاستفهامية يجب دخول الفاء فيه أي الجزاء.
(3) و كذا على الاحتمال لكسر اللام بدون التأكيد يجوز أن يكون جواب إذا بتقدير الفاء على أنه أمر سواء كان ليسوؤا جمعا أو مفردا غاية الأمر أن الإسناد في بعض الاحتمال مجاز تأمل.
(4) و عن هذا آخر هذا الاحتمال و أيضا يفيد أنهم استولوا على من غلبوهم أولا و هذا أتم النعم بخلاف الثاني.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 449
ضبطهم (و ذلك بأن سلط اللّه عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه جؤدرز و قيل خردوس).
قوله: (قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم عنه فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقوني فقتل عليه الوفا منهم فلم يهدأ الدم ثم قال إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحدا فقالوا إنه دم يحيى عليه السّلام فقال لمثل هذا ينتقم ربكم منكم ثم قال يا يحيى قد علم ربي و ربك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ بإذن اللّه تعالى قبل أن لا أبقي أحدا منهم فهدأ) صاحب الجيش أي ملكهم قرابينهم جمع قربان يغلي من الغليان أي يسيل دائما ما صدقوني بتخفيف الدال فقتل عليه أي على الدم أو لأجله ألوفا لم يعلم عددهم إن لم تصدقوني من الصدق أيضا فاهدأ أي اسكن خطاب ليحيى لأنه حي لكن المراد دمه فهدأ أي سكن دمه.
قوله تعالى:
[سورة الإسراء (17): آية 8]
(بعد المرة الآخرة).
قوله: (نوبة أخرى) من الإفسادات الكبرى.
قوله: (عدنا مرة ثالثة إلى عقوبتكم و قد عادوا بتكذيب محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و قصد قتله فعاد اللّه تعالى بتسليطه عليهم فقتل قريظة و أجلى بني النضير و ضرب الجزية على الباقين) إلى عقوبتكم لفظة إلى متعلة بعدنا و مرة ثالثة معمول العقوبة قدمت عليها للتنبيه في أول الأمر أن العقوبة متكررة على هؤلاء الظالمين و أما تعلقه بعدنا فيرد عليه أن المرة الأولى بدأ لا عودا إذ العود كما في الراغب الرجوع إلى الشيء بعد الانفصال عنه بالذات أو بالقول أو بالعزيمة فلا يكون العود ثلاث مرات فلا يكون هذا مرة ثالثة ألا أن يقال إن البدأ سمي عودا للمشاكلة و أما الجواب بأن العود قد يطلق على الفعل و إن لم يسبق مثله كما في قوله تعالى: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [إبراهيم: 13] فضعيف لأنه إن أراد أنه حقيقة فممنوع و المستند ما ذكره الراغب و إن أراد أنه مجاز فهو ما ذكرناه و أما قوله تعالى: أَوْ لَتَعُودُنَ [إبراهيم: 13] فمحمول على التغليب كما صرح بعينه في المطول و التغليب «1» من باب المجاز.
قوله: (هذا لهم في الدنيا) أي هذا المذكور من العقوبات الثلاثة لهم أي مستحق لهم أو نفع لهم تهكما أو مختص بهم في الدنيا لقوله تعالى: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ [الإسراء: 8] و أشار أيضا إلى المعطوف عليه و إلى أنهم معذبون في الدارين فالكافرين ح مظهر وضع موضع المضمر على أن اللام للعهد و إن حمل اللام على الجنس فهم يدخلون فيهم دخولا أوليا و بهذا يحصل الارتباط.
قوله: فلم يهدأ أي فلم يسكن من هدأ يهدأ إذا سكن.
(1) و العلاقة إما نفس التغليب أو غيره أن تحقق.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 450
قوله: (محبسا) اسم مكان مهيأ للحبس فيه فيكون حصرا فعيلا بمعنى مفعول أي محصور لأن جهنم محاط و أما كونه فعيلا بمعنى فاعل فيحتاج في عدم تأنيثه إلى الحمل على فعيل بمعنى المفعول أو على النسب كلابن و تأمر و هو تكلف مستغنى عنه بجعله أولا فعيلا بمعنى مفعول لأنه كما يحيط بأهل جهنم محاط بالجهات الأربع أو تأنيث جهنم غير حقيقي.
قوله: (لا يقدرون الخروج منها أبد الآباد) بالمد جمع أبد و معنى أبد الآباد دائما و هذا و إن أفاده أبدا وحده مثل قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً* لكن قصد التأكيد به دفعا لاحتمال التجوز.
قوله: (و قيل بساطا كما يبسط الحصير) فيكون تشبيها بليغا مثل قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ [الأعراف: 41] الآية أي فراش من تحتهم وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الأعراف: 41] الآية فاتضح معنى البساط بملاحظة من تحتهم فعلى هذا يكون حصيرا بمعنى محصور لكن لا بالمعنى المذكور أولا على ما اخترناه بل لحصر بعضه على بعض بالنسخ فاطلاق الحصير على الكل مجاز إذ الحصير كما عرفته حال الأجزاء لكنه شاع فيه فيكون حقيقة عرفية و تذكير حصيرا ظاهر لأن المراد الفراش المفروش لا نفس جهنم كما في الأول غايته أن جهنم شبه به مرضه لأن أبد الآباد لم يفهم منه إلا بدليل آخر و أما الأول فلكون المراد به محبسا ضيقا يفيد ذلك.
قوله تعالى:
[سورة الإسراء (17): آية 9]
قوله: (للحالة أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطرق) إشارة إلى موصوف مقدر و إنما ردد بين الأمرين لعدم القرينة على التعيين بل حذفه ليذهب النفس كل مذهب و الحالة هي الصفة القائمة بالمكلف من الهدى و الضلال و الإيمان و الكفر و الطريقة هي الصراط المستقيم و هو الإسلام أو الحق و هو طريقة من سلك فيها نجا فهما متقاربان فالترديد في العبارة أي أنت مخير بين تقدير الحالة و تقدير الطريقة و إسناد الهداية إلى القرآن إما مجازا أو بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب و هدى يتعدى بنفسه إلى المفعول الثاني «1» و باللام لكونه غرض الهداية و بإلى لانتهاء الهداية إليه و يشير إسناده إلى القرآن قيد المؤمنين هنا يشير إلى أن الهداية عامة للناس و لذا لم يذكر المفعول الأول ليهدي و لك أن تقول إن المحذوف أيضا المؤمنين لكن يراد به المشارفين بالإيمان كما في قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] أن لهم أجرا كبيرا و اعطاء عظيما و التعبير بالأجر بناء على الوعد و إلا قوله: لا يقدرون الخروج منها أبد الآباد معنى عدم الخروج مستفاد من لفظ الحصر و معنى التأييد من صيغة المبالغة فإن في فعيل من المبالغة ما ليس في فاعل.
(1) و أما كون الفعل الواحد متعديا بنفسه مرة و متعديا باللام و بإلى قد مر وجهه في سورة الفاتحة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 451
فهو العطاء المحض و قيد الذين يعملون الصالحات لكبر الأجر و عظمه و إلا فالإيمان وحده كاف في الأجر و الجنة «1» .
قوله: (و قرأ حمزة و الكسائي يبشر بالتخفيف) أي من الأفعال.
قوله تعالى:
[سورة الإسراء (17): آية 10]
وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10)
قوله: (عطف على أن لهم أجرا كبيرا) بجامع التضاد.
قوله: (و المعنى أنه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم و عقاب أعدائهم) بشارتين إشارة إلى أن الباء محذوف في أن لهم أجرا و أن الذين لا يؤمنون فالمراد بلا يؤمنون الاستمرار فيتناول الذين لم يؤمنوا قوله: عقاب أعدائهم إذ وعيد الكفار وعد للأبرار و لا يبعد أن يقال إنه تبشيرا للكافرين تهكما كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ [آل عمران: 21] و هو الذي يراد بالتبشير المقدر في و أن الذين لا يؤمنون.
قوله: (أو على يبشر بإضمار يخبر) فيكون عطف الجملة على الجملة و لا بعد في أن يجعل هذا من قبيل:
علفتها تبنا و ماء باردا
قوله تعالى:
[سورة الإسراء (17): آية 11]
وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11)
قوله: (و يدعوا اللّه تعالى عند غضبه بالشر) هذا مستفاد من الدعاء بالشر أي مع علمه بأنه شر لعدم مالكية نفسه وقت غضبه مع أن الصرعة شرعا من يملك نفسه لدى غضبه و لم يتعد حدود الشرع.
قوله: (على نفسه و أهله و ماله) لعله منفهم من دعائه بالخير و أيضا هو أغرب أحوال الإسناد و لعل العموم «2» هو الأولى فالباء صلة الدعاء و كون الباء بمعنى في أي يدعو في وقت الشر كما يدعو في حال الخير أو بمعنى السببية أي يدعو بسبب شر أصابه أو متعلقاته يرده كون المقام مقام الزجر بقرينة قوله: وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [الإسراء: 11].
قوله: (أو يدعوه بما يحسبه خيرا و هو شر) فح الدعاء بالشر بغير علم و هذا غير مقيد قوله: أو على يبشر بإضمار يخبر و إنما احتيج حينئذ على إضمار يخبر لأن لحوق العذاب لا يناسب التبشير أقول يجوز أن يكون حينئذ من قبيل:
علفتها تبنا و ماء باردا
فعلى هذا لا يحتاج إلى اضمار يخبر بالنظر إلى المعنى الانسحابي.
قوله: أو يدعوه بما يحسبه خيرا و هو شر و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم.
(1) صرح به في سورة الحديد في قوله تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الآية فاضمخل ما في الكشاف.
(2) يؤيده ما روي عن النبي عليه السّلام كما سيجيء.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 452
بالغضب بل عام و مذموميته لترك التحري و عدم المراجعة إلى قانون الشرع فيكون المراد بدعائه بالخير الخير في نفس الأمر و في اعتبار الشرع فيحسن المقابلة.
قوله: (مثل دعائه بالخير) أشار إلى أن دعائه بالخير مفعول مطلق تشبيهي أي دعاء مثل دعائه بالخير في الالحاح و الاقتراح أو بطيب النفس.
قوله: (يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته) حمل معنى العجلة على المسارعة إذ العجلة الفعل قبل وقته و هنا لا يساعده و لذا قال المصنف و لا ينظر عاقبته.
قوله: (و قيل المراد آدم عليه السّلام) فلام الإنسان للعهد و لا قرينة عليه بل القرينة على خلافه حيث إن هذه الجملة كالتعليل لما قبله لكن اظهر الإنسان في موضع المضمر لما في الاظهار من مزيد البيان و المقام مقام التعليل و التبيان وجه ارتباطه بما قبله على هذا كما قيل إن عجلته بالدعاء لضجره أو لعدم تأمل عاقبته و أنه موروث له و أنها صفة لاصلهم متعدية إليهم كما قيل شنشنة أعرفها من احزم.
قوله: (فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط) لينهض بمعنى ليقوم عن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه لما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب إلى ثمار الجنة فسقط ذكره القرطبي كذا قيل.
قوله: (روي أنه عليه السّلام دفع أسيرا إلى سودة) من أمهات المؤمنين رضي اللّه تعالى عنها.
قوله: (بنت زمعة رضي اللّه تعالى عنها) بفتح الزاء المعجمة و فتح الميم و العين المهملة أبوها.
قوله: (فرحمته لأنينه فأرخت كتافه فهرب) كتافه بكسر الكاف اسم حبل يشد به اليدان و في نسخة اكتافه جمع كتف و النسخة الأولى هي الأولى بالمقام «1» .
قوله: مثل دعائه بالخير يريد أن انتصاب دعائه على نزع الخافض و الأصل كدعائه أقول انتصاب دعائه على المصدرية فإنه مفعول مطلق من يدعو فإن ضرب الأمير في قولك ضربت ضرب الأمير مفعول مطلق من ضربت على ادعاء أن ضربه ضرب الأمير كما في زيد أسد و المصير إلى معنى كضرب الأمير كلام ظاهري و ما قلنا أنسب بالبلاغة لما فيه من المبالغة فإذا كان ضرب الأمير مفعولا مطلقا مع أن ضرب الأمير ليس فعلا لفاعل ضربت على الادعاء فجعل دعائه أولى و أحرى لأن يكون مفعولا مطلقا من يدعو لأنه فعل لفاعله و المفعول المطلق شرط نصبه أن يكون فعلا لفاعل الفعل المذكور و لو كان في بعض الصور على وجه الادعاء.
قوله: فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط كما قال بعض المفسرين في قوله عز و جل: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء: 37] أنه من باب القلب و الأصل عجل الإنسان من