کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 502
في سورة البقرة و فيه دليل على اتباع الظن رأسا و أما اتباع المجتهد لما أدى إليه ظن مستند إلى مدرك شرعي فوجوبه قطعي و الظن في طريقه ثم قال و هو دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر و الاجتهاد و أما اتباع الغير في الدين إذا علم بدليل ما أنه محق كالأنبياء و المجتهدين في الأحكام فهو في الحقيقة ليس بتقليد بل اتباع لما أنزل اللّه انتهى. مخالف لما ذكره هنا و الحق ما ذكره هناك و استعماله بهذا المعنى شائع و هذا اصطلاح البعض حيث جعل العلم شاملا للظن أيضا و أما الجمهور فجعلوا العلم مقابلا للظن و اعتبروا في تعريفه عدم احتمال النقيض حالا و مآلا و ما ذكره في سورة البقرة مستغن عن هذا الاعتذار.
قوله: (و قيل إنه مخصوص بالعقائد) فلا يكفي الظن و لا التقليد في الاعتقاد فلا انتقاض بالمواد المخصوصة و لا بعمل المقلد في الفروع الفقهية لكن هذا مذهب الشافعي و عندنا يصح إيمان المقلد و إن إثم بترك الاستدلال و الظن الغالب الذي لا يخطر نقيضه بالبال معتبر في الإيمان و ينتقض بهما أيضا و لذا مرضه و أيضا لا قرينة قوية على التخصيص المذكور و القول بأن المخصص له أمر خارج عن النظم الكريم و هو عمل الناس و الآثار الشاهدة بخلافه ضعيف إذ المانع لا يسلم ذلك.
قوله: (و قيل بالرمي) أي إنه مخصوص بالرمي أي بقذف الغير بالزنا و نحوه.
قوله: (و شهادة الزور) فإنها شهادة بما لم يعلمه أو بما علم بخلافه و هذا أشنع من الأول وجه التمريض ما ذكرناه من عدم القرينة على التخصيص مع أنهما يدخلان تحت العموم.
قوله: (و يؤيده قوله عليه الصلاة و السّلام من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه اللّه في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج) و يؤيده أي كون المراد الأمور الثلاثة و قيل الرمي وحده و هذا لا يلائم تقرير المصنف لأنه على هذا يلزم شهادة الزور مقدمة على الرمي أو مؤخرة و الحديث المذكور رواه الطبراني و غيره بمعناه مع مخالفة ما في لفظه حتى قال العراقي لم أجده بهذا اللفظ بعينه مرفوعا و لا ضير فيه كذا قيل لكن لكونه خبر الآحاد لا يدل على ذلك على أنه لا حصر فيه و الردغة بفتح الراء المهملة و سكون الدال المهملة و فتحها و الغين المعجمة الوحل الشديد أي عصارة أهل النار كما نقله عن الفائق الخبال بفتح الخاء المعجمة و الباء الموحدة أصله الفساد في العقل و نحوه قال تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [التوبة: 47] أي فسادا حتى يأتي بالمخرج أي ما يخرج عن عهدته أي قوله: و قيل إنه مخصوص بالعقائد هذا على أن يراد بالعلم العلم الجازم الثابت المطابق للواقع فإنه هو المعتبر في الاعتقاديات و هذا يقتضي أن لا يعتبر إيمان المقلد لأن التقليد لا يخلو عن شوب الظن و لو جزم لما زال بتشكيك المشكك.
قوله: في ردغة الخبال الردغة بتحريك الغين المعجمة و فتح الدال و سكونها الطين و الوحل الكثير و الخبال صديد أهل النار.
قوله: حتى يأتي بالمخرج أي حتى يخرج من عهدة ما قال.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 503
أنى له ذلك و قيل يعذب المغتاب على مقدار غيبته ثم يخرج منها و الإتيان بالمخرج مجاز عن تحمل ما يعذب به لأنه مسبب عما أتى به و سوق الحديث التأييد «1» إما محمول على التغليظ أو على أنه مستحل لذلك.
قوله: (و قول الكميت) بالتصغير شاعر إسلامي.
قوله: (و لا أرمي البريء بغير ذنب) و لا أرمي تأكيد لكونه بريئا.
قوله: (و لا أقفو الحواصن) أي لا أقذف كما مر في الحديث من قفا مؤمنا أي قذف مؤمنا الحواصن بالحاء و الصاد المهملتين بمعنى المحصنات من النساء جمع حاصنة بمعنى محصنة و هي العفيفة عن الزنا.
قوله: (إن قفينا) الألف للإشباع لمحافظة الوزن أي قفين جمع المؤنث بصيغة المجهول أي قذفن غيري و الاستشهاد كون قفا مختصا بالرمي و شهادة الزور لما كانت مساوية له في نسبة ما لا أصل له إلى غيره ألحقت بالرمي.
قوله: (أي كل هذه الأعضاء) حمل السمع و البصر على العضو لأنه أشد مناسبة لكونه مسؤولا عنه دون إدراك العين و السمع و دون القوة الباصرة و السامعة و كل لإحاطة الأفراد و إن أضاف إلى المعرفة وجه تقديم السمع على البصر و هو على الفؤاد ظاهر.
قوله: (فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها هذا) فأجراها الخ فأشير إليها بأولئك المختص بالعقلاء وجه الإجراء لكون السؤال مختصا بالعقلاء و لكون فعل العقلاء مسندا إليها أجريت مجرى العقلاء و إلى ذلك أشار بقوله لما كانت اللام للتعليل و ما مصدرية أي لكونها مسؤولة الخ و هذا أولى من كون لما بفتح اللام و تشديد الميم جوابها محذوف بقرينة ما هو مقدم عليها لأنه تكلف قوله هذا أي أخذ هذا أو الأمر هذا.
قوله: (و إن أولاء و إن غلب في العقلاء) الوجه الأول بناء على أن أولاء مختص بالعقلاء و استعارة بقرينة الإشارة إليها بما يشار به إلى العقلاء وجه الشبه سببيتها للأفعال الصادرة من العقلاء.
قوله:
و لا اقفو الحواصن أن قفينا
أي و لا أرمي و لا أقذف النساء العفيفات إن رمينا.
قوله: فأجراها مجرى العقلاء فإن أولئك يشار به إلى العقلاء و إنما استعمل ههنا في غير ذوي العقول و هو هذه الأعضاء الثلاثة لأنها جعل ههنا مسؤولا عنها و المسؤولية من صفات العقلاء.
(1) مثل قوله تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 504
قوله: (لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا) أي لكلمة ذا فيه تنبيه على أن أولاء لا يكون مفردا من لفظه بل له مفرد من معناه.
قوله: (و هو يعم القبيلتين جاء لغيرهم كقوله:
و العيش بعد أولئك الأيام )
و هو يعم القبيلتين أي العقلاء و غيرهم فجمعه يعمهما أيضا فلا استعارة بل هو حقيقي ثم استشهد على ذلك بقول الشاعر و هو جرير كما قيل:
و العيش بعد أولئك الأيام «1»
أوله:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
و العيش بعد أولئك الأيام
يخاطب الجرير صاحبه و يقول له إذ مم كل منزل بعد تلك المنزلة و العيش بعد أولئك الأيام الماضية في تلك المنازل و لك أن تقول إنه لما ثبت استعمال أولاء حقيقة في غير العقلاء فما وجه التوجيه الأول.
قوله: (في ثلاثتها ضمير كل) هذا بيان وجه عدم مجيء كانت عنها مسؤولة بأن في كان و عنه و مسؤولا ضمير مفرد مذكر عائد إلى كل أولئك بتأويل كل واحد و إنما احتاج إلى التأويل لأن كلا عبارة عما أضيف إليه فهو جمع معنى و لذا جمع الضمير الراجع إليه في أكثر المواضع نحو قوله تعالى: كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ [الأنبياء: 93] و قوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ [البقرة: 116].
قوله: (أي كان كل واحد منها مسؤولا عن نفسه يعني عما فعل به صاحبه) عن نفسه ذكره مع ظهوره تمهيدا لقوله يعني عما فعل به صاحب هل استعماله لما خلق له أم لا فيثاب عليه أو يعاتب فعلم منه أن المسؤول عنه «2» ما فعله بسبب صاحبه و نفسه مسؤول و هذا السؤال يشبه أن يكون تبكيتا لصاحبه.
قوله: اسم جمع لذا يعني لفظ أولئك اسم جمع لذا و ذا مفرده و واحده و أولئك اسم جمع له و ذا مستعمل في أولي العلم و غيره و كذا جمعه عام للقبيلتين بحسب الأصل لكن أولئك غلب في العقلاء بحسب الاستعمال.
قوله: ذم المنازل ذم أمر من ذم يذم و المنازل نصب على أنه مفعول ذم و اللوى اسم موضع فيه طاب عيش الشاعر و العيش نصب على أنه عطف على المنازل داخل معه في حيز الذم و الاستشهاد أن أولئك استعمل في غير ذوي العقول و هي الأيام.
قوله: في ثلاثتها ضمير كل أي في حق هذه الأعضاء الثلاثة ضمير كل أي في حق هذه الأعضاء الثلاثة ضمير كل المستكن في كان أي كان كل واحد من هذه الأعضاء مسؤولا عن نفسه.
(1) قيل انكر ابن عطية ذلك و قال الرواية فيه الأقوام لكن اتفاق النحاة كما في الكتاب أي كتاب سيبويه يكفي حجة فلا اعتبار لرده إشارة إلى أنه لا شاهد فيه.
(2) و ظاهره أن المسؤول و المسؤول عنه شيء واحد لكن المراد أن المسؤول كل واحد منها و المسؤول عنه ما فعل به صاحبه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 505
قوله: (و يجوز أن يكون الضمير عنه لمصدر لا تقف أو لصاحب السمع و البصر) و يجوز الخ عطف على ما قبله بحسب المعنى أي يجوز أن يكون لكل واحد منها و يجوز الخ. و السؤال عن الاتباع فالأولى لمصدر تقف لكن تسامح لظهوره قوله أو لصاحب السمع و البصر أي و يجوز أن يكون ضمير عنه لصاحبهما إذ الكلام فيه فحينئذ فيه التفات إذ الظاهر كنت أي يسأل صاحبه عن صرفه إلى ما خلق له أم لا فالمسؤول صاحبه و المسؤول عنه صرفه و استعماله لكن جعل نفسه في الاحتمالين مسؤولا عنه مثل قولنا سئلت عن شخص مسألة كذا فإن أبقى على ظاهره فالمسؤول صرفه إلى ما خلق له إذ لا بد من المسؤول و المسؤول عنه في السؤال بمعنى التفتيش و التفحص لكن المشهور دخول عنه في المفعول الثاني «1» قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ [البقرة: 217] الآية و هذا كثير جدا.
قوله: (و قيل مسؤولا مسند إلى عنه كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] و المعنى يسأل صاحبه عنه و هو خطأ لأن الفاعل و ما يقوم مقامه لا يتقدم) قوله: و يجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر لا تقف أي كان صاحب كل واحد من هذه الأعضاء مسؤولا عن الاتباع بكل ما أدركه بها.
قوله: أو لصاحب السمع و البصر فالمعنى كان كل واحد من هذه الأعضاء مسؤولا عن صاحبه الذي هو آلة إدراكه بأن سئل السمع ما فعل صاحبك بك و البصر و الفؤاد كذلك يسألان عما فعل أصحابها اليوم تختم على أفواههم و تكلمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون و في الحديث أنهم يجحدون و يخاصمون فيختم على أفواههم و تكلم أيديهم و أرجلهم.
قوله: و هو خطأ لأن الفاعل و ما يقوم مقامه لا يتقدم هذا رد على صاحب الكشاف في قوله و عنه في موضع الرفع بالفاعلية أي كل واحد منها كان مسؤولا فمسؤول مسند إلى الجار و المجرور كما في قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] قال أبو البقاء ما ذكره الزمخشري غلط لأن الجار و المجرور يقام مقام الفاعل إذا تقدم الفعل أو ما يقوم فأما إذا تأخر فلا يصح ذلك فيه لأن الاسم إذا تقدم على الفعل صار مبتدأ و حرف الجر إذا كان الفعل لازما لا يكون مبتدأ و نظيره قولك بزيد انطلق و يدلك على ذلك أنك لو شئت لم تقل بالزيدين انطلقا و لكن تصحيح المسألة أن يجعل الضمير في مسؤول للمصدر و يكون عنه في موضع نصب كما يقدر في قولك بزيد انطلق قال صاحب التقريب عناية لطرف صاحب الكشاف و إنما جاز تقديمه مع أنه فاعل لمحا لاصالة ظرفيته لا لعروض فاعليته و لأن الفاعل لا يتقدم لالتباسه بالمبتدأ و لا التباس ههنا و لأنه ليس بفاعل حقيقة أقول ما ذكره صاحب التقريب كما ترى لا يخلو عن تعسف و ارتكاب للتمحلات البعيدة الخارجة عن قانون العربية سأل ابن جني أبا علي عن قولهم فيك يرغب فقال لا يرتفع بما بعده فأين المرفوع فقال المصدر أي فيك يرغب الرغب و فيك ظرف و في شرح ابن المعطي في الألفية إن كان مفعول المجهول جارا فلا يتقدم على الفعل لأنه لو تقدم اشتغل الفعل بضميره و لا يمكن جعله مبتدأ لأجل حرف الجر و منهم من أجاز محتجا بهذه الآية لأن ما لم يسم فاعله مفعول في المعنى و المفعول جائز التقديم على عامله.
(1) و قد يكون السؤال متعديا إلى المفعول الأول بعن كقوله عليه السّلام ما المسؤول عنه أعلم من السائل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 506
مسند إلى عنه على أنه نائب الفاعل له نحو مر يزيد قوله و هو خطأ لكن لا من جهة المعنى لأنه صحيح بل من جهة اللفظ لأن الفاعل و ما يقوم مقامه و هو نائب الفاعل لا يتقدم و القول المذكور للكشاف و قيل لو علل جواز تقديمه على عامله بأن المجرور بالحرف لا يلتبس بالمبتدأ و هذا مراد الزمخشري و المصنف تبع لأبي جعفر النحاس حيث نقل الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارا و مجرورا لكن يمكن أن ينازع في تلك الحكاية و عن هذا ذهب الزمخشري إلى جوازه لعدم الالتباس بالمبتدأ و هو السبب في عدم الجواز.
قوله: (و فيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية) و مراده بالدليل الدليل الظني فلا يضره جواز أن يكون ما يسأل عنه الفؤاد العقائد لا الهم و العزم بمعصية مع أنه مؤيد بما مر من الدليل و هو قوله تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ [الإسراء: 25] الآية (و قرىء و الفواد بقلب الهمزة واوا بعد الضمة ثم إبدالها بالفتح).
قوله تعالى:
[سورة الإسراء (17): آية 37]
قوله: (أي ذا مرح و هو الاختيال) افتعال من الخيلاء و هي كبر و عجب و اختاره لمناسبة المقام و أصل معناه الفرح و شدة السرور و أريد به هنا الكبر لأنه مسبب عن شدة الفرح في الأكثر و الفرح مسبب عن الجاه و كثر المال و غير ذلك من أسباب الكبر و مرحا مصدر حال للمبالغة كما صرح به و تقدير المضاف للتنبيه على أنه لو لم يكن المبالغة مرادة لكان حقه ذا مرح.
قوله: (و قرىء مرحا و هو باعتبار الحكم أبلغ و إن كان المصدر آكد من صريح قوله: و فيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه هذا المعنى مستفاد من الفظ الفؤاد فإن العزم صفة الفؤاد.
قوله: و قرىء و الفواد بفتح الفاء و الواو أبدلت ضمه الفاء بالفتح لثقل الضمة مع الواو و قال ابن جني قرأها الجراح و النصر و انكر أبو حاتم فتح الفاء و لم يذكر هو و لا ابن مجاهد الهمزة و لا تركها و قد يجوز ترك الهمزة مع فتح الفاء كأنه قال الفؤاد بضم الفاء و الهمزة ثم خففت فخلصت في اللفظ واوا و فتحت الفاء على ما في ذلك فبقيت واوا.
قوله: و قرىء مرحا بالكسر على أنه صفة مشتقة قال الراغب المرح شدة الفرح و التوسع فيه و مرحى كلمة تعجب قال أبو البقاء مرحا بكسر الراء و بفتحها مصدر في موضع الحال أو مفعول له.
قوله: و هو باعتبار الحكم أبلغ و أن كالمصدر آكد من صريح النعت أي و مرحا بالكسر على أنه صفة مشتقة أبلغ في الحكم لأن أصل المقصود من الكلام النهي عن المشي مقيدا بصفة المرح و صيغ الصفات المشتقة أدل على معنى الوصف لدلالتها عليها دلالة صريحة خصوصا إذا دل عليها بصيغة موضوعة للمبالغة و هي صيغة فعل و إن كان المصدر آكد من صريح النعت لأنه يكون من قبيل رجل عدل في المبالغة لأن في الوصف بالمصدر ابهام أنه عدل مصور لكن تفسير مرحا بقوله: ذا مرح ينافي جعله من باب رجل عدل فإنه إذا قيل تقديره رجل ذو عدل خرج عن إفادة
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 507
النعت) و هو باعتبار الحكم أبلغ لأنه يفيد أصل «1» الاتصاف و نفيه و هو أبلغ من نفي زيادته و مبالغته لأنه ربما يشعر ببقائه ذاتا و المنفي مبالغته و هذا يؤيد ما ذكرنا من أن المراد جعله عين المرح مبالغة و تقدير المضاف لما ذكرناه فلا إشكال بأنه إذا فسر المرح بذا مرح كما فعله المصنف يتحد الصفة و المصدر في المعنى و ما ذكرناه حقق الشيخ عبد القاهر في إقبال و إدبار كما نقل في أوائل المطول و أشار به المصنف إلى أن كون المصدر آكد في الإثبات كرجل عدل دون النفي مثل ما رجل عدل و لك أن تقول إن النهي لوحظ قبل المبالغة ثم لوحظ المبالغة فيكون المبالغة في النهي فيكون آكد باعتبار الحكم أيضا كقوله تعالى: وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46] و هذا مراد صاحب الكشاف على أن ما ذكره المصنف فيه تفضيل القراءة الشاذة على المتواترة و لا يخفى قبحه.
قوله: (لن تجعل فيها خرقا) إشارة إلى أنه ليس المراد به النفوذ من جانب إلى آخر إذ لا يتصور ذلك و المنفي ما ذكره المصنف.
قوله: (لشدة و طأتك) و هي علامة الكبر فلذا قيده بها فلا مفهوم المخالفة لأن الخرق إنما يتحقق بها لو أمكن له.
قوله: (بتطاولك و هو تهكم بالمختال و تعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل) بتطاولك أي بمد العنق و المشي على رؤوس الأصابع فالمراد بالطول هو الطول الذي يتكلفه المختال و هذا من قبيل التقسيم و المعنى أنك لن تخرق الأرض بشدة و طأتك إذا مشيت مشيا بالغا في الوطىء و لن تبلغ الجبال طولا إذا مشيت مشيا على رؤوس الأصابع بدون شدة الوطىء و طولا مفعول له أو تمييز و ما ذكره المصنف بيان الحاصل و مآل المعنى و قيل إنه منصوب بنزع الخافضية و إن الطول بمعنى التطاول و تعليل للنهي لأنه في تأويل الخبر أي لا جدوى في الخيلاء لأنك لن تخرق الأرض الخ.
قوله تعالى:
[سورة الإسراء (17): آية 38]
كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38)
قوله: (إشارة إلى الخصال الخمس و العشرين المذكورة من قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ) من قوله أي مبتدأ من قوله: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الإسراء: 39] المبالغة و بهذا حمل بعض الفحول كلام صاحب الكشاف ههنا على التسامح في قوله في تفسير و لا تمش في الأرض مرحا ذا مرح ثم قال و قرىء مرحا ثم قال و فضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل لما فيه من التأكيد لأنه قال و فضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل بعد ما أول المصدر بقوله ذا مرح و بعد القراءة الدالة على أنه اسم فاعل و إنما يكون المصدر مفيدا للمبالغة إذا ترك على حاله نحو رجل عدل.
(1) و أما ما قيل من أن مرحا صفة مشبهة فنفيه يفيد ثبوته فمدفوع بأن الصفة المشبهة معنى دلالته على الثبوت أنها لا تدل على التجدد دون الدلالة على المبالغة و الدوام.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج11، ص: 508
و منتهاه قوله و لا تمش في الأرض «1» مجموعها خمسة و عشرون النهي عن اعتقاد الشريك و الأمر بعبادة ربه و النهي عن عبادة غيره و الإحسان بالوالدين و النهي عن القول لهما أف و عدم النهر و الزجر للوالدين و الأمر بالقول لهما قولا كريما و خفض جناح الذل لهما و الدعاء برب ارحمهما و الإيتاء بذوي القربى و المسكين و ابن السبيل و النهي عن التبذير و القول لهم قولا ميسورا و النهي عن جعل اليد مغلولة و هو البخل و النهي عن البسط المفرط و النهي عن قتل الأولاد و قتل النفس و جعل الولي سلطانا لمن قتل مظلوما و النهي عن الإسراف في القتل و الأمر بوفاء العهد و بإيفاء الكيل و الأمر بالوزن بالميزان المستقيم و النهي عن اتباع ما ليس له علم و النهي عن المشي خيلاء و الكبر منهي عنه مطلقا لكن ظهوره في المشي أكثر و لذا نهى عنه في حال المشي فالنهي متوجه إلى القيد (و عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أنها المكتوبة في ألواح موسى عليه السّلام).
قوله: (يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات و مناهي و قرأ الحجازيان و البصريان سيئة على أنها خبر كان و الاسم ضمير كل و ذلك إشارة إلى ما نهى عنه خاصة و على هذا قوله عند ربك مكروها) و قرأ الحجازيان الخ و ما اختاره من القراءة قراءة الكوفيين و ابن عامر و سيئة بالرفع اسم كان و الضمير الغائب راجع إلى كل ذلك و كل ذلك شامل لجميع ما مر من الأوامر و النواهي و إضافة السيئة إلى الضمير لامية و هو الذي اختاره المصنف كما هو الظاهر و قرأ الباقون سيئة بالنصب و بالتنوين و اسم كان الضمير الراجع إلى كل ذلك فحينئذ يكون ذلك إشارة إلى المنهي عنه خاصة.
قوله: (بدل من سيئة) «2» بدل الكل لكن كون الجملة بدلا فيه مقال لأن عند ربك ظرف مأول بجملة إلا أن يقال إنه متعلق بمكروها.
قوله: (أو صفة لها محمولة على المعنى فإنه بمعنى سيئا و قد قرىء به) توجيه كون الصفة مذكرا مع أن الموصوف مؤنث و أما في البدل فلا يعتبر فيه المطابقة فلا حاجة إلى القول بأنه بمعنى سيئا.
قوله: يعني المنهي عنه يريد أن المذكورات من لدن قوله عز و جل: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الإسراء: 39] إلى هنا منها حسن مأمور و منها قبيح منهي عنه و قوله عز و علا: كُلُّ أُولئِكَ [الإسراء: 36] عام شامل للمأمورات و المناهي و جميع ذلك ليس مكروها بل بعضه مرضي و بعضه مكروه فلا جرم أضيف السيىء إلى ضمير كل ليخرج عن حكم الكراهة المأمورات بها و يختص بالمناهي فكأنه قيل و كل من ذلك المذكورات كان منهية عند ربك سيئة أو مكروها على اختلاف القراءتين.
(1) و ذكر الأرض مع أن المشي إنما يكون في الأرض للتعميم و المعنى و لا تمشي في الأرض بأية أرض كانت فهي عام خص منه المشي في أرض العدو في وقت المحاربة.