کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج12، ص: 447
معناه و يؤيده قوله تعالى: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [البقرة: 38] الآية في سورة البقرة.
قوله تعالى:
[سورة طه (20): آية 124]
قوله: ( وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي [طه: 124]) عطف على فَمَنِ اتَّبَعَ [طه: 123] الخ قسيم له كأنه قال و من لم يتبع بل أعرض عن ذكري.
قوله: (عن الهدى الذاكر لي) إشارة إلى أن إضافة الذكر إلى المفعول و هذا أبلغ من قوله عن الهدى و المراد بالهدى غير الأول أي ما جاءه الرسول و اقتضاه العقل كما مر و سبب عدم إضماره المغايرة غاية الأمر أنه عبر عن الهدى بالذكر مصدر بمعنى اسم الفاعل للمبالغة أيضا و كذا في التعبير بالإعراض مبالغة أيضا و المضي في الموضعين للاستمرار و عصاة الموحدين داخلون في القسم الأول أو حالهم مسكوت عنها.
قوله: (و الداعي إلى عبادتي) عطف تفسير مبين بأن المراد بالذكر العبادة كما نبه أولا على أن المراد به الهدى مجاز فالهدى و العبادة بمعنى واحد و فيه نوع تسامح إذ فسر الذكر أولا بالهدى و وصف بأنه الذكر لي ثم قال الداعي إلى عبادته فأشار إلى أن الذكر هو العبادة فلا تغفل.
قوله: (ضيقا مصدر وصف به و لذلك يستوي فيه المذكر و المؤنث) وصف به تنبيه على أنه بمعنى اسم الفاعل و للمبالغة وصف بالمصدر.
قوله: (و قرىء ضنكى كسكرى) صفة فلا مجاز فيه كما في الأولى.
قوله: (و ذلك لأن مجامع «1» همه) قال في سورة النحل بخلاف الكافر فإنه إن كان معسرا فظاهر و إن كان موسرا لم يدع الحرص و خوف الفوات أن يتهنأ بعيشه.
قوله: (و مطامح نظره تكون إلى إعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة) فإنه يعيش عيشا طيبا فإنه إن كان موسرا فظاهر و إن كان معسرا كان طيبا بالقناعة و الرضاء بالقسمة و توقع الأجر العظيم في الآخرة و إليه أشار بقوله الطالب الآخرة فالمؤمن الذي يكون له حرص فإيمانه ضعيف لكونه موصوفا بصفة الكفار.
قوله: (مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر و يوسع ببركة الإيمان كما قال: وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ [البقرة: 61] و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى قوله: مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر و يوسع ببركة الإيمان أي قد يضيق العيش في الدنيا و يوسعه كما قال: وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ [البقرة: 61] وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة: 66] وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ [الأعراف: 96].
(1) و الجامع التضاد أخر هذا القسم لطول ذبا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج12، ص: 448
آمَنُوا [الأعراف: 96] الآيات) مع أنه توجيه بالنسبة إلى فقرائهم بعد التوجيه بالنسبة إلى أغنيائهم كما صرح به في سورة النحل و عبر بقوله مع أنه تعالى تنبيها على أن أكثرهم كذلك لا سيما اليهود و على أن الأصل فيهم ذلك و الغناء تفضل المسكنة الفقر الشديد قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا [المائدة: 66] الآية أي لوسع رزقهم بالمعنى الذي ذكرناه أي لكان عيشهم عيشا طيبا سواء كان معسرا أو موسرا و لا قائل بالفصل فعلم أن حال أصحاب الإنجيل و سائر أهل الملة و التوحيد كذلك قوله: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى [الأعراف: 96] الآية و هذا عام و لو قيل إن المراد أهل مكة و حواليها فيكون التعميم بدلالة النص.
قوله: (و قيل هو الضريع و الزقوم في النار و قيل عذاب القبر) و قيل الضريع يبيس الشرق و هو شوك ترعاه الإبل ما دام رطبا و الزقوم في الأصل طعام مركب من تمر و زبدة لكن المراد به ثمرة شجرة يخرج من أصل الجحيم طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 65] مرضه إذ المتبادر من المعيشة العيش في الدنيا و كذا مرضه ما يليه لذلك.
قوله: (قرىء بسكون الهاء على لفظ الوقف) لم يقل على الوقف بل أقحم لفظ للتنبيه على أنه أجرى فيه الوصل مجرى الوقف و ليس بوقف و اختاره المص و لم يلتفت إلى ما قيل من أنه على لغة من يسكن هاء الضمير لأن القرآن نزل على سبعة أحرف أي على سبعة لغات و هذه اللغة ليست منها.
قوله: (و بالجزم عطفا على محل فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً [طه: 124] لأنه جواب الشرط) و بالجزم و على قراءة الرفع هي جملة مستأنفة.
قوله: (أعمى البصر أو القلب و يؤيد الأول).
قوله تعالى:
[سورة طه (20): آية 125]
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125)
( قالَ رَبِ [طه: 125] الآية) لم يقل و يدل لاحتمال أن يكون بصيرا من البصيرة أي كنت بصيرا بطرق الحجج و أنواع الحيل.
قوله: (و قد أمالهما حمزة و الكسائي لأن الألف من الياء و فرق أبو عمرو بأن الأول رأس الآية و محل الوقف فهو جدير بالتغيير) و قد أمالهما أي أمال «1» لفظ أعمى في الموضعين قوله لأن الألف من الياء أي منقلبة من الياء.
قوله: أعمى البصر أو القلب معنى عمى القلب في يوم القيامة العجز عن الحجة و إسداد طرق المعذرة عليه.
قوله: و يؤيد الأول: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً [طه: 125] وجه التأييد هو أن المراد بالبصير في قوله: وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً [طه: 125] هو البصير بحاسة البصر فيدل على أن مقابله هو عمى البصر لا عمى البصيرة الذي هو عمى القلب.
(1) و أبو عمرو أمال في الأول لما ذكره من الدليل لكنه مصحح لا موجب.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج12، ص: 449
قوله تعالى:
[سورة طه (20): آية 126]
قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126)
قوله: (أي مثل ذلك فعلت ثم فسره فقال: أَتَتْكَ آياتُنا [طه: 126]) أي مثل ذلك فعلت حمل الكاف على التشبيه و جعله مفعولا به لأنه مهما أمكن التشبيه لا يقال إنه مقحم فمن ادعى ذلك فعليه البيان بالبرهان قوله ثم فسره الخ و لذلك ترك العطف.
قوله: (واضحة نيرة) واضحة مستفاد من الإضافة إلى نون العظمة.
قوله: (فعميت عنها و تركتها غير منظور إليها) فعميت مجاز عن الترك و لذا قال و تركتها غير منظور إليها و هذا معنى النسيان كناية أو مجازا و تعدية النظر بإلى دون في إشارة إلى كونه أعمى تشبيها فإن البصير الذي لم ينظر إلى الآيات و الأعمى سيان هذا في عمى البصر و أما في عمى القلب فالمعنى تركتها غير منظور فيها و على التقديرين فعل مثل ذلك لا عينه و لقد غفل من جعل الكاف مقحمة.
قوله: (و مثل تركك إياها تترك في العمى و العذاب) في عمى البصر أو في عمى القلب و النسيان هنا أيضا كناية عن الترك أو مجاز.
قوله تعالى:
[سورة طه (20): آية 127]
قوله: (بالانهماك في الشهوات) بيان معنى الإسراف و هو لمزيد استحقاقه العذاب و إلا فنفس ذلك الفعل كاف في ذلك.
قوله: (و الإعراض عن الآيات) تركه أولى لقوله «1» و لم يؤمن الخ و هذه الجملة حال.
قوله: (بل كذبها و خالفها) لأن عدم الإيمان عام له و لخلو الذهن عن الإيمان و التكذيب.
قوله: (و هو الحشر على العمى و قيل عذاب النار أي و النار بعد ذلك) أي بعد الحشر على العمى مرضه لأنه المناسب للسوق كون العذاب ما ذكر في مقابلة الضنك و هو العذاب في الدنيا و ما ذكر في مقابلته حشره أعمى.
قوله: (من ضنك العيش أو منه و من العمى و لعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محله قوله: واضحة نيرة معنى الوضوح مستفاد من إسناد الإتيان إلى الآيات حيث جعلت آتية إليه إتيان شخص محسوس ذي شعور و إرادة إلى شخص آخر بمرأى منه.
له: فعميت عنها و تركتها غير منظور إليها أي فلما صار فعلك في الدنيا التعامي عن آياتنا و ترك النظر إليها صارت عقوبتك في الدنيا من جنس فعلك في الدنيا وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: 40].
قوله: و قيل عذاب النار أي و النار بعد ذلك أشد و أبقى أي النار بعد العمى أشد.
قوله: و لعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محله و حاله هذا ناظر إلى جعل العذاب في
(1) إذ ح يلزم كونه تأكيدا لقوله أسرف و التأسيس أولى.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج12، ص: 450
و حاله) كأنه جواب إشكال بأن العمى باق فكيف يكون عذاب النار أبقى مما عداه فأجاب بما ترى لكن بملاحظة انضمام أشد إلى أبقى لزال ذلك الإشكال و إنما قال و لعله لعدم الدليل القاطع لجواز أن لا يزول العمى و الإشكال المذكور غير وارد لما عرفته.
قوله: (أو مما فعله من ترك الآيات و الكفر بها) أي المفضل عليه ليس ضنك العيش أو منه و من العمى بل مما فعله فلا إشكال لكن ضعفه لأن النسبة بين العذابين أولى من النسبة بين العذاب و بين ما فعله.
قوله تعالى:
[سورة طه (20): آية 128]
قوله: (مسند إلى اللّه تعالى) قدمه لأن الهداية فعل اللّه تعالى حقيقة إذ المراد التبيين و الإرشاد و المراد بالهداية المعنى اللغوي.
قوله: (أو الرسول أو ما دل عليه كَمْ أَهْلَكْنا [طه: 128] الآية) أو الرسول إذ التبيين لهم بمباشرة الرسول عليه السّلام و أما تبيين اللّه تعالى فبواسطة الرسول عليه السّلام و عن هذا جوز كون الإسناد إلى الرسول كما جاز إسناده إلى اللّه تعالى ثم جوز أن يكون المسند إلى الإهلاك المدلول عليه بقوله: كَمْ أَهْلَكْنا [طه: 128].
قوله: (أي إهلاكنا إياهم) تفسير لقوله ما دل عليه و الإسناد ح مجازي إن أريد التبيين بالقول و إن أريد التبيين بالحال فلا مجاز في الإسناد بل في الكلمة.
قوله: (أو الجملة) عطف على قوله إلى اللّه أي الفاعل هو هذا اللفظ.
قوله: (بمضمونها) إشارة إلى أن كون الجملة فاعلا أو مفعولا باعتبار مضمونها و دلالتها على ما هو الفاعل و هو إهلاك اللّه إياهم و هذا في المآل متحد لكون الفاعل ما دل عليه قوله: كَمْ أَهْلَكْنا [طه: 128] لكن فيما دل شائبة الإضمار قبل الذكر و الكلام في إسناده مثل الكلام في الإسناد إلى ما دل أخره لأن كون الجملة فاعلا مذهب الكوفيين و هو مذهب مرجوح و البصريون لا يجوزونها قيل هذا بناء على أن الجملة تكون فاعلا كما يقع مفعولا إما مطلقا أو بشرط كونه الفعل قلبيا و وجود معلق عن العمل و الجمهور على خلافه.
وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ [طه: 127] بمعنى و لعذاب النار و معنى زوال العمى لرؤية حاله و محله على التأويل مستفاد من صيغة التفضيل في أبقى أي أبقى من ضنك العيش و العمى في الآخرة فيفهم منه أن الإبقاء في عمى الآخرة مثل بقاء عذاب النار أي بقاء عمى الآخرة منقرض و بقاء عذاب النار لهم أبدي.
قوله: أو ما دل عليه كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ [طه: 128] فالمعنى أ فلم يهدهم إهلاكنا إياهم و قوله أو الجملة بمضمونها بجر الجملة عطفا على محل ما دل عليه فالمعنى أفلم يهد لهم هذا القول و المراد هدايتها بمضمونها.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج12، ص: 451
قوله: (و الفعل على الأولين معلق يجري مجرى اعلم) معلق لأن الهداية معناها لغة التعريف و التبيين فأجري مجرى اعلم فكان من ملحقات أفعال القلوب لتضمن معناها و أما على الأخيرين فإنها فاعل أو مفسرة له فلذا قيد بالأولين و أشار إلى أن كم استفهامية مميزها من القرون و لا يبعد أن تكون خبرية و تقديرا فلم يهد لهم ألم ينبههم فلم يهد لهم «1» .
قوله: (و يدل عليه القراءة بالنون) أي على أن الفعل معلق و ليست الجملة فاعلا و لا دلالة على الفاعل القراءة بالنون أي أ فلم نهد لهم فإن الفاعل نون العظمة و هذه القراءة كما تدل على ذلك تدل أيضا على أن لم يهد مسند إلى اللّه تعالى.
قوله: ( يَمْشُونَ [طه: 128] و يشاهدون آثار هلاكهم) يَمْشُونَ [طه: 128] الآية حال من الضمير في لَهُمْ [طه: 128] قوله و يشاهدون آثار هلاكهم تنبيه على أن المشي كناية عن مشاهدة تلك الآثار و لا ضير في إرادة المشي حقيقة و المشاهدة لازمة له و لم يلتفت إلى كون يمشون حالا من القرون أو من مفعول أهلكنا لعدم ملائمة مقام التهديد فإن المعنى حينئذ أهلكناهم بغتة و هم يمشون في مساكنهم يتقلبون في أمورهم و معاشهم فضمير يمشون راجع إلى القرون المهلكة فالمناسب للتهديد كون ضمير يمشون راجعا إلى كفار مكة و غيرهم ليعتبروا و ينزجروا عن الفعل الذي كان سببا لإهلاك القرون الخالية.
قوله: (لذوي العقول الناهية عن التغافل و التعامي) أي النهي عبارة عن العقول قوله الناهية الخ بيان لوجه إطلاق النهي على العقول سمي زجر العقل عما لا ينبغي نهيا استعارة.
قوله تعالى:
[سورة طه (20): آية 129]
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى (129)
قوله: (و هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة) عذاب هذه الأمة أي أمة قوله: و الفعل على الأولين معلق يجري مجرى اعلم أي الفعل في أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ [طه: 128] على تقدير إسناده إلى اللّه تعالى أو إلى الرسول عليه الصلاة و السّلام معلق و لما كان التعليق من خصائص أفعال اليقين و فعل الهداية ليست منها جعله جاريا مجرى اعلم لأن الهداية و هي الدلالة إلى ما يوصل إلى المطلوب يستلزم معنى الإعلام فالمعنى على التعليق أ فلم تعلمهم كم أهلكنا من القرون و تقدير الكلام على إظهار المفاعيل الثلاثة أ فلم تعلمهم كثيرا من القرون مهلكا.
قوله: و يدل عليه القراءة بالنون أي يدل على أنه مسند إلى اللّه و إلى الرسول قراءة أ فلم نهد لهم بالنون وجه الدلالة على تقدير إسناده إلى اللّه تعالى ظاهر و أما على تقدير إسناده إلى الرسول فباعتبار أن هداية الرسول هي هداية اللّه تعالى لأنها إنما هي بأمره و إرادته و هذه القراءة لا يناسب الوجهين الأخيرين على ما قاله رحمه اللّه و أقول لم لا يجوز أن يأول الوجهان الأخيران على قراءة النون بأن يكون من باب الإسناد إلى السبب كما في توجيه كونه مسندا إلى الرسول على هذه القراءة فالأولى أن يقال في وجه دلالة قراءة النون عليه أن صيغة الحكاية في أَ فَلَمْ يَهْدِ [طه: 128] باعتبار دخول الرسول عليه الصلاة و السّلام فيها.
(1) أي المعطوف عليه محذوف و الهمزة داخلة عليه و هي لإنكار النفي و إثبات المنفي.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج12، ص: 452
الدعوة الشاملة للكفار فإنهم هم المستحقون بالعذاب و التأخير عنهم و المراد بالعذاب عذاب الاستئصال «1» .
قوله: (لكان مثل ما نزل بعاد و ثمود لازما لهؤلاء الكفرة) مثل ما نزل أي فاعل كان مثل ما نزل لأن ما سبق و إن كان ما نزل لكن لا يكون لازما للكفار المذكورين بعينه فلا جرم أن المراد مثل ما نزل فيكون مذكورا حكما و لم يقل لكان الإهلاك لأن المتبادر إهلاك الأمم الماضية فيحتاج إلى تقدير المثل فلا قصر للمسافة حينئذ.
قوله: (و هو مصدر وصف به أو اسم آلة سمي به اللازم لفرط لزومه كقولهم لزاز خصم) و هو مصدر أي مصدر من المفاعلة وصف به مبالغة فلا يؤول بالمشق لفوات المبالغة حينئذ أو اسم آلة لأن اسم الآلة تبنى عليه كما تبنى على مفعل و مفعال فيكون بمعنى ملزام أو ملزم بكسر الميم و فتح الزاي سمي به اللازم مجازا كأنه لفرط لزومه صار آلة للزوم كقولهم لزاز خصيم بمعنى ملح و مبرم فاللزاز مع كونه اسم آلة أطلق على الفاعل لفرط خصومته من لزه بمعنى ضيق عليه و لم يلتفت إلى جواز كونه جمع لازم كقيام جمع قائم لأن مثل ما نزل ليس بجمع و إن كان في قوته مع فوت المبالغة حينئذ.
قوله: (عطف على كلمة أي و لو لا العدة بتأخير العذاب و أجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم و هو يوم القيامة أو بدر لكان العذاب لزاما) أي و لو لا العدة بتأخير العذاب معنى و لو لا كلمة سبقت و المراد بتأخيره تأخيره عن وقت يستحقون العذاب فيه لا عن وقتهم الموعود و يدل على ما ذكرنا قوله: وَ أَجَلٌ مُسَمًّى [طه: 129] قوله لكان العذاب أشار إلى أنه في حكم المؤخر عن المعطوف و جعل الفاعل العذاب قصرا للمسافة لتنبيهه على المراد أولا أي مثل عذاب عاد و ثمود.
قوله: و الفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب أي فصل و أجل مسمى و تأخيره عن محله الذي هو قرب المعطوف عليه و ظاهر النظم أن يقال: وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً [طه: 129] للدلالة على استقلال كل من كلمة الوعد و أجل مسمى بنفي لزوم العذاب.
قوله: و هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة لا بد من أن يراد بالأمة في قوله هذا المعنى الأعم الشامل لأمة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و سائر أمم الكفر الموجودين وقت نزول هذه الآية لأنه لو أريد بها أمة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم فقط أشكل ترتب الجزاء على الشرط إذ القائل أن يقول حينئذ سبق الوعد بتأخير عذاب أمة محمد عليه الصلاة و السّلام إلى الآخرة لا ينافي لزوم ما نزل بعاد و ثمود على هؤلاء الكفرة.
قوله: لزاز خصم أي ملح و في الأساس هذا لزاز الباب للحافة الذي يلزمه و يقال الزه أي شده و الصقه و رجل لز أي شديد الخصومة.
(1) فلا يرد الإشكال على قوله: يوم بدر إذ المراد عذاب الاستئصال و لم يقع في بدر عذاب الاستئصال.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج12، ص: 453
قوله: (و الفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب) للدلالة الخ وجه الدلالة هو أن قوله لكان لازما ملحوظ في المعطوف على حياله فيكون حكما مستقلا كالمعطوف عليه و ما سبق من الجمع بين المتعاطفين و جعل لكان لزاما جوابا لهما بيان حاصل المعنى و هذا إشارة إلى ترجيح كون أجل مسمى لأعمارهم و أما على تقدير كونه لعذابهم فالظاهر أنه على هذا يتحد في المآل بالكلمة التي سبقت فلا يدل الفصل على الاستقلال و دفع بأنه لا يلزم من تأخير العذاب في الدنيا أن يكون لهم وقت معين لا يتأخر عنه فلا مانع من استقلال كل منهما و فيه أن اللزوم كالبديهي إذ العذاب لا بد أن يكون له وقت معين فإذا أخر في الدنيا فهم أن يكون له أجل مسمى و لذا قال المعترض يتحد في المآل فالجواب الإشارة إلى ترجيح الوجه الأول كما صرح به المعترض.
قوله: (و يجوز عطفه على المستكن في كان أي لكان الأخذ العاجل و أجل مسمى لازمين لهم) و الجمع بين لزوم الأخذ العاجل و أجل مسمى نوع منافاة إذ الأول إذ لزم لم يكن الثاني لازما و بالعكس ألا يرى أن في الوجه الأول لزوم الأخذ العاجل علق بانتفاء الأجل المسمى و بانتفاء الكلمة و لعل لهذا قال و يجوز الخ لكن مقتضى الحال عدم الجواز و أما القول بأنه إذا كان لزاما مصدرا أو جمعا فلا إشكال و أما إذا كان اسم آلة يلزم تثنيته و على هذا يتعين ما ذكر ليندفع الإشكال و إليه أشار المصنف بقوله لازمين فضعيف لأنه أمر سهل «1» .
قوله تعالى:
[سورة طه (20): آية 130]
قوله: ( فَاصْبِرْ [طه: 130]) الفاء للسببية لأن عدم عذابهم عاجلا سبب للأمر بالصبر أو سبب لنفس الصبر أي عدم الاضطراب لما وقع منهم من أذى الفقراء الصابرين من الصحابة الأكرمين لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة بآية القتال كذا قاله المص في نظائره.
قوله: (وصل و أنت حامد لربك على هدايته و توفيقه) وصل أي سبح مجاز عن صل قوله: و يجوز عطفه على المستكن في كان فيكون نظم الكلام مثل كان زيد قائما و عمرو.
قوله: وصل و أنت حامد لربك يعني أن سبح مجاز بمعنى صل و الظرف المستقر و هو بحمد ربك منصوب المحل على أنه حال من فاعل سبح معترفا بأنه المولى للنعم كلها أي نزهه عن الشرك و النقائص حامدا معترفا بكونه منعما للنعم كلها فمعنى الاعتراف بذلك مستفاد من لفظ الحمد في بحمد ربك و كذا معنى إيلاء النعم أي إعطائها لأن الحمد الاصطلاحي إنما يكون في مقابلة النعمة و من لفظ الرب أيضا و معنى تأكيد النعم بكلها مستفاد من إطلاق الحمد حيث لم يذكر معه ما لأجله الحمد و لم يقيد بشيء من النعمة لكن ينافيه قوله حامدا على ما ميزك بالهدى مقيدا و مخصصا له بنعمة تمييزه إياه بالهدى فآخر كلامه ينافي أوله.