کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 245
إسرائيل «1» بعدما نجوا سألوا بقرة يعبدونها و اتخذوا العجل و قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: 55]) سألوا خبر لبنو إسرائيل أشار إلى الأكثر الذي لم يؤمنوا بعد مشاهدة هذه الآية العظيمة و هم القبطي عن آخرهم و بعض بني إسرائيل سألوا بقرة كما بينه تعالى بقوله: قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: 138] لأنهم كانت لهم تماثيل على صورة البقرة فقوله بقرة استعارة البقرة للصورة.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): آية 68]
وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)
قوله: (المنتقم من أعدائه) و لذا أهلك فرعون و قومه بالبحر.
قوله: (بأوليائه) و عن هذا أنجى موسى و من معه من البحر و من استيلاء الأعداء و بهذه الملاحظة يظهر مناسبة ختم الكلام لما قبله و أخر الرحيم للفاصلة مع أنه ناظر إلى الإنجاء المقدر ذكرا.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): آية 69]
وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69)
قوله: (على مشركي العرب) هم مذكورون «2» حكما فإن إبراهيم جد العرب فإن نبأ إبراهيم ينبغي أن يخص بهم و إن ذهب بعضهم إلى أنه لجميع الناس و النبأ الخبر العجيب الشأن و المراد به قصته مع أبيه و قومه ذكر قصته إثر قصة موسى عليه السّلام تسلية له عليه السّلام بأن حزن «3» إبراهيم عليه السّلام أشد من حزنه.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): آية 70]
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70)
قوله: (سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة) سألهم مع علمه بأنهم عبدة الأصنام ليريهم ليعلمهم أن ما يعبدونه الخ أي أن الاستفهام ليس على حقيقته بل لأن يتوسل به إلى أن ما يعبدونه الخ و حاصله أن الاستفهام هنا للإنكار لا قوله: سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة أعني ليس مراد إبراهيم من سؤاله هذا أن يعلم هو حقيقة ما يعبدونه من الأصنام لأنه عالم به ما هو بل مراده من السؤال أن يريهم و يعلمهم قطعا بعد جوابهم له بأن نعبد أصناما فنظل لها عاكفين أن أصنامهم التي يعبدونها لا تستحق أن تعبد لاتصافها بالعجز عن النفع و الضر فالمراد بالسؤال استنطاقهم ليجيبهم بما أجاب كما تقول للتاجر ما مالك و أنت تعلم أن ماله الرقيق فيقول الرقيق ثم تقول له الرقيق جمال و ليس بمال.
(1) أي بنو إسرائيل مبتدأ خبره سألوا.
(2) فيكون كذكر الميت في آية الميراث.
(3) و أنه صبر حتى أتاه نصر اللّه فاصبر حتى أتاك نصرنا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 246
للاستعلام قوله إذ قال بدل «1» من نبأ «2» إبراهيم أو ظرف له.
قوله: (قالوا نعبد) استئناف و نعبد للاستمرار.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): آية 71]
قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71)
قوله: (فأطالوا «3» جوابهم) يعني بزيادة قولهم نعبد فنظل لها عاكفين مع أن أصناما يكفيه و هذا الجواب لكون ظاهر ما تعبدون استعلاما و إلا فلا استعلام فلا يحتاج إلى الجواب.
قوله: (بشرح حالهم معه تبجحا به و افتخارا و نظل ههنا بمعنى ندوم و قيل كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل) بشرح أي ملتبسا به قوله معه كالتأكيد لمعنى الملابسة و في نسخة و شرح حالهم الظاهر أنه نصب على المفعول معه أو أنه من باب علفتها تبنا و ماء باردا أي ذكروا شرح حالهم معه أي مع الجواب و هو الظاهر «4» لخلو لفظ معه حينئذ عن التمحل قوله تبجحا بتقديم الجيم على الحاء أي سرورا و كون ضمير معه للأصنام بتأويل ما تعبدون أو لإبراهيم عليه السّلام و مع بمعنى عند عدول عن نهج السداد قوله بمعنى ندوم أي نظل فعل تام بمعنى دام و عاكفين حال و كونه بمعنى صار و عاكفين خبرا له لا يلائم كلام المص و إن كان حسنا في نفسه قوله و قيل الخ فعلى هذا يكون فعلا ناقصا دالا على قوله: فأطالوا جوابهم بشرح حالهم معه تبجحا و افتخارا يعني أن قول إبراهيم عليه السّلام ما تعبدون سؤال عن المعبود فقط و كان القياس أن يقولوا في جوابه أصناما كقوله وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ و ماذا قال ربكم قالوا الحق ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً و هم قد جاؤوا بقصة أمرهم كاملة و زادوا في الجواب ابتهاجا و افتخارا فاشتمل كلامهم على جواب إبراهيم و على ما قصدوه من اظهار ما في نفوسهم من الابتهاج و الافتخار حيث عطفوا على قولهم نَعْبُدُ أَصْناماً قولهم فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ و هذه الزيادة ليست داخلة في السؤال.
قوله: و نظل بمعنى ندوم يعني أن ظل ههنا بمعنى الدوام كما يجيء كان للدوام فالمعنى نعكف عليها عكوفا دائما أي ليلا و نهارا.
قوله: و قيل كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل و هذا المعنى هو ما اختاره صاحب الكشاف حيث لم يتعرض للأول لأنه أصل معناه يقال ظللت أعمل كذا بالكسر ظلولا إذا عملته بالنهار دون الليل مشتق من الظل لأن الظل في الحقيقة إنما هو ضوء شعاع الشمس دون الشعاع فإذا لم يكن ضوء فهو ظلمة و ليس بظل و منه قوله تعالى: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة: 65] كذا في الصحاح.
(1) و الضمير في قومه رجوعه إلى أبيه أولى من رجوعه إلى إبراهيم و إن لزم تفكيك الضمير لأنه أمر سهل لقوله: إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ الآية.
(2) بدل الاشتمال و الاحتمال الثاني أسلم.
(3) المراد بالجواب مجموع الجواب و شرح حالهم بعموم المجاز فلذا أوقع الاطالة عليه مع أنه لا طول في الجواب و لم يقل اطنبوا لعدم الفائدة فيه.
(4) إذ جعل الواو بمعنى مع يغني عن ذكر معه فاحتيج إلى التمحل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 247
اقتران مضمون الجملة بالنهار مرضه لأن كون عبادتهم بالنهار دون الليل بعيد جدا.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): آية 72]
قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)
قوله: (يسمعون دعاءكم) بتقدير مضاف فيكون متعديا إلى مفعول واحد لأنه داخل على المسموع و قد عرفت أنه إذا دخل على مسموع يتعدى إلى واحد.
قوله: (أو يسمعونكم تدعون) فعلى هذا يتعدى إلى مفعولين لأنه إذا دخل على غير مسموع يتعدى إلى اثنين بشرط أن يكون الثاني مما يدل على الصوت مثل سمعت زيدا يقول و هذا كثير في رواية الحديث مثل سمعت رسول اللّه أو النبي عليه السّلام يقول أو يتكلم الخ هذا مختار أبي علي الفارسي و عند غيره يتعدى أيضا إلى واحد و إن كان معرفة فالجملة حال و إلا فصفة فتدعون في قوله أو يسمعونكم تدعون إما مفعول ثان أو حال.
قوله: (فحذف ذلك لدلالة إذ تدعون عليه و قرىء يسمعونكم أي يسمعونكم الجواب عن دعائكم) فحذف ذلك أي ما ذكر من المضاف على الأول أو الجملة أي تدعون على الثاني لدلالة إذ تدعون أي دلالة عقلية على ذلك و أفرد ذلك «1» لأن المذكورين عطف بأو أحدهما على الآخر قوله و قرىء يسمعونكم من الاسماع فحينئذ المحذوف الجواب و هو المفعول الثاني و عن دعائكم متعلق بالجواب و على كلتا القراءتين الاستفهام ليس على حقيقته بل ليراهم أن ما يعبدون بمعزل عن السمع أو الإسماع و النفع و الضر فضلا عن العبادة.
قوله: (و مجيئه مضارعا مع إذ على حكاية الحال الماضية استحضارا لها) يعني قوله: يسمعون دعاءكم أو يسمعونكم يدعون لما وقع مفعول يسمع في هل يسمعونكم نفوس المخاطبين و هم ليسوا مما يصلح أن يتعلق به السماع لأن المسموع يجب أن يكون من جنس الأصوات فسره بوجهين الوجه الأول أن يكون المضاف محذوفا فمعنى هل يسمعونكم هل يسمعون دعاءكم و الثاني أن يكون تقديره يسمعونكم تدعون مثل سمعت زيدا يقول كذا ليكون تدعون حالا من المفعول قيدا للفعل فينسحب معنى السماع إلى القيد فيكون المسموع في كلا الوجهين الدعاء و هو من قبيل الصوت و لو لا تقدير المضاف أو ذكر الوصف أو الحال لم يكن منه بد فلا يقال سمعت زيدا بل يقال سمعت كلام زيد أو سمعت رجلا قائلا كذا أو سمعته يقول كذا كما في قوله تعالى: سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ [آل عمران: 193] و قرينة المحذوف هنا على الوجهين الظرف و هو إذ تدعون.
قوله: و مجيئه مضارعا مع إذ على حكاية الحال الماضية أي مجيء تدعون أو يسمعونكم أو كل واحد منهما فإن كل واحد منهما مظروف لإذ و هو ظرف لهما و هو يقتضي المضي لأنه موضوع لما مضى من الدهر فمقتضى الظاهر أن يقال هل سمعوا إذ دعوتموهم لكن خولف الأصل
(1) و مثل هذا العطف بأو دون الواو يختار الإفراد في ضميره و إشارته قال تعالى: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة: 270] أفرد ضمير يعلمه لذلك.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 248
و الحال أن إذ مختصة بالمضي قوله على حكاية الحال الماضية فحينئذ يكون تعبدون و نعبد لحكاية الحال الماضية و الأولى الاستمرار هنا و هناك فإنهم في صدد العبادة و الدعاء بعد و مثل ذلك لا يقال له لحكاية الحال الماضية فحينئذ كلمة قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ في موقعها و لا يحتاج إلى الاعتذار بأن المعتبر هنا زمان الحكم لا زمان التكلم و هنا كذلك «1» فلا إشكال بأن هل تخلص المضارع بالاستقبال فيضر كونها حكاية للحال الماضية.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): آية 73]
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
قوله: (على عبادتكم لها) عدي بعلى لتضمنه معنى الجزاء و جعلها للتعليل بعيد.
قوله: (من أعرض عنها) أي منكم فالضر متعلق بهم أيضا لاقتضائه الخطاب و أما حذف الضمير أي لفظ كم فللفاصلة و لقد أبعد من قال قوله من أعرض إشارة إلى أن الضر لا يتعلق بهم و لذا لم يقل يضرونكم لما عرفت من الخطاب و الكلام معهم قول المص اضربوا «2» عن أن يكون لهم سمع الخ صريح فيما ذكرنا.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): آية 74]
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74)
قوله: (اضربوا عن أن يكون لهم سمع أو يتوقع منهم ضر أو نفع و التجأوا إلى التقليد) اضربوا أشار إلى أن بل ليس للترقي بل للإضراب عن المحذوف بدلالة سوق الكلام أي قال المشركون حين قال لهم إبراهيم عليه السّلام ذلك لا يكون «3» لهم سمع أو ضر بنفسه أو نفع بل وجدنا آباءنا كذلك «4» يفعلون ففعلنا كذلك «5» و في هذا الجواب إشارة إلى أن ليس لهم في ذلك دليل عقلا أو نقلا أيضا و إنما عبادتنا لمجرد التقليد لمن هم محرومون عن التحقيق قدم ضرا مع أنه مؤخر في النظم إشارة إلى أن كل واحد منهما يستحق التقديم من وجه إذ نفع ما مطلوب جلبه لقصد الانتفاع و التمتع و الضر دفعه مطلوب لاستحضار الصورة الماضية كأنه قيل استحضروا الأحوال الماضية التي كنتم تدعونها فيها وقتا فوقتا و قولوا هل سمعوا قط و هذا أبلغ في الزامهم و تبكيتهم من التعبير بلفظ المضي.
قوله: من اعرض عنها أي أو يضرون من اعرض عن عبادتهم فالضمير في عنها للعبادة لا للأصنام قوله و التجأوا إلى التقليد أي إلى تقليد آبائهم لما عجزوا عن الاحتجاج و افحموا و القموا الحجر و لم يبق لهم محاجة أجابوا بأن داعية العبادة لها التقليد لابآئهم.
(1) لأن السماع بعد الدعاء.
(2) و الظاهر أنهم علموا أن ما يعبدونه ليس بمستحق بالعبادة فاتضح قوله و إنما سأله لبرائهم أي ليعلمهم الخ و الظاهر ترتب علمهم على إعلامه و إن لم يكن لازما له.
(3) أي لا نعبدهم لكونهم سامعين نافعين بل وجدنا.
(4) مفعول يفعلون قدم للفاصلة و يفعلون إما حال إن قيل إن الوجدان بمعنى المصادفة أو مفعول ثان أن قيل إنه بمعنى العلم و الأول هو المعول.
(5) لأنهم كانوا خيرا منا و أعلم.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 249
بل قيل إنه أهم من جلب النفع و لذلك قدم نفع في النظم الكريم في موضع و قدم ضر فيه في محل آخر و قيل آخر النفع لمراعاة السجع مع لفظ السمع و هذا كما ترى.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): الآيات 75 الى 76]
قالَ أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
قوله: (قال) إبراهيم عليه السّلام استئناف و لم يعطف الأقاويل بعضها على بعض تنبيها على أنها أصل على حيالها غير تبع بعضها لبعض و الهمزة «1» داخلة في المعطوف المحذوف أي ءانتبهتم فعلمتم حال الذين تعبدونه من أنه لا يقدر «2» النفع و لا الضر فلا يستحق العبادة ما تعبدونه و ما عبده آباؤكم الأقدمون هذا إذا كان ما موصولة أو فعلتم أي شيء تعبدونه إذا كان ما استفهامية.
قوله: (فإن التقدم «3» لا يدل على الصحة و لا ينقلب به الباطل حقا) أشار إلى أن الاستفهام للإنكار التوبيخي حاصله لا يكون منكم تنبه و لا علم ما تعبدونه و أحواله مع أنه بديهي و أما تقدم عبادة آباؤكم الأقدمون فليس بشيء يفيد صحة تلك العبادة فإنها باطلة «4» فالتقدم لا ينقلب به الباطل حقا فأنى لكم التمسك بذلك قوله: ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [الشعراء: 75] يؤيد ما قلنا من أن الأفعال المضارعة هنا للاستمرار لا لحكاية الحال الماضية و صيغة العقلاء هنا لإسناد أفعال العقلاء إليهم إذ السمع و النفع و الضر من أفعال العقلاء.
قوله تعالى:
[سورة الشعراء (26): آية 77]
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (77)
قوله: (فإنهم أي هذه الآلهة التي تعبدونها) فإنهم أي الأصنام عدو لي الفاء جزائية أي إذا ظهر عجزهم فضلا عن استحقاق العبادة فهم عدو لي و كلمة التأكيد للمبالغة في صدق ذلك قال الفاضل المحشي أي فأخبركم و أعلمكم مضمون هذا الكلام و يجوز و اللّه قوله: فإن التقدم لا يدل على الصحة و لا ينقلب به الباطل حقا لما أجابوا بجواب المقلدين لآبائهم قال لهم رقوا أمر تقليدكم هذا إلى اقصى غاياته و هي عبادة الأقدمين الأولين من آبائكم فإن التقدم و الأولية لا يكون برهانا على الصحة و الباطل لا ينقلب حقا بالقدم و ما عبادة من عبد هذه الأصنام إلا عبادة أعداء له و معنى العداوة قوله تعالى: كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: 82] من حيث إنهم يتضررون من جهة أصنامهم في جهنم بما يتضرر به الرجل من جهة عدوه أو لأن المغري على عبادتها أعدى عدو الإنسان و هو الشيطان.
(1) أي همزة أفرأيتم.
(2) إشارة إلى أن المنفي عنهم القدرة على النفع و الضر.
(3) كأنه أشار إلى وجه وصفهم بالأقدمين.
(4) و ضلال قديم لا فائدة في قدمه إلا ظهور بطلانه لأن المعنى كما علمت اتنبهتم و علمتم أي شيء تعبدونه أنتم و من قبلكم من آبائكم الأقدمين إذ علة البطلان و هي عدم السمع و النفع و الضر مشتركة فأين الفائدة في قدم الباطلة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 250
أعلم أن يكون ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مبتدأ قوله فإنهم خبره فحينئذ لا حاجة إلى تقدير الحال كما احتيج في كونه مفعول رأيتم و ما حينئذ لا يحتمل أن يكون استفهامية و قد جوزه سابقا فحينئذ تكون الجملة مفعول علمتم و كونهم عدوا له ليس معلوما مما سيق لهم كما هو مقتضى الفاء فلا جرم أن هذا الاحتمال ضعيف جدا.
قوله: (يريد أنهم أعداء لعابديهم) «1» و لا يريد ظاهره من أنهم عدو له.
قوله: (من حيث إنهم يتضررون من جهتهم فوق ما يتضرر الرجل من جهة عدوه) فيه إشارة إلى أن الكلام تشبيه بليغ إذ معنى أنهم عدو أي أنهم كالعدو وجه الشبه التضرر من جهتهم الخ غاية الأمر أن فاعل الضرر ليس بأصنام بخلاف العدو فإنه هو الفاعل للضرر.
قوله: (أو إن المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم و هو الشيطان) أو أن المغري أي المحرض الباعث عطف على قوله إنهم أعداء لعابديهم أي يريد به عليه السّلام إما ذلك أو يريد أن المغري المرغب بعبادتهم أعدى أعدائهم فإسناد العداوة إليهم مجاز عقلي من إسناد حال المرغب إلى العابد فلا يكون حينئذ في الكلام تشبيه بليغ قدم الأول لظهوره و لخلوه عن التمحل «2» الذي ذكره.
قوله: (لكنه صور الأمر في نفسه تعريضا لهم فإنه أنفع في النصح من التصريح و إشعارا بأنها نصيحة) لكنه عليه السّلام صور الأمر أي أمر العداوة في نفسه النفيسة حيث قال عدو لي مع أنهم لا عداوة له قطعا تعريضا لهم أي الكلام كناية على سبيل التعريض كقوله: وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي [يس: 22] الآية قيل و المعنى إني فكرت في عبادتي لها لو صدرت مني فرأيتها عبادة للضار العدو فتركتها لمن الخير كله في عبادته و لا قوله: لكنه صور الأمر في نفسه استدراك عن قوله: يريد أنهم أعداء لعابديهم يعني أن قول إبراهيم فإنهم عدو لي كلام تعريضي مثل وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي [يس: 22] و المقصود ما لكم لا تعبدون الذي فطركم فمراد إبراهيم عليه السّلام بقوله فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي فإنهم أعداء لكم لكنه صور أمر عداوة الأصنام في نفسه حيث قال عدو لي و لم يقل عدوكم تعريضا لأن التعريض في النصح أنفع من التصريح فإنه قد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه التصريح لأنه يتأمل فيه فربما قاده التأمل إلى قبول النصيحة و منه ما يحكى عن الشافعي رحمه اللّه أن رجلا واجهه بشيء فقال لو كنت بحيث أنت لأصبحت إلى أدب قوله و إشعارا بأنها نصيحة بدأ بنفسه أي إشعارا بأن تلك النصيحة نصيحة نصح بها أولا نفسه فيكون تصويرا للأمر في نفسه على أني تأملت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها و آثرت عبادة من الخبر كله منهم ليريهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أولا و يبني عليها تدابير أمره لينظروا فيقولوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه و ما أراد لنا إلا ما أراد لروحه ليكون ادعى لهم إلى القبول و أبعث على الاستماع.
(1) و قيل هذا على القلب و أصله أنى عدو لهم و لا يخفى أن حسن القلب إن تضمن اعتبارا لطيفا و هنا ذلك ليس بمعلوم.
(2) و هو تقدير المضافين أي فإن مغري عبادتهم أو مجاز عقلي.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 251
يخفى ما فيه إذ رئيس الموحدين بعيد عن هذا الفكر و خطوره بباله السليم و لو قيل إنه فرض من أواه حليم و الكناية التعريضية لا يحتاج إلى هذا التكلف العظيم ففي قوله تعريضا إشارة إلى أنه يحتمل أن يكون مجازا إذا قيل إن الأصنام لا تصلح أن تكون عدوا لإبراهيم عليه السّلام و إلا فيكون كناية كما ذهب إليه الطيبي و التعريض مشهور في الكناية لا في المجاز.
قوله: (بدأ بها نفسه ليكون ادعى إلى القبول) «1» بدأ بها نفسه و فيه تنبيه على أن المراد بها نفسه و غيرها و قد قال أولا المراد غيرها تعريضا لهم إلا أن يقال إن المعنى الحقيقي مراد في الكناية إما لذاته و هو مختار صاحب المفتاح أو للانتقال إلى المعنى الكنوي كما اختاره غيره لكن في كونه مجازا فالأمر مشكل.
قوله: (و إفراد العدو لأنه في الأصل مصدر) و يجوز أن يكون المعنى فإن كل واحد منهم عدو و يجوز أن يكون توحيده لوحدة المعنى الذي هو معاداتهم فإنهم بذلك كالشيء الواحد و قد مر التفصيل في قوله: وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الفرقان: 74].
قوله: (أو بمعنى النسب) أي ذو عداوة فيستوي فيه الواحد و غيره لكن صيغته في فعول غير متعارف و لعل لهذا اخره.
قوله: (استثناء منقطع) و هو الظاهر المناسب للسوق حيث تقدم ذكر الأصنام و ضمير فإنهم راجع إليها.
قوله: (أو متصل على أن الضمير لكل معبود عبدوه و كان من آبائهم من عبد اللّه) أو متصل على أن الضمير أي ضمير فإنهم لكل معبود حقا كان أو باطلا على أن ما يعم أولى قوله: لأنه في الأصل مصدر أي لأن العدو في الأصل مصدر على وزن القبول حمل عليهم حمل المصدر على الذات للمبالغة على طريقة رجل عدل أو هو صفة مشتقة لكن ترك المطابقة لكونه بمعنى النسب فمعناه أنهم ذوو عداوة لي كما هو تأويل قولك امرأة طامث و ناقة لابن أي ذات طمث و ذات لبن على وجه.
قوله: أو متصل على أن الضمير لكل معبود أي أن الضمير في فإنهم راجع إلى كل معبود إذ حينئذ يكون المستثنى داخلا في المستثنى منه بخلاف الوجه الأول و القول باتصال الاستثناء بعيد و لذا تركه صاحب الكشاف قال إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ استثناء منقطع قال صاحب الكشاف لأنه تعالى ليس من جملة الأعداء خبر عن الأصنام بأنهم أعداء ثم أخذ في حديث آخر فقال لكن رب العالمين الذي خلقني فهو يهديني و قال أبو البقاء و يجوز أن يكون متصلا لأن آباءهم قد كان منهم من يعبد اللّه و غير اللّه و على تقدير كون الاستثناء منقطعا يكون إلا بمعنى لكن أي و لكن رب العالمين.