کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 77
الإيمان طمعا في الكفر و المعنى أنهم أخلوا بالهدى الذي جعل اللّه لهم بالفطرة السليمة محصلين الضلالة التي ذهبوا إليها و اختاروا الكفر و استحبوه على الإيمان و مزيد التفصيل في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ [البقرة: 16] الآية في أوائل البقرة و قيل حيث اشتروا الخ يشير إلى أن قوله: الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ [العنكبوت: 52] استعارة مكنية شبه استبدال الكفر بالإيمان المستلزم للعقاب باشتراء مستلزم للخسران ففي الخسران استعارة تخييلية هي قرينتها و لا يظهر وجه كون آمنوا بالباطل استعارة نعم في الْخاسِرُونَ [العنكبوت: 52] استعارة قد مر تحقيقه غير مرة فتذكر في أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [العنكبوت: 52] من المزايا من اختيار أولئك و ضمير الفصل و اللام في الخاسرين فلا تكن من الغافلين.
قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (29): آية 53]
قوله: (بقولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: 32]) أي بقول الحارث بن نضر و رضي به غيره على طريق الاستهزاء فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: 32] و بقولهم: مَتى هذَا الْوَعْدُ [يونس: 48] و غير ذلك (لكل عذاب أو قوم).
قوله: (عاجلا) لكن الأجل المسمى منعه.
قوله: (قوله فجأة في الدنيا) بفتح الفاء بوزن بغتة و المراد بالأجل وقته المعين قد ضربه اللّه تعالى في علمه لعذابهم و بينه في اللوح و قيل الأجل على الأول بمعنى الوقت و على الثاني بمعنى المدة.
قوله: (كوقعة بدر) فإنها أخرت إلى وقته المقدر لها وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى [العنكبوت: 53] له لعجلت لهم فيكون إخبارا عن نزول العذاب آجلا و كونها بغتة مع أنها معلومة لها بالمحاربة و المقارعة لأنهم لغرورهم بعددهم و عددهم كانوا لا يتوقعون الهزيمة و القتل و الأسر فنزلت بغتة هذا على تقدير كون قوله تعالى: وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ [العنكبوت: 53] جملة مستأنفة مسوقة لبيان كيفية مجيء العذاب الذي أشير إليه في الجملة السابقة عند حلول الأجل و اللام لجواب القسم أي و باللّه ليأتينهم العذاب الموعود المعين قيل و يحتمل أن يكون معطوفا على الجزاء تفسيرا له كأعجبني زيد و كرمه فيراد به النزول عاجلا و لا يخفى بعده.
قوله: (أو الآخرة عند نزول الموت بهم) و هذا مختار صاحب الكشاف حيث قال لما روي أن اللّه تعالى وعد رسوله أن لا يعذب قومه و لا يستأصلهم و أن يؤخرهم عذابهم إلى يوم القيامة و المصنف أشار إلى جوابه بأن المراد العذاب في الدنيا لكن لا بطريق ثم أبرز الكلام على الإنصاف حيث لم يبين الخير و الشر منهما فقال فشركما لخيركما فداء.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 78
الاستئصال كوقعة بدر ثم جوز كونه في الآخرة و خالفه أيضا بأن المراد العذاب عند نزول الموت و هو عذاب القبر لأنه أول منازل الآخرة و الزمخشري لإنكاره عذاب القبر قال:
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [الجاثية: 26] و معنى نزول الموت عند عقيب نزوله بلا احتياج إلى التقدير لأن عند الحضور و لك أن تقول عند نزول الموت بشدة السكرات و الغمرات.
قوله: ( وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ [العنكبوت: 53] بإتيانه) جملة تذييلية مقررة لمفهوم ما قبلها.
قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (29): آية 54]
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (54)
قوله: ( يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ [العنكبوت: 53]) جملة ابتدائية مسوقة لبيان أن استعجالهم لغاية شدة شكيمتهم و فرط حماقتهم لأن قوله: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ [العنكبوت: 54] حال من الفاعل و الرابطة الواو و وضع الظاهر موضع الضمير أو العموم الشمولي فلا تكرار و قيل كرر يَسْتَعْجِلُونَكَ [العنكبوت: 54] لربط قوله: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ [العنكبوت: 54] و هو ضعيف لأنه ليس المراد بيان استعجالهم كما عرفته و كون المراد غير ما سبق يؤيده كون المراد بالعذاب هنا عذاب الآخرة و الإحاطة المذكورة مقارنة للاستعجال لما عرفته أن ابتداء عذاب الآخرة عند نزول الموت أو تنزيلا لحال السبب و هو الكفر و المعاصي منزلة حال المسبب و قيل إن الكفر و المعاصي هي النار في الحقيقة لكنها ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة و لا يخفى ما فيه من الدغدغة و الوسوسة إذ النار دار خلقت الآن لتعذيب الكفار و بعض الفجار.
قوله: (ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب أو هي كالمحيطة بهم الآن لإحاطة الكفر و المعاصي التي توجبها بهم و اللام للعهد على وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على موجب الإحاطة أو للجنس فيكون استدلالا بحكم الجنس على حكمهم) ستحيط الخ أي قوله: ستحيط بهم لما دلت الجملة الاسمية على أن جهنم محيطة بهم الآن و الحال أن إحاطتها بهم إنما تكون في الدار الآخرة أوله بتأويلين الأول أنه جعل اسم الفاعل أعني محيطا بمعنى الاستقبال فقال في تفسيره ستحيط بهم و لا فرق بين زيد يقوم و بين يقوم زيد في دلالتهما على التجدد و إن كانت الجملة الأولى في صورة الاسمية و الثاني أنه جعل إحاطة الموجب و هو الكفر و المعاصي بمنزلة إحاطة الموجب الذي هو إحاطة جهنم و التأويل الأول على الحقيقة و الثاني على المجاز إقامة لإحاطة السبب مقام إحاطة المسبب و ذكر صاحب الكشاف وجها آخر غير هذين حيث قال أو لأنها مآلهم و مرجعهم لا محالة فكأنها الساعة محيطة بهم يعني أن ما للوقوع كالواقع لتظاهر أسبابه فهو من المجاز باعتبار ما يؤول قوله و اللام للعهد و المعهود هم المذكورون في قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللَّهِ [العنكبوت: 52] الآية و المقام مقام الإضمار لكن وضع الاسم الظاهر و هو لفظ الكافرين موضع ضميرهم دلالة على أن موجب إحاطة جهنم بهم كفرهم.
قوله: أو للجنس فيكون استدلالا بحكم الجنس على حكمهم فالمعنى إنها محيطة بجنس من
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 79
اسم فاعل بمعنى المستقبل مجاز التحقق وقوعه قوله أو هي كالمحيطة بهم على أنه تشبيه بليغ و من هذا ظهر جواب آخر عن إشكال كون الجملة حالا وجه التشبيه تعاطيهم لسبب الإحاطة كما أشار إليه بقوله لإحاطة و اللام للعهد «1» سواء كان اسما موصولا كما هو الظاهر من تفسيره في بعض المواضع الذين كفروا أو حرف تعريف قوله على حكمهم فيكون بهذا الاعتبار مرتبطا بما قبله.
قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (29): آية 55]
قوله: (ظرف لمحيطة أو مقدر مثل كيت كان و كيت) ظرف لمحيطة أي على المعنى الأول لا على الثاني لأن ظرفه الآن كما ذكره فيكون كالفذلكة لما فهم من قوله: يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ [العنكبوت: 55] الخ لأن المراد من جميع الجوانب كما صرح به فلا إشكال بأن المعنى ح لمحيطة يوم يحيط بهم العذاب إذ الإجمال يغاير التفصيل على أنه للتهويل مثل قوله تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ [طه: 78] أي أن جهنم لمحيطة يوم يحيطهم أي إحاطة لا يعرف كنهها و هذا من كون يغشى بمعنى يأتيهم كما أشار إليه المصنف لكن الأولى الوجه الثاني لخلوه عن التمحل و تقدير كان كيت كيت للتهويل إذ الإبهام يفيده أي يحدث أمر عظيم لا يضبطه القلم و لا يحيط به العالم فإن الحكم يختص للواحد القهار.
قوله: (من جميع جوانبهم) بناء على أن ما ذكر للتعميم لأن العذاب النازل من فوق و العذاب الصاعد من تحت إذا تلاقيا و هو المراد هنا يستلزم الإحاطة من جميع الجوانب و لذا قال تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الأعراف: 41] «2» .
قوله: (اللّه أو بعض الملائكة بأمره لقراءة ابن كثير و ابن عامر و البصريين بالنون أي جزاءه) اللّه الخطاب للإهانة أو بعض الملائكة بأمره و إنما احتيج إلى ذلك مع ظهوره لقراءة اتصف بالكفر فيستدل بالحكم على الإحاطة على الجنس على الحكم بها على النوع لأن النوع داخل تحت الجنس فيكون إثباتا لإحاطة جهنم بهم بالبينة.
قوله: أو مقدر أي أو ظرف لعامل مقدر مثل كان كيت و كيت كلمة كيت كناية عما يقصر الوصف عن بيانه أي حدث و وقع أمر عظيم و خطب جسيم من الانتقام من المستهزئين و قهر المكذبين و تشفي غليل المؤمنين إلى غير ذلك و لو قدر اذكر يوم يغشاهم لم يفد هذه الفوائد.
(1) قوله التي توجبها أي بمقتضى الوعيد فلا ينافي مذهب أهل السنة و لو قال التي توصلها لكان أسلم و أما كون المراد بجهنم أسبابها كما في الكشاف فليس بمتفارق و إن صح و لذا لم يتعرض له على أنه لا يحصل به التهديد التام.
إذ المراد بالجنس الاستغراق فيكون بمنزلة الكبرى للصغرى السهلة الحصول فيثبت المطلوب.
(2) فعلم أن المراد غشي ما به العذاب لأن جهنم علم لدار العقاب فالمحيط النار و إن استلزم إحاطة العذاب و هو الألم الفادح.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 80
ابن كثير و ابن عامر و البصريين بالنون و يؤيد المعنى الأول و لذا قدمه و في الثاني قدر بأمره و في ذُوقُوا [العنكبوت: 55] استعارة قد فصلها في أواخر سورة آل عمران.
قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (29): آية 56]
يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
قوله: ( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا [العنكبوت: 56]) فيه تشريف من وجهين الأول بالإضافة فإنها تفيد هنا تعظيما للمضاف و الثاني بالمدح بالإيمان و بلذة المخاطبة يحصل جبر لكلفة العبادة و الهجرة من الوطن و لذا قال عقيبه إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ [العنكبوت: 56] الآية و تصدير الكلام بان لتحقيق مضمون الكلام حتى يتوجه إليه الأنام.
قوله: (أي إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلدة و لم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك) أشار به إلى أن الإخبار بأن أرضي واسعة الخ كناية عن الهجرة من مكان إلى مكان إذا لم يتسهل لكم العبادة بقرينة فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت: 56] و يؤيده قوله تعالى: أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا [النساء: 97] بعد قوله: قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ [النساء: 97] فح يكون الأمر بالهجرة للوجوب و لا يكون العذر بأنا مغلوبون في الأرض فلم نعبد و لم نظهر ديننا مقبولا.
قوله: (و عنه عليه السّلام من فر بدينه من أرض إلى أرض و لو كان شبرا استوجب الجنة و كان رفيق إبراهيم و محمد عليهما السّلام) هذا الحديث رواه الثعلبي مرسلا كما قيل من فر فبدينه و لذا لم يجىء من هاجر الباء في بدينه للتعليل أي لأجل دينه و لمحافظته استوجب الجنة أي استحق الجنة كالواجب بمقتضى الوعد و كان رفيق إبراهيم و محمد عليهما السّلام أي في الجنة و هذا كناية عن علو درجته و ليس ظاهره بمراد خصمهما لأنهما هاجرا لمحافظة الدين و عبادة رب العالمين.
قوله: (و الفاء جواب شرط محذوف «1» إذ المعنى إن أرضي واسعة إن لم يخلصوا قوله: إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلدة الخ و في الكشاف معنى الآية أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه و لم يتمش له أمر دينه كما يحب فليهاجر عنه إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلبا و أصح دينا و أكثر عبادة و أحسن خشوعا و لعمري أن البقاع تتفاوت في ذلك التفاوت الكثير و لقد جربنا و جرب أولونا فلم نجد فيما درنا و داروا أعون على قهر النفس و عصيان الشهوة و اجمع للقلب المتلفت و أضم للهم المنتشر و أحث على القناعة و أبعد من كثير من الفتن و أضبط للأمر الديني في الجملة من سكنى حرم اللّه و جوار بيت اللّه.
قوله: و الفاء جواب شرط محذوف لأن المعنى إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ [العنكبوت: 56] فإن لم تخلصوا العبادة في أرض فأخلصوها في غيرها ثم حذف الشرط و عوض من حذفه تقديم
(1) و هذا أبلغ في إفادة التخصيص من إِيَّاكَ نَعْبُدُ لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول و الفاء الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل إن كنتم عابدين معبودا فاعبدون كذا أفاده في قوله تعالى: فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 81
العبادة لي في أرض فأخلصوها في غيرها) أي الفاء الأولى إذ الثانية تفسيرية أو عاطفة فالمعنى فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت: 56] أشير إليه في الكشاف قوله إن لم تخلصوا العبادة شرط محذوف الأولى إذا لم يسهل كما قال أولا و كون الجواب فأخلصوها لا يكون قرينة عليه فإنه إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم المفعول و ليس كذلك ظرف الشرط و قدم المفعول للتعويض عن الشرط المحذوف لوقوعه موقعه و جملة الشرط مستأنفة استئنافا معانيا أو نحويا فلا فاء فيه و قد عرفت أن الثانية تفسيرية إذ التقدير فإياي فاعبدوا فَاعْبُدُونِ [العنكبوت: 56] لأن الفاء يمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها فلا بد من تقدير الفعل الناصب إياي مع أن المذكور أحد مفعوله.
قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (29): آية 57]
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57)
قوله: (تناله لا محالة) أشار إلى أن الذوق استعارة شبه الموت و هو مفارقة الروح عن البدن بالطعام و أثبت له الذوق استعارة تخييلية أو الذوق استعير من إدراك الطعوم بإدراك مرارة الموت استعارة مصرحة و هو المناسب لقوله تناله و عبر بالمضارع للتنبيه على أن اسم الفاعل للمستقبل الذي للاستمرار قوله لا محالة إذ الجملة الاسمية للتأكيد و المراد بالنفس الروح «1» .
قوله: (للجزاء «2» و من هذا عاقبته ينبغي أن يجتهد في الاستعداد له و قرأ أبو بكر بالياء) للجزاء خيرا كان أو شرا قوله و من هذا عاقبته الخ إشارة إلى ارتباطه بما قبله و ترغيبا المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص و الإخلاص و التقدير فإياي فاعبدوا فاعبدون و لا يجوز أن يكون إياي معمولا لهذا المذكور لأنه مشتغل عنه بضميره فوجب التقدير بمفسر فالعامل المقدر هو فاعبدوا و الفاء الأول جواب شرط محذوف و الثانية كذلك لكن أنيب منابه تقديم المفعول فالمعنى يا عبادي إن أرضي واسعة و إذا كان كذلك فأخلصوا إلي العبادة أينما كنتم إن لم تمكنوا من الإخلاص في أرض فأخلصوا في أرض تتمكنون منه فيها و معنى الإخلاص و الاختصاص مستفاد من تقديم المفعول فإن التقديم يفيد الاختصاص و الاختصاص يفيد الإخلاص و بالعكس لأن معنى تخصيص المعبود بالعبادة نفي الإشراك الغير فيها و هو عين الإخلاص لأن معنى الإخلاص جعل العبادة خالصة عن شوب الغير مفعولة لوجه اللّه قال الزجاج إياي منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر أي إياي فاعبدوا فاعبدون و لا يجوز انتصابه بالمذكور لأنه مشغول بضميره فإذا قلت فإياي فاعبدوا فإياي منصوب بما بعد الفاء و لا تنصبه بفعل مضمر كما إذا قلت يزيد فامرر فالباء متعلقة بأمرر و إذا قلت زيدا فاضرب فالفاء لا يصلح إلا أن يكون جوابا للشرط كأن قائلا قال إني لا أضرب عمرا و لكني أضرب زيدا فقلت إن لم تضرب عمرا فاضرب زيدا ثم قلت زيدا فاضرب فجعلت تقديم الاسم بدلا من لفظك بالشرط كأنك قلت إذا كان الأمر على ما تصف فاضرب زيدا هذا مذهب جميع البصريين إلى هنا كلام الزجاج.
(1) و فيه دليل على أن الروح لا تموت بموت البدن كذا قاله ابن كمال في سورة آل عمران.
(2) و كلمة ثم للتراخي الزماني لا للتراخي الرتبي إذ الحقيقي ممكن أشار إليه المص بقوله للجزاء.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 82
إلى الهجرة لحفظ الدين و الملة قال جار اللّه العلامة و لعمري أن البقاع تتفاوت و لقد جربنا فلم نجد فيما درنا أعون على قهر النفس و أجمع للقلب و أضبط للأمر الديني من سكنى حرم اللّه تعالى و جوار بيت اللّه تعالى فلله الحمد على ما سهل من ذلك و قرب و رزق من الصبر و أوزع من الشكر انتهى اللهم بحرمة اسمك الأعظم و بجاه نبيك الأفخم نسألك أن ترزقني بزيارة بيتك العتيق و العكوف فيه إلى أن يأتينا اليقين آمين يا مجيب السائلين و يا أرحم الراحمين.
قوله: (و الذين آمنوا) بيان أحوال المكلفين بعد الرجوع لكن طوى بيان أحوال الكفار لما أشير إليه فيما مر من قوله: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [العنكبوت: 54] و قيل هذا معطوف على مقدر و المعنى فالذين كفروا الخ و دل على مكانه بالواو انتهى و التقدير المذكور مع طوله مما لا يعهد مثله لكن لا كلام في جوازه.
قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (29): آية 58]
قوله: (لننزلنهم) أي التبوئة بمعنى الإنزال و حال عصاة المؤمنين مسكوت عنها ترغيبا إلى الأعمال الصالحات.
قوله: (علالي و قرأ حمزة و الكسائي لنثوينهم أي لنقيمنهم من الثواء فيكون انتصاب غرفا لإجرائه مجرى لننزلنهم) علالي معنى غرفا جمع علية بكسر العين و أصلها عليوة قوله: علالي جمع علية بتشديد اللام و الياء معها و هي الغرفة على وزن فعيلة بضم الفاء و تشديد العين و أصلها عليوة فأبدلت الواو ياء و أدغمت و قال بعضهم هي العلية بالكسر على فعيلة و بعضهم يجعلها من المضاف و وزنها فعلية فعلى كل تقدير وزن جمعها كراسي بتشديد الياء.
قوله: و قرأ حمزة و الكسائي لنثوينهم أي لنقيمنهم من الثواء و هو النزول للإقامة يقال ثوى في المنزل و أثوى غيره و ثوى غير متعد فإذا تعدى بزيادة الهمزة لم يتجاوز مفعولا واحدا نحو ذهبت و أذهبته فالوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين و إلى الغرف إجراؤه مجرى لننزلنهم و نبوئنهم و هما مما يتعدى إلى مفعولين يقال أنزلته منزلا و بوأته منزلا أو حذف الجار و إيصال الفعل على نحو و اختار موسى قومه أي من قومه قال مكي من قرأ بالثاء المثلثة من الثوى فغرفا منصوب بحذف حرف الجر لأنه لا يتعدى إلى مفعولين و لا يحسن أن ينصب الغرف على الظرف لأن الفعل لا يتعدى إلى المخصوص من ظرف المكان إلا بحرف لا تقول جلست دارا و من قرأ بالياء التحتانية جعل غرفا مفعولا ثانيا لأنه يتعدى إلى مفعولين تقول بوأت زيدا منزلا و أما قوله تعالى: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي [الحج: 26] فاللام زائدة كزيادتها في ردف لكم أي ردفكم إلى هنا كلامه أو تشبيه الظرف المعين المحدود من المكان بالمبهم منه و الفعل لا ينصب المعين المحدود من المكان على الظرفية- فلا يتعلق به إلا بواسطة الجار بخلاف المبهم فإذا نصب المحدود وجب أن يصار إلى حذف الجار و إلى التشبيه و مثل غرفا في مجيئه ظرفا منكرا قوله أرضا في قوله تعالى: أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً [يوسف: 9] كذا في المطلع.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 83
فأعلت و معناها القصر و كون علالي بالتشديد أولى من التخفيف لنثوبنهم بالثاء المثلثة الساكنة بعد النون و إبدال الهمزة ياء من الثوائة و هي الإقامة فهي لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد فتعديته إلى مفعولين بأحد الوجوه المذكورة.
قوله: (أو بنزع الخافض أو تشبيه الظرف الموقت بالمبهم) أو بنزع الخ على أن أصله بغرف أو تشبيه الظرف الخ أي الظرف المكاني إذا كان محدودا لا يجوز نصبه على الظرفية فأجري غرفا و هو من المحدود مجرى المبهم توسعا لمشابهته في الظرفية اخره لاحتياجه إلى التكلف.
قوله: (و قرىء فنعم و المخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله) فنعم بالفاء لترتبه على ما قبله و لما لم يلزم التنبيه على الترتيب لم يذكر الفاء في القراءة المتواترة قوله دل عليه ما قبله و هو الغرف و الختم بأجر العالمين للتنبيه على أن المراد المتدارك لتقصيره حيث لم يجىء أجر المحسنين و ذكر الأجر دون الجزاء و التفصيل في سورة آل عمران.
قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (29): آية 59]
الَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
قوله: ( الَّذِينَ صَبَرُوا [العنكبوت: 59]) صفة للعاملين مادحة أو موضحة و كونه خبر المحذوف تكلف.
قوله: (على أذية المشركين و الهجرة للدين إلى غير ذلك من المحن و المشاق) هذا التقييد بمعونة المقام و بيان الارتباط بين الكلام و إلا فيحتمل أن يكون المعنى صبروا على الطاعات أو صبروا عن المناهي و الشهوات.
قوله: (و لا يتوكلون إلا على اللّه) الحصر من تقديم المعمول مع رعاية الفاصلة و صيغة المضارع للاستمرار و اختير الماضي في صَبَرُوا [العنكبوت: 59] لكونه صلة منسلخة عن الماضوية و مع ذلك فيه تنبيه على أن الصبر لكونه أشق على النفس مطلوب الحصول كأنه حصل و أخبر بحصوله و كأين بمعنى كم للتكثير من دابة تمييزه.
قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (29): آية 60]
قوله: (لا تطيق حمله لضعفها أو لا تدخره و إنما تصبح و لا معيشة عندها) أي المراد نفي قدرة الحمل لا نفي الحمل مع القدرة إذ لا فائدة فيه قوله: أو لا تدخره معنى مجازي قوله: المخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله و هو غرفا فتقديره نعم أجر العاملين هي أي تلك الغرف.
قوله: على أذية المشركين أي الذين صبروا على أذى المشركين و مفارقة الأوطان و الهجرة لأجل الدين و على المحن و المصائب و على الطاعات و قمع النفس عن الشهوات و المعاصي.