کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 238
الكلام في يَعْلَمُ [البقرة: 77] لكنه معطوف على الخبر لا على ينزل إن أريد به المصدر و إبان بكسر الهمزة و تشديد الباء الموحدة بمعنى وقته و لفظة ما في قوله: ما فِي الْأَرْحامِ [لقمان: 34] لكونه عبارة عن نسمة و لكونه جمادا ح و الأقرب ما أشار إليه المصنف من تقدير العلم حيث قال في علمه قوله: وَ يَعْلَمُ [لقمان: 34] ح إما معطوف على ينزل أو على الخبر فلا حاجة إلى التأويل بالمصدر لا في ينزل و لا في يعلم و الأخيران ظاهر لأنه نفي العلم بما ذكر في حيزه عن كل نفس فلزم منه اختصاص العلم بذلك به تعالى فاتضح الانطباق على سبب النزول و بما روي في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا اللّه و الكل ظاهر سوى قوله و ينزل فإنه يحتاج إلى التمحل كما عرفته فخذ أحسن ما القي إليك و إنما خص العلم باللّه تعالى بنفي الدراية عن كل نفس في الأخيرين لأنهما حال أنفسهم بخلاف الثلاثة الأول و لذا قيل لما كانت نفس نكرة في سياق النفي عامة جعل نفي العلم عن الجميع كناية عن اختصاصه تعالى بعلم ذلك و الجملة معطوفة على قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ [لقمان: 34] و العطف على الخبر كما جنح إليه صاحب الكشف يحتاج إلى تقدير بأن يقال أن اللّه ما تدري نفس ماذا تكسب غدا على وجه علمه تعالى و كذا ما بعده و الكلام لرفع الإيجاب الكلي دون السلب الكلي أي و ما تدري نفس جميع ما تكسب غدا فلا يضره دراية بعض مكسوبه بسبب من الأسباب.
قوله: (كما لا تدري في أي وقت تموت روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه فقال الرجل من هذا قال ملك الموت فقال: كأنه يريدني فمر الريح أن تحملني و تلقيني بالهند ففعل فقال الملك كان دوام نظري إليه تعجبا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند و هو عندك و إنما جعل العلم للّه تعالى و الدراية للعبد) روي أن ملك الموت الخ قيل رواه أحمد و ابن أبي شيبة موقوفا.
قوله: (لأن فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين) لأن فيها معنى الحيلة لأن أصل معنى درأ رمى الدرية و هي الحلقة التي يقصد رميها الرماة و ما يختفي و كل منهما حيلة و ما يستفاد من كلام المصنف أن إطلاق الداري عليه تعالى لا يجوز إلا بطريق المشاكلة فلا يقال اللّه ماكر و خادعهم مع أنه ورد في القرآن قوله و هو خادعهم و قوله: وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [آل عمران: 54] لأن الاطلاق على سبيل المشاكلة و ما اطلق على طريق المشاكلة لا يصح اطلاقه عليه تعالى و لذا قال الفاضل المحشي و لذا لا يوصف اللّه تعالى بها و أما قوله لا هم لا أدري و أنت الداري فقول أعرابي جلف جاهل بما يجوز إطلاقه على اللّه تعالى و ما يمتنع انتهى و لئن سلم كونه من العرب العرباء فلا يثبت به الجواز لأنه موقوف على إذن الشارع و ما نقل عن البخاري حيث قال خمس لا يدريهن إلا اللّه تعالى فمن قبيل قوله تعالى: وَ هُوَ خادِعُهُمْ [النساء: 142] أن سلم أنه حديث و قد عرفت أنه لا يصح اطلاقه عليه تعالى مع وروده في القرآن فما ظنك بغيره و لما كان النفي على سياق الاثبات قال جعل الدراية للعبد مع أنه نفى عنه الدراية هنا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 239
قوله: (و يدل عليه أنه إن أعمل حيلة و أبعد فيها وسعه لم يعرف ما هو الحق به) و يدل عليه أي على ما ذكر من استعمال الدراية في جانب العبد قوله ما هو الحق أي اللائق به و قيل إنه أفعل تفضيل من لحق به أي لصق و يؤيده أنه وقع في نسخة بدله الصق من اللصوق و العبارة في الكشاف و المعنى أنها أي النفس لا تعرف و إن أعملت حيلها ما يلصق بها و يختص و لا يتخطاها و لا شيء أخص بالإنسان من كسبه و عاقبته فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان من معرفة ما عداهما أبعد و هذه العبارة أوضح دلالة على المراد.
قوله: (من كسبه و عاقبته فكيف بغيره) بيان لما و كسبه من قوله: ما ذا تَكْسِبُ غَداً [لقمان: 34] و عاقبته من قوله بأي أرض تموت و يستفاد من هذا البيان و تخصيص ما ذكر من كسب العبد و موته بالذكر مع أنه لا يعرف كثيرا من الأشياء و يستفاد أيضا أن المعنى نفي الدراية عن كل شيء لا يقتضيه بديهة العقل و لا يدركه الحس و لم ينصب عليه دليل و الحاصل أن الغيب مطلقا لا يعلمه إلا اللّه تعالى و تخصيص الأمور الخمسة بالذكر للسؤال المذكور فمن ادعى علم هذه الخمسة و غيرها من المغيبات التي لم ينصب عليها دليل فقد كذب و ضل و أضل عن سواء السبيل إياكم و الكهانة فإن الكهانة تدعو إلى الشرك و الشرك و أهله في النار و المنجمون خذلهم اللّه تعالى في الدارين قد افسدوا العباد و البلاد بإلقائهم الملك أنواع الترهات.
قوله: (مما لم ينصب له دليلا عليه) على البناء للفاعل و الضمير الفاعل راجع إلى اللّه تعالى و ضمير عليه يرجع إلى ما أشار بقوله مما لم ينصب إلى أن بعض المغيبات نصب عليه دليل مثل الصانع تعالى و صفاته و اليوم الآخر و أحواله فذلك يعلم بذلك الدليل و بعضها لا دليل عليه و هو المراد هنا فلا يعلمها إلا اللّه تعالى و من ارتضى من رسول.
قوله: (و قرىء بأية أرض و شبه سيبويه «1» تأنيثها بتأنيث كل في كلتهن) و شبه سيبويه الخ في أن تأنيث كل منهما باعتبار المضاف إليه «2» .
قوله: (يعلم الأشياء كلها يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها و عنه عليه الصلاة و السّلام: من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة و أعطي من الحسنات عشرا بعدد من عمل بالمعروف و نهى عن المنكر) يعلم بواطنها الخ فح يكون تخصيصا بعد قوله: يعلم بواطنها خص الخبير بعلم البواطن لأنه من الخبرة و هي العلم بباطن الشيء اللهم أحمدك على فضل فيضك و جزيل نعمك و جميل مننك حمدا كثيرا و أشكرك على ما وفقتني لتتميم حل ما في تفسير سورة لقمان بقدر استطاعتي اللهم كما وفقتني له وفقتني لحل ما أخوض فيه من مطالعة تفسير سورة السجدة فباسمك اللهم أشرع و معتصما بحبل نصرك أقول.
(1) لأن أيا هنا لاستفهام و لا تأنيث لها كما لا تأنيث لكل فتأنيثهما باعتبار المضاف إليه إن جعل مؤنثا ألا يرى أن في القراءة المتواترة جيء بلا تاء.
(2) و تفصيل هذا المرام في أواخر سورة حم المؤمن في قوله تعالى: فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 240
تعميم و ظاهر كلام المصنف أنه حمل العليم على العلم بظواهر الأشياء لكنه خلاف الظاهر قوله و عنه عليه الصلاة و السّلام موضوع تم ما يتعلق بسورة اللقمان و الحمد للّه الكريم الرحمن و على آله و أصحابه الصلاة و السّلام بعد الصلاة و السّلام على رسولنا المبعوث من بني عدنان عاشر الربيع الأول في يوم الخميس وقت العصر من سنة 1189.
و الحمد للّه أولا و آخرا ظاهرا و باطنا سرا و جهرا
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 241
سورة السجدة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قوله: (سورة السجدة مكية و آياتها ثلاثون و قيل تسع و عشرون) مكية قيل إلا ثلاث آيات من قوله: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً [السجدة: 18] و قيل و اثنتين من قوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ [السجدة: 16] الآية و لم يلتفت إليهما لعدم النقل من الثقات لا سيما القول الثاني فإنه بعيد لشدة ارتباطهما بما قبلهما فالقول بأنهما ليستا مكيتين مع كون ما قبلهما مكية مستبعد جدا قوله و قيل تسع و عشرون لاختلافهم في قوله تعالى: لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ هل هو آية أو بعض آية.
قوله تعالى:
[سورة السجده (32): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله: (إن جعل اسما للسورة) و المسمى هو مجموع السورة و الاسم جزؤها فلا اتحاد و هو مقدم من حيث ذاته مؤخر باعتبار كونه اسما فلا دور و تمام البحث قد مر في أوائل سورة البقرة.
قوله: (أو القرآن) أي أو إن جعل الم [السجدة: 1] اسم القرآن أي المجموع من حيث المجموع.
قوله تعالى:
[سورة السجده (32): آية 2]
تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
قوله: (فمبتدأ خبره: تَنْزِيلُ الْكِتابِ [السجدة: 2]) فآلم مبتدأ فمجموع آلم مرفوع إما تقديرا أو محلا لأنه محكي لما كان عليه قبل العلمية.
سورة السجدة و هي ثلاثون و قيل تسع و عشرون آية مكية بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قوله: إن جعل اسما للسورة أو القرآن فمبتدأ خبره تنزيل الكتاب على أن التنزيل بمعنى المنزل تقديره القرآن أو السورة منزل الكتاب أي منزل من الكتاب أي من جنسه على أن يكون الإضافة بمعنى من أو هو من إضافة الصفة إلى الموصوف تقديره الكتاب المنزل و إن جعل تعديدا للحروف فارتفاع تنزيل على أنه خبر للمبتدأ المحذوف أي المركب من جنس هذه الحروف المعدودة أو لمتلو تنزيل الكتاب أي هو منزل من الكتاب أو الكتاب المنزل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 242
قوله: (على أن التنزيل بمعنى المنزل) فآلم من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف و حاصله الم [السجدة: 1] الكتاب المنزل أو الإضافة بيانية أي المنزل هو الكتاب و اكتفى به إذ كون ح خبر مبتدأ محذوف و تنزيل الكتاب خبر بعد خبر تكلف الأولى عدم التأويل ليفيد المبالغة كرجل عدل و المراد بالكتاب المنزل المفهوم الكلي فيكون من قبيل حمل الكلي على بعض أفراده على الوجه الأول و إلا لزم حمل الكل على الجزء في الأول إذ المجموع المشخص الذي نزله جبريل على رسولنا كل فلا جرم أن السورة جزء منه و حمل الكل على الجزء بالمواطأة غير صحيح و يلزم على الوجه الثاني حمل الشيء على نفسه فح الفائدة باعتبار قوله لا رَيْبَ فِيهِ [السجدة: 2] سواء كان حالا أو خبرا بعد خبر.
قوله: (و إن جعل تعديدا للحروف كان تنزيل خبر محذوف) و إن جعل أي الم تعديد الحروف فلا يكون له حظ من الإعراب ما لم يأول فح تنزيل الكتاب خبر محذوف أي هذا منزل الكتاب أو تنزيل الكتاب و تمام البحث مر في أوائل السورة البقرة فأرجع إليه و معنى لا ريب فيه لا ينبغي أن يرتاب فيه لا أن أحدا لا يرتاب فيه و قد مر توضيحه في تلك السورة.
قوله: (أو مبتدأ خبره لا رَيْبَ فِيهِ [السجدة: 2] فيكون مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السجدة: 2] حالا من الضمير فيه لأن المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر و يجوز أن يكون قوله: لأن المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر هو جواب لما يقال لم لا يجوز أن يكون من متعلقة بتنزيل فقال لأن المصدر لا يعمل بالفصل بينه و بين معموله لضعفه في العمل فلا يعمل فيما بعد خبره كما لا يعمل فيما بعد صفته.
قوله: و يجوز أن يكون خبرا ثانيا أي خبرا ثانيا لتنزيل و لا ريب فيه حال من الكتاب لأنه مفعول تنزيل معنى و ضمير فيه للكتاب و أما إذا جعل اعتراضا فالضمير لمضمون جملة تنزيل الكتاب من رب العالمين فالمعنى تنزيل الكتاب كائن من رب العالمين لا ريب في كونه منه.
قوله: و يؤيده قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [يونس: 38] أي يؤيد هذا الوجه الأخير و هو أن يكون الم [السجدة: 1] مبتدأ و تنزيل الكتاب خبره و من رب العالمين خبرا ثانيا و لا ريب فيه اعتراضا واقعا بين الخبرين قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [السجدة: 1] وجه تأييده له أن قولهم هذا مفترى إنكار لا يكون من رب العالمين و كذلك قوله: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة: 3] و ما فيه من تقرير أنه من اللّه أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين و إن ذلك ما لا ريب فيه ثم أضرب عن ذلك إلى قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [السجدة: 3] لأن أم هي المنقطعة بمعنى بل و الهمزة المستعملة هنا للإنكار و التعجيب منه لظهور أمره في عجز بلغائهم عن الإتيان بمثله ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك فهذا أسلوب بليغ صحيح محكم لحصول الترقي في كونه من رب العالمين أما الجملة الأولى و هي جملة تنزيل من رب العالمين فلتصريح و توكيدها بالجملة المعترضة و أما الجملة الثانية و هي جملة أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [السجدة: 3] فلأن الإنكار البليغ و الإضراب عن الأول يدل على أنهم قد أظهروا أمرا غريبا يجب أن يقضى منه العجب و هو أن أول سورة إذا كان معجوزا عنه فكيف يقال لمثله أنه مفترى و أما الجملة الثالثة و هي جملة بَلْ هُوَ
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 243
خبرا ثانيا أو خبرا لا رَيْبَ فِيهِ [السجدة: 2] حال من الكتاب أو اعتراض) فيكون من رب العالمين حالا أي يتعين للحالية من الضمير على الوجه الأخير لما ذكره من أن المصدر الخ أي تنزيل مصدر مبتدأ خبره لا رَيْبَ فِيهِ [السجدة: 2] و لا يعمل في قوله: مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السجدة: 2] لوقوعه ح بعد الخبر لكن المصدر هنا مأول بالمشتق فلا مانع من العمل و هذا أولى من القول بأنه ظرف متوسع فيه و أما على غيره فيجوز تعلقه بتنزيل لأن المعترضة لا تعد أجنبية كما قيل و يجوز أن يكون حالا أيضا من الضمير في فيه أو من الكتاب و يجوز هذا أيضا في الوجه الأخير.
قوله تعالى:
[سورة السجده (32): آية 3]
قوله: (و الضمير في فيه لمضمون الجملة و يؤيد قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة: 3] فلتصريح بل و تعريف الخبر الذي هو الحق بلام الجنس الدال على أنه هو الحق كله مثل هو الرجل كل الرجل و تخصيص لفظ الحق على حمل المصدر مبالغة و أما تخصيص إضافة الرب بعد التعميم أعني ربك و رب العالمين فلتخلص.
صلوات اللّه عليه و الإيذان بأن المنزل الكائن من جهة مالك العالمين و مدبر أمور المخلوقات كلها هو الثابت من جهة من هو مالكك و مدبر أمورك خاصة فدل هذا التخصيص بعد التعميم على عظم شأنه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم التصريح باسمه الجامع و إثبات الخالقية و المدبرية بعد الحكم بإنزال هذا القرآن بقوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ [السجدة: 4] الآية دل على تعظيم المنزل و المنزل عليه كأنه قيل هو الحق من ربك ذلك الذي خلق السماوات الأرض ثم استوى على العرش فهو من باب ترتب الحكم على الوصف المناسب قال الزمخشري رحمه اللّه و نظيره أن يعلل العلم في مسألة بعلة صحيحة جامعة قد احترز فيها أنواع الاحتراز كقول المتكلمين النظر أول الأفعال الواجبة على الإطلاق التي لا يعرى من وجوبها مكلف ثم يعترض عليه ببعض ما وقع احترازه منه فيرده بتخليص أنه احترز من ذلك ثم يعود إلى كلامه و تمشيته تم كلامه و هذا كما قال نجم الدين الخوارزمي في كتاب الصفوة النظر أول الواجبات لأن بيان الواجبات الشرعية فرع على معرفة اللّه بتوحيده و عدله و معرفته فرع عن النظر فكان النظر مقدما على الكل فإن قيل رد الوديعة و قضاء الدين و ترك الظلم و شكر نعم العباد واجبة عند كمال العقل فلم يكن النظر أول الواجبات قلنا نحن لا ندعي ذلك على الإطلاق و لكنا نقول النظر أول الواجبات المقصودة التي لا ينفك عنها كل عاقل إلى هنا كلام نجم الدين رحمه اللّه أما تنزيل الآية على كلام الزمخشري و تقريره على وفق مثال المسألة التي أورده نجم الدين الخوارزمي فهو أن تقدير الكلام ألم ذلك الكتاب تنزيل من رب العالمين و اعترض عليه بأنهم يقولون افتراه و هو كلام ناش من الريبة و قد احترز عن هذا الاعتراض بقوله: لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 2] لأنه كلام جامع و معناه أن هذا الكتاب لوضوح دلالته و سطوع برهانه ليس فيه مجال للشبهة و لا مدخل للريبة و قوله: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة: 3] رد على الاعتراض و إشارة إلى أن قوله: لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 2] قد احترز فيه من ذلك لأنه متضمن لمعنى أنه غير مفترى ثم عاد بقوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً إلى تقرير الكلام السابق و تمشيته ببيان أن الغاية من تنزيله الإنذار.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج15، ص: 244
[السجدة: 3]) و الضمير في فيه أي على كونه اعتراضا لمضمون الجملة و المعنى أنه لا ريب في كونه منزلا من عند اللّه لكن قوله و يؤيده قوله تعالى الخ يقتضي أن يكون ذلك على تقدير الحالية أيضا و القول بأنه لا يتأتى اعتبار مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السجدة: 2] في قوله في مضمونها مع أن قوله: مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السجدة: 2] متأخر عن قوله فيه بخلاف كونه معترضا فإن المعترض في نية التأخير فلا يضر مدفوع بأنه في حكم المتأخر أيضا لأن من رب العالمين متعلق بتنزيل الكتاب فيما عدا الوجه الأخير بل فيه أيضا على ما قررناه بأن التنزيل بمعنى المنزل.
قوله: (فإنه إنكار لكونه من رب العالمين) فإنه أي قولهم ذلك إنكار منهم لكونه منزلا من عند اللّه بطريق التعنت أو بجهلهم إعجازه فالأنسب نفي الريب عما انكروه و هو كونه منزلا من رب العالمين و أنت خبير بأنه يستلزم إنكار نفس القرآن و لذا قال و يؤيده و لم يقل و يدل عليه بل يوهم أن إنكارهم كونه منزلا من اللّه تسليم منهم نفس القرآن إذ مصب الإفادة هو القيد نعم أنه لا حاصل له و الحاصل أنه لا فرق بنفي الريب عن الكتاب و عن كونه منزلا من عند اللّه تعالى و الأول متعين في سورة البقرة و معناه أيضا نفي الريب عن كونه وحيا فالأولى ارجاع الضمير إلى الكتاب.
قوله: (و قوله: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة: 3] فإنه تقرير له) و قوله أي و يؤيده قوله تعالى: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة: 3] فإنه أي هذا القول تقرير له أي لما قبله فيكون مثله في التأبيد.
قوله: (و نظم الكلام «1» على هذا أنه أشار أولا إلى اعجازه ثم رتب «2» عليه أن تنزيله من رب العالمين و قرر ذلك بنفي الريب عنه) و نظم الكلام على هذا الوجه أي تَنْزِيلُ الْكِتابِ [السجدة: 2] مبتدأ خبره مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السجدة: 2] و ما بينهما و هو لا ريب إما حال مؤكدة أو اعتراض و خص البعض بصورة الاعتراض لما ذكر آنفا في وجه التخصيص و قد عرفت دفعه أشار أولا إلى اعجازه بقوله: الم [السجدة: 1] لما فصله في سورة البقرة و لذا قال هنا أشار ثم رتب عليه أي على إعجازه أن تنزيله مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السجدة: 2] لأن ما هو معجز لا يكون إلا من عند اللّه و إن لم يكن كل منزل من عند اللّه تعالى معجزا و معنى الترتيب هنا ذكره عقيبه و قرر ذلك أي كونه منزلا من اللّه تعالى بنفي الريب عنه أي عن الكتاب أو عن المنزل أو عن كونه منزلا هذا البيان بناء على النسخة و هي قوله و إلا وجه أنه أي تنزيل الكتاب مبتدأ من رب العالمين خبره حاصل معناه و إلا فضمير أنه راجع إلى مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السجدة: 2] و هذه النسخة مذكورة و في بعضها لم يذكر هذا أعني قوله و الأوجه أنه الخبر كما في النسخة التي عند السعدي و لذا
(1) و نظم الكلام على غير هذا مفهوم منه سوى الإشارة إلى الإعجاز فلا تغفل.