کتابخانه تفاسیر
الاساس فى التفسير، ج1، ص: 42
عليهم هم الذين سلموا من غضب الله و الضلال فجمعوا بين النعمة المطلقة و هي نعمة الإيمان و بين السلامة من غضب الله و الضلال. و (آمين) بالإجماع ليست من القرآن، و هي اسم فعل بمعنى (استجب).
ملاحظة: في حديث حسن غريب رواه أحمد عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إن المغضوب عليهم اليهود و إن الضالين النصارى .. و في هذا المعنى وردت أكثر من رواية و لذلك قال ابن أبي حاتم: و لا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا قال ابن كثير: (فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق و العمل به، و اليهود فقدوا العمل، و النصارى فقدوا العلم، و لهذا كان الغضب لليهود، و الضلال للنصارى، لأن من علم و ترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم، و النصارى لما كانوا قاصدين شيئا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه، لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه و هو اتباع الحق ضلوا. و كل من اليهود و النصارى ضال مغضوب عليه لكن أخص أوصاف اليهود الغضب كما قال تعالى عنهم: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ (سورة المائدة) و أخص أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى عنهم: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ، وَ أَضَلُّوا كَثِيراً، وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ .. (سورة المائدة).
أقول: إذا كنا نهينا أن نسير في طريق اليهود و النصارى و هم أهل كتاب فكيف نتابع غيرهم و نجعلهم قدوتنا؟! و انظر الآن إلى حال الكثيرين من أبناء المسلمين فإنك تجدهم إما مقلدين للغربيين و هم على بقية من كتاب، و إما متابعين للشيوعيين و هم يكفرون بالكتاب كله.
6- فصول شتى ..
فصل في البسملة:
افتتح بها الصحابة كتاب الله و اتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل، ثم اختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة، أو من أول كل سورة كتبت في أولها، أو أنها بعض آية من كل سورة، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها، أو أنها كتبت للفصل لا أنها آية، على أقوال للعلماء سلفا و خلفا. و الجهر بها في الصلاة مفرع على هذا الخلاف، فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها و كذا من قال:
إنها آية في أولها. و أما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا؛ فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة و السورة، و ذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة، و هو مذهب أبي حنيفة، و الثوري، و أحمد. و عن الإمام مالك أنه لا يقرأ
الاساس فى التفسير، ج1، ص: 43
البسملة بالكلية لا جهرا و لا سرا. قال ابن كثير بعد أن عرض مآخذ الأئمة في هذه المسألة: «و هي قريبة لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة و من أسر».
... و من ابتداء الله عز و جل كتابه بالتسمية ندرك فضلها، و نأخذ منه أدبا عاما في ألا ننسى التسمية حيث تستحب التسمية فللابتداء باسم الله بركة، و لذكر الله عامة بركة.
أخرج الإمام أحمد و النسائي و ابن مردويه «عثر النبي صلى الله عليه و سلم فقلت: (القائل هو أسامة بن عمير رديف النبي صلى الله عليه و سلم): تعس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه و سلم: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم و قال: بقوتي صرعته، و إذا قلت باسم الله تضاغر حتى يصير مثل الذباب» قال ابن كثير: فهذا من تأثير بركة باسم الله، و لهذا تستحب في أول كل عمل و قول، فتستحب في أول الخطبة كما جاء «كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم»، و تستحب عند دخول الخلاء كما ورد من الحديث في ذلك، و تستحب في أول الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد و السنن ..
مرفوعا: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» و هو حديث حسن ... و كذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي و جماعة، و أوجبها آخرون عند الذبح، و مطلقا في قول بعضهم ... و هكذا تستحب عند الأكل كما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة «قل باسم الله و كل بيمينك و كل مما يليك» و من العلماء من أوجبها و الحالة هذه، و كذا تستحب عند الجماع كما في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال باسم الله اللهم جنبنا الشيطان و جنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا».
فصل في الاستعاذة:
سيأتي الكلام عن الاستعاذة عند الآيات التي تذكرها و ههنا ننقل ما له صلة بالصلاة و التلاوة بشكل مختصر.
قال ابن كثير: و جمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة و ليست بمتحتمة يأثم تاركها و حكى الرازي عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة و خارجها كلما أراد القراءة. قال: و قال ابن سيرين: إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب .. أقول على رأي ابن سيرين: إنها واجبة في العمر مرة، و ما سوى ذلك فهي مستحبة.
الاساس فى التفسير، ج1، ص: 44
قال ابن كثير: و قال الشافعي في الإملاء: يجهر بالتعوذ و إن أسر فلا يضر و قال في الأم بالتخيير ... و اختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى هل يستحب التعوذ فيها على قولين و رجح عدم الاستحباب .. فإذا قال المستعيذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي و أبي حنيفة ...
... ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة و هو قول أبي حنيفة و محمد و قال أبو يوسف بل للصلاة، فعلى هذا يتعوذ المأموم و إن كان لا يقرأ، و يتعوذ في العيد بعد تكبيرة الإحرام و قبل تكبيرات العيدين، و الجمهور يعدها قبل القراءة. و من لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو و الرفث، و تطييب له و هو لتلاوة كلام الله، و هي استعانة بالله و اعتراف له بالقدرة، و للعبد بالضعف و العجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه و دفعه إلا الله الذي خلقه، و لا يقبل مصانعة و لا يدارى بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات من القرآن في ثلاث من المثاني ...».
فصل في الحمد:
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، و أفضل الدعاء الحمد لله» .. أخرجه الترمذي و قال: حسن غريب.
و إنما كان الحمد أفضل الدعاء، لأنها رأس الشكر و الله عز و جل يقول لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و في الحديث الذي رواه ابن جرير «إذا: قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك». و روى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطي أفضل مما أخذ»، و قال القرطبي في تفسيره: و في نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال: الحمد لله لكان الحمد أفضل من ذلك» قال القرطبي و غيره: أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة من نعم الدنيا لأن ثواب الحمد لا يفنى، و نعيم الدنيا لا يبقى و في سنن ابن ماجه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثهم: أن عبدا من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله تعالى فقالا:
يا ربنا إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها قال الله:- و هو أعلم بما قال عبده- ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب إنه قال لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك، فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها». و أخرج الإمام أحمد و النسائي عن الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد
الاساس فى التفسير، ج1، ص: 45
حمدت بها ربي تبارك و تعالى؟ فقال: «أما إن ربك يحب الحمد» أقول: و في هذا الحديث إشارة إلى الشعر، و على من يعالج قضية الإنشاد في المجتمع الإسلامي أن يضعه في حسابه و لنا جولة في هذا الموضوع في آخر سورة الشعراء.
فصل في التأمين:
يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها آمين، و معناها اللهم استجب سواء كان ذلك في الصلاة أو خارجها، و يتأكد في حق المصلي سواء كان منفردا أو إماما أو مأموما. و قال أصحاب مالك: لا يؤمن الإمام و يؤمن المأموم.
و اختلفوا في الجهر بالتأمين في الصلاة الجهرية. قال الشافعية: إن نسي الإمام التأمين جهر المأموم به قولا واحدا، و إن أمن جهرا فالجديد أنه لا يجهر المأموم و القديم أنه يجهر. و مذهب الحنفية عدم الجهر للإمام و هو رواية عن مالك، و قال الحنابلة بالجهر و هو رواية أخرى عن مالك.
و الدليل على استحباب التأمين ما رواه الإمام أحمد و أبو داوود و الترمذي عن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ فقال آمين مد بها صوته. و لأبي داود رفع بها صوته. قال الترمذي: هذا حديث حسن و عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا تلا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول. رواه أبو داود و ابن ماجه و زاد فيه فيرتج بها المسجد. قال الدارقطني: هذا إسناد حسن و في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال «إذا أمن الإمام فأمنوا فانه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه»، و لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين، و الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه» قال ابن كثير: «قيل: بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان و قيل في الإجابة في صفة الإخلاص و في صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعا إذا قال- يعني الإمام- و لا الضالين فقولوا: آمين يحيكم الله».
فصل في قراءة الفاتحة في الصلاة:
اختلف الأئمة في أنه هل تتعين فاتحة الكتاب في الصلاة؟ أم تجزىء هي أو غيرها؟ ففي ذلك قولان مشهوران فعند أبي حنيفة و من وافقه من أصحابه أن قراءة الفاتحة أو سورة قصيرة، أو ما يعادلها واجب في كل ركعات النفل و واجب في الركعتين الأوليين من الفرض إلا أنه لو لم يقرأ الإمام أو المنفرد الفاتحة و قرأ شيئا من القرآن فإن الصلاة صحيحة مع الكراهة، فعندهم أن قراءة أي شىء من القرآن
الاساس فى التفسير، ج1، ص: 46
في الصلاة هو الركن لقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ و أما الفاتحة فإنها واجبة كما رأينا. و عند الشافعي و مالك و أحمد أنها تتعين قراءتها للصلاة و لا تجزىء الصلاة بدونها، و اختلف هؤلاء هل تجب قراءتها في كل الركعات؟ أو في معظم الركعات؟ أو في بعضها؟ فمذهب الشافعي وجوب قراءتها في كل الركعات، و مذهب الحسن و أكثر البصريين أنها تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلاة.
و اختلف الأئمة: هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم؟ ففيه ثلاثة أقوال للعلماء: أنه تجب عليه قراءتها كما تجب على إمامه، و الثاني لا تجب على المأموم بل تكره، و الثالث لا تجب قراءتها في الجهرية و تجب في السرية. و محل التفصيل في هذا الشأن و غيره من اتجاهات الفقهاء هو في القسم الثاني من هذه السلسلة الأساس في السنة و فقهها.
فصل في كيفية أداء الفاتحة:
في مسند الإمام أحمد و سنن أبي داوود و صحيح ابن خزيمة و مستدرك الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطع قراءته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ... قال الدار قطني: إسناده صحيح، أقول: و الوقوف على رؤوس الآي سنة متبعة و لكنها من نوع المستحبات في الصلاة و غيرها.
فصل في أن الصراط المستقيم هو الإسلام
أخرج الإمام أحمد عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، و على جنبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، و على الأبواب ستور مرخاة، و على باب الصراط داع يقول:
يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا و لا تعوجوا، و داع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: و يحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط هو الإسلام، و السوران حدود الله، و الأبواب المفتحة محارم الله، و ذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، و الداعي من فوق الصراط و اعظ الله في قلب كل مسلم».
إن صراطك أيها المسلم هو الإسلام و له داعيتان داعية الفطرة و داعية الوحي الإلهي، فلا تفرط في هذا الإسلام بأن ترتكب الحرام فتدخل في متاهات طرق الشيطان.
فصل: في أن المالكية العليا لله:
في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله قال:
يقبض الله الأرض بيمينه ثم يقول: «أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون» فالله عز و جل مالك يوم الدين و هو رب العالمين و كل منازعة لله عز و جل في
الاساس فى التفسير، ج1، ص: 47
ربوبيته أو مالكيته العليا لا تصح و لو في التسمية. ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «أبغض اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك و لا مالك إلا الله»، و قد وقع في هذا الغلط الكثيرون ممن حكموا المسلمين.
فصل في رد مزاعم:
- مما ذهبت إليه الفلسفة اليونانية أن الله عز و جل لا يتدخل في شؤون الخلق، و الآن تجد أكثر الخلق لا يعتبرون أن من حق الله عز و جل أن يتدخل في أمر الناس، و ليست فكرة فصل الدين عن الدولة إلا مظهرا من مظاهر هذه العقلية، و في سورة الفاتحة تصحيح لهذه المعاني كلها: فالله رب العالمين هو الخالق و هو المربي و هو المالك، و على الناس أن يعبدوه و أن يسيروا في طريقه طالبين العون و الهداية.
زعم بعض المستشرقين أن الدين الإسلامي لا يعرف أهله فيه عن الله عز و جل إلا صفات القسوة و أي زعم أظهر في البطلان من هذا الزعم؟! فالإسلام الذي يبتدىء كتابه بقوله تعالى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و الذي تثنى فيه كلمتا الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بعد آية من ذلك، هل يدعي ما ادعوه إلا مجنون؟! ألا إنه العمى عن الحق ليس إلا. فالله غفور رحيم، و هو عزيز ذو انتقام، و لله الأسماء الحسنى. في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في جنته أحد، و لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد»، و لكن الله عز و جل حدد في كتابه المرحومين و غيرهم فحيثما كان له حكم فعنده نقف.
فصل في مسألة اعتقادية:
من المسائل التي وقع فيها خلاف كثير بين أهل السنة و الجماعة و بين المعتزلة مسألة تسمى بمسألة خلق الأفعال. فأهل السنة يرون أن كل شىء يجري في هذا الكون إنما هو بعلم الله و إرادة الله و قدرة الله، و ذلك لا ينافي اختيار الإنسان و هو موضوع سنبسطه في أكثر من مكان. و المعتزلة يقولون بالقوة المودعة، و أن الإنسان يخلق أفعال نفسه الاختيارية. و هو كلام ظاهره براق لأنه يتفق مع النظرة الحسية، و لكنه منقوض عقلا و نقلا كما سنرى. و مناقشات أهل السنة و الجماعة لهم في هذا الموضوع كثيرة، و نادرا ما تجد سورة من سور القرآن إلا و لأهل السنة حجة فيها على المعتزلة في هذا الشأن، و مما استدلوا به على المعتزلة من سورة الفاتحة كلمة الحمد لله فإن الألف و اللام للاستغراق، و هذا يفيد أن كل أنواع الحمد لله. و هذا لا يتأتى إلا إذا كان الله هو الفاعل لكل شىء قال ابن كثير: و الألف و اللام في الحمد لاستغراق جميع
الاساس فى التفسير، ج1، ص: 48
أجناس الحمد و صنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث «اللهم لك الحمد كله و لك الملك كله و بيدك الخير كله و إليك يرجع الأمر كله»، و استدلوا من الفاتحة على المعتزلة بقوله تعالى: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ و بقوله تعالى اهْدِنَا فلو لا أن الله هو الخالق فكيف يستعان؟ و كيف تطلب الهداية منه؟ و هذا موضوع سنرى حيثياته في أمكنة أخرى.
ملاحظة في قضايا اختلاف الأئمة:
يقول عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح «إن الحلال بين و إن الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه ....»، إن كل مناقشات أئمة أهل السنة و الجماعة مع بعضهم إنما تدور حول أمور مشتبهات، و كل منهم على بصيرة حاول أن يعطي حكم الله في هذه الأمور، و من ثم فالأمر واسع؛ فمهما كان الواحد منا على مذهب إمام في مثل هذه الشؤون فإنه لا حرج عليه، و لكن الخلاف بين أهل السنة و الجماعة، و بين الفرق المنشقة عن جسم الأمة الإسلامية، كالمعتزلة و أنواع من المرجئة، و طوائف من الشيعة و الخوارج ليس فيما ذكرنا، و إنما هو خلاف حيث لا ينبغي أن يكون خلاف لكثرة النصوص و وضوحها، و لذلك في قسم التفسير قد لا نعتني بعرض أدلة الأئمة في اختلافاتهم و لكننا نعتني بعرض الأدلة في أي خلاف بين أهل السنة و الجماعة و من خالفهم.
7- فوائد