کتابخانه تفاسیر
الاساس فى التفسير، ج11، ص: 6393
ما عملت و أحضر ذلك لها .. و قال ابن أبي حاتم ... لما نزلت إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . قال عمر لما بلغ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ قال: لهذا أجري الحديث.
كلمة في السياق:
1- ذكر الله عز و جل في المقطع السابق مشاهد من يوم القيامة، و عظم ما يجري فيه ليصل السياق إلى قوله تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ و هي التي صب عليها السياق، و في ذلك تحذير للنفس البشرية أن تحضر شرا، و تهييج لها من أجل أن تحضر خيرا و لذلك صلته بالمحور: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ من حيث إن سياق سورة التكوير يهيج على الطاعة و العمل فكأن السياق العام بقوله: يا أيها الناس إنما أمرتم بالعبادة و التقوى لأنه إذا قامت القيامة و كان كذا و كذا عندئذ تجد كل نفس ما أحضرت فأحضروا العبادة و التقوى.
2- ورد في المحور قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ و قد جاء في سورة التكوير قوله تعالى: وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ* وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ* عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ و لهذا صلاته بالمحور.
3- و بعد المقطع الأول من سورة التكوير يأتي المقطع الثاني، و يبدأ بقسم و يأتي بعد ذلك جوابه إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أي: القرآن، ثم يسير السياق حتى يصب على قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ* لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ... فالمقطع الثاني يذكرنا بالقرآن و يذكرنا بالاستقامة، و في ذلك تحديد لمنهاج العمل، و أنه ينبغي أن يكون مستقيما على ضوء كتاب الله، و لذلك صلاته بالمحور:
فهناك ارتباط بين الاستقامة و بين العبادة و التقوى، و في المقطع تأكيد لكون القرآن من عند الله: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فلنر المقطع الثاني.
الاساس فى التفسير، ج11، ص: 6394
المقطع الثاني
و يمتد من الآية (15) إلى نهاية الآية (29) و هذا هو:
[سورة التكوير (81): الآيات 15 الى 29]
التفسير:
فَلا أُقْسِمُ أي: فأقسم بِالْخُنَّسِ أي: الرواجع
الْجَوارِ أي:
السيارة، الْكُنَّسِ أي: الغيب، و الراجح أن المراد بذلك الكواكب السيارة قال الألوسي: (و أخرج ابن أبي حاتم عن علي أنه قال: هي خمسة أنجم: زحل، و عطارد، و المشتري، و بهرام يعني: المريخ، و الزهرة. أقول: هذه كانت معروفة عندهم، و رجوعها و كناسها إما بالنسبة للإنسان في ليله و نهاره، أو أن المراد بذلك رجوعها في سيرها و مسارها بشكل دائب، و المراد بكناسها غيابها.
وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ أي: أقبل بظلامه،
وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ أي: إذا أضاء.
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ هذا جواب القسم. أي: إن القرآن لقول رسول كريم. أي: جبريل عليه السلام. قال النسفي: و إنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذي نزل به، قال ابن كثير: يعني إن هذا القرآن لتبيلغ رسول كريم أي: ملك شريف، حسن الخلق، بهي المنظر، و هو جبريل عليه الصلاة و السلام
ذِي قُوَّةٍ أي: قدرة على ما يكلف
الاساس فى التفسير، ج11، ص: 6395
لا يعجز عنه و لا يضعف، و قال ابن كثير: أي: شديد الخلق، شديد البطش و الفعل عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ أي: عند الله عز و جل، مَكِينٍ قال ابن كثير: أي: له مكانة عند الله عز و جل، و منزلة رفيعة،
مُطاعٍ ثَمَ أي: هناك. أي: في السموات يطيعه من فيها من الملأ الأعلى، قال ابن كثير: أي: في السموات يعني: ليس هو من أفراد الملائكة، بل هو من السادة و الأشراف معتنى به، انتخب لهذه الرسالة العظيمة أَمِينٍ أي: على الوحي أو متصف بصفة الأمانة بشكل مطلق، قال ابن كثير: و هذا عظيم جدا أن الرب عز و جل يزكي عبده و رسوله الملكي جبريل.
وَ ما صاحِبُكُمْ أي: محمد صلى الله عليه و سلم بِمَجْنُونٍ كما يزعم الكفرة
وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ أي: البين. قال ابن كثير: يعني و لقد رأى محمد جبريل- الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز و جل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح بالأفق المبين أي: البين و هي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء .. و فسر النسفي الأفق المبين بمطلع الشمس
وَ ما هُوَ أي: محمد صلى الله عليه و سلم عَلَى الْغَيْبِ أي: على الوحي بِضَنِينٍ أي: يبخل على الوحي، بل يبذله لكل أحد، و لا يقتصر في التبليغ و التعليم و منح كل ما هو مستعد له من العلوم
وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ أي: طريد، أي: ليس هو بقول بعض المسترقة للسمع مما يوحونه إلى أوليائهم من الكهنة
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ قال ابن كثير: أي: فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره و وضوحه، و بيان كونه حقا من عند الله عز و جل ... و قال قتادة: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ أي: عن كتاب الله عز و جل و عن طاعته
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ قال النسفي: أي:
ما القرآن إلا عظة للخلق. و قال ابن كثير: أي: هذا القرآن ذكر لجميع الناس، يتذكرون به و يتعظون
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ . قال النسفي: أي: القرآن تذكرة لمن شاء الاستقامة، يعني أن الذين شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر فكأنه لم يوعظ به غيرهم و إن كانوا موعوظين جميعا. و قال ابن كثير:
أي: لمن أراد الهداية فعليه بهذا القرآن
وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أي: و ما تشاءون الاستقامة إلا أن يشاء الله مالك الخلق. و قال ابن كثير: (أي:
ليست المشيئة موكولة إليكم فمن شاء اهتدى و من شاء ضل، بل ذلك كله تابع لمشيئة الله رب العالمين. قال سفيان الثوري عن سليمان بن موسى: لما نزلت هذه الآية لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ قال أبو جهل: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا و إن شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ). أقول: و من سبب
الاساس فى التفسير، ج11، ص: 6396
نزول هذه الآية ندرك نقطة رئيسية في القضية التي حيرت الكثير، و هي ارتباط المشيئة البشرية بالمشيئة الإلهية. و الخلاصة في هذا الموضوع: إن كل شىء بمشيئة الله عز و جل، و هذا لا يتنافى مع اختيار الإنسان، كما رأينا في أكثر من مكان، فإذا أضل الله أضل عدلا، و إذا هدى يهدي فضلا، و لولا أن كل شىء بمشيئة الله عز و جل لكان الله عز و جل مقهورا بالمعصية، و هذا لا يكون، و من ثم كان كل شىء بمشيئته، و هذا لا يعني الإجبار، فقد علم و أراد، و أبرز بقدرته، و العلم كاشف لا مجبر، علم ماذا سيفعل فلان فأراده فأبرزه بقدرته.
كلمة في السياق:
1- هناك صلة بين العبادة و معرفة أن التوفيق بيد الله عز و جل: و لذلك نقول في كل صلاة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ و هناك صلة بين العمل و الاستقامة و في الحديث: «قل آمنت بالله ثم استقم» فهناك صلة إذن بين قوله تعالى في المقطع: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ .. و بين قوله تعالى في المحور:
2- جاءت في المقطع ثلاثة أقسام (جمع قسم) على قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ فالأقسام مؤكدة، و الآية فيها تأكيدان (إن) (و اللام) فخمسة مؤكدات تنصب على أن هذا القرآن من عند الله، و ذلك- في العادة- يكون إذا كان المخاطب عنده شك، و من هنا ندرك العلاقة بين هذه الآيات و آيات المحور: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فالآيات تؤكد أن هذا القرآن من عند الله، و تلاحق الريب: وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ* وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ* وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ و هناك قراءة بالظاء وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ أي: بمتهم، فالمقطع بين أن الثقة بهذا القرآن ينبغي ألا يكون لها حدود، فجبريل الأمين هو الذي نقله عن الله عز و جل لمحمد الأمين، غير المتهم على الوحي، و غير البخيل به. فالسورة بمجموعها هيجت على العبادة و التقوى و الاستقامة، و معرفة الله عز و جل، و العمل الصالح، و ذكرت الشيئين الأساسيين اللذين ينبثق عنهما هذا كله: مجىء يوم القيامة، و الثقة بهذا القرآن.
الاساس فى التفسير، ج11، ص: 6397
الفوائد:
1- ذكر المقطع الأول من سورة التكوير اثني عشر مشهدا من مشاهد يوم القيامة، فزعم بعضهم أن ستة من هذه المشاهد تكون في الدنيا قبيل يوم القيامة، و ستة تكون بعد يوم القيامة، و نسبوا هذا القول إلى بعض الأئمة، و هو قول متهافت، فكيف يصح أن يكون تكوير الشمس و انكدار النجوم متقدما على يوم القيامة؟ فإما أن السند غير صحيح إلى راويه، و إما أن يكون عند راويه فهم خاطىء.
2- بمناسبة قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قال ابن كثير: (روى البخاري: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم: «الشمس و القمر يكوران يوم القيامة» انفرد به البخاري، و هذا لفظه، و إنما أخرجه في كتاب بدء الخلق).
و قال صاحب الظلال: (إن تكوير الشمس قد يعني برودتها، و انطفاء شعلتها، و انكماش ألسنتها الملتهبة التي تمتد من جوانبها كلها الآن إلى ألوف الأميال حولها في الفضاء. كما يتبدى هذا من المراصد في وقت الكسوف. و استحالتها من الغارية المنطلقة بتأثير الحرارة الشديدة التي تبلغ 12000 درجة، و التي تحول جميع المواد التي تتكون منها الشمس إلى غازات منطلقة ملتهبة ... استحالتها من هذه الحالة إلى حالة تجمد كقشرة الأرض، و تكور لا ألسنة له و لا امتداد!.
قد يكون هذا، و قد يكون غيره .. أما كيف يقع، و العوامل التي تسبب وقوعه، فعلم ذلك عند الله.)
أقول: سيكون هذا يوم ينفخ في الصور، و يجمع الشمس و القمر.
3- بمناسبة قوله تعالى وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ قال صاحب الظلال:
(و انكدار النجوم قد يكون معناه انتثارها من هذا النظام الذي يربطها، و انطفاء شعلتها و إظلام ضوئها .. و الله أعلم ماهي النجوم التي يصيبها هذا الحادث. و هل هي طائفة من النجوم القريبة منا .. مجموعتنا الشمسية مثلا. أو مجرتنا هذه التي تبلغ مئات الملايين من النجوم .. أم هي النجوم جميعها و التي لا يعلم عددها و مواضعها إلا الله؟. فوراء ما نرى منها بمراصدنا مجرات و فضاءات لها، لا نعرف لها عددا و لا نهاية، فهناك نجوم سيصيبها الانكدار كما يقرر هذا الخبر الصادق الذي لا يعلم حقيقته إلا الله ..)
الاساس فى التفسير، ج11، ص: 6398
أقول: النجوم ههنا جنسها، فالنجوم كلها في مجرات هذا الكون تنكدر يوم القيامة فيجمع بعضها إلى بعضه كما قال تعالى يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ فكما كان الكون كله نقطة واحدة ثم تمدد فإنه يعود كذلك و الله أعلم.
4- و بمناسبة قوله تعالى وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ قال صاحب الظلال: (و أما تسجير البحار فقد يكون ملؤها بالمياه .. و إما أن يكون معناه التهابها و انفجارها كما قال تعالى في موضع آخر: وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ فتفجير عناصرها، و انفصال الأيدروجين عن الأكسوجين فيها، أو تفجير ذراتها على نحو ما يقع في تفجير الذرة،- و هو أشد هولا- أو على أي نحو آخر. و حين يقع هذا فإن نيرانا هائلة لا يتصور مداها، تنطلق من البحار. فإن تفجير قدر محدود من الذرات في القنبلة الذرية أو الأيدروجينية يحدث هذا الهول الذي عرفته الدنيا؛ فإذا انفجرت ذرات البحار على هذا النحو أو نحو آخر، فإن الإدراك البشري يعجز عن تصور هذا الهول!).
أقول: الاتجاهات كثيرة في تفسير قوله تعالى وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ، و هل التسجير هنا هو التفجير الوارد في سورة الانفطار؟ و الذي أذهب إليه أن التفجير يسبق التسجير، فالبحار ينفتح ماؤها على بعضه في مرحلة ثم يحدث شىء آخر هو التسجير الذي هو الملء و الله أعلم.
5- فسر بعضهم وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ بأن البحر هو الذي يكون جهنم، و هذا في رأيي خطأ، لأن الأحاديث تذكر أن الناس و هم في الموقف يؤتى بنار جهنم لها سبعون ألف زمام يجرها .. مما يشير إلى أن النار هذا السجن الضخم الهائل موجود حاليا في مكان ما، و يؤتى بها إلى المحشر، فالذي نرجحه أن تسجير البحار يكون واحدا مما يحدث حتى تكون الأرض كلها كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد كما ورد في الحديث، و ذلك كأن تمتلىء بلابة باطن الأرض.
6- بمناسبة قوله تعالى وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ذكر الألوسي تحقيقا طويلا حول مآل الأطفال يوم القيامة، و ختم كلامه بقوله: (و الذي أختاره: القول بأن الأطفال مطلقا، و كذا فرخ الزنا، و من جن قبل البلوغ في الجنة، فهو الأخلق بكرم الله تعالى و واسع رحمته عز و جل، و الأوفق للحكمة بحسب الظاهر، و الأكثر تأييدا بالآيات، و لا بعد في ترجح الأخبار الدالة على ذلك بما ذكر على الأخبار الدالة على
الاساس فى التفسير، ج11، ص: 6399
خلافه، و القول بأن ما تضمنته هاتيك الأخبار كان منه عليه الصلاة و السلام- قبل علمه صلى الله تعالى عليه و سلم بأن الأطفال في الجنة- بعيد عندي، نعم جوز أن يكون قد أخبر صلى الله تعالى عليه و سلم بأنهم من أهل النار، بناء على إخبار الوحي به، كإخباره بالوعيدات التي يعفو الله تعالى عنها من حيث إنه مقيد بشرط، كأن لم يشملهم الفضل مثلا لكنه لم يذكر معه كما لم يذكر معها لحكمة، ثم أخبر عليه الصلاة و السلام بأنهم من أهل الجنة؛ بناء على إخبار الوحي به أيضا، و يكون متضمنا للإخبار بأن شرط كونهم من أهل النار لا يتحقق، فضلا من الله تعالى و كرما، و يكون ذلك كالعفو عما يقتضيه الوعيد، و مثل ذلك إخباره بما ذكر بناء على مشاهدة كونهم في الجنة عند إبراهيم عليه السلام فتأمل).
7- هناك قراءتان في قوله تعالى: وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ القراءة الأولى بالضاد و الثانية بالظاء أي: وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ أي: بمتهم و قد فرق عامة المفسرين بين كلمتي (الضنين) و (الظنين) كما رأينا، و قال سفيان بن عيينة: ظنين و ضنين سواء، و على هذا القول فهناك صلة بين البخل و التهمة، فلا محمد صلى الله عليه و سلم متهما في أمر البلاغ، و لا بخيلا به.
8- بمناسبة قوله تعالى: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ قال ابن كثير: (كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين و أمرهم فتلوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة الكذاب- الذي هو في غاية الهذيان و الركاكة- فقال: و يحكم أين تذهب عقولكم؟ و الله إن هذا الكلام لم يخرج من إل أي: من إله).
9- بمناسبة قوله تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قال صاحب الظلال: (و ذلك كي لا يفهموا أن مشيئتهم منفصلة عن المشيئة الكبرى، التي يرجع إليها كل أمر. فإعطاؤهم حرية الاختيار، و يسر الاهتداء، إنما يرجع إلى تلك المشيئة. المحيطة بكل شىء كان أو يكون.